تزايد الوجود العسكري الروسي شمال شرقي سوريا.. ماذا وراءه؟

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تؤشر التحركات الروسية شمال شرقي سوريا على تعاملها مع المنطقة على أنها قطعة نفوذ عسكرية جديدة أصبحت تتبعها.

يدلل على ذلك تسارع التقارب الروسي مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تسيطر على غالبية جغرافية شمال شرقي البلاد، والتي أفسحت المجال لزيادة موسكو ترسانتها العسكرية هناك.

واللافت أن زيادة موسكو نفوذها العسكري في المناطق الحدودية مع تركيا، يأتي وسط استعداد أنقرة لشن عملية عسكرية واسعة ضد مدن إستراتيجية تسيطر عليها فروع حزب العمال الكردستاني المتشدد (بي كا كا) ممثلة بقوات "ي ب ج" العمود الفقري لقوات "قسد" المدعومة من التحالف الدولي.

وتعد "ي ب ج" الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، والأخير هو الفرع السوري من "بي كا كا" الموجود جنوبي تركيا وشمالي العراق.

زخم عسكري

وضمن إطار إثبات القوة العسكرية الروسية شمال شرقي سوريا، عمدت موسكو إلى نشر مقاتلات من طراز "سو-35 إس" لأول مرة في مطار مدينة قامشلي في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

وتتخذ روسيا من قاعدة مطار القامشلي المدني شرق سوريا والتابع لمحافظة الحسكة الحدودية مع تركيا، مركزا لقواتها، وهي الأضخم والأكثر لوجستيا وفاعلية هناك.

وتمتلك طائرات"سو-35 إس" قدرة على تدمير الأهداف في الهواء وعلى الأرض وفي الماء، ولديها إمكانية حمل ما يصل إلى ثمانية أطنان من الصواريخ والقنابل من مختلف الفئات مع توجيه الليزر والأقمار الصناعية.

ويمكن أن تصل سرعة طائرات الجيل "4 ++" إلى 2500 كيلومتر في الساعة، بالإضافة إلى ذلك فهي مجهزة بإلكترونيات الطيران الحديثة، ورادار معدل (محطة رادار)، وخلال الرحلة تتصرف "بذكاء" وقادرة على المناورة، وفق تقرير لوكالة سبوتنيك نشرته أواخر سبتمبر/أيلول 2021.

ورجح بعض المراقبين أن موسكو بهذه الخطوة "تبعث إشارة" إلى أنقرة، وسط بوادر عملية عسكرية جديدة قد تشنها تركيا ضد قوات قسد في شمال شرق سوريا.

وبحسب وكالة "آنا" الروسية فإن قوات موسكو ستنشر 12 طائرة هليكوبتر من طراز mi-8 بالإضافة إلى 5 طائرات من طراز ka-52، في مطار قرية متراس.

وقرية متراس تابعة لناحية صرين على بعد 30 كيلومترا جنوب عين العرب بريف حلب الخاضعة لقسد.

وكذلك سيتم إعادة نشر 12 قاذفة من طراز Su-34 في مطار القامشلي، وفق ذات المصدر.

وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 نقلت موسكو منظومات دفاع جوي من قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية إلى مطار القامشلي.

وكذلك طائرات هليكوبتر قتالية من طراز "Mi8" و"Mi-35"، كما تحتوي القاعدة بداخلها على مركبات مدرعة وأطقم دعم أرضي ومحطة أرصاد وعيادة طبية صغيرة.

وحاليا تعد قاعدة القامشلي هي ثالث قاعدة كبيرة لروسيا في سوريا إلى جانب قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية.

وتواترت معلومات حول استئجار موسكو من النظام السوري للمطار الذي يقع على بعد بضعة كيلومترات من الحدود مع تركيا، وذلك لمدة 49 عاما أي بنفس شروط المدة الزمنية للقاعدتين المذكورتين.

وفسّر حينها على أن استئجار المطار يدخل ضمن إستراتيجية موسكو للبقاء الطويل في سوريا، ومصالحها الجيوسياسية المستقبلية في الشرق الأوسط.

رسالة لتركيا

وشمل التحرك الروسي الثاني قرب الحدود التركية أخيرا، إجراء المروحيات القتالية التابعة للجيش الروسي مناورات وتدريبات عسكرية مكثفة مع قوات النظام السوري، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021، في منطقة تل تمر شمال غرب الحسكة.

