شارك بقمة "فيشغراد".. لماذا يدعم السيسي التحالف الأوروبي المعادي للمسلمين؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"هذا أمر لا يرضي ربنا، وما لا يرضي ربنا إحنا موجودين معاه ندعمه ونؤيده"، كانت هذه زلة لسان بالعامية المصرية وقع فيها رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي 20 أغسطس/ آب 2013 حينما كان وزيرا للدفاع، وذلك بعد 6 أيام من ارتكابه مجزرة فض "رابعة العدوية".

هذه الجملة تلاحق السيسي، منذ انقلابه على الرئيس الراحل محمد مرسي 3 يوليو/ تموز 2013، نظرا لارتكابه أفعالا تؤكد أنها لم تكن أبدا زلة لسان، وأنه "يدعم ويؤيد ما لا يرضي الله".

وجاءت مشاركة السيسي في قمة إقليمية بالعاصمة المجرية بودابست 13 أكتوبر/ تشرين الثاني 2021، لتؤكد مواصلته تلك الأفعال، وتكشف عن دعمه الدائم لقادة ودول أهانت الإسلام وتعمل على ازدراء المسلمين وحرمانهم من ممارسة شعائرهم بحرية.

قمة فيشغراد

هذه لم تكن المرة الأولى التي يشارك السيسي، فقد حضر عام 2017؛ قمة دول تجمع "فيشغراد"، الإقليمي بشرق أوروبا والتي تضم "المجر، والتشيك، وبولندا، وسلوفاكيا"، رغم أن حكومات "بودابست" و"براغ" من الأكثر تطرفا ويمينية وعنصرية تجاه الإسلام والمسلمين.

إثر القمة، شكر السيسي حكومة المجر كونها أول الداعمين له، قائلا إنها "قدمت الدعم مبكرا، ووثقت بقدرة مصر على تجاوز الظروف الصعبة أعوام 2011 و2012 و2013"، في إشارة لثورة يناير، وفوز رئيس من جماعة الإخوان بحكم مصر (محمد مرسي)، والانقلاب عليه.

وفرضت المجر والتشيك، إجراءات عقابية ضد الجالية الإسلامية ومساجدها وجمعياتها، كما أنها وكبوابة شرقية لأوروبا أغلقت حدودها بوجه اللاجئين الأفغان 2021، وقبلهم السوريين واليمنيين والعراقيين منذ 2015، وأعلنت صراحة رفضها استقبال المسلمين بأراضيها.

كما أن لتلك الدول مواقف داعمة بشدة لسياسات الكيان الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين، إذ كان رئيس التشيك ميلوس زيمان ضيفا في مؤتمر اللوبي الأميركي "إيباك" لدعم الاحتلال في واشنطن عام 2015، وأعلن رغبته في نقل سفارة بلاده إلى القدس عام 2018.

مجموعة "فيشغراد"، تحالف ثقافي سياسي عسكري اقتصادي وسط أوروبا للدول الأربع المنضمة للاتحاد الأوروبي منذ 2004، وتسميتها ترجع لقمة قادة تشيكوسلوڤاكيا، والمجر، وبولندا بقلعة "فيشغراد" المجرية فبراير/ شباط 1991.

ووفق "موسوعة المعرفة"، تقوم الأنظمة الأربعة على "تخويف شعوبها من كل الأعراق المحيطة بها"، و"إثارة النعرات القومية بين مكونات كل بلد منهم"، و"تغذية كراهية هائلة تجاه الأجانب العابرين لتلك البلاد (بشكل غير شرعي)، وضد الإسلام".

مؤسس "موسوعة المعرفة" الأكاديمي نايل الشافعي، يصف تلك المجموعة بأنها "تجمع لأنظمة فاشية شديدة العداء للجنس البشري"، مبينا أن "دول العالم تتجنب التواصل مع التجمع البغيض الفقير هزيل التنمية، متسائلا: "لماذا يذهب السيسي، لثاني مرة، للقائهم؟"

ومن تساؤل الشافعي عن أسباب زيارة السيسي لتجمع فقير، سخر الخبير المصري بمجال النشر هشام قاسم قائلا: "إن فاتك البيت الأبيض، اتمرغ في (فيشغراد)"، في إشارة إلى ما يعانيه رئيس النظام من عزلة سياسية غربية وأميركية، بسبب ملفه الحقوقي واعتقال أكثر من 60 ألف معارض.

