صحيفة تركية ترصد الأسباب "الحقيقية" للتحرشات الإيرانية بأذربيجان

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رأت صحيفة "يني شفق" التركية أن "تصريحات إيران العدائية" الأخيرة تجاه أذربيجان، كان لها أثر سلبي على أمن جنوب القوقاز غير المستقر بالفعل. 

ولاح في طهران خطر يتقدم نحو باكو مع اقتراب الذكرى السنوية ليوم النصر الذي أعلنته أذربيجان في "قره باغ"، حيث أطلق الجيش الأذربيجاني في 27 سبتمبر/ أيلول 2020، عملية لتحرير أراضيه المحتلة في الإقليم، عقب هجوم شنه الجيش الأرميني على مناطق مأهولة مدنية.

وبعد معارك ضارية استمرت 44 يوما، أعلنت روسيا في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، توصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ينص على استعادة باكو السيطرة على محافظات محتلة.

وتوترت العلاقات بين إيران وأذربيجان مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2021 إثر إجراء إيران مناورات عسكرية شمال غرب البلاد على الحدود مع أذربيجان، بالتزامن مع إحياء ذكرى معركة "قره باغ" الثانية، وهو ما انتقده الرئيس إلهام علييف.

في الثاني من الشهر نفسه، زعمت طهران وجود عناصر إسرائيلية في أذربيجان قرب الحدود مع إيران، وهو ما نفته باكو جملة وتفصيلا وطالبت طهران بتقديم أدلة على مزاعمها.

وكان الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف اعترض في 27 سبتمبر/أيلول 2021 على دخول الشاحنات الإيرانية لإقليم قره باغ بطرق غير قانونية.

وبينت صحيفة يني شفق في مقال لرئيس مركز الحكماء للدراسات الإستراتيجية، النور إسماعيل، أن "سياسات إيران المعادية لأذربيجان ليست جديدة".

 ففي أوائل التسعينيات، ظهرت أولى بوادر تأزم العلاقات بين طهران وباكو مع وصول الجبهة الشعبية الأذربيجانية إلى السلطة عقب استقلال أذربيجان، بما أنها ذات توجه قومي.

وتابع: وخلال فترة حكم أبو الفضل إلتشي بي، كان الاهتمام السياسي بتطوير العلاقات مع تركيا، وذلك رغم تبني باكو الخطاب القومي وكون غالبية السكان الأذربيجانيين منتمين للمذهب الشيعي، عنصرا مهما في تحديد سياسات طهران الأذربيجانية.

أما خلال الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، فقد أثر دعم النظام الإيراني لأرمينيا سلبا على العلاقات بين باكو وطهران. 

فيما كانت عودة قضية حرب أذربيجان الجنوبية من أجل الاستقلال إلى جدول الأعمال، عاملا مهما آخر أثر على سياسة طهران الأذربيجانية.

واتبعت إيران في التسعينيات المعروفة بأنها كانت فترة مليئة بالأزمات بالنسبة لأذربيجان، سياسة الانتقام من الحكومة الأذربيجانية وأججت قضية المشاكل العرقية ودعمت السياسات الانفصالية للأقليات العرقية المختلفة في البلاد، وكانت من المجرمين، وفق الكاتب الأذربيجاني. 

مقاربات غير واقعية

وتابع: "بدأت حقبة جديدة في العلاقات بين باكو وطهران ـ وإن كان ذلك مؤقتا ـ مع وصول حيدر علييف إلى السلطة (1993-2003)، بما أنه اتبع سياسة الموازنة في العلاقات الخارجية الأذربيجانية، وتجنب الخطاب القومي الذي يثير ردة فعل طهران، على عكس الحكومة السابقة".

غير أن اهتمام علييف بالعلاقات مع إسرائيل مع الحفاظ على التوازن في سياساته، أصبح عاملا مهما في تحديد سياسات طهران الأذربيجانية. 

وبمرور الوقت، أدى تطوير باكو تعاونها مع تل أبيب في المجال السياسي والعسكري، إلى تبني طهران مقاربات غير واقعية مثل الاعتقاد بأن أذربيجان سمحت لإسرائيل بإنشاء قاعدة عسكرية على أراضيها.

وفي الحقيقة كان تخطيط إيران لهجمات إرهابية على السفارتين الأميركية والإسرائيلية في أذربيجان خلال الألفينيات، والتي حالت الأخيرة دون وقوعها بالاستعانة بوكالات الاستخبارات الغربية، يكشف عن نوايا طهران الحقيقية بشأن باكو، بحسب الكاتب.

ثم جاء قرار أذربيجان بإغلاق الحزب الإسلامي الذي تدعمه طهران ماليا، مؤذنا ببدء أزمة جديدة بين البلدين. 

وأردف: كانت مقاربات طهران وباكو المختلفة حول وضع بحر قزوين، سببا لحدوث أزمات بين الحين والآخر أيضا. 

إذ واجهت باكو محاولات إيرانية لعرقلة ومنع عمليات البحث والتنقيب التي كانت تجريها في بحر قزوين، لترد عليها أذربيجان بالعرض العسكري للطائرات الحربية التركية في سماء باكو.

وأضاف قائلا: وبعد ثلاثين عاما من العلاقات الباردة والمتوترة والمليئة بالأزمات، بدأت إيران في تنفيذ تدريبات عسكرية على الحدود الأذربيجانية، وأدلت بتصريحات مثل "سنستهدف باكو بالصواريخ إذا لزم الأمر" لتكشف بذلك عن نواياها الحقيقة.

ونوه قائلا: وهنا من الضروري فهم هذه الخطابات وما ينتج عنها جيدا. إذ سيكون من الخطأ أن نفسر سياسة طهران بالشاحنات الإيرانية التي كانت تتحرك بسهولة إلى قره باغ وهي محتلة وأصبح من الصعب عليها فعل ذلك مع استعادة أذربيجان المنطقة.

فقبل كل شيء، هناك حقائق مختلفة كامنة خلف العداء والأهمية التي يظهرها نظام طهران لإسرائيل. 

إذ في الواقع، تسوق إيران اتهامات غير واقعية مثل السماح لإسرائيل بإنشاء قاعدة عسكرية في باكو واستهداف إيران بهجمات من الأراضي الأذربيجانية، وتستخدمها كورقة ضغط ضد أذربيجان، يقول الكاتب.

وأوضح ذلك بالقول: فلم تفتح أذربيجان سفارة في تل أبيب حتى لا تثير ردة الفعل الإيرانية تماشيا مع سياسة التوازن التي تتبعها.

كذلك أعلنت أذربيجان غير مرة أنها لن تسمح بشن هجوم من أراضيها على الدول المجاورة، لكن هذا لم يقنع طهران بالتخلي عن اعتقاداتها المتشككة. 

توازنات جديدة

واستطرد الكاتب: استخدام طهران لغة قاسية وتهديدها أذربيجان يرتبط في الواقع بالتوازنات الجيوسياسية الجديدة التي شهدتها المنطقة بعد حرب قره باغ الثانية.

 فبعد أن حررت أذربيجان أراضيها من الاحتلال بعد 28 عاما، ازداد النفوذ السياسي والعسكري لتركيا في جنوب القوقاز، وكذلك تطورت العلاقات بين أنقرة وباكو. 

وفي حال تطورت العلاقات بين تركيا وأرمينيا أيضا، فسيقل نفوذ إيران في المنطقة، الأمر الذي لن ترغب به الأخيرة بطبيعة الحال، يقدر الكاتب.

 وبالنظر إلى هذا يمكن القول بأن