وركزت المناورات الروسية التي جرى تنسيقها مع فروع بي كا كا" في سوريا على مكافحة الطائرات بدون طيار الهجومية، وفق وكالة "آنا".

وجاءت المناورات العسكرية الجوية ضمن مساعي روسيا للحفاظ على حالة خفض التصعيد، في مناطق التماس بين قوات قسد والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.

وسبقها تنفيذ مدرعات الشرطة العسكرية الروسية دوريات على طول الطريق الدولي الحسكة، حلب المعروف باسم "M4" في المقطع الممتد من القامشلي إلى بلدة تل تمر بريف الحسكة.

وبلدة تل تمر التي تسيطر عليها قوات قسد، سبق أن تحدث عنها الإعلام التركي، بأنها ضمن المناطق المحتملة للعملية العسكرية التركية، إلى جانب كل من مدن منبج وتل رفعت وعين العرب بريف حلب وعين عيسى شمال الرقة.

وتكمن أهمية تل تمر التي تبعد عن الشريط الحدودي مع تركيا قرابة 64 كيلومترا، ويقطنها أغلبية من المسيحيين الآشوريين، بوقوعها على الطريق الدولي "M4" القادم من حلب وصولا للحدود العراقية عند معبر "ربيعة" مرورا بالرقة والحسكة.

أما مدينة عين العرب فالسيطرة عليها من قبل تركيا، يعني قطع خط القامشلي، منبج التابع لفروع حزب العمال الكردستاني وضمان الربط المباشر بين مدينتي رأس العين وتل أبيض شمال الرقة اللتين تسيطر عليهما فصائل الجيش الوطني مع مناطق الأخير بريف حلب ضمن عملية درع الفرات.

وقدم الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، قراءة تحليلية للمناورات الروسية، واعتبر أنها بمثابة "رسالة لتركيا بأن روسيا باتت حاضرة في المشهد السوري بشكل كامل وخاصة أن المناورات جاءت بمحيط منطقة عملية نبع السلام".

وأطلقت تركيا في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 عملية "نبع السلام" وتركزت في محافظتي الحسكة والرقة، وجرى إبعاد قوات "ي ب ج" الكردية مسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية.

ورأى علوان ضمن فقرة مسجلة نشرها المركز في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أن المناورات "ربما ترقى لمستوى التنبيه بأنه لا يمكن الشروع بالعملية العسكرية التي تهدد بها تركيا إن لم تنسق بشكل كامل مع روسيا عسكريا وأمنيا إلى جانب التنسيق السياسي".

كما ألمح الباحث إلى أن المناورات الروسية "رسالة أيضا إلى قوات قسد التي ترعى موسكو تفاهماتها مع النظام السوري والهادفة لبناء تفاهمات شاملة يستفيد منها النظام".

ولفت علوان إلى أنه رغم أن "قسد هي الخاسر الأكبر مما يجرى شرق الفرات، لكن هذا ثمن التراجع الأميركي في الملف السوري الذي تتخوف منه قسد والذي أعلن أحد قادتها قبول التفاوض مع النظام السوري دون قيد أو شرط".

شراكة إستراتيجية

ما هو ملاحظ أن الزخم العسكري للترسانة الروسية يزداد حول مناطق شمال شرقي سوريا، التي تحوم حولها العملية العسكرية التركية المرتقبة لطرد فروع "بي كا كا" منها بدعم من الجيش الوطني السوري المتحالف مع أنقرة. 

وفي هذا الإطار أكدت صحيفة "تركيا غازيت" في تقرير 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن أنقرة تجهز أكثر من 35 ألف عسكري من المحتمل أن يشاركوا في عملية عسكرية شمالي سوريا.

وحسب الصحيفة، فقد جرى تبادل المعلومات حول تنسيق الجبهة الأمامية للعملية التي سيجرى تنفيذها مع قادة "الجيش الوطني السوري"، الذين عقدوا اجتماعا في أنقرة بخصوص العملية المرتقبة.

 كما جرى تحديد مواقع وأعداد الجنود الذين سيقاتلون في جبهات تل رفعت ومنبج وعين عيسى وتل تمر بريف الحسكة.

وكانت صحيفة "ملييت" التركية، ذكرت في تقرير لها 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن العملية التركية تهدف للسيطرة على عمق 30 كيلومترا في المنطقة الحدودية، بدءا من مدينتي تل أبيض ورأس العين بريف الرقة والخاضعتين للجيش الوطني السوري المعارض المدعوم تركيا، ووصولا إلى جرابلس بريف حلب والخط الحدودي مع العراق شرقا.

