في جلساته مع "الصادقين".. قيس سعيد يستثني الأحزاب والمنظمات والمعارضين

زياد المزغني | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

3 أشهر مرت على إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد، "الانقلاب" على مؤسسات الدولة ودستور البلاد، في 25 يوليو/تموز 2021، بدعوى مواجهة ما اعتبره "خطرا داهما" يهدد كيان الدولة، مطلقا ساعتها وعودا بـ"الإصلاح ومحاربة الفساد".

هذا الطريق الذي سلكه سعيد، اصطدم بـ"عجز" في تسيير دواليب الدولة وأزمة اقتصادية تفاقمت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بالإضافة إلى عجز في تمويل الميزانية، وسط عزلة دولية غير مسبوقة.

ولم يشعر المواطن بأي "انعكاس إيجابي" على حياته اليومية، في وقت لم يقدم فيه الرئيس "شيئا" سوى منح نفسه المزيد من السلطات، حيث استحوذ على السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وأمام هذا الوضع، أعلن سعيد عن إطلاق "حوار وطني بشكل جديد من أجل تعديل النظام السياسي وقانون الانتخابات، ويشمل مقترحات من الشباب، مع سقف زمني محدد، ولن يشمل من استولى على أموال الشعب أو من باع ذمته للخارج"، وفق بيان للرئاسة في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

يحاور نفسه

خلال لقائه الذي جمعه بوزير تكنولوجيات الاتصال، نزار بن ناجي، في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2021، كلفه سعيد بإحداث منصات للتواصل الافتراضي في كل المعتمديات (المحليات) في أقرب الآجال، لتمكين الشباب خصوصا، وفئات الشعب كافة عموما، من المشاركة في "حوار وطني حقيقي" عبر عرض مقترحاتهم وتصوراتهم في المجالات كافة.

هذا الحديث الجديد وإن جاء بعد جملة من الدعوات من قبل عدد من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، في مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل، إلا أنه يأتي منسجما مع تصريحات سابقة لسعيد.

وقال الرئيس التونسي في كلمة ألقاها بقصر قرطاج إثر الإعلان عن تشكيلة الحكومة وأداء أعضائها اليمين الدستورية في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن "العمل والإرادة يتجهان إلى حوار مع الشباب بكل جهات الجمهورية، ومع كل التونسيين والتونسيات ممن يقبلون بالحوار الثابت والصادق في كل مكان لاستكمال الثورة واستكمال حركة التصحيح والتحرير".

وقبلها، وتحديدا في 6 أغسطس/آب 2021، أكد سعيد أنه لا عودة إلى الوراء ولا حوار إلا مع من وصفهم بـ"الصادقين"، في إشارة إلى رفضه الحوار مع خصومه الذين انتقدوا قراراته بالسيطرة على السلطة التنفيذية وتجميد البرلمان، ووصفوها بـ"الانقلاب".

ويذكر أن سعيد رفض في عدة مناسبات، مبادرات للحوار ولم يتفاعل معها، أبرزها مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها الاتحاد العام التونسي للشغل، مطلع ديسمبر/كانون الأول 2020.

وفي يونيو/حزيران 2021 (قبل الانقلاب) أعلن سعيد، موافقته على "الإشراف على حوار وطني للخروج من أزمة البلاد السياسية والاقتصادية"، لكنه في المقابل وضع شروطا لهذا الحوار، أبرزها أن يكون محوره "تعديل الدستور الحالي عبر تغيير النظام السياسي وتنقيح النظام الانتخابي".

ووصف الرئيس التونسي الحوارات السابقة بأنها "ليست حوارات وليست وطنية"، ما أثار غضب قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل حينها.

ففي عام 2013 شهدت تونس حوارا وطنيا، إثر أزمة سياسية واغتيال قياديين في الجبهة الشعبية اليسارية، أنهى حكم "الترويكا" (ائتلاف بين النهضة، والتكتل، والمؤتمر) وتركيز حكومة "تكنوقراط" برئاسة مهدي جمعة في 2014، وتوصلت لاتفاق على صيغة نهائية للدستور مهد لانتخابات تشريعية ورئاسية فاز فيها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وحزبه "نداء تونس".

غضب الاتحاد 

وفي أحدث تصريح له إثر إعلان سعيد على انطلاق الإعداد لـ"حوار وطني"، قال أمين عام اتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، خلال تصريح لإذاعة "موزاييك" المحلية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن الاتحاد "لم يتلق أي دعوة رسمية يمكن أي يبني عليها موقفه من الحوار الوطني مع الشباب الذي دعا إليه رئيس الجمهورية".

وأضاف الطبوبي أن "رئيس الدولة إذا ارتأى أن ينظم حوارا دون إشراك الاتحاد والمجتمع المدني والأحزاب السياسية فهو حر في خياره".

وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعرب أمين عام اتحاد الشغل في تصريحات صحفية، عن استغرابه من شكل الحوار الذي قدمته رئاسة الجمهورية، قائلا: "كيف سيكون الحوار ما لم يتم إشراك الجميع بما في ذلك اتحاد الشغل؟''.

واعتبر أنه "لا أحد بإمكانه رسم مستقبل تونس بمفرده خارج إطار المنظمة الشغيلة"، حسب تعبيره.

