توازنات متغيرة.. لماذا تركض السعودية وإيران نحو تحسين العلاقات؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تحولت أنظار الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة إلى العلاقات السعودية الإيرانية، حيث تراقب جميع الأطراف احتمالات نجاح التقارب بينهما. 

وخلقت المحادثات التي بدأت بوساطة عراقية بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين مطلع عام 2021، أجواء من التفاؤل في المنطقة، وفق ما تقول صحيفة "ستار" التركية.

وعلى ما يبدو، لم يؤثر صعود تيار الصقور في السياسة الإيرانية على التقارب بين الطرفين أيضا. 

أما عن بدء عملية التصدير من إيران إلى السعودية في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، فقد كانت أكثر خطوة ملموسة تشير إلى تحسن العلاقات الثنائية التي تدهورت، بل انقطعت مع إعدام الرياض رجل الدين الشيعي نمر النمر عام 2016.

وهنا، يقول الكاتب التركي نجم الدين آجار إن التقارب الإيراني السعودي جاء مع التطورات العالمية والإقليمية. 

وبينما يعد تقليص الولايات المتحدة دورها في ساحة الشرق الأوسط وخاصة تجاه أمن الخليج، أهم تطور على المستوى العالمي، فقد كانت التغييرات الجذرية في المصالح والتهديدات للسعودية وإيران أهم تطور على المستوى الإقليمي. 

أمن الخليج

وبحسب آجار، شهدت بنية أمن الخليج تحولات جذرية في فترة ما بعد عام 2010. 

إذ إن ثورة الغاز الصخري وتزايد ثقل الجهات الفاعلة مثل الولايات المتحدة وروسيا في أسواق الطاقة العالمية لم يقض على حاجة واشنطن إلى الاعتماد على موارد الطاقة الإقليمية فحسب، بل قلل أيضا من أهمية دول الخليج على المسرح السياسي العالمي.

وقال الكاتب: أثناء ذلك، بدأ الغرب في محاولة موازنة الصين بعد صعودها بشكل "خطير" ومحاولتها إعادة تشكيل النظام العالمي بما يتماشى مع أولوياتها الخاصة.

وكانت إستراتيجية "آسيا إلى المحور" التي طورتها واشنطن في عام 2012، أهم مشروع يهدف إلى منع الصين من تغيير النظام الذي يقوده الغرب الليبرالي في العالم.

وتطرق الكاتب كذلك إلى اتفاقية "أوكوس" حول التعاون النووي بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والتي وقعت في سبتمبر/أيلول 2021 بمبادرة من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

وقال إن الاتفاقية تعد تحركا في سياق تنفيذ إستراتيجية "آسيا إلى المحور" التي طورها بايدن عندما كان نائب الرئيس السابق باراك أوباما.

وعقب قائلا: وكنتيجة لكل هذه التطورات تراجعت الضمانات الأميركية لأمن دول الخليج. 

وأصبح على تلك الدول أن تتدبر أمرها بنفسها بما أنها كانت تعتمد سابقا على الضمانات الأميركية للحفاظ على أمنها واستقرارها منذ الحرب العالمية الثانية.

واستدرك الكاتب: عدم تكافؤ القوة بين إيران والسعودية والناشئة عن العوامل الديمغرافية والجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية والأيديولوجية، يجبر الرياض على البحث عن طرق جديدة للخروج من المأزق الذي وقعت فيه، مع انغلاق المظلة الأمنية الأميركية. 

خاصة وأنه من الناحية الأخرى، تستعد الصين لملء فراغ السلطة في منطقة الخليج في الوقت الذي تنغلق فيه مظلة الولايات المتحدة شيئا فشيئا، الأمر الذي يعقد الصورة.

 إذ إن الصين ستذهب إلى تطوير علاقاتها مع إيران بدلا من السعودية في حال أصبحت فاعلا رئيسا في الأمن الإقليمي.

وما يؤكد ذلك، قبول إيران كعضو كامل في منظمة شنغهاي للتعاون بقيادة الصين في سبتمبر/أيلول 2021. 

فهذا يظهر أن الصين ستفضل إيران على السعودية في حال اضطرت إلى الاختيار بينهما، وفقا لما يراه الكاتب التركي.

توازنات متغيرة

ويستطرد آجار: على الجانب الآخر، هناك تغييرات كبيرة في التوازنات الإقليمية في منطقة الخليج أخيرا. 

