"قنبلة موقوتة".. عزل أطفال تنظيم الدولة ينذر بقدوم كارثة

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خلّفت هزائم تنظيم الدولة في العراق وسوريا، آلاف الأطفال من أبناء عناصره يعيشون ظروفا مأساوية ومصيرا مجهولا، قد يجعل منهم "قنبلة موقوتة" قابلة للانفجار في أي لحظة، إذا تجاهلهم العالم في "مخيمات عزل" داخل  العراق وعلى حدوده الشمالية في سوريا.

وعلى الرغم من التحذيرات التي أطلقتها المنظمات الدولية المعنية بالأطفال وحقوق الإنسان من خطورة ظروفهم وما سترسمه من مستقبل مخيف لهم، إلا أن المجتمع الدولي لم يحرك ساكنا لحل أزمة "أبناء داعش" في العراق وسوريا.

بلدانهم ترفضهم

كشفت إحصائية للأمم المتحدة بعد دحر تنظيم الدولة في آخر معاقله، بقرية الباغوز شمال شرق سوريا، عن إحصائية تفيد بأن ألف طفل ينتمي آباؤهم للتنظيم أو على صلة به محتجزون في العراق، مؤكدة أن الكثير منهم مقيدون مع أمهات أصدرت المحاكم العراقية عقوبات بحقهن.

التقرير الأممي ذاته، أوضح أن نحو ثلاثة آلاف طفل ولدوا لأسر تنظيم الدولة تم وضعهم في مخيمات شمال شرقي سوريا الذي استقبل معظم الأشخاص الذين تدفقوا بشكل كبير فرارا من آخر معقل للتنظيم خلال الأسابيع الأخيرة.

وكثير من هؤلاء الأطفال، بحسب الأمم المتحدة، تبلغ أعمارهم الستة أعوام ويعيشون في ظروف مروعة، حتى أنهم أصبحوا يشكلون ضغوطا هائلة على مسؤولي المخيم الذين يجدون صعوبة كبيرة في توفير الطعام والمأوى ووضع سجلات دقيقة.

وباتت قضية الأطفال، تؤرق الكثير من الدول التي سافر مواطنوها إلى سوريا والعراق للانضمام إلى التنظيم، فباستثناء روسيا والشيشان، رفضت معظم البلدان عودتهم إلى بلدانهم.

وأعلنت السلطات الروسية، في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2018، أن 30 طفلا روسيا وأمهاتهم وصلوا إلى موسكو قادمين من بغداد، بعد أن كانوا في السجون العراقية لانتمائهن إلى تنظيم الدولة.

وقال مصدر دبلوماسي روسي، إن آباء الأطفال والذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وعشر سنوات قتلوا في الحرب ضد التنظيم والتي استمرت في العراق على مدى ثلاثة أعوام.

وفي السياق ذاته، أعلن رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف عبر حسابه على "تليغرام"، أن طائرة الطوارئ الروسية هبطت في مطار زوكوفسكي في موسكو.

وأكد قديروف أن وصولهم "هو دليل قاطع على التزام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالمهمة التي حددها لإنقاذ النساء والأطفال الروس من العراق"، لافتا إلى أأنه من بين الأطفال 24 من داغستان وثلاثة من الشيشان.

ووفقا لتقديرات أجهزة الأمن الروسية، سافر آلاف الروس للانضمام إلى تنظيم الدولة في سوريا والعراق، ومنهم من اصطحبوا معهم أفراد عائلاتهم.

ومنذ العام الماضي، عاد نحو 100 امرأة وطفل، معظمهم من القوقاز ذو الأغلبية المسلمة في روسيا، في إطار برنامج وضعه قديروف.

وحكم على أكثر من 300 شخص في الأشهر الأخيرة، بينهم حوالي 100 أجنبي بأحكام الإعدام، وحكم على آخرين بالسجن المؤبد بتهمة الانتماء إلى التنظيم.

واتهمت الناشطة الشيشانية خيدا ساراتوفا جهاز الأمن الروسي في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بإعاقة محاولات إعادة الأرامل المتبقين وأطفال مقاتلي تنظيم الدولة الروس من العراق.

دعوات لانقاذهم

وحول مستقبل الأطفال الذي حاربوا في صفوف التنظيم وكيفية التعامل معهم، قال رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، إنه "إذا فهمنا ما هو تنظيم الدولة وكيف ينتج نفسه، نستطيع أن نتعامل مع أطفاله بشكل يختلف عن التعامل مع أي قاصر أو حدث".

