أحمد الكزبري.. ذراع اقتصادي للأسد يعطل صياغة دستور جديد لسوريا

مصعب المجبل | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

حينما ولدت فكرة اللجنة الدستورية السورية من رحم القرار الأممي 2254، عام 2015 الممهد للحل السياسي في البلاد، اعتبر رئيس النظام بشار الأسد أن صياغة دستور جديد للبلاد هي "لعبة سياسية".

إلا أن الأسد أوكل رئاسة وفده لهذه "اللعبة" إلى أحمد نبيل الكزبري وهو شخصية مقربة منه وذراع اقتصادي قديم له، ليلعب الأخير دور المعطل لجولات اللجنة التي انعقدت بمبنى قصر الأمم بمدينة جنيف السويسرية منذ 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

وتولى إدارة جلسات المباحثات الرئيسان المشتركان عن النظام أحمد الكزبري، وعن المعارضة هادي البحرة، على أن تكون مهمة اللجنة محصورة بصياغة دستور جديد تقوم عليه انتخابات برلمانية ورئاسية قادمة، انطلاقا من حاجة سوريا إلى إصلاح دستوري شامل وعصري، يعكس طموحات وتطلعات الشعب بعد ثورة شعبية تفجرت في مارس/آذار 2011.

وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، انتهاء الجولة السادسة، لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف "دون تحقيق تقدم".

وأوضح بيدرسون، خلال مؤتمر صحفي عقده بمقر الأمم المتحدة في جنيف، أن "الجولة اختتمت، بخيبة أمل كبرى، إذ أنها لم توصلنا إلى أي تفاهمات، أو أرضية مشتركة، بين الأطراف السورية".

وتابع: "وفد النظام (برئاسة الكزبري) لم يقدم أوراقا في اليوم الأخير للاجتماعات، ما شكل خيبة أمل كبرى".

النشأة والتكوين

ولد الكزبري في 12 أغسطس/آب 1971 في العاصمة السورية دمشق، وحصل على دكتوراه في القانون الدولي وماجستير في القانون من بريطانيا، وإجازة في الحقوق من "جامعة دمشق"، وانتمى مبكرا لحزب "البعث" الحاكم.

وشغل منصب رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في برلمان النظام السوري، وعضو المجلس ذاته منذ 2012، وعضو كل من "نقابة المحامين بدمشق"، و"رابطة الحقوقيين السوريين" و"نقابة المحامين الدوليين" ببريطانيا و"اتحاد المحامين الدوليين" في فرنسا، و"نقابة محامي المحيط الهادئ" في اليابان.

كان أحد أعضاء "اللجنة الوطنية" التي أعدت دستور عام 2012 الحالي، الذي يتمسك به بشار الأسد ويرى صلاحيته، على عكس المعارضة التي رأته مفصلا على مقاس رئيس النظام.

ويعد الكزبري شريكا مؤسسا في بنكي "الشام" منذ سبتمبر/أيلول 2006، و"الشرق" الذي تأسس في أبريل/نيسان 2008 ومقرهما بالعاصمة دمشق.

كما كان أحمد الكزبري عضوا في وفد النظام السوري لمفاوضات جنيف مع المعارضة منذ العام 2014، وعضوا أيضا في مباحثات أستانا.

وكان عضوا أيضا في وفد الأسد إلى "مؤتمر الحوار الوطني" السوري، الذي أقيم في مدينة سوتشي الروسية يناير/كانون الثاني 2018، والذي قررت فيه الأطراف السورية والأمم المتحدة وتركيا وإيران وروسيا تشكيل لجنة لمراجعة دستور سوريا.

وتشكلت اللجنة الدستورية الخاصة بسوريا، برعاية أممية في 23 سبتمبر/أيلول 2019 وتألفت في البداية من 150 عضوا، يمثلون النظام والمعارضة والمجتمع المدني السوري بالتساوي بحيث تسمي كل جهة 50 عضوا، إلى أن جرى اختصارها بهيئة مصغرة تضم 45 عضوا بالتساوي.

خاضت اللجنة الدستورية من 30 أكتوبر/تشرين الأول 2019 حتى يناير/كانون الثاني 2021 خمس جولات من أعمالها، دون تحقيق أي نتائج ملموسة إلى درجة أن المبعوث الأممي "غير بيدرسون" وصف مناقشات الجولة الخامسة بأنها "مخيبة للآمال"، قبل أن تنطلق السادسة في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

الرئيس المعطل

كان وفد النظام السوري بقيادة الكزبري، يحرف المناقشات بعيدا عن المبادئ الأساسية للدستور ويركز على جوانب ليست من اختصاصات اللجنة المكلفة بصياغة الدستور.

كان الكزبري يلعب على عامل الوقت والمماطلة دون تحقيق أي نتائج حقيقية بوصفه خبيرا قانونيا لديه القدرة على إضاعة الوقت، متبعا إستراتيجية العرقلة والتعطيل والحديث بالسياسة وبالشق الأكاديمي النظري مما يدخل الجلسات في متاهات بعيدة.

وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 أعلن الكزبري أن الوفد الذي يقوده لم يأت إلى جنيف "من أجل بناء دولة جديدة"، بل قال: "أتينا لإصلاح الدستور والذي قد يكون بتعديل بعض مواد الدستور الحالي (لعام 2012)".

وفي إحدى جلسات اللجنة الدستورية نهاية سبتمبر/أيلول 2019، عمد أحد أعضاء وفد الأسد بقيادة الكزبري، بتوجيه تهمة الإرهاب إلى وفد المعارضة، ما أثار اضطرابا بشحن أجواء الجولة حينها بالتوتر لدفع الوفد الأخير للانسحاب مما يكسب النظام بعض الوقت.

