حاكم سياسي أم "شهبندر التجار"؟.. إيران تنصب فخا للاقتصاد اللبناني

مصطفى العويك | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد استثمارها الطويل والمستمر أمنيا وعسكريا في لبنان والعراق واليمن وسوريا، تحاول إيران أن تدخل إلى عمق الدول العربية بأهداف اقتصادية، وفي لبنان تسعى لأن تكون "شهبندر التجار" الذي يستحوذ على السوق كاملا ولا يخرج من جعبته مشروع.

وعبرت عن ذلك بوضوح، خلال زيارة وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021، حيث أكد سعي بلاده للحصول على مشاريع استثمارية في لبنان، كإعادة ترميم مرفأ بيروت، وبناء معامل إنتاج للكهرباء.

تغيرات إستراتيجية

تصريحات عبد اللهيان أتت عقب لقائه كلا من الرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ونظيره عبد الله بو حبيب.

وأعلن اللهيان في مؤتمر صحفي مع نظيره اللبناني، استعداد طهران لبناء معملين لإنتاج الطاقة الكهربائية، أحدهما في بيروت، والآخر في الجنوب، كما تحدث عن إمكانية المساعدة في استحداث مشاريع لبناء سكك حديدية ومترو أنفاق، وغيرها من المشاريع الحيوية.

هذا الاهتمام الاقتصادي لإيران في لبنان، وإعلانها بناء مشاريع استثمارية كبرى، ليس الأول، فقد حاولت سابقا ولمرات عديدة الدخول إلى الميدان الاقتصادي.

لكنها كانت تواجَه برفض رسمي، خوفا من العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها، والتي تحظر على الدول التعامل معها، وأيضا مراعاة للدول الخليجية التي يعمل بها أكثر من 300 ألف لبناني، فضلا عن معاداتها إيران. 

ويأتي تصريح اللهيان، بعد أقل من شهر على إعلان أمين عام "حزب الله" اللبناني، حسن نصر الله، في 20 سبتمبر/أيلول 2021، استعداد طهران للمشاركة في التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية.

وجاء أيضا بعد نجاح "حزب الله" في سبتمبر/أيلول 2021، من تفريغ أول باخرة مازوت إيراني في سوريا وإدخالها عبر الصهاريج إلى لبنان بطرق غير شرعية، تحسبا للعقوبات الأميركية، لسد حاجة السوق من هذه المادة الحيوية.

فهل يعتبر عرض عبد اللهيان تغيرا في الإستراتيجية الإيرانية تجاه لبنان، بعد أن كانت طهران تستثمر فقط في "حزب الله"؟ وهل هذه هي أولى نتائج الصفقة الإيرانية الفرنسية التي أدت إلى تشكيل حكومة لبنانية جديدة بعد مخاض عسير استمر زهاء 13 شهرا؟ 

فتح اقتصادي

في حديث لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، مطلع مارس/آذار 2021، قال أمين سر مجلس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، محسن رضائي، والذي قاد الحرس الثوري لمدة 16 عاما، إنه "لا يوجد سبب يدفعنا للمساعدة في الأمن بالعراق وسوريا، ومن ثم رؤية الدول الأخرى تجني فوائد اقتصادية".

وأضاف بأن "البضائع الإيرانية يجب أن يكون لها وجود قوي في المنطقة".

ما قاله رضائي، الذي عينه الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي نائبا له للشؤون الاقتصادية، وأمينا عاما للمجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي، يعد مؤشرا واضحا على الإستراتيجية الإيرانية الجديدة في الدول التي تسيطر على قرارها السياسي. 

فإيران لم تعد تقبل أن ينحصر دورها في التجهيز والإمداد العسكري، بل تريد فتح أسواق جديدة أمام سلعها وبضائعها، وتكريس سيطرتها السياسية والعسكرية في الميدان الاقتصادي أيضا، في محاولة منها للخروج من أزمتها الاقتصادية.

وتندرج زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت، وتعبيره الصريح عن رغبة طهران في التحول من "راع سياسي" لحزب الله، إلى "راع اقتصادي" للقطاعات الحيوية في لبنان، ضمن إطار هذه الإستراتيجية الجديدة.

بيد أن هذا "الفتح" يجد صعوبات كثيرة، لا تنحصر فقط في العقوبات المفروضة على طهران، بل تتجاوزها إلى معوقات محلية وأخرى عربية ودولية.

وتساءلت الكاتبة الصحفية اللبنانية جوزفين ديب، في تقرير نشره موقع "أساس" المحلي في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عن "مدى استطاعة إيران فعليا دخول الساحة اللبنانية من البوابة الاقتصادية، دون الراعي التقليدي لعالم الاقتصاد والمال في لبنان المتمثل بالسعودية؟"

واعتبرت ديب أن "تصريحات عبد اللهيان تعزز مشهد المنافسة العربية- الفارسية على القطاعات اللبنانية، لا سيما أنه يأتي بالتزامن مع الجهود العربية الحثيثة التي تقودها الأردن لتزويد لبنان بالكهرباء". 

ولفتت إلى أن الوزير الإيراني "اقترح على من قابلهم من الصحفيين أن تعمل الحكومة اللبنانية للحصول على استثناء من العقوبات الأميركية من أجل تنفيذ المشاريع التي تحدث عنها".

سيطرة حزب الله

وتعول طهران في دخولها السوق اللبنانية على "حزب الله"، الذي يسيطر بشكل كامل على القرار السياسي في البلاد. 

وكان نصر الله، وكذلك نواب حزبه وقياداته، يواظبون مع ظهور بوادر الأزمة الاقتصادية، على حث الحكومة اللبنانية للتوجه شرقا -أي تغيير دفة اقتصاد البلاد المعتمد على برامج التنمية والمشاريع المشتركة مع أميركا والدول الأوروبية، وبتمويل عربي-، للاعتماد على إيران والصين كبديل عنها للخروج من نفق الأزمة.