وأضاف عبد المهدي في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية، في 6 أيار/ مايو الجاري، إنه "إذا ما أريد فعلا القضاء على تنظيم الدولة، علينا أن نتحد جميعا، مسلمين ومسيحيين، أوروبيين وغربيين وغير ذلك، في تطويق هذه المجتمعات الداعشية لأنها تستطيع إعادة إنتاج نفسها".

ويرى مختصون، أن دمج هؤلاء الأطفال بالمجتمع يتطلب شجاعة سياسية والتزاما. كونهم أطفالا لكنهم نشأوا في بيئة أعدتهم كمقاتلين، وربما تعلم البعض منهم فنون القتال فعلا.

وأحصت منظمة "أنقذوا الأطفال" (Save the Children)، أكثر من 2500 طفل أجنبي من نحو 30 جنسية مختلفة يعيشون في مخيمات للاجئين شمال شرق سوريا.

هؤلاء الأطفال الذين لهم صلات مع تنظيم الدولة يعيشون منفصلين عن باقي اللاجئين، تؤكد هذه المنظمة العالمية التي تعنى بإنقاذ الأطفال بصفة عامة وبأطفال المتورطين في جرائم إرهاب ضمن ما يعرف بتنظيم الدولة.

ودعت المنظمة المجتمع الدولي إلى الالتفات لهذه الشريحة، مؤكدة أن بعض الأطفال لا تزيد أعمارهم عن أيام وأسابيع.

وجاء في تقرير نشرته المنظمة في فبراير/شباط الماضي، أنه "مع أن السلطات في شمال شرق سوريا تواظب على توفير ما يجب لهؤلاء الأطفال، فإن فصل الشتاء القاسي جعل ظروف العيش في المخيمات يائسة، وحياة الأطفال معرضة لعدة مخاطر".

وتوجد المنظمة في ثلاثة مخيمات، وتعمل على توفير الدعم الضروري للأطفال، لكنها تشير إلى أن "هناك حاجة عاجلة للمزيد من الوقاية المتخصصة ولخدمات الصحة والتغذية، إضافة إلى التكافل النفسي الذي من شأنه أن يساعد الأطفال على التعافي من التجارب الصادمة التي عاشوها".

وقالت مديرة مكتب سوريا لمنظمة "أنقذوا الأطفال"، سونيا كوش: إن "جميع الأطفال الذين لديهم روابط فعلية أو متصورة مع تنظيم الدولة هم ضحايا هذا الصراع ويجب معاملتهم على هذا الأساس. يجب على جميع الدول التي لديها مواطنون عالقون في سوريا تحمل مسؤولية مواطنيها".

وأردفت: "على الرغم من أن بعض الدول بدأت تقوم بدورها في هذا الخصوص، إلا أن هناك دولا أخرى بما فيها أوروبية، لم تبدأ باتخاذ خطوات لضمان سلامة هؤلاء الأطفال وعائلاتهم"، وهو وفق المنظمة "أمر غير مقبول".

ولفتت كوش إلى أن "هؤلاء الأطفال عاشوا في الصراع والقصف والحرمان الشديد، كالملايين من الأطفال السوريين، إنهم بحاجة لمساعدة متخصصة للتعافي من تجاربهم والعودة للحياة الطبيعية مع عائلاتهم، وهذا مستحيل في مخيمات النازحين المكتظة والموجودة في منطقة صراع غير مستقرة، يجب على المجتمع الدولي التصرف الآن قبل فوات الأوان".

"قنبلة موقوتة"

نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية تقريرا الأربعاء الماضي، قالت فيه: إن 45 ألف طفل ولدوا في مناطق كان يسيطر عليها تنظيم الدولة أصبحوا يشكلون "قنبلة موقوتة" في العراق.

وقال التقرير، إن هؤلاء الأطفال حرموا من المواطنة لأنهم ولدوا في مناطق كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة، وهو ما قد يدفعهم ليكونوا انتحاريين في المستقبل، حسب تحذير مسؤول مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي.

فهؤلاء الأطفال يحملون شهادات ميلاد صادرة عن تنظيم الدولة قبل سقوط "خلافته"، ولكن هذه الوثائق أصبحت بلا قيمة عند السلطات العراقية، وهو ما يعني أن الأطفال قد يحرمون من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكذا من العمل ومن عقود الزواج عندما يكبرون، بحسب الصحيفة.