وعلى وقع الحضور العسكري الروسي تعمل روسيا على تكريس الاعتراف بقوات قسد ضمن صيغة مقبولة مبدئيا من النظام السوري تفرضها الوقائع الميدانية.

ويرى خبراء عسكريون أن وجود شراكة إستراتيجية بين روسيا وقسد لا سيما على المستوى العسكري، سيبدو واضحا في حال انتظام المناورات الروسية قرب الحدود التركية لاحقا.

وسعي قسد للتعامل مع السيناريوهات المحتملة كافة التي ستعصف بمناطق تواجدها شمال شرقي سوريا في حال أي انسحاب أميركي مفاجئ، أو اقتصاره على قواعد عسكرية ثابتة ربما بعيدا عن المدن، يفسر التحركات الروسية على أكثر من صعيد.

وفي هذا السياق، أوضح المحلل السوري حسن الشريف، لـ "الاستقلال"، أن "هناك تيارات داخل قوات قسد تختلف مواقفها حول مسألة الوجود الروسي شرق سوريا.

فمنهم من يراه بديلا للأميركان ويعمل على ذلك بمن فيهم قائد قسد "مظلوم عبدي"، وآخر هو ليس معارضا للتواجد الروسي لكن يريد العمل معهم بموافقة وقبول أميركي مسبق، وفق قوله.

وذهب للقول: "سيتم تسليم كثير من المناطق شرق سوريا من قسد للروس، وحاليا يوجد خط غاز ممتد من حقل كونيكو شرق دير الزور، الذي تتواجد فيه قوات أميركية، إلى مدينة الشدادي جنوب الحسكة".

وتجرى حول الخط مفاوضات لتولي موسكو مهمة الإشراف على حمايته عبر مليشيات محلية ليعود بالنفع على النظام السوري كي يغذي مصفاة حمص التابعة له.

عوائق محلية

وأضاف قائلا: "الشق الثاني هو حقول نفط تقع تحت سيطرة قسد في دير الزور، وهناك هدف تأمينها من قبل الروس، ويوجد ضوء أخضر أميركي بشرط عدم الاقتراب من القواعد العسكرية الكبرى لواشنطن في المنطقة كحقل العمر النفطي أكبر الحقول السورية".

ولفت الشريف إلى أن "التحركات الروسية شرق سوريا، هي نتيجة اجتماعات دورية بين قسد والضباط الروس في قاعدة حميميم الجوية بريف اللاذقية، إذ يجرى تطبيق ما يتم الاتفاق عليه ومنها بحث تشكيل فيلق خامس بدعم روسي بهدف حماية خطوط النفط".

ورغم أن التحرك الروسي شمال شرقي سوريا يبدو منفردا فإن إيران لا تغيب عن المشهد، وتبدو حاضرة بصمت.

وسبق أن كشفت إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية "مسد" وهو الذراع السياسي لقوات "قسد"، في مقابلة مع وكالة "رويترز" 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أنهم على "استعداد للحوار مع إيران".

وحول هذه الجزئية ألمح الشريف إلى "وجود متابعة إيرانية لكل المفاوضات الجارية بين الروس وقسد بشأن المنطقة".

وهم ينتظرون فرصة سانحة للدخول برعاية الروس لمناطق قسد وهذا مرتبط بوجود مباحثات سابقة بين إيران وقوات سوريا الديمقراطية رغم أنها لم تصل لنتائج مرضية لأنها ربما تؤدي لصدام مع الروس، وفق ما قال.

ولفت الشريف إلى أن "قسد تبحث عن الاعتراف الرسمي بها من قبل روسيا كقوة حتى ولو بالمشاركة مع النظام في مناطقها، لكن إلى الآن موسكو تتعامل معها كملف مصالحات قائم مثلها مثل ملفات درعا وحمص والغوطة الشرقية التي نفذت سابقا بشكل بطيء".

وختم بالقول: "رغم تنسق قسد أمنيا بشكل أكبر مع الروس، فإن العارض الوحيد الذي يواجه موسكو هو الأهالي الذين يرفضون بنسبة 90 بالمئة وجود الروس بمناطقهم لكونها ستؤدي بالنهاية لعودة النظام السوري من جديد إليها".