أشعلت إشادة مجلس الأمن الدولي بالانتخابات العراقية الغضب لدى القوى الخاسرة وتحديدا الحليفة إيران، التي انتقدت بيان "المجلس" واعتبرت ما جرى "مؤامرة دولية لإخفاء قوى وطنية بعينها"، رافضين "أي تدخل خارجي في كل ما يتعلق بالانتخابات".
نتائج انتخابات 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أظهرت فوز تيار الصدر بـ73 مقعدا، وتراجع حلفاء إيران إلى 60 مقعدا بعد خسارة ثلث مقاعدهم السابقة، ما جعل أنصارهم يهددون باقتحام المنطقة الخضراء ببغداد (مقر الحكومة) إذا لم يعد فرز الأصوات يدويا.
إشادة مجلس الأمن وترحيب واشنطن بنتائج الانتخابات، هل تقطع الطريق أمام أي تصعيد محتمل لحلفاء إيران، ما يعني قبولهم بالخسارة، أم لديهم خيارات أخرى قد يلجؤون إليها في قابل الأيام تجبر مفوضية الانتخابات على التراجع عن النتائج التي لم تصدق عليها نهائيا؟
في الوقت الذي رحبت فيه الولايات المتحدة الأميركية ببيان مجلس الأمن الدولي بشأن الانتخابات العراقية، أعلنت انضمامها إلى المجتمع الدولي في "إدانة تهديدات العنف ضد بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والعراقيين الآخرين".
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، خلال بيان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021: "نهنئ شعب العراق وحكومته على عملية انتخابات آمنة وسليمة من الناحية الفنية وسلمية إلى حد كبير"، مشيرا إلى أن "الانتخابات كانت فرصة للناخبين العراقيين لتقرير مستقبلهم من خلال حكومة تعكس إرادتهم".
وأعلن برايس في بيانه "انضمام الولايات المتحدة إلى المجتمع الدولي في إدانة تهديدات العنف ضد بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والعراقيين الآخرين"، حاثا "جميع الأطراف على احترام سيادة القانون ونزاهة الانتخابات".
وأعلنت الخارجية الأميركية عن تطلع واشنطن إلى العمل مع الحكومة الجديدة عند تشكيلها لتعزيز الشراكة الإستراتيجية والمصالح المشتركة العديدة بين البلدين بما في ذلك استقرار العراق وسيادته والتمكين الاقتصادي وجهود مكافحة الفساد والاستقلالية في مجال الطاقة والمناخ وحماية حقوق الإنسان.
وكان مجلس الأمن هنأ خلال بيان في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 "الشعب العراقي والحكومة بمناسبة الانتخابات". كما رحب "بالتقارير الأولية التي تفيد بأن الانتخابات المبكرة سارت على نحو سلس وتميزت عن جميع الانتخابات التي سبقتها بإصلاحات فنية وإجرائية مهمة".
وأثنى أعضاء مجلس الأمن على مفوضية الانتخابات "لإجرائها انتخابات سليمة من الناحية الفنية وعلى حكومة العراق لتحضيراتها للانتخابات ولمنع العنف في يوم إجرائها".
وأعربوا وفقا للبيان، عن "أسفهم للتهديدات الأخيرة بالعنف ضد بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، وموظفي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، إلى جانب آخرين".
ودعا البيان إلى حل "أي خلافات انتخابية قد تنشأ" بالطرق السلمية والقانونية، مضيفا أن أعضاء المجلس عبروا عن تطلعهم "لتشكيل حكومة شاملة تمثل إرادة الشعب العراقي ومطالبه بترسيخ الديمقراطية".
وفي السياق ذاته، قال زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في تغريدة على "تويتر" 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، إن "تأييد مجلس الأمن لنتائج الانتخابات وتبني نزاهتها بل القول بأنها فاقت سابقاتها فنيا، يعكس صورة جميلة عن الديمقراطية العراقية من جهة، ويعطي الأمل لإذعان الأطراف التي تدعي التزوير في تلك العملية الديمقراطية من جهة أخرى".
وأضاف الصدر أن "جر البلد إلى الفوضى وزعزعة السلم الأهلي بسبب عدم قناعتهم بنتائجهم الانتخابية لهو أمر معيب يزيد من تعقيد المشهد السياسي والوضع الأمني بل يعطي تصورا سلبيا عنهم وهذا ما لا ينبغي تزايده وتكراره".
وتابع، قائلا: "ومن هنا فإنه لا ينبغي الضغط على مفوضية الانتخابات المستقلة أو بعمل القضاء والمحكمة الاتحادية أو التدخل بعملها، بل لا بد من خلق أجواء هادئة لتتم المفوضية إجراءاتها بما يخص الطعون أو ما شاكل ذلك".
— مقتدى السيد محمد الصدر (@Mu_AlSadr) October 23, 2021
لكن القوى الحليفة لإيران، وجهت انتقادا لاذعا، حيث قال تحالف "الفتح" في العراق (الجناح السياسي لفصائل الحشد الشعبي) في بيان 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إننا "فوجئنا ببيان مجلس الأمن الذي هنأ بنجاح الانتخابات قبل أن تحسم الطعون القانونية، على الرغم من الاعتراضات الكثيرة من غالبية القوى السياسية والمرشحين".
وأفاد "الفتح" بأن إشادة "المجلس" في هذا الوقت "تخرج المنظمة الدولية وبعثتها من الحيادية وتثير التساؤلات حول دورها فيما جرى ويجري"، لافتا إلى أن "المراقبين الدوليين والمحليين لا سيما بعثة الاتحاد الأوروبي سجلوا العديد من المخالفات في يوم الانتخابات وإعلان النتائج".