وذكرت أن التقارير تقدر عدد الأطفال الذين لا يحملون أي جنسية في العراق بـ45 ألفا. وتفيد التقارير أيضا بأن هذا العدد قد يتضاعف في القريب العاجل لأن ما يربو عن 30 ألف عراقي عادوا من مخيمات اللاجئين في سوريا.

وسجلت المنظمات الحقوقية، حسب الصحيفة، عددا من الأطفال حرموا من الجنسية في سوريا أيضا.

وأوضحت الصحيفة، أن "100 ألف شخص وضعتهم الحكومة العراقية على القوائم السوداء، لأنها تشتبه في أن لهم علاقات مع تنظيم الدولة، وبالتالي سيجدون صعوبة في الحصول على وثائق هوية لأولادهم".

ونقلت عن خبير علم الاجتماع الفرنسي الإيراني، فرهاد خوسروخبار، قوله: إن "الحكومة العراقية تتعمد حرمان الأطفال من هوياتهم لأنها "لا تريد منح وثائق هوية لمن هم سنة ولا يملكون وثائق".

وعلى النحو ذاته، حذر النائب العراقي السابق، مشعان الجبوري من ظهور نسخة رابعة من "التنظيمات المتطرفة" في العراق، بسبب عزل واحتجاز الآلاف من أطفال عناصر تنظيم الدولة في المخيمات.

وقال الجبوري في حديث تلفزيوني: إن "عمليات عزل غير مقبولة تجري في مخيمات لعائلات يشتبه بانتماء أبنائهم لتنظيم الدولة، يترك أولادهم في هذه المخيمات بعزلة في ظروف سيئة".

وحذر النائب السابق، من تكرار تجربة حركة طالبان الأفغانية، بالقول: "هؤلاء الأطفال أعدادهم بالآلاف يعيشون في هذه المخيمات بحالة عزلة ومعلميهم أيضا من العائلات المشتبه بانتمائهم لتنظيم الدولة، يعيشون ظروفا سيئة جدا ستخلق منهم أشخاصا متطرفين يناهضون المجتمع والدولة، وسيشكلون تنظيما كما حصل في مخيمات النزوح في بيشاور الباكستانية".

"مخيمات العزل"

وكان النائب الجبوري نفسه، قد أقام دعوى قضائية بوقت سابق أدت إلى إلغاء قرار مجلس محافظة صلاح الدين، الذي يقضي بعزل عائلات مقاتلي تنظيم الدولة، في مخيمات "الشهامة" بأطراف مدينة تكريت مركز المحافظة.

لكن أحمد عبد الكريم رئيس مجلس محافظة صلاح الدين، ينفي وجود قرار رسمي ساري المفعول باحتجاز عائلات مقاتلي تنظيم الدولة.

ونشرت وسائل الإعلام العراقية حينها، بناء على تصريحات من أعضاء مجلس المحافظة، أن مدة الترحيل كانت لا تقل عن عشر سنوات.

وانتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان، القرار عند إعلانه، لكن رغم إلغائه رسميا، ما تزال عمليات الاحتجاز متواصلة.

حال الأطفال من بقايا "خلافة تنظيم الدولة" في مخيم الشهامة لا يختلف من مأساة إلى أخرى، إذ يقف أحمد هشام (11 عاما) على عكازته متحدثا بألم عن واقع حياته وعائلته في المخيم، بالقول: "عيشتنا جحيم في جحيم.. متى عشنا مرتاحين.. كل حياتنا قصف وقتل.. جاؤوا بنا إلى هنا".

وفي مقابلة تلفزيونية، أضاف بحسرة: "كل أفراد هذا المخيم لم يعيشوا يوما واحدا مرتاحين في حياتهم.. أقتلونا وخلصونا.. أو أخرجونا من هنا.. لا نريد أن نبقى هنا إلى الأبد، إلى أين نذهب؟".

لا يختلف حال العائلات في مخيم الشهامة في تكريت عن باقي المحافظات، ففي محافظة الأنبار، اختارت الحكومة العراقية قضاء "عامرية الصمود"، ليكون ساحة لمعظم مخيمات النازحين، ولعائلات مقاتلي تنظيم الدولة أيضا.

"عامرية الصمود" هو القضاء الوحيد في المحافظة الذي لم يسقط بأيدي تنظيم الدولة. كان في السابق يسمى "عامرية الفلوجة".

وقال رئيس المجلس المحلي للقضاء شاكر العيساوي: إن "عائلات مقاتلي تنظيم الدولة لا تشكل أكثر من 5 في المئة من مجموع العائلات النازحة هناك".