الكاتب الصحفي وائل قنديل وفي مقال له بموقع "العربي الجديد" 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أكد أن التجمع الذي زاره السيسي "ينعقد في عاصمة لا تحترم حقوق الإنسان من الأصل، وفي الذاكرة القريبة صورة المهاجر السوري الذي تركله مصورة صحفية مجرية بحذائها الثقيل".

"رهاب الإسلام"

ومنذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في الولايات المتحدة، يتعرض المسلمون في كامل أوروبا إلى الاضطهاد والقتل والتنكيل والازدراء.

وتزايدت ظاهرة "الإسلاموفوبيا" التي تحولت إلى "رهاب من الإسلام"، ما فاقم الجرائم ضد المسلمين، إلا أن حكومات بعض الدول كانت أشد عنصرية من شعوبها.

وهو ما ينطبق بشكل كبير على الرئيس التشيكي ميلوس زيمان المثير للجدل بمواقفه تجاه القضية الفلسطينية خاصة، وقضايا المسلمين بشكل عام، والذي شاركه السيسي بحميمية اجتماع قمة "فيشغراد".

وبعد قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بنقل سفارة واشنطن للقدس ديسمبر/ كانون الأول 2017، أعرب زيمان عن خيبة أمله أن أحدا ما سبقه إلى تلك الخطوة.

مارس/ آذار 2018، أعلن الرئيس التشيكي رغبته تسريع إجراءات نقل سفارة بلاده إلى القدس، وقال إنها خطوة لها أولوية قصوى.

ويعرف زيمان بلهجته المعادية للإسلام الذي وصل تلك الأرض في القرن الـ10 الميلادي، ويواصل الرئيس التشيكي التحريض ضد 30 -50 ألف مسلم يعيشون في الدولة التي تأسست عام 1993، بعد 70 عاما من الوحدة مع سلوفاكيا.

زيمان، يفضل عدم رؤية مسلمين في أوروبا، مدعيا أن الإسلام وأوروبا لا يتوافقان.

وقال لوكالة الأنباء التشيكية "تاسر" 16 ديسمبر/ كانون الأول 2016: "نحترم الدول الإسلامية (...) ومعتقدها، ما دام سكانها لا يأتون إلى أوروبا، لأنه بمجرد وصولهم تصطدم الحضارتان".

وفي 17 يناير/ كانون الثاني 2016، زعم أن "اندماج المسلمين مستحيل عمليا وأنه يجب ألا نسمح لهم بدخول أوروبا".

كما أعلن معارضته مرارا استقبال اللاجئين بأوروبا، وصرح في يوليو/ تموز 2015، أنه يفضل "المهاجرين المسيحيين بدلا من المسلمين".

وفي المجر التي استقبلت السيسي خلال قمة "فيشغراد" يعاني المسلمون ضغوطا حكومية وقرارات مجحفة تعيق ممارسة شعائرهم.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، اتخذت بلدية مدينة "أسوثالوم" المجرية قرارا بمنع بناء المساجد، وعدم رفع الأذان، أو ارتداء المسلمات "النقاب" ولباس البحر "البوركيني"، في خطوة تزيد من تضييق الخناق على المسلمين.

وأظهر رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان رفضه لموجات الهجرة عامي 2015 و2016، وكان ممن عارضوا سياسة "الباب المفتوح" التي انتهجتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لاستقبال اللاجئين العرب والمسلمين.

ودأب السيسي على دعم دول تقهر المسلمين وتتخذ بحقهم إجراءات قاسية مثل فرنسا التي أيدها وقت أزمتها مع العالم الإسلامي 2020، والصين التي دعم ملفها الحقوقي بالأمم المتحدة أكثر من مرة على حساب مسلمي الإيغور الذين اعتقل الكثير منهم بالقاهرة وسلمهم لبكين.

وغيرها من المواقف المشابهة، مثل تحريض السيسي قادة ودول أوروبا على المسلمين ومساجدهم وجمعياتهم واتهامهم بأنهم منبع الإرهاب في الغرب.

إذ زعم بأن انتشار "الإرهاب" و"التطرف" هو لـ"غياب رقابة القادة الأوروبيين على المساجد، وعدم معرفة الخطاب الديني الموجه للمسلمين فيها".

