أهالي شرق الفرات في سوريا.. لماذا يصطدمون بمحاولات سيطرة روسيا؟

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

لا تزال روسيا تحاول التمدد في محافظة دير الزور شرق الفرات في سوريا بشكل منفرد، ودون قبول من الأهالي الذين يرفضون دخول الروس إلى مناطقهم تحت أي ظرف.

ويخشى أهالي محافظة دير الزور في القسم الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شرق الفرات، أن يفضي التدخل الروسي بمناطقهم باتفاق مع الأخيرة إلى تكرار التجربة في درعا التي أدت تسوياتها مع السكان إلى عودة النظام السوري وأجهزته الأمنية بعد خروجه منها لأكثر من تسع سنوات.

وبينما تسير مناطق شرق سوريا نحو ترتيبات جديدة من ناحية تقوية موسكو نفوذها، وإن كان بشكل بطيء، فإن الثقل الشعبي هناك من المكون العربي الذي يشكل الغالبية في القرى والبلدات يكاد يكون يقظا لأي اتفاق يمرر دون موافقته.

رفض روسيا

ويرفض الأهالي إجراء أي اتفاق يبرم من وراء ظهورهم بين قوات قسد وروسيا حول مصير تلك المناطق، مفضلين بقاءها على وضعها الراهن تحت نفوذ الأول لأخف الضررين، على أن تصبح بين ليلة وضحاها تحت سيطرة النظام السوري.

وحاولت القوات الروسية إلقاء بالون اختبار في مناطق شرق الفرات بدير الزور، حينما أقدمت في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021 على تسيير رتل عسكري يتبع لها مرورا بقرى وبلدات تخضع لقسد للوصول إلى ريف الرقة الشمالي حيث قواعدها العسكرية هناك، إلا أنها فشلت في ذلك بسبب قطع الأهالي للطرق.

وأعقب ذلك خروج مظاهرات احتجاجية في عدة بلدات بريف دير الزور الغربي في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2021 رافضة للوجود الروسي في أراضيها، أو محاولة إيجاد موطئ قدم له تحت أي صفة أو بند.

وتأكيدا لذلك خرج المئات في اليوم نفسه في احتجاجات تحت اسم "جمعة رفض التدخل الروسي"، أو عبور القوات الروسية من المنطقة.

واعتبرت شبكة "الشرقية 24" المحلية، أن الغضب الشعبي جاء ردا مباشرا على ما سمته "التحرك الروسي الخطير"، حينما هدمت في 21 أكتوبر/تشرين الثاني 2021، الساتر الترابي المقام على الحد الفاصل بين مناطق سيطرة قوات "قسد" والنظام السوري في بلدة الصالحية شرق دير الزور.

وبينت الشبكة أن ما جرى كان محاولة لدخول دورية روسية إلى شرق الفرات ومنها إلى ريف الرقة الجنوبي؛ الأمر الذي قوبل برد شعبي كبير.

ورفع المتظاهرون شعارات عدة تحمل عبارات منددة بدخول القوات الروسية لمناطقهم منها "نرفض عبور مرتزقة (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين إلى شرق الفرات- روسيا والنظام وجهان لعملة واحدة".

كما وصفوا موسكو بالاحتلال، وطالبوا بخروج المليشيات الروسية والإيرانية من مناطق شرق الفرات خاصة.

وتتمركز روسيا عسكريا بمحافظة الرقة في عدة نقاط، وأبرزها وجودها المكثف في مطار مدينة الطبقة العسكري القريب من سد الفرات وهو واحد من أهم السدود في سوريا والبلدان العربية ويستفاد منه في مشاريع زراعية وفي توليد الكهرباء، إضافة إلى وجود قواتها في قاعدة عين عيسى.

وهذه هي المرة الأولى التي تحاول فيها روسيا العبور من مناطق دير الزور التي تسيطر عليها مليشيا قسد إلى الرقة.

وجاء ذلك الدخول الروسي باتفاق مع قسد خلال شهر سبتمبر/أيلول 2021، وفق ما تؤكد "الشرقية 24" لـ"الاستقلال".

وأوضحت الشبكة أن الاتفاق "هو بمثابة ورقة ضغط على التحالف الدولي بقيادة واشنطن الموجودة شمال شرقي سوريا".

وكذلك هو خطة مدروسة بين قسد وموسكو لدفع الأهالي من المكون العربي للالتفاف حول قسد التي ما تزال شعبيتها متدنية وتسيطر على مناطق ذات غالبية عربية بقوة السلاح الأميركي وحجة محاربة تنظيم الدولة، بحسب الشبكة.

نموذج درعا

وكشفت أن "الاتفاق ينص ليس فقط على عبور أرتال القوات الروسية بل لتثبيت نقاط جديدة لها في شرق الفرات مما يرسخ القدم الروسية أكثر في هذه المناطق العصية على وجود النظام السوري منذ عشر سنوات حينما طرد منها بعد سنة من اندلاع الثورة السورية مارس/آذار 2011".

وألمحت الشبكة إلى أن "روسيا تسعى لتشكيل مليشيات محلية من أبناء المناطق ذات المكون العربي في مناطق ريف دير الزور الغربي في محاولة منها لتفكيك المنطقة وشطر الولاءات وخلق حالة من التوازن العسكري الجديد هناك".

ويجرى ذلك كله بموافقة من قسد التي تنسق مع روسيا بشكل دائم عبر زياراتها الدورية إلى موسكو ولقاء المسؤولين الروس لبحث مصير المنطقة بشكل عام، وفق قولها.