وأكد العيساوي، أن المجلس المحلي طالب القوات الأمنية بإعادة العائلات إلى مناطقها، على أن "تكون تحت المراقبة". لكن ذلك لم يحدث.

وفي الموصل، أصدر مجلس محافظة نينوى قرارا بترحيل كل من له علاقة بتنظيم الدولة. وسريعا، عزلت عائلات مقاتلي التنظيم في مخيم السلامية في قضاء تلعفر. استقبل المخيم نحو 1800 أسرة.

ولا يوجد في أعين المنظمات الحقوقية، أساس قانوني لاحتجاز عائلات مقاتلي تنظيم الدولة، إذ تقول بلقيس ويلي كبيرة باحثي هيومن رايتس ووتش في العراق: "راقبنا لشهور كيف تعاملت السلطات العراقية مع هذه العائلات. ما يمكننا قوله هو أنه لا أحد يملك الحق في احتجازها سواء في مخيمات أو سجون".

بالنسبة لويلي، هذه العائلات غير مدانة بأية جريمة وفق النظام القضائي العراقي لذا لا مبرر لاستمرار احتجازها، لافتة إلى أن "جريمتهم الوحيدة أنهم أبناء لمقاتلين من تنظيم الدولة أو زوجات لهم".

ما دور الحكومة؟

لكن الحكومة العراقية تنظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة: "هذه المخيمات تحمي العائلات"، فقد أكد سعد معن الناطق باسم وزارة الداخلية،: إن "هدف الحكومة الأول هو الحفاظ على أرواحهم".

وأضاف: "لا ننسى أن هناك الكثير من النزاعات والمشاكل وعمليات الثأر في الكثير من المناطق المحررة، بل إن الكثير من العشائر لا تتقبل عودة هذه العوائل الى مناطقها".

في حين، يعتقد سعد الخالدي، رئيس المركز العراقي لمهارات التفاوض وفن النزاع، أن "استمرار عمليات الاحتجاز سيؤدي حتما إلى خلق المزيد من المتطرفين".

ما يحدث الآن ليس جديدا. يستعيد الخالدي ما وقع في سجني بوكا وأبو غريب، "حيث زج بالكثير من المواطنين العاديين إلى جانب متطرفين، فتم تجنيدهم بسهولة.. عزل هؤلاء الناس بمخيم سوف يساعد على نشوء تنظيمات أخرى متطرفة مستقبلا".

بدورها، تطالب ندى الجبوري رئيسة منظمة "المرأة والمستقبل"، الحكومة العراقية بـ"تحمل مسؤوليتها في النظر لمعاناة الكثير من هذه العائلات بدلا من تحمليها وزر أحد أفرادها".

بالنسبة للجبوري، وحده الاهتمام بهذه العائلات وأطفالها يشكل "استثمارا جيدا لمستقبل أكثر سلاما" في العراق.

أما الخبير القانوني المعروف طارق حرب، فيقول: إن "القوانين التي أصدرتها الحكومات المحلية (بحجز عائلات معتقلي تنظيم الدولة) ليس لها سند تشريعي أو إنساني".

وأكد حرب: "احتجاز عائلة إرهابي، بحجة أنها قد تكون إرهابية بالمستقبل، يلحق الظلم بمواطن عراقي بريء".

في المقابل، يقر جاسم العطية وكيل وزير الهجرة والمهجرين بوجود تقصير في التعامل مع ملف عائلات مقاتلي تنظيم الدولة. لكنه يؤكد سعي وزارته لتحسين الوضع.

وأردف قائلا: "شخصيا لست مع احتجاز هذه العائلات"، مضيفا: "بصراحة، هناك تقصير في باب التأهيل. أرسل بشكل شخصي رجال دين يصفون لهم الإسلام الحقيقي، فهو ليس القتل والحروب. وهذا غير كافٍ، إذ علينا أن نوجههم لنسيان الماضي وجعلهم فاعلين في المستقبل، لا عزلهم".

وعلى نحو آخر، أعلن المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى في العراق، الأحد الماضي، رفضه ضم أطفال النساء الإيزيديات اللائي تم خطفهن واغتصابهن من عناصر تنظيم الدولة إلى الطائفة، بعد أسبوع على ترحيبه بعودة الناجين من قبضة الجهاديين واعتبار ما جرى بحقهم "خارجا عن إرادتهم".