ولم يقف وفد الكزبري عند هذا الحد من استفزاز المعارضة، حيث كان كثيرا ما يوتر الأجواء.

ومنها حينما ذكر أحد أعضاء وفد المعارضة اسم "الشام" خلال إحدى الجلسات، ليتدخل الكزبري ويقاطعه بالقول: "الشام شامنا ونحن من يتحدث عنها.. كلمة ثانية وسأتصرف معك".

ولطالما كان الكزبري يستخدم جملة "دستورنا عاجبنا وبلدنا عايشين فيها وطاير عقلنا" أمام وفد المعارضة السورية في جنيف.

وهو مشهد نظر فيه إلى الكزبري على أنه قادم بمهمة واحدة وهي اللعب على الوقت والحضور للدلالة على أن النظام منخرط في العملية السياسية دون تحقيق أي اختراق يفضي إلى الخروج من المأساة السورية.

والغريب أن الكزبري كان يردد رواية النظام السوري في مهاجمة تركيا، ولا سيما في تسمية وفد المعارضة السورية في اللجنة الدستورية بـ"وفد النظام التركي".

هذا فضلا عن اتهامه وفد المعارضة في مقابلاته الصحفية بالمماطلة في الجلسات حتى "تأتيه الأوامر من الخارج" وفق تعبيره.

وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول عام 2020 أوقفت روسيا باخرة نفط متجهة إلى السواحل السورية ممولة من الكزبري لتخفيف أزمة المحروقات التي تعاني منها مناطق نفوذ النظام، وفق ما ذكرت قناة الحرة الأميركية.

وحينها قيل إن أسباب إيقاف الباخرة تعود إما لأمور مالية وغرامات أو بشأن ضغوط على نظام الأسد لتوقيع اتفاقيات اقتصادية جديدة مع روسيا، وثالثها الضغط لتحقيق التقدم في العملية السياسية واللجنة الدستورية.

واجهة مشبوهة

استفاد الرجل من تطوير علاقاته المالية بالاعتماد على شقيقه، رجل الأعمال شادي الكزبري الذي توفي عام 2018، وهذ الأخير تزوج يارا ابنة اللواء بهجت سليمان سفير النظام السابق في الأردن، والذي توفي في فبراير/شباط 2021.

جرى الاعتماد على الكزبري بلعب دور الواجهة التجارية لأموال سليمان وأولاده التي جرى جمعها من عمليات فساد لبهجت منذ عام 1984.

وعقد بهجت صفقات مشبوهة بملايين الدولارات جرى تمريرها حينما تسلم رئاسة الفرع "251" التابع للمخابرات العامة عام 1998.

وحصل بهجت على ترقية بعد عدة أشهر إلى رتبة لواء، كما أنه منذ عام 1994 أسندت له مهمة تأهيل بشار الأسد لخلافة والده في الحكم عقب مقتل أخيه الكبير باسل بحادث سير في دمشق في التاريخ المذكور.

وهو الأمر الذي زاد من الإمبراطورية المالية لأذرع بهجت والذي يعد الكزبري واحدا من المساهمين فيها بشكل غير قانوني.

واستمر ذلك مع أولاد بهجت بعد وفاة أبيهم، بحسب تقارير محلية.

ووفقا لموقع "مع العدالة"، فإن أحمد الكزبري عمل على إدارة أموال بهجت سليمان، وأموال أبنائه مجد وحيدرة، ووفر لهم التغطية القانونية لأعمالهم وعقودهم وصفقاتهم المشبوهة.

متورط بالقمع

ويؤكد "مع العدالة"، أن الشقيقين أحمد وشادي الكزبري اتهما باضطهاد الثورة السورية، عبر تمويل مليشيات محلية، شاركت في عمليات القمع إلى جانب قوات النظام السوري، وتسمى محليا بـ "الشبيحة" وهم عبارة عن خليط من مدنيين وعسكرين مهمتهم مهاجمة المتظاهرين والاعتداء عليهم حد الموت.

كما تورط رئيس وفد النظام الحالي في اللجنة الدستورية أحمد الكزبري، في علاقات مشبوهة مع "نوح زعيتر" والذي يطلق عليه لقب "ملك المخدرات اللبناني" والذي تربطه علاقة وثيقة مع "حزب الله" اللبناني.

ويعد أحمد الكزبري من المقربين للعقيد سامر البريدي، مدير مكتب رئيس مكتب الأمن الوطني التابع للنظام السوري اللواء علي مملوك والأخير هو يد بشار الأسد الاستخباراتية الأولى والممسك بالملف الأمني برمته في البلاد.

ورغم أن أحمد الكزبري حديث عهد بالسياسية، فإنه يعد واجهة اقتصادية لآل الأسد، ويعتبر أيضا من المحسوبين على الدائرة الضيقة للعائلة. 

 فهو رغم أنه يجيد التعامل مع الأمور القانونية لتمرير الصفقات بدعم من رجال السلطة، إلا أن دخوله المعترك السياسي كان بتزكية مباشرة من اللواء بهجت سليمان تقديرا لجهوده في تنمية تجارة عائلته الضخمة بطرق التفافية كثيرة.

ولهذا قيل إن سليمان هو من طرح اسمه ليتولى مناصب أعلى في الوفود التي تمثل النظام بالخارج.

إذ قال واصفا إياه: "كان الكزبري مقاتلا شرسا في الوفود التي كانت تمثل سوريا في الخارج، وكان مثال المؤمن المخلص لوطنه والذي يعمل ليل نهار لأجل الوطن"، وفق ما نقل موقع زمان الوصل المعارض.