بإغلاق طرق وموانئ.. هل يتمكن شرق السودان من إنهاء "التهميش والحرمان"؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكدت إذاعة فرنسا الدولية أن قبائل شرق السودان المهمشة منذ عهد الرئيس السابق عمر البشير تسعى اليوم لتحقيق العدالة والخروج من مرحلة الحرمان والإهمال.

وفي ظل الحكم القاسي للبشير، شعرت قبائل شرق السودان بالتخلي والإهمال، بل حملت السلاح ضده. وحتى بعد عامين من الإطاحة به (2019)، ما زالوا مهمشين ومحرومين اقتصاديا.

ومنذ 17 سبتمبر/أيلول 2021، أغلق المجلس الأعلى لنظارات البجا (مجلس لتكوينات قبلية شرقي السودان) كل الموانئ على البحر الأحمر والطريق الرئيس بين الخرطوم وبورتسودان، احتجاجا على ما يقول إنه تهميش تعاني منه المناطق الشرقية.

ويدعو المجلس القبلي إلى إعادة تشكيل حكومة الفترة الانتقالية من "كفاءات مستقلة" (دون انتماءات حزبية ولا سياسية)، وعقد مؤتمر قومي لقضايا الشرق، ينتج عنه إقرار مشاريع تنموية فيه.

ومنذ آلاف السنين، تمتعت القبائل التي تعيش بين الحدود مع مصر وإريتريا بثقافة فريدة من نوعها، مع اللباس التقليدي والمنازل والطعام.

عرقية البجا

وتنتمي المجتمعات الشرقية في السودان إلى حد كبير إلى عرقية البجا التي تسكن التضاريس الصخرية في ولايتي القضارف وكسلا.

ولا يزال اليوم حوالي 90 بالمئة من سكان البجا يعيشون حياة ريفية، وفقا لما ذكره أستاذ علم الاجتماع السوداني موسى سعيد.

 واتبع سكان هذه القبائل حياة الترحال كرعاة ماشية ومزارعين، يتجولون في الأراضي الواقعة بين ضفاف النيل في الغرب وساحل البحر الأحمر في الشرق.

وقال أستاذ علم الاجتماع بجامعة البحر الأحمر موسى سعيد "لطالما كره البجا الحياة الحضرية".

وأضاف أن نحو 90 بالمئة ما زالوا اليوم يعيشون حياة ريفية في أكواخ بسيطة مغطاة بالجوت "على الرغم من قساوتها".

ولأكثر من عقد في عهد البشير، كانت المجتمعات الشرقية جزءا من الكفاح المسلح ضد حكومته احتجاجا على الإهمال الاقتصادي والتهميش والحرمان من الحقوق.

وفي أواخر عام 2018، انضموا إلى مظاهرات على مستوى البلاد ضد حكم البشير أدت في النهاية إلى الإطاحة به في أبريل/نيسان 2019.

لكن وفي الأسابيع الأخيرة، كانوا من بين المحتجين الذين أغلقوا الميناء البحري الرئيس في البلاد والمعروف باسم بورتسودان، إضافة إلى الطريق الرئيس المؤدي إلى الخرطوم، مما أدى إلى ضغوط شديدة على الاقتصاد المتعثر بالفعل.

ومثل الآخرين في جميع أنحاء السودان، دعمت البجا الحكومة الانتقالية التي شكلت في أغسطس/آب 2019 حتى وقعت الحكومة بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك اتفاق سلام مع الجماعات المتمردة بعد أكثر من عام.

وفي إطار الخصومات بين قبائل البجا، عارض البعض اتفاق أكتوبر/تشرين الأول 2020، الذي يتضمن قسما يتعلق بشرق السودان.

وفيما وقعت على الاتفاق أحزاب تهيمن عليها قبيلة بني عامر، استبعدت مجموعات أخرى مثل الهدندوة.

وقال زعيم الاحتجاج سيد أبو آمنة إن الحصار سيستمر "حتى تستجيب الحكومة لمطالبنا، وإلغاء أجزاء من اتفاق جوبا للسلام في الشرق الذي جرى توقيعه مع أشخاص لا يمثلون شرق السودان".

وعلى الرغم من أن المنطقة تشتهر بحقولها الخصبة، فهي غنية بمناجم الذهب وتعد مركزا رئيسا للتجارة البحرية.

إلا أنها أيضا الجزء الأكثر فقرا في السودان، حيث صنفتها الأمم المتحدة من بين أفقر دول العالم.

اللغات والمساواة

قال متظاهر آخر إنه على الرغم من زيارة وفد حكومي في وقت سابق من العام 2021 للمنطقة، فإنها لم تسفر عن شيء.

وقال عبد الله أبو شر أحد قادة الاحتجاج "سلمناهم مطالبنا التي تشمل إبطال أجزاء من الصفقة في الشرق. مرت أربعة أشهر والحكومة لم تتخذ أي خطوات رغم تعهدهم بالعودة إلينا بعد أسبوع من زيارتهم".

ويشكل البجا حوالي 10 بالمائة من سكان السودان البالغ عددهم 45 مليون نسمة، وفقا لأحدث الأرقام الرسمية المنشورة في عام 2008.

وينقسم البجا إلى قبائل مختلفة تتحدث في المقام الأول لهجتين مختلفتين، البدوية والتقراية.

ويعتقد أن البدوية التي تتحدث بها قبائل والأمرار والبشاريين والأشراف، لها صلات باللغة المروية التي ازدهرت خلال مملكة كوش القديمة منذ حوالي 4000 عام.

أما القبائل الأخرى مثل بني عامر والحباب، الذين يعتقد أنهم ينحدرون من شبه الجزيرة العربية، فيتحدثون لغة التقراية- وهي لغة سامية يتم التحدث بها في الغالب في شمال غرب إريتريا.

وتتشارك هذه القبائل الكثير من ثقافتها وطريقة حياتها.

وقال الباحث في تاريخ القبائل مختار حسين: إن الرجال يحمون أيضا نساء القبائل، خاصة في المناطق الريفية حيث "لا يسمح للغرباء برؤيتهن".

لكن على مر القرون، شاب هذا التعايش الخصومات القبلية التي امتدت إلى قتال متقطع، غالبا على الأرض والموارد.

وبلغت التوترات ذروتها، لا سيما بين قبيلتي الهدندوة وبني عامر، بعد أن وقع أفراد من المجموعة الأخيرة على قسم يتعلق بالشرق في اتفاق السلام في أكتوبر / تشرين الأول 2020.

وقاد الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في 17 سبتمبر/أيلول 2021 في بورتسودان، "الناظر ترك" زعيم قبيلة الهدندوة الذي يطالب بإلغاء القسم من الصفقة بشرق السودان.

وقال لقناة الحدث السعودية في ذات الشهر "نحن ندافع عن قضية عادلة".

وألقى حمدوك في أكتوبر/تشرين الأول، باللوم في الأزمة، على "إهمال" و"تهميش" الشرق منذ عقود في الأزمة الأخيرة وتعهد بمعالجتها.

لكن الكثيرين من قبائل الباجا يعتقدون أن الحكومة الانتقالية لم تفعل شيئا يذكر لمعالجة مظالمهم.

وقالت أوهاج عيسى من بورتسودان "خرجنا ضد البشير سعيا لتحقيق المساواة، لكن هذا لم يتحقق بعد".

ومنذ 21 أغسطس/ آب 2019، يعيش السودان فترة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام، في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020.