كما أعلن نصر الله أكثر من مرة، استعداد إيران لتزويد لبنان بما يحتاجه وبالعملة الوطنية.

ولفت في خطابه في 22 أغسطس/آب 2021، إلى الصعوبات التي تواجه نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا، والذي يحتاج إلى 6 أشهر على الأقل، وإلى مفاوضات وقبول من البنك الدولي، وأيضا إلى التفاوض مع النظام السوري.

ووجه تحذيرا مباشرا إلى تحالف الشركات النفطية التي حصلت على امتياز التنقيب في المياه اللبنانية، وهي "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية و"نوفاتك" الروسية، بأنه "إذا أصرت على الامتناع عن الحفر والتنقيب، فنحن جاهزون (حزب الله) للاستعانة بشركة إيرانية، ولديها الجرأة ولا تخاف من العقوبات الأميركية، ولتجرؤ إسرائيل على استهدافها".

وفي هذا الإطار، يرى الباحث والأستاذ الجامعي، نبيل الخوري، في مقالة نشرها بموقع "المدن" اللبناني، في 9 أكتوبر/ تشرين الأول2021، أن "إطلاق دينامية جديدة للدبلوماسية الاقتصادية الإيرانية سيزيد من حدة التنافس الاقتصادي بين الأقطاب الخارجيين الموجودين أيضا في لبنان في ظل حاجته الماسة إلى الاستثمارات".  

وأشار الخوري إلى "توجه غربي جديد في التعاطي مع الشرق الأوسط، يتمثل في الابتعاد عن منطق التدخل المباشر، لصالح تعزيز دور اللاعبين الإقليميين، من خلال إضفاء طابع إقليمي على إدارة الأزمات". 

وإذا ما تم تكريس هذا التوجه، بالتزامن مع نجاح المفاوضات الأميركية – الإيرانية، لن تكون إيران "لاعبا منبوذا" في الشرق الأوسط، حيث ستبرم التسويات وتعقد التفاهمات من لبنان إلى اليمن، مرورا بسوريا والعراق، على قاعدة الخروج من دوامة الأزمات المفتوحة والدخول في مرحلة تقاسم "قالب الحلوى".

رفض شعبي

بيد أن "قالب الحلوى" اللبناني يبدو أنه لم ينضج بعد، فلم يكد رأس الدبلوماسية الإيراني تطأ قدماه أرض بيروت، حتى قوبل بموجة غضب واسعة. 

وانطلقت مسيرة دعت إليها المجموعات السيادية، في نفس توقيت وصوله، من منطقة الأشرفية شرق بيروت، حتى مقر الخارجية اللبنانية؛ رفضا لوجود الضيف الإيراني في بيروت، رافعين شعار "لا للاحتلال الإيراني، لا لسلطة الخضوع والخنوع".

كما أن الرئاسات الثلاث التي زارها عبد اللهيان كانت حذرة للغاية في تصريحاتها، فلم يصدر موقف رسمي لبناني واضح من العرض الإيراني، بل شددت على ضرورة تعزيز المفاوضات بين طهران والرياض، رغم أن الرئيس عون وبري حليفان وثيقان لـ"حزب الله". 

كما سارع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عقب لقائه الوزير الإيراني، إلى زيارة الصرح البطريركي (مقر البطريركية المارونية)، وأعلن أن السعودية هي "قبلته الدينية والسياسية".

وفي تقرير نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تحدث الصحفي نذير رضا عن أن "لبنان يتعامل بحذر شديد مع العرض الإيراني للتعاون الاقتصادي، بالنظر إلى أن أي خطوة من هذا النوع تحتاج إلى دراسة لجهة ارتداداتها السياسية وجوانبها القانونية، على ضوء العقوبات المفروضة على إيران والمتعاونين معها". 

وأضاف رضا نقلا عن مصادر حكومية بأن عرض الوزير الإيراني "لا يزال عبارة عن موقف سياسي، لم يترجم باقتراحات عملية أو آليات تنفيذية كي يتم تحديد موقف لبنان منه".

وفيما يمكن أن يعتبر ردا على عرض الوزير الإيراني، زار ميقاتي العاصمة الأردنية عمان، في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، واجتمع بالملك عبد الله الثاني؛ لتسريع مسار نقل الكهرباء والغاز.

ويقول مدير المركز اللبناني للدراسات والاستشارات، حسان قطب، إن "ربط الاقتصاد اللبناني الضعيف بالاقتصاد الإيراني هو حلم طهران وهدفها على المدى البعيد".

ويعتبر قطب في حديث لـ"الاستقلال" أن "استيراد النفط الإيراني هو أحد أوجه تطوير التبادل التجاري بين البلدين".

ويضيف بأن "حزب الله يعمل كوسيط بين إيران والتجار لتطوير هذا التبادل"، لافتا إلى أن إيران تريد الاستفادة من الموانئ اللبنانية لتصدير منتجاتها إلى دول مختلفة عبر تجار لبنانيين.

من جهتها، ترى الصحفية منال زعيتر، المقربة من حزب الله، في حديث لـ"الاستقلال" أنه "في حال عدم قبول الدولة اللبنانية بالعرض الإيراني لبناء معملي كهرباء، فإن حزب الله سيلجأ إلى الطريقة ذاتها التي استقدم بها بواخر النفط الإيراني، والسماح للشركات الإيرانية ببناء معامل كهرباء في مناطق نفوذه".

وختمت حديثها بالقول: "قد يتحول العرض الإيراني الرسمي للدولة إلى هبة، وهو ما لا يمكن للدولة رفضه في ظل غياب البدائل".