السيسي، وخلال كلمته بمؤتمر "ميونخ للأمن" فبراير/ شباط 2019، والذي يضم تجمعا دوليا حاشدا دعا قادة أوروبا إلى "عدم ترك المساجد دون رقابة، مع تصويب الأوضاع في أوروبا بإصلاح الخطاب الديني"، في تحريض علني ضد ملايين المسلمين وجمعياتهم ووصمهم بالإرهاب.

وساهمت تلك الدعوات وغيرها بتزايد الاعتداءات على الجاليات المسلمة والعربية في أوروبا.

جبهة اضطهاد

وتعجب مراقبون تحدثوا لـ"الاستقلال" من إصرار السيسي على الدعم والمشاركة والتقارب من دول يمينية رغم اتخاذ حكامها مواقف متطرفة تجاه المسلمين والمهاجرين والقضايا العربية المصيرية.

ويقول الدبلوماسي المصري السابق عبدالله الأشعل: "من الناحية النظرية مشاركة السيسي بتلك القمة تعد دعما لهذه الجبهة، ولكن ربما تكون أيضا لكسر العزلة الأميركية التي يعاني منها"، لافتا إلى محاولة تعويض عدم لقائه بالرئيس جو بايدن طوال 2021.

الأشعل، يضيف لـ"الاستقلال"، "في ضوء مواقفه من التيارات الإسلامية ومن الإسلام بشكل عام ربما يبدو أنه يدعم تلك الجبهة المعادية للمسلمين، ولكني أعتقد أنه غير مدرك بأن مشاركته هذه تضر بالجماعات والتجمعات الإسلامية في أوروبا وغيرها".

ويرى السياسي المصري، أن السيسي "متخبط؛ لا يعرف مدلول ما يفعله"، مؤكدا أننا "لسنا في وضع يمكننا أن نحدد على وجه اليقين، هل هو مع هذه الجبهة التي تضطهد المسلمين أم أنه يحل مشكلته هو شخصيا مع العزلة".

وبشأن ما يرتجى لمصر من مشاركة السيسي للمرة الثانية في مثل هذا التجمع، يقول الأشعل: "مصر يعود عليها دائما الضرر من تصرفات حكوماتها".

وفي رؤيته يقول الباحث المصري المتخصص في التربية السياسية يحيى سعد: "كما كان (الرئيس الأسبق) حسني مبارك من أوائل من صنعوا ظاهرة الإسلاموفوبيا وحرضوا الغرب ضد المسلمين، فالسيسي أيضا يذكي نار هذه الحالة ضد مسلمي العالم".

ويضيف لـ"الاستقلال"، أنه "أخطر على المسلمين من أعدائهم؛ ولا مانع عنده من أن يتاجر بكل القضايا من أجل إطالة فترة بقائه في الحكم وتنفيذ أجندة الصهاينة"، وفق تعبيره.

سعد، ذكر أمثلة تؤكد تحريض السيسي على المسلمين في أوروبا وغيرها، وتعاونه مع حكومات تزدري الإسلام والمسلمين، مبينا أنه "دائم التحذير لدول أوروبا والعالم من خطر محتمل يأتي من الخطاب الديني داخل المساجد، وكثيرا ما دعا قادة أوروبا لمراقبتها".

ويلفت إلى أنه "خلال مشاركته بمؤتمر ميونخ للأمن، فبراير/ شباط 2019، دعا الأوروبيين إلى مراقبة المساجد ودور العبادة، حاثا إياهم على إصلاح الخطاب الديني، وقال إنه داوم في لقاءاته مع المسؤولين الأوروبيين وأي دولة أخرى على حثهم للانتباه لما ينشر بدور العبادة".

وفي تقديره لأسباب إصراره على الاستهانة بمشاعر المسلمين لإرضاء دول مثل مجموعة "فيشغراد" وفرنسا والصين وغيرها، يرى الباحث المصري بأن "السيسي له أجندته التي تلتقي مع مصالح تلك الدول، سواء كانت مالية لجلب مزيد من القروض، أو سياسية للتزلف للغرب والشرق لتثبيت وجوده بالسلطة".

ويختم بالقول: "كما أنه رجل مخابراتي علماني التكوين، معاد لكل مرجعية إسلامية في التفكير".

