مساجدهم باتت مستهدفة.. كيف تنظر طالبان إلى شيعة أفغانستان؟

أحمد يحيى | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

كان 8 و15 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، يومين طبيعيين كسائر أيام الجمعة في أفغانستان، لكن تنظيم الدولة حولهما إلى ذكرى لمأساة مؤلمة، في بلد ينشد الاستقرار بعد أقل من شهرين من سيطرة حركة طالبان على الحكم.

ففي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن تفجير وقع قبلها بيوم (الجمعة)، واستهدف مسجدا للطائفة الشيعية في ولاية قندهار، جنوبي أفغانستان، ما أسفر عن سقوط 62 قتيلا.

وفي الجمعة التي تسبقها أيضا، وتحديدا في منطقة خان آباد بولاية قندوز شمالي البلاد، حيث تقطن أغلبية شيعية، فجر التنظيم مسجدا آخر.

في ذلك اليوم، جهز الجميع أنفسهم وذهبوا إلى مساجدهم لحضور الخطبة والصلاة، حتى وقع انفجار مدو قتل فيه نحو 60 شخصا وجرح المئات، في تفجير استهدف مسجدا للهزارة الشيعة أثناء صلاة الجمعة في حين تبنى تنظيم الدولة التفجير.

الواقعتان المروعتان فتحتا ملف التحديات الأمنية التي تواجه أفغانستان تحت حكم طالبان، بالإضافة إلى دور الأيديولوجيات المتباينة على رأسها الشيعة في المرحلة القادمة، وكيف ستتعايش الحركة معها وتساير أمورها المستجدة؟

فشيعة أفغانستان يمثلون جزءا معتبرا من المجتمع ويحكمون مناطق كاملة، لكنهم يمتلكون تاريخا معقدا بين اضطهاد قديم تعرضوا له خلال حقبة ما بعد الحرب السوفييتية، وارتباطات خارجية على رأسها علاقتهم بإيران التي تدعمهم لوجيستيا وبالمال والسلاح.

تركيبة الشيعة 

كيفية تعاطي طالبان مع شيعة أفغانستان، من الأسئلة الحاضرة في الواقع الآني الأفغاني بعد سيطرة الحركة على الحكم نهاية أغسطس/آب 2021.

ويتمركز الشيعة في غرب البلاد بولاية هرات، التي تقطنها قبائل الهزارة، الذين يمثلون نحو 9 بالمئة من السكان. 

ويحاول شيعة أفغانستان أن يكونوا جزءا من مكونات السلطة القائمة حتى ولو كان على رأسها حركة طالبان، رغم الخلافات المذهبية والتاريخية. 

وقبائل الهزارة الحاضن الرئيس للمكون الشيعي، هم مجموعة عرقية ودينية تعيش في المنطقة الجبلية وسط أفغانستان وتعرف بـ "هزاره جات"، وقد أدت الظروف الاقتصادية والقتال المستمر في المنطقة إلى شتات العديد منهم في جميع أنحاء البلاد والمواطن القريبة.

وتوجد مجموعات من الهزارة في إيران وباكستان، ويتحدثون لهجات شرقية متنوعة من الفارسية تسمى "الهزاراغي" مع العديد من الكلمات المنغولية والتركية.

وغالبيتهم ينتمون مذهبيا إلى الشيعة الإثني عشرية (المذهب الرسمي لإيران)، وكذلك بعضهم من الشيعة الإسماعيلية، بالإضافة إلى عدد قليل جدا من أهل السنة. 

واختلفت المصادر حول النسبة السكانية للشيعة الأفغان، لكنها تتراوح بين 10 و22 بالمئة، بحسب موسوعة "بريتانيكا" البريطانية، وهي مقسمة بالتساوي بين الإسماعيلية والإثني عشرية، لذلك لجأت أعداد كبيرة منهم إلى إيران خلال سنوات الحرب الطويلة.

العلاقة بإيران 

نزوح شيعة أفغانستان إلى إيران، استغلته طهران في تجنيد الآلاف من الهزارة الأفغان ضمن مليشيات شيعية للقتال في سوريا، أشهرها "لواء فاطميون"، الذي يضم نحو 3 آلاف مسلح، وفي تقديرات 14 ألف مقاتل، بحسب ما أوردته شبكة "بي بي سي" البريطانية. 

ووصل الأمر إلى دعوة نظام الملالي الإيراني، حكومة كابول السابقة في 2020، إلى ضرورة ضم المليشيات الشيعية في الجيش الأفغاني.

 وأعلن وزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف، إن مقاتلي مليشيات الهزارة "أفضل قوات بخلفية عسكرية" يمكن استخدامها ضد تنظيم الدولة في أفغانستان.

وفي الثاني من مارس/ آذار 2020، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، مقالا لخبير الشؤون الأفغانية محمد هارون أرسلاي، قال فيه: "إنه "لا يمكن قراءة السياسة الخارجية الإيرانية دائما من خلال الروايات اليسارية أو اليمينية المعاصرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بأفغانستان، حيث لعب قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني (السابق) هناك دورا مهما". 