وأكد التحالف أن "الاستجابة لمطالب الجماهير والقوى السياسية بإعادة العد والفرز اليدوي لجميع المحطات حق لن نتنازل عنه أبدا، وكما أشار إليه القانون ونرفض أي تدخل خارجي في كل ما يتعلق بالانتخابات".
وقبل ذلك، هاجمت حركة "حقوق" التابعة لمليشيا "كتائب حزب الله" العراقية، على لسان المتحدث باسمها علي فضل الله، بيان مجلس الأمن الدولي، ووصفته بأنه "مؤامرة دولية"، لإخفاء قوى وطنية بعينها.
وقال فضل الله خلال تصريحات صحفية في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إن "بيان مجلس الأمن الدولي إزاء الانتخابات وإشادته بجهود المفوضية أمر متوقع، كون موقف ممثلة الأمم المتحدة في العراق لم يكن حياديا ومن المؤكد أنها نقلت لهم صورة انتخابات نزيهة وشفافة".
وتابع: "لكن الحقيقة أن ما حصل في الانتخابات هو مؤامرة دولية كبيرة جدا الغرض منها إخفاء قوى وطنية بعينها"، مضيفا، أن "هذا الموضوع سيرد عليه بموقف رسمي من الإطار التنسيقي (يضم كل القوى الشيعية باستثناء التيار الصدري)".
وأكد فضل الله أن "حركتنا تعترض على هذا البيان غير المحايد وكان من المفترض انتظار النتائج النهائية بعد المصادقة عليها من قبل المحكمة الاتحادية"، لافتا إلى أن "اعتراض الطبقة السياسية والشارع يؤكد أن هناك خرقا كبيرا وتلاعبا بنتائج الانتخابات".
ورأى المتحدث "تقرأ الرسالة الأممية على أن نتائج الانتخابات حسمت، وبالتالي هو بيان إطاري أراد أن يضع القوى السياسية الوطنية أمام الأمر الواقع، لكن نؤكد مرة أخرى هناك ردود وطنية وقانونية وشعبية، لأن توقيت البيان استفزازي في وقت ننتظر فيها حسم الطعون".
وبخصوص خيارات المعسكر الإيراني في العراق، عقب إصدار بيانات دولية تشيد الانتخابات وتدعو للمضي بتشكيل الحكومة، قالت مصادر سياسية عراقية (طلبت عدم الكشف عن هويتها) لـ"الاستقلال" إن "القوى الخاسرة لا تمتلك سوى مواصلة الضغط على مفوضية الانتخابات والحكومة من خلال مواصلة الاعتصام أمام المنطقة الخضراء".
وأفادت المصادر بأن "اقتحام المنطقة الخضراء التي تضم مقر السفارة الأميركية قد يدفع إلى مزيد من التوتر، وهذه القوى تعرف ذلك جيدا، فاقتحامها سابقا ومهاجمة مبنى السفارة في ديسمبر/ كانون الأول 2019، كان ثمنه مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس".
وتوقعت أن "تخرج نتائج الطعون التي قدمتها هذه القوى بتعديل طفيف في النتائج النهائية، ربما يكون بإضافة مقعدين لحلفاء إيران، لكن ذلك لن يغير من نتائج الانتخابات، أي بمعنى تصدر التيار الصدري وحقه في تشكيل الحكومة المقبلة".
المصادر أوضحت أن "حلفاء إيران ليس أمامهم سوى القبول بنتائج الانتخابات الحالية، لأن إعادتها أمر مستحيل، وحتى موضوع إعادة فرز جميع الأصوات غير ممكن، لكن وافق الجميع على فرز نسبة معينة، وهي بالتالي ربما ستضيف لهم بعض المقاعد".
بيان لمجلس الأمن حول الانتخابات في #العراق، يعزز القرار 2576. كان واضحا أن هذه الانتخابات بداية لمقاربة مختلفة حول العراق. لم تعد لدى معارضي النتائج فرص للتصعيد، أو أنهم سيواجهون المجتمع الدولي. يبدو السيناريو المقبل، أكثر وضوحا الآن: إيران وأذرعها في موقف الدفاع الآن.
— د. لقاء مكي (@azzawil) October 22, 2021
وفي السياق ذاته، رأى الباحث الأول في مركز "الجزيرة" للدراسات، لقاء مكي، في تغريدة على "تويتر" 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 أن "بيان مجلس الأمن كان واضحا بأن هذه الانتخابات بداية لمقاربة مختلفة حول العراق".
وتابع: "لم يعد لدى معارضي النتائج فرص للتصعيد، أو أنهم سيواجهون المجتمع الدولي. يبدو السيناريو المقبل، أكثر وضوحا الآن: إيران وأذرعها في موقف الدفاع الآن".
مجلس الامن الدولي أنهي اليوم الجدل بشان شرعية وصدقية الانتخابات التشريعية المبكرة في #العراق عندما وصفها بانها "سليمة من الناحية الفنية وتميزت عن جميع الانتخابات التي سبقتها". المجلس دعا الى المضى قدما وتشكيل "حكومة شاملة تمثل ارادة الشعب العراقي ومطالبه بترسيخ الديمقراطية"
— Waleed Ibrahim وليد ابراهيم (@waleedaqidi) October 22, 2021
من جهته، قال الصحفي العراقي وليد إبراهيم في تغريدة على "تويتر" 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إن "مجلس الأمن الدولي أنهى اليوم الجدل بشأن شرعية وصدقية الانتخابات التشريعية المبكرة في العراق عندما وصفها بأنها (سليمة من الناحية الفنية وتميزت عن جميع الانتخابات التي سبقتها)".
وتابع أن "المجلس دعا إلى المضي قدما وتشكيل (حكومة شاملة تمثل إرادة الشعب العراقي ومطالبه بترسيخ الديمقراطية)".