إذ إن التنافس بين الإمارات والسعودية والصعوبات التي واجهتها المملكة في حرب اليمن والتدهور الكبير في الاقتصاد الإيراني، كلها تفرض تغييرات جذرية في التوازنات الإقليمية.

وأوضح الكاتب بالقول: فقد تشكل المحور الإماراتي السعودي على أساس المصلحة المشتركة في الحفاظ على الوضع الإقليمي خلال الربيع العربي، ثم تطور هذا التحالف أخيرا إلى منافسة شديدة مع تباين المصالح في حرب اليمن، والتنافس في مجالي الاقتصاد والطاقة.

ففرضت السعودية رسوما جمركية على المنتجات القادمة من المناطق الحرة في الإمارات، وقيدت السفر إلى أبوظبي بذريعة جائحة كورونا.

كما عملت على استبعاد الشركات التي لم تنقل مقراتها إلى السعودية من المناقصات العامة، وأسست كذلك شركة طيران جديدة لإضعاف مكانة دبي كمركز اقتصادي ودبلوماسي للمنطقة.

ويمكن القول إن هذا التنافس الاقتصادي كان أولى التطورات الإقليمية المهمة التي مهدت الطريق للتقارب الإيراني السعودي. 

إذ إن أبوظبي تمثل حاليا أكبر شريك تجاري إقليمي لطهران، خاصة وأنه من المعروف أن صادرات إيران إلى الإمارات تتحرك من هناك إلى الصين، يقول الكاتب. 

ويشرح: إذ لا تستطيع إيران التصدير إلى الصين بسبب العقوبات، لذلك فهي ترسل منتجاتها إلى الإمارات أولا، ومن هناك يتم إعادة تصدير البضائع الإيرانية إلى بكين. 

ويبدو أن السعودية تتطلع إلى اقتسام الكعكة التي تأخذها الإمارات نتيجة دورها في التجارة بين إيران والصين، لذلك فتحت قنوات التجارة مع إيران خلال أكتوبر/تشرين الأول.

ويتوقع أن تتولى السعودية دورا في هذه التجارة أيضا، بحسب تقدير الكاتب.

أما ثانيها فهو تحدي الإمارات لقيادة السعودية في اجتماع أوبك (منظمة الدول المصدرة للنفط) والذي أجبر الرياض على خلق تعاونات جديدة في مجال الطاقة. 

وفي هذا، سربت الصحافة أنه كانت هناك مباحثات حول بيع النفط الإيراني عبر الرياض مقابل وقف الهجمات اليمنية (من قبل جماعة الحوثيين حليفة طهران) على المملكة خلال المحادثات الإيرانية السعودية الأخيرة.

قصة مختلفة

وآخرها، ترغب السعودية في أن تتجنب الهجمات القادمة من اليمن من خلال التقارب مع إيران. 

وهذا في حقيقة الأمر، يدل على نجاح إيران في استخدام السلاح النووي والأزمة اليمنية كعامل ضغط لتحقيق أهدافها الإقليمية، وفقا لتقييم الكاتب التركي.

غير أن الأسباب التي تدفع إيران إلى التقارب مع السعودية مختلفة تماما، حيث تمر طهران بأوقات عصيبة اقتصاديا بسبب العقوبات المفروضة عليها. 

لذلك يذهب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سلوك أقصر الطرق لتخفيف الضغط الدولي على بلاده.

ويتمثل ذلك في إنهاء المنافسة مع الجهات الإقليمية على الأقل، في سبيل خلق جو سياسي معتدل.

خاصة وأن إيران تخوض حربا بالوكالة في المنطقة منذ 2006 مما يؤدي إلى استنزاف مواردها الشحيحة التي تحتاجها للإنفاق على الرفاه الوطني والتنمية.

 وعلى الرغم من تفاخر النظام الإيراني بالأنشطة النووية والحروب التي تخوضها بالوكالة، إلا أن تدهور الظروف الاقتصادية يضعف شرعية النظام في الداخل، يقول الكاتب.

ويختم آجار مقاله بالقول إن حكومتي إيران والسعودية أدركتا أنهما تتحركان بما يتجاوز قدراتهما. 

ومن الملاحظ أن تصورات الطرفين حول التهديدات والمصالح تغيرت بشكل جذري أيضا بناء على التطورات الإقليمية والعالمية. 

وفي حال حصل التقارب، سيكون لتطبيع العلاقات الإيرانية السعودية تأثيرات مهمة على السياسة الإقليمية، يخلص الكاتب.