وبحسب أرسلاي، فإنه إبان الحرب الأفغانية السوفييتية "مولت إيران المجاهدين الشيعة في المرتفعات الوسطى بأفغانستان، وعملت الولايات المتحدة مع إسلام آباد ودول الخليج لتمويل المجاهدين السنة الذين يديرون مكاتب سياسية خارج بيشاور بباكستان".

وورد أن قاسم سليماني ساهم في تأسيس لواء فاطميون الشيعي الأفغاني التابع لإيران.

وقال أرسلاي إن "تجنيد سليماني للأفغان في لواء فاطميون، ودفعهم إلى محرقة الحروب من أجل تحقيق طموحات إيران الإقليمية، أودى بالكثيرين في أفغانستان، وهذه القسوة جزء لا يتجزأ من إرث إيران هناك". 

وكان الهزارة يتمتعون بالحكم الذاتي حتى أواخر القرن التاسع عشر، ثم اندمجوا بشكل قسري في الدولة الأفغانية الوليدة من قبل جيوش عبد الرحمن خان ذات الغالبية البشتونية.

 وهو ما أدى إلى زرع بذور العداء الدائم بين الهزارة الشيعة، والبشتون السنة على أسس دينية وعرقية.

ومنذ ذلك الحين يواجه الهزارة تهميشا واضطهادا، إلى أن دخلوا في حقبة طالبان أواخر القرن العشرين.

ودخل هؤلاء في معارك شرسة، قتل على إثرها المئات منهم عندما اجتاح مقاتلو طالبان مدينة مزار الشريف في نهاية التسعينيات. 

العلاقة بطالبان 

رغم العداء التاريخي المستحكم بين طالبان والشيعة، فإن تقلبات المسرح السياسي دفعتهم إلى التقارب خلال السنوات الأخيرة، لا سيما في أكتوبر/تشرين الأول 2016.

وقتها جرى الإعلان عن تأسيس فرع لـ"طالبان" في قلب إقليم هزارة بمنطقة باميان، وينتمي عناصره إلى المذهب الشيعي، في سابقة تاريخية.

ومع تبني طالبان بتشكيلاتها الجديدة، خطابا معتدلا تجاه القوميات والمذاهب المختلفة، فإن التوجس يظل قائما لدى شيعة الهزارة من تشدد طالبان، التي ينحدر أغلبية عناصرها من قومية البشتون السنية (ما بين 40 إلى 50 بالمئة)، والتي تمثل أكبر قومية في البلاد.

خاصة وأن التاريخ بين الفريقين مرير، وسبق أن اتهمت منظمة العفو الدولية، في تقرير لها، حركة طالبان، بتعذيب وقتل عدد من أقلية الهزارة في ولاية غزني (جنوب شرق)، في يوليو/تموز 2020.

لكن مسؤولية الكراهية والعداء لا تقع على طالبان فقط، ولا تنسى الحركة ما حدث في ديسمبر/كانون الأول 2001، في منطقة دشتي ليلي بإقليم مزار شمال أفغانستان.

وقتها أغلقت مجموعة مسلحة من قبائل الهزارة الشيعية، طريقا مؤدية لشمال البلاد أمام الآلاف من جنود طالبان، لتتم تصفيتهم على يد قوات حلف شمال الأطلسي "الناتو"، في واحدة من أكبر الكوارث التي حلت بالحركة منذ تأسيسها.

لكن الثوابت في السياسة لا تدوم، حيث طويت الحادثة ومرت السنوات، وبدأ عصر جديد بتحالفات مختلفة بين أعداء الأمس، بل وجد فرع شيعي داخل طالبان. 

وفي مايو/أيار 2020، نشرت قنوات إعلامية قريبة من حركة طالبان، لقاء مصورا مع "مولوي مهدي" العنصر الشيعي التابع للحركة وهو أيضا حاكم منطقة بلخاب شمال مقاطعة سربل، ضمن سياق حرصها على إظهار اختلافها عن "تنظيم الدولة"، والتأكيد على نفي نزوعها إلى التصنيف الطائفي.

لذلك فإن الصراع المذهبي مع الهزارة سعت طالبان لاحتوائه ضمن قواعد محددة، على الأقل في المرحلة الأولى التي تسعى فيها لتثبيت أرجلها في الحكم، وضمان اعتراف دولي بها كسلطة شرعية لأفغانستان، خاصة من دول الجوار بما فيها إيران.

ظهر ذلك بقوة في 18 أغسطس/ آب 2021 أثناء عودة طالبان للسيطرة على الحكم، عندما ارتفعت بيادق المواكب الشيعية الأفغانية في بعض المناطق.

وسمحت الحركة برفع تلك الرايات وسمحت أيضا بتنظيم إحياء الشيعة الأفغان فعاليات عاشوراء، بل وأمرت مقاتليها بتوفير الحماية للحسينيات والمواكب العاشورائية، وهو ما ينظر إليه على أنه اختلاف جذري في أسلوب الحركة نحو الأقليات الدينية.

وزار قيادي من طالبان يدعى أمير خان، برفقة عناصر من الحركة، أحد مجالس العزاء الحسيني، ونشرت الحركة فيديو للقيادي وهو يتحدث خلال المجلس الحسيني بأنهم لا يعارضون التشيع ولا ينتهجون منهج تنظيم الدولة.