دعوات وقف إطلاق النار في طرابلس.. لماذا ترفضها حكومة الوفاق؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أنّ رياح المعارك على الأرض حول العاصمة الليبية طرابلس لم تجر بمثل ما اشتهى حفتر وداعموه، ورغم عدم قدرة القوات الموالية للحكومة الشرعية على حسم المعركة نهائيا إلاّ أن السراج رفض جميع العروض المقدّمة من أجل وقف إطلاق النار، ما يثير غموضا حول مستقبل الحرب وخلفيات هذا الرفض.

في 4 أبريل /نيسان 2019، أطلق اللواء المتقاعد خليفة حفتر عملية عسكرية واسعة على العاصمة الليبية طرابلس، في محاولة للسيطرة عليها وإسقاط حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا.

فاجأ حفتر الليبيين بهذا الهجوم، حيث تزامن مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى البلاد، وتطمينات من رئيس البعثة الأممية غسان سلامة بأن حفتر لن يهاجم المنطقة الغربية، ووسط استعدادات لتنظيم حوار وطنيّ جامع لكل الليبيين من أجل إنهاء الصراع المسلح المستمرّ منذ سنوات.

ربّما كان ينتظر حفتر، كما عبّر في عدد من رسائله لقواته أنّ المعركة ستأخذ أيّاما قليلة فقط، وينجح في إخضاع العاصمة لسيطرة قوّاته، وتغيير معادلات القوة والسياسة في ليبيا إلى الأبد.

دعوات مرفوضة

في الأيام الأولى لبدء هجوم حفتر على العاصمة الليبية طرابلس، ارتفعت أصوات دولية داعية اللواء المتقاعد إلى وقف هجومه عليها، حيث دعا مجلس الأمن الدولي حفتر لوقف فوري للعمليات العسكرية، وقبل ذلك دعاه الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش من بنغازي لنفس الغرض، إلا أن قوات حفتر وحسب بياناتها، تواصل معركة طرابلس وتسعى لفرض طوق عسكري حولها تمهيدا للسيطرة عليها.

مجلس الأمن أيّد بإجماع أعضائه الـ 15، بمن فيهم روسيا الداعمة لحفتر، الدعوة لوقف الهجوم الذي شنّه الأخير على العاصمة طرابلس. وبحسب سفير ألمانيا بالأمم المتحدة كريستوف هويسغن الذي يرأس مجلس الأمن خلال أبريل/ نيسان الماضي، فإن "المجلس دعا قوات الجيش الوطني الليبي إلى وقف كل التحركات العسكرية".

إلاّ أنّ هذه الدعوات استقبلها حفتر باستخفاف شديد ولا مبالاة مقررا مواصلة عملياته، حيث نقلت قناة العربية السعودية عن حفتر قوله لغوتيريش: "العملية ستستمر حتى القضاء على الإرهاب"، وهو ما أكده دبلوماسيون نقلا عن المبعوث الأممي إلى ليبيا غسّان سلامة الذي أخبر مجلس الأمن بأنّ حفتر أبلغ غوتيريش أنّه لا ينوي وقف هجومه الرامي للسيطرة على طرابلس.

بعد أسابيع من المواجهات الدامية في محيط العاصمة طرابلس، قام رئيس الحكومة المعترف بها دوليا فائز السراج بجولة لحشد الدعم الدولي لحكومته، والتقى خلال هذه الجولة بالرئيس الفرنسي إيمانيويل ماكرون، الذي تتهمه حكومة السراج بدعم حفتر وهجومه على طرابلس.

في الجهة المقابلة أعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان أن ماكرون أكد مجددا "دعم فرنسا لرئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج" التي تتهم باريس بدعم حفتر، ودعا إلى وقف "غير مشروط" لإطلاق النار.

بيان الرئاسة وإثر اجتماع ماكرون والسراج بباريس أورد أن "رئيس الجمهورية كرر دعم فرنسا لحكومة الوفاق الوطني التي ستواصل فرنسا التعاون معها"، واعتبر ماكرون بحسب البيان أن "لا حل عسكريا للنزاع الليبي".

ماكرون شدد على ضرورة "إنهاء الهجوم العسكري على طرابلس" لكن دون تسمية حفتر، و"شجع" ماكرون على وقف لإطلاق النار "بلا شروط" مقترحا "أن يتم تحديد خط وقف إطلاق النار بإشراف دولي، لتحديد إطاره بدقة".

إلاّ أنّ هذه الدعوة الفرنسية لوقف إطلاق النار قوبلت كغيرها من الدعوات بالرفض من قبل السراج الذي أكّد على ضرورة انسحاب حفتر وقواته من المنطقة الغربية قبل الحديث عن أي اتفاق لوقف إطلاق النار.