فرنسا والصين

مشاركة السيسي في القمة، غير ذات الأهمية الكبيرة لمصر وفق مراقبين، ودعمه قادتها، ليس هو التصرف الأول منه تجاه دول تضطهد المسلمين وتمارس القيود على الإسلام.

وبرغم الغضب الإسلامي من تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحق الإسلام وقرارات فرنسا تجاه المسلمين، فإن السيسي كان الداعم الأكبر له رغم الغضب الإسلامي الواسع وتدشين وسوم لمقاطعة المنتجات الفرنسية.

ماكرون، الذي كشف حجم عدائه للإسلام وتحريضه على المسلمين في الثاني من أكتوبر/ تشرين الثاني 2020، قال إن "الإسلام يعيش أزمة بأنحاء العالم، وهناك نزعة انعزالية إسلامية تنكر قيم الجمهورية الفرنسية وتسعى لإقامة نظام مواز".

وبعد أسابيع من تصريحات ماكرون، أطلقت حكومته قانون ما يسمى "مكافحة الانعزالية الإسلامية" والذي يعزز القبضة الأمنية على مسلمي فرنسا، ويفرض رقابة على تمويلات الجمعيات الإسلامية، وقيودا على تعليم أطفال المسلمين، فيما أقره البرلمان 23 يوليو/ تموز 2021.

تعدى الأمر ماكرون وانتقل إلى وزير الداخلية جيرالد دارمانان، الذي شن هجوما على مسلمي فرنسا، معلنا إغلاق 356 مسجدا وجمعية إسلامية، ومهددا المسلمين المعترضين على عرض الكاريكاتير المسيء لنبي الإسلام في المدارس بالترحيل.

السيسي وسط الأزمة وبعد شهر من تصريحات ماكرون، زار باريس ديسمبر/ كانون الأول 2020، فيما منحه حينها الأخير أرفع وسام فرنسي؛ كون الزيارة مثلت إنقاذا لماء وجه الرئيس الفرنسي.

 وفي السياق دعم السيسي الصين برغم ما ترتكبه من جرائم بحق أقلية "الإيغور" المسلمين بإقليم تركستان الشرقية.

بكين تحتجز نحو مليون مسلم بمعسكرات سرية كشفت عنها لجنة حقوقية تابعة للأمم المتحدة أغسطس/آب 2018، لمحو لغتهم ودينهم، وفصل الأطفال عن آبائهم، وإجبار النساء على النوم وموظفو الحكومة بالغرفة ذاتها، ومنعهم من الصلاة والصيام وممارسة شعيرة الحج.

في يونيو/ حزيران 2017، وإثر لقاء وزير الداخلية المصري مجدي عبدالغفار، ونائب وزير الأمن بالصين تشن زيمين، اعتقلت سلطات القاهرة 90 طالبا من الإيغور بالأزهر، ورحلتهم وسلمتهم للسلطات الصينية، دون سبب مقنع.

تلك الواقعة جاءت في وقت كانت تتعرض فيه العاصمة الإدارية الجديدة التي يبنيها السيسي شرق القاهرة، لمغادرة بعض الشركات العربية والعالمية.

وكان السيسي وقتها بحاجة إلى بقاء الشريك الصيني وزيادة استثماراته بالعاصمة والتي بلغت بمصر نحو 13.8 مليار دولار عام 2018.

وكالة الصحافة الفرنسية كشفت في أغسطس/ آب 2019، عن جريمة توقيف السلطات المصرية طلاب الإيغور بالقاهرة، واستجواب 3 ضباط صينيين لهم.

أيضا لم يقدم نظام السيسي أي دعم سياسي أو احتجاج رسمي على جرائم ميانمار بحق مسلمي الروهينغيا (1.1 مليون نسمة) والذين يتعرضون للتطهير العرقي من الأغلبية البوذية، إلا تصريحا بروتوكوليا بمؤتمر القمة الإسلامي 30 يونيو/ حزيران 2019.

نفس ردود الفعل المصرية الغائبة عن أزمات المسلمين والداعمة للدول المعادية لهم طالت أزمة المسلمين في كشمير، برغم ما ينقله الإعلام يوميا من أخبار اعتداءات هندية عليهم منذ أغسطس/ آب 2021، ومنعهم الحصول على الجنسية، وفق قانون أقرته نيودلهي أخيرا.