"ابتزاز واضح".. هكذا يضيق نظام الأسد الخناق على أهالي درعا عقب التسويات

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع انتهاء النظام السوري من ملف محافظة درعا وإخضاعها لنفوذه عبر اتفاق تسوية جديد فرضه على الأهالي أواخر أغسطس/آب 2021، انتقل للمرحلة الثانية وهي التضييق عليهم اقتصاديا وأمنيا.

واتبع النظام تكتيك العقاب الاقتصادي على الأهالي والضغط الأمني على الفئات المدنية والعسكرية المعارضة للنظام الموجودة في درعا وريفها، من أجل إنهاء ملف التسويات بشكل كامل.

جمع السلاح

ركز نظام بشار الأسد عقب إخضاع أحياء "درعا البلد" لسيطرته أواخر أغسطس/آب 2021 بعد اتفاق مع الأهالي تحت تهديد التهجير إلى إنهاء ملف عناصر المعارضة المنتشرين في عدة بلدات بريف درعا ويمتلكون أسلحة خفيفة.

ومنذ مطلع سبتمبر/أيلول 2021 أطلقت اللجنة الأمنية التابعة للنظام حملة لجمع السلاح والتأكد من خضوع جميع الشباب والمطلوبين في درعا لـ"قوائم التسوية".

 واشترطت اللجنة لإجراء تسويات لمقاتلي المعارضة السابقين تسليم بندقية رشاشة "كلاشينكوف" لمراكز التسوية، وفي حال تعذر إحضار السلاح يتوجب دفع مبلغ مالي عوضا عن السلاح.

ويشرف رئيس اللجنة الأمنية التابعة للنظام اللواء حسام لوقا بنفسه على سحب السلاح من أهالي محافظة درعا الواقعة جنوب سوريا، وهي ملاصقة مع الحدود الأردنية، وتبعد عن العاصمة دمشق 120 كم.

واللافت في محافظة درعا هو إطلاق النظام بصمت روسي يد الأجهزة الأمنية ضد الأهالي العزل، تحت حجة جمع السلاح، التي يرافقها عمليات تضييق واسعة ذات أوجه متعددة، كما يؤكد أهالي درعا.

ومن أساليب التضييق على الأهالي قيام حواجز الأجهزة الأمنية الموجودة على مداخل المدن والطرق الرئيسة منذ سبتمبر/أيلول 2021 بتكثيف حملات الاعتقال بحق أبناء درعا، إضافة لقيام مخابرات الأسد بتنفيذ عمليات دهم للمنازل وتفتيشها وفق ما أكد "تجمع أحرار حوارن".

تضييق ممنهج

وأثبتت الوقائع الميدانية أن النظام لجأ إلى التضييق على أهالي درعا، وقد أكد ذلك الصحفي المختص بأخبار المنطقة الجنوبية، محمد الزعبي.

وقال الزعبي لـ"الاستقلال" إن "نظام الأسد استغل مسألة تفشي فيروس كورونا عبر فرض مبلغ مالي مليون ليرة سورية (285 دولارا) من أجل إجراء مسحة للكشف عن إصابة الشخص من عدمه، وهذا أمر مرهق لجيوب الأهالي".

وأشار إلى أن "أسعار المواد الغذائية عادت للارتفاع بشكل كبير أسوة بمناطق النظام الأخرى، يرافقه جمود في حركة الأسواق نتيجة قلة الدخل بين الأهالي الذين تعطلت أعمالهم بسبب التسويات الجديدة وعدم توفر الغاز والمحروقات".

واستدرك موضحا أن "سعر جرة الغاز المنزلي إن وجدت تبلغ نحو 100 ألف ليرة سورية (28 دولارا) والتي تعادل راتب موظف حكومي لشهر ونصف".

وركز الزعبي على "مسألة لجوء النظام السوري إلى إجبار شباب درعا ممن يجرون تسويات أمنية مع فروع المخابرات على دفع إتاوات مالية لإبرام التسوية وحصول الشاب على ورقة تسوية تمكنه من التنقل وعدم تعرض الحواجز العسكرية له".

وبين أن "الوضع قبل التسويات كان أفضل بكثير، إذ كان هناك دخل مادي بحكم الكتل المالية التي تصل للفصائل العسكرية مما يؤدي إلى ضخ الدولار في السوق، لدرجة أن الفرق بين ما قبل وبعد التسويات شاسع من ناحية البحبوحة المعيشية".

ونوه الزعبي بأنه "قبل التسويات كان عدد من المنظمات يعمل هناك ويوزع مساعدات، إضافة إلى حركة الحوالات المالية التي تأتي من الخارج، وكانت نشطة سابقا وتوقفت عقب دخول قوات الأسد لأحياء درعا".

ولفت إلى أن "الأهالي كانوا يعتمدون على حركة تهريب المحروقات والمواد الغذائية من محافظة السويداء المجاورة، وهذا ما توقف حاليا بسبب وضع حواجز النظام يدها على كامل الأمور الاقتصادية".

وألمح الزعبي إلى أن "تضييق نظام الأسد على أهالي درعا وإدخالهم في وضع معيشي متدن عما كان قبل فرض التسويات عليهم أواخر أغسطس/آب 2021 هو بهدف تركيع ما تبقى وإجبارهم على النزوح نحو الشمال السوري، لأن النظام أصبح يريد درعا ذات نسيج واحد وإفراغها من أي صوت يحمل نفسا معارضا".