لمصلحة من؟

رغم التكلفة الباهظة التي تقدّمها طرابلس من مغامرة حفتر وداعميه الخارجيين، فالمعركة التي عجز فيها حفتر عن تحقيق أهدافها على الأرض، تمادى فيها بارتكاب عدد من جرائم الحرب بحق المدنيين عبر القصف الجوي أو عبر صواريخ جراد، إلاّ أنّ  السراج وحكومته ترفض أي مقترح من المقترحات المقدّمة من أجل وقف إطلاق النّار.

السراج قال إن الوضع السياسي في ليبيا قبل هجوم قوات حفتر على طرابلس، مختلف عما بعده، موضحا في اجتماع لمجلس الوزراء الليبي، أن أي حديث عن وقف إطلاق النار يجب أن يرتبط بانسحاب القوة المعتدية وعودتها من حيث أتت، وأنه دون ذلك سيكون نوعا من العبث.

السراج أكد  أن حفتر بهجومه على طرابلس نسف العملية السياسية، وتسبب في أضرار كبيرة للنسيج المجتمعي، إضافة إلى الأضرار المادية والمعنوية.

وحسب عدد من المتابعين للشأن الليبي فإن أي وقف لإطلاق النار قبل عودة قوات حفتر لما قبل مواقع تمركزها في 4 أبريل/نيسان 2019، هو محاولة لفرض أمر واقع جديد وتغيير لمعادلات القوة والنفوذ في ليبيا، من أجل تغيير معطيات أي مفاوضات مقبلة.

الباحث صلاح القادري يرى المقترح الفرنسي بوقف إطلاق النار دون الرجوع إلى خطوط ما قبل الهجوم على طرابلس "يمثل انحيازا لحفتر، لأن وقف إطلاق النار غير المشروط يعني بقاء قوات حفتر في أماكن وجودها الآن التي لا تبعد سوى 30 كلم من طرابلس".

القادري أكد في حديثه لقناة الجزيرة أن حفتر بهذا الوضع سيظل يشكل تهديدا ماثلا على الحكومة، وهو ما سيضعف موقف الحكومة ويقوي موقع حفتر التفاوضي".

مضيفا: "هذا الوقف لإطلاق النار إن تم فسيُلزم حكومة السراج بالاعتراف بحفتر شريكا سياسيا معادلا للحكومة، المقترح الفرنسي لا يمكن قبوله من الشعب الليبي الذي يتهم فرنسا بتقديم الدعم الدبلوماسي والعسكري لحفتر، ولا تعترف بأن حكومة الوفاق هي الممثل الوحيد للشعب الليبي".

جمود المعركة

القتال الذي أسفر إلى حدود أسبوعه الخامس عن مقتل 392 شخصا وإصابة 1936 آخرين وفرار قرابة 50 ألف شخص من ديارهم بحسب منظمة الصحة العالمية، لم يمكّن أحدا من الطرفين المتصارعين من حسم المعركة لصالحه.

وفي تقرير لوكالة رويترز أكّد أنّ القوات الموالية لحكومة الوفاق استعادت بعض المواقع لكن محللين يقولون إن التهديد الذي تمثله قوات حفتر سيستمر ما دام يحتفظ بقاعدته الأمامية في مدينة غريان على بعد 80 كيلومترا جنوبي طرابلس، ومن الصعب انتزاع السيطرة على المدينة إذ تقع في منطقة الجبال المطلة على السهل الساحلي الذي يضم طرابلس.

وتقول مصادر عسكرية لرويترز إن حفتر يدفع بقوات وعتاد إلى غريان من خلال طريق يبدأ من بنغازي، المدينة الرئيسية في شرق ليبيا حيث معقله الرئيسي، أو عبر القاعدة الجوية المركزية في الجفرة بوسط البلاد.

ولا تخفي الدول الأوروبية شعورها بالقلق من أن يفجر القتال موجة نزوح جديدة من ليبيا وأماكن أخرى في إفريقيا عبر البحر المتوسط، كما عبّر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش (الداعم لحفتر) في تغريدة على تويتر إنه يشارك الوزير الفرنسي قلقه بشأن الإرهاب واحتمالات اضطراب الاستقرار الإقليمي.

من جهة أخرى، اعتبر الناشط السياسي الليبي محمد خليل أن "الوضع الميداني يشهد حاليا حالة جمود من ناحية التقدم الكبير رغم اشتداد المعارك وسقوط القتلى يوميا، وباعتقادي أننا دخلنا في مرحلة كسر العظم، وكل الأمور مفتوحة على مصراعيها بما فيها تصعيد أكبر واتساع رقعة المعارك في محاور أخرى تبعد كثيرا عن العاصمة".