في ظل تقاربها مع واشنطن.. لماذا تحرص الهند على طمأنة روسيا؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تحرص الهند في الفترة الأخيرة على طمأنة روسيا بأن علاقاتها الثنائية المتطورة مع الولايات المتحدة "لا ينبغي أن تكون مصدر قلق لموسكو".

وأكد على هذا المعنى سفير الهند في موسكو، دي بالا فينكاتيش فارما، في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2021. 

من ناحية أخرى، صرح سفير نيودلهي بأنهم يؤيدون حلا سلميا للنزاع الحدودي مع بكين، وأن محادثاتهم معها مستمرة وأن الاجتماع المقبل على مستوى وزير الخارجية في وسط افتراضي سيتم على الأرجح بمشاركة كل من روسيا والهند والصين.

ويقول "مركز أنقرة لدراسة السياسات والأزمات" في مقال للكاتب جينك تامير: "هنا، يمكن ملاحظة أن روسيا تدخلت كوسيط في التوتر بين الهند والصين".

وعلى الناحية أخرى، يلاحظ أيضا أن الهند تحاول استخدام روسيا كعامل موازن في علاقاتها مع الولايات المتحدة وإستراتيجيتها ضد الصين.

 ولفهم أفضل، ينبغي تتبع التطورات التاريخية في السياسة الخارجية، يقول الكاتب.

عصفوران بحجر

واستدرك تامير: "جعلت الهند محاربة الإمبريالية والتضامن مع دول العالم الثالث أحد المبادئ الأساسية لسياستها الخارجية منذ عهد رئيس الوزراء جواهر لال نهرو الذي أسس حركة عدم الانحياز".

 لذلك طورت الهند ومنذ تسعينيات القرن الماضي، سياسة "التوجه للشرق" من أجل تحقيق التوازن في الصين.

وأضاف: غير أن الهند وصلت إلى مفترق طرق حيث عليها أن تختار بين "قطع العلاقات" أو "اختيار أحد التحالفات" في السياسة الخارجية. 

إذ بدأت إدارة نيودلهي تواجه صعوبة في الحفاظ على هذا التوازن بسبب التهديد الصيني المتزايد، خاصة وأنها كانت قد طورت سياسات بناءة ومتوازنة مع كل من روسيا والولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، أدى تولي نيودلهي دورا في تشكيل تحالف "كواد" -وهو حوار إستراتيجي غير رسمي بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند- إلى إثارة مخاوف روسيا حول تحول نيودلهي إلى المحور الغربي من خلال دخولها في تحالف شبيه بحلف شمال الأطلسي. 

على الناحية أخرى، أدركت الهند أنها لم تعد قادرة على محاربة الصين وحدها في المنطقة، الأمر الذي يعني أنها تحتاج إلى دعم الولايات المتحدة ووساطة روسيا.

ومع أن نيودلهي تحاول تطوير علاقات متوازنة مع كل من الولايات المتحدة وروسيا في سياساتها الإقليمية، فإنها تجد صعوبة للحفاظ على سياستها الخارجية المحايدة. 

إذ ليس من السهل فعل ذلك دون إزعاج البلدين المتنافسين. لذلك، تعمل الهند على زيادة اتصالاتها مع روسيا لتجنب سوء الفهم حول مشاركتها في تحالف كواد وإستراتيجيتها الصينية، وفقًا للكاتب التركي.

غير أنه يمكن القول بأن هذه الاجتماعات التي تعقد بانتظام من قبل وزيري الخارجية والدفاع الهندي والروسي، لها هدف آخر يتجاوز القضاء على سوء التفاهم بين البلدين. 

إذ يمكن تقييم هذه الاجتماعات والتقارب بين الهند وروسيا على أنها رسالة إلى كل من الولايات المتحدة والصين، يقول الكاتب.

وأوضح قائلا: فبينما تقول روسيا إنها ستستمر في بيع الأسلحة للهند، أهم منافس للصين في جبال الهيمالايا، تطالب نيودلهي بإدراج موسكو في آلية المشاورات الأمنية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

 لكن إدارة موسكو تظن أن دعوة نيودلهي جاءت بإشارة من واشنطن.

وتابع: بعبارة أخرى، تعتقد روسيا أن الهند لا تتحرك وفقا لمصالحها الخاصة، بل وفق أجندة الولايات المتحدة وإستراتيجيتها لحصار الصين. 

وفي هذا، يمكن القول إن القضية الكبرى التي تشغل روسيا، رغبة الولايات المتحدة في جعل الصين منافسًا في النظام الدولي من خلال تشكيل تحالف كواد.

 وبعبارة أخرى، لا ترغب روسيا أن تتحول الرباعية إلى جبهة "معادية للصين".

تقارب حذر

واستطرد تامير: كانت مسألة تحول كواد إلى تشكيل شبيه بحلف شمال الأطلسي "الناتو" واحدة من أكثر القضايا التي نوقشت في الصحافة الروسية. 

لكن نيودلهي وضحت سوء الفهم هذا قائلة: "إن كواد الذي أنشأ لمناقشة الأمن في المحيطين الهندي والهادئ وتجنب النزاعات المحتملة، ليس تشكيلا شبيها بحلف شمال الأطلسي".

وأضافت مؤكدة: "الهند لا تعمل بتوجيه من الولايات المتحدة ولا يمكن أن تدخل في محور الغرب". 

وهكذا، يلاحظ أن الهند تحاول استعادة الثقة في علاقاتها الثنائية مع روسيا، خاصة وأن هناك العديد من النقاط المشتركة بين البلدين في سياساتهما الآسيوية.

فمثلا، تتفق روسيا والهند على ضمان أمن أفغانستان ومنع الإرهاب، كما أن للدولتين تحفظات مماثلة بشأن التعاون مع حركة طالبان. 

غير أن إدارة الكرملين لا ترغب أن تقع أفغانستان تحت النفوذ الباكستاني. أي لا تريد أن تفقد السيطرة على كابول لصالح إسلام آباد أو بكين.

 لهذا، نرى أن روسيا أيضا تحتاج إلى التعاون مع الهند ضد كل من باكستان والصين، بحسب ما يراه الكاتب.

وتابع: من جانبها، تشعر الهند بأنها محاصرة من قبل الصين. 

لذلك، يمكن أن تطلب نيودلهي من روسيا أن تمنع الصين عنها أو توقفها أو تعرض عليها العمل معا في مواجهة بكين.

 خاصة وأن روسيا لن ترغب أن يكون للصين دور فعال في أفغانستان.

 وفي حال اختارت طالبان التعاون مع الصين، فستحتاج روسيا إلى الهند لموازنتها.

وختم تامير مقاله بأن روسيا تحاول أن تغير ميزان القوى من خلال تطوير علاقات التعاون مع أكبر منافس للصين وأقرب حليف للولايات المتحدة. 

أما الهند فتتقارب على الناحية الأخرى، من المحور الروسي الصيني، وهي في الوقت ذاته تتعاون مع الغرب والولايات المتحدة رغبة منها في أن تصبح قوة مركزية في المنطقة.

وقال: بعبارة أخرى، يعد تحالف روسيا والصين، هو الأهم الذي سيغير جميع الموازين في صراع القوى الدولي في المنطقة. 

ومع أن روسيا لن ترغب في مواجهة الصين، فإنها سترغب على الأقل في إزعاج الولايات المتحدة من خلال التقارب مع الهند.

 أما الهند فسترغب في إثارة غضب كل من الصين والولايات المتحدة من خلال التقارب مع روسيا، يخلص الكاتب.