ولم يعارض الاتحاد العام التونسي للشغل قرارات سعيد مساء 25 يوليو/تموز 2021، حيث أكد في بيان حينها على مساندته لـ"جهود التصدي للفساد"، إلا أنه دعا إلى ضرورة التمسك بنص الدستور، ووضع سقف زمني لإنهاء الحالة الاستثنائية.

إلا أنه وبعد 3 أشهر على هذه الإجراءات والخطوات التي اعتمدها سعيد بتعطيل العمل بدستور البلاد، والسير قدما نحو إرساء مشروعه السياسي "القاعدي" كما يصفه مناصروه، أو مشروع "اللجان الشعبية" كما يصفه معارضوه في تشبيه بنظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، ظهرت ملاسنات بين الطرفين.

وأكد الطبوبي في هذا السياق وخلال إشرافه على "المؤتمر العادي للاتحاد الجهوي للشغل" بولاية بن عروس (شرق)، أن "اتحاد الشغل لن يقبل بلجان شعبية، ولا أحد يمكنه أن يزايد على الاتحاد لا في وطنيته ولا في اختياراته"، مضيفا: "من لا يحب كلام الاتحاد هو حر، ومن يمسك علينا السماء ألا تسقط فليتركها تسقط علينا".

ووجه الطبوبي كلامه إلى سعيد قائلا: "إنك قلت إن الحوار انتهى ودمر البلاد وها أنت تريد العودة للحوار، قلتم الحوار مع الشباب والاتحاد فيه شباب، والمجتمع المدني فيه شباب، الشباب منظم في أحزاب أو في منظمات أو في المجتمع المدني".

حوار إقصائي 

إضافة إلى موقف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يعتبر محوريا في "المشهد السياسي"، فإن عددا من الأحزاب عبرت عن مواقف رافضة للمسار الذي ينتهجه سعيد خاصة بعد قراره تعليق العمل بالدستور.

في تدوينة على صفحته بفيسبوك، اعتبر الوزير السابق والقيادي المستقيل من حركة النهضة، عبد اللطيف المكي أنه "لا جدوى من حوار مهما كان في ظل الاستقواء بالقوة الصلبة وتعليق الدستور".

وأضاف "لا جدوى من حوار إلا إذا كان بإشراف محايد وتتجادل فيه الفكرة مع الفكرة، لا قيمة لحوار في ظل خطاب التقسيم والتشويه واحتقار المخالفين في الرأي، أوقفوا اختطاف الدولة وأعيدوا المؤسسات وليكن الحوار".

فيما دعا حزب "التكتل الديمقراطي"، إلى ''حوار وطني جدي وليس استشارة عبر الإنترنت، من أجل تصحيح حقيقي للانتقال الديمقراطي والعودة إلى مسار دستوري يحترم المؤسسات ويحكم الشعب عبر الانتخاب الحر''.

وعبر الحزب، في بيان أصدره إثر اجتماع مكتبه السياسي في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عن ''قلقه من تواصل وتعقد الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة، إذ يتواصل خرق الدستور دون أي خطة أو خريطة طريق للخروج من الوضع الاستثنائي ودون أي توجه تشاركي جدي لصياغة حل للأزمة السياسية والمؤسساتية".

وفي حديث مع "الاستقلال"، أكد أمين عام حزب "التكتل من أجل العمل والحريات"، كمال القرقوري أنه "لا يمكن أن يكون هنالك حوار مبني على الإقصاء، بل يجب إشراك مختلف مكونات المشهد السياسي والمجتمع المدني، ولا يمكن الإقصاء بمجرد اتهام بالفساد أو التخابر مع جهات أجنبية دون أحكام قضائية نهائية".

وتساءل القرقوري: "كيف يمكن إقصاء منظمات وأحزاب تعمل في ظل القانون، ولا يطالها أي شبهات أو اتهامات، وفي نفس الوقت الذي تُرفض فيه هذه التنظيمات القانونية يتم التعامل مع تنظيم تابع لرئيس الجمهورية، هو تنظيم (الحملة التفسيرية) الذي يخرج قياداته للتحدث باسم الرئاسة وتأويل قراراتها ومواقفها دون أن نستمع إلى تعليق من الرئاسة".

واعتبر أن "هذا التنظيم (الحملة التفسيرية) المنتشر في مختلف الجهات، هو بالنسبة إلينا تنظيم سياسي سري لا يخضع لا لقانون الأحزاب ولا لقانون الجمعيات". 

وشدد القرقوري على أن ائتلاف أحزاب القوى الديمقراطية الذي يضم حزبه بالإضافة إلى الجمهوري والتيار الديمقراطي وآفاق تونس "بصدد بلورة مبادرة سياسية، من أجل الخروج من هذه الأزمة، وهو بصدد الحوار مع عدد من الأطراف في مقدمتهم اتحاد الشغل، كما أن عددا من منظمات المجتمع المدني بدأت تطرح تصوراتها للنقاش".

ووفق متابعين، فإن هذه المواقف المتتالية من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، تؤكد حالة الصراع التي تعيشها البلاد، مع تزايد الضغط الخارجي على سعيد ومطالبته بـ"العودة السريعة" إلى المسار الديمقراطي وتفعيل الدستور.