تهديد مخابراتي

لقد بدا واضحا أن عملية ابتزاز الأهالي أصبحت بشكل منظم في درعا، دون أي رادع من روسيا، ومنها ظاهرة فرض عناصر قوات الأسد مبالغ مالية على المراجعين للدوائر الحكومية مقابل السماح لهم بدخول الأبنية الحكومية لإجراء بعض المعاملات.

كما هدد رئيس اللجنة الأمنية التابعة للنظام اللواء لوقا في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021 وجهاء منطقة حوض اليرموك غرب درعا بتدمير عدد من منازل الأهالي في حال لم يتم ترميم مبنى "أمن الدولة" على نفقتهم، حتى لو اضطر هؤلاء الوجهاء إلى بيع منازلهم وممتلكاتهم العقارية لإعادة تأهيله.

ووفقا لـ"تجمع أحرار حوران" المعارض فإنه منذ سبتمبر/أيلول 2021، جرى توثيق نحو 19 عملية اغتيال طالت مدنيين وعسكرين في درعا، وعودة الاغتيالات هو أحد أبرز القضايا التي يتخوف الأهالي منها رغم التسويات.

وعقب توقيع اتفاقية التسوية بين روسيا وفصائل المعارضة بدرعا في يوليو/تموز 2018، عمل رئيس فرع الأمن العسكري بالمحافظة لؤي العلي وفق "تجمع حوران" على تشكيل مليشيات محلية، بهدف القيام بعمليات اختطاف معارضين للنظام ومن ثم تسليمهم إلى فرع الأمن العسكري بدرعا، إضافة لعمليات اغتيال تطال معارضين للنظام.

وفي السياق، أكد الناشط الميداني إبراهيم المحمد في حديث مع "الاستقلال" أن "تواصل الاغتيالات بحق عناصر من اللواء الثامن المدعوم من روسيا ومن عناصر التسويات هو أحد أساليب أجهزة مخابرات الأسد للتضييق على المقاتلين ودفعهم للنزوح نحو الشمال السوري".

وأكد أن "النظام لديه خطة بحلول نهاية عام 2021 لإفراغ المحافظة من السلاح، وإخضاع جميع الشباب فيها لتسويات حتى يعلن أمام المجتمع الدولي أن مهد الثورة السورية بات بشبابه تحت نفوذه".

وأشار المحمد إلى أن "نظام الأسد وضع جميع شباب درعا أمام خيار واحد، إجراء التسوية التي كان كثير منهم لم يدخل بها عام 2018، في وقت يبدي هؤلاء حالة من التخوف من مصير انتقامي منهم لاحقا".

وحول طبيعة الضامن من عمليات اعتقال أو اغتيال قد تنال هؤلاء، أكد الناشط الميداني أن "أغلب هؤلاء باتوا حبيسي مدنهم وبلداتهم، ولا يستطيعون التحرك خوفا من حواجز الأسد".

تمهيد للتهجير

ولفت المحمد إلى أن "الراجح أن النظام يمهد لفتح الباب أمام شباب درعا للهجرة خارج المحافظة نحو الشمال السوري، ولا سيما أنه يقوم بتسهيلات كبيرة في مجال منحهم جوازات سفر ووثائق تأجيل عن الخدمة العسكرية لمدة سنة مقابل مبالغ مالية".

وفي 17 يونيو/حزيران 2021 عمم نظام الأسد على مكاتب التجنيد في مدينتي درعا والقنيطرة منح إذن سفر للمؤجلين عاما كاملا عن الخدمة العسكرية.

كما تشهد في الوقت الراهن مديرية الهجرة والجوازات بمدينة درعا إقبالا كثيفا على استصدار جوازات سفر من قبل شباب بلدات ومدن المحافظة.

وتعد التسويات الحالية مشابهة لتسوية عام 2018، وهي عبارة عن ورقتين يبصم الشخص المطلوب عليهما، ويسلم صورتين شخصيتين، ويسجل الاسم الثلاثي ومعلومات البطاقة الشخصية فقط.

لكن يشترط النظام على صاحب التسوية إن كان منشقا عن قواته أن يلتحق خلال ثلاثة أشهر بقطعته العسكرية التي تركها، وإن كان مطلوبا من قبل الأجهزة الأمنية يمنح بطاقة تسوية عليها صورته الشخصية تتيح له التجول في المحافظة دون تعرض له من قبل الحواجز الأمنية.

ورغم أن النظام أعلن في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إنهاء عمليات التسوية في كامل محافظة درعا، إلا أن التسويات لم تصل معقل "اللواء الثامن" المدعوم من روسيا والذي يقوده رجل روسيا الأول في درعا القيادي السابق بالمعارضة أحمد العودة.

ويتخذ اللواء الثامن من مدينة بصرى الشام جنوب شرق درعا مركزا رئيسا لتجمع عناصره وتدريبهم، ويوجد فيها كذلك مقر اللواء ومقر القوات الروسية الرئيس في الجنوب.

ونجح النظام في دفع أغلب عناصر "اللواء الثامن" خارج مدينة بصرى الشام لإجراء تسويات، فيما بقي مصير عناصر اللواء مجهولا في وقت كشف فيه قادة اللواء لشبكات محلية عن أن الأخير في طريقه للتفكيك أو إلحاقه بأحد الأفرع الأمنية التابعة للنظام بالجنوب ضمن صفقة جديدة. 

ويرى متابعون أن نظام الأسد يلعب على العامل الدعائي والإعلامي، سواء لحاضنته الشعبية أو لتعزيز أوراقه التفاوضية في الحل السياسي، من خلال إحكام السيطرة على محافظة درعا، كونها تمثل مهد الثورة التي انطلقت منها في 18 مارس/آذار 2011 ضد حكم عائلة الأسد.