ورغم تأكيد قوات "قسد" حصولها على تطمينات أميركية بعدم الانسحاب من مناطق شمال شرقي سوريا، على غرار الخروج من أفغانستان، فإنها لا تفتأ في البحث عن بدائل وحلفاء جدد، سواء روسيا أو إيران أو النظام السوري الذي تخوض معه جولات تفاوضية برعاية موسكو.

ولهذا فإن ما يجرى من وقائع ميدانية شرق الفرات، هو نتيجة للمشاورات بين قسد وموسكو.

ولا سيما أن إلهام أحمد الرئيسة المشتركة لذراع قسد السياسي - مجلس سوريا الديمقراطية - تجري زيارات دورية إلى موسكو وآخرها في منتصف سبتمبر/أيلول 2021، للتباحث مع المسؤولين الروس في مصير مناطق الشرق.

لكن ما يشكل امتعاضا من الأهالي هو أن قسد تتفاوض على مناطق عربية ذات ثقل عشائري شرق الفرات، دون مراعاة كثير من خصوصيتها واحتضانها لمناهضين فارين من بطش أجهزة النظام السوري على مدى العقد الأخير.

وفي هذا السياق، تؤكد شبكة "الشرقية 24"، أن "أغلب الأهالي في مناطق شرق الفرات هم من النازحين، الذين تصل نسبتهم إلى 60 بالمئة، الفارين من مناطق نفوذ النظام السوري".

وألمحت "الشرقية 24"، إلى أن "التخوف الأكبر الذي يخشاه الأهالي هو تمدد المليشيات الإيرانية والنظام السوري في المنطقة وأن تعود تحت الأخير".

وهو ما يعني فتح باب التسويات والتصفيات والاغتيالات من جديد مع قضم تدريجي للمنطقة حتى تعود إلى حضن الأسد كما هو النموذج الروسي المطبق في درعا.

خداع العشائر

ولا يمكن عزل التحركات الروسية حاليا في شرق الفرات عن محاولات موسكو استمالة شيوخ العشائر هناك، لتجنيد شبابهم لصالحها، مقابل إعطائهم ضمانات بعدم تعرضهم لأي مضايقات من أجهزة النظام الأمنية.

إذ إن روسيا ومنذ مطلع عام 2021 ركزت بشكل أساسي على ملف العشائر العربية شرق الفرات وفتحت باب مطار القامشلي الذي يعد بمثابة القاعدة الروسية الثالثة لها في سوريا، لاستقبال شيوخ العشائر وفتح نقاشات معهم حول مستقبلهم والاستجابة لمطالبهم، إلا أن شيئا لم يتحقق بل بقيت تلك المناقشات حبيسة جدران القاعدة.

وحول هذه الجزئية أكد المتحدث الرسمي لمجلس القبائل والعشائر السورية المعارضة "مضر حماد الأسعد" في تصريح لـ "الاستقلال": أن رفض مرور الدوريات الروسية التي تضم قوات من النظام السوري هي رسالة واضحة من الأهالي لعدم تمكين قوات قسد أكثر في المنطقة عبر التكاتف مع الروس والنظام كحلف ثلاثي".

وبين أن هذه الخطوة إذا حدثت، فهي تعني ازدياد حالات القتل والاعتقالات والاغتيالات لكون أغلب شباب العشائر هم الذين شاركوا في الثورة السورية.

ونبه الأسعد إلى أن "المكون العربي ينظر إلى قوات قسد بوصفها جزءا لا يتجزأ من المنظومة الأمنية والعسكرية للنظام السوري الذي سلمهم مناطق كثيرة في شمال شرقي سوريا بما فيها من الأسلحة".

وسبق أن تسلم الكونغرس تقريرا استخباراتيا لوزارة الدفاع الأميركية، يتحدث عن رصد أنشطة للنظام السوري تعمل على بناء علاقات مع القبائل والعشائر المحلية في شرق سوريا حيث تنتشر القوات الأميركية.

واطلعت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في 16 يونيو/حزيران 2021، على التقرير موضحة أن تلك الأنشطة تهدف لإثارة اضطرابات وإضعاف الوجود الأميركي هناك.

وفي هذا السياق، قال ليث العواد وهو من ناشطي شرق دير الزور لـ "الاستقلال"، إن "الحديث حاليا في الشارع يدور عن محاولة تجنيب المنطقة عواقب الوجود الروسي الذي يعني بطبيعة الحال دخول أجهزة النظام السوري تحت أي صفقة محتملة مع قسد ".

وبين أن ذلك يأتي ضمن ترتيبات المفاوضات الجارية بين تلك الأطراف والمرتبطة أصلا بالحسابات المستقبلية لأي احتمال انسحاب أميركي مفاجئ.

وأضاف العواد أن "أهالي دير الزور تعلموا الدرس وخبروا عدم مصداقية الروس والتزامهم بالعهود والاتفاقات التي أبرموها في كل المناطق السورية التي حاولوا تقديم أنفسهم كطرف وسيط فيها".

واتضح لاحقا أن ما يجرى هو محاولة لإعادة سيطرة رئيس النظام السوري بشار الأسد على تلك المناطق. 

ولفت العواد إلى أن "الأهالي يدركون مرامي روسيا في محاولة جذب أبناء العشائر العربية في صفوف مليشياتها بهدف مواجهة النفوذ الأميركي وربما حدوث صدامات معها، إضافة إلى دفع عناصر من قسد للانشقاق عنها تحت مغريات كثيرة تقدمها موسكو ما يعني خلق نوع من التوتر يدخل المنطقة في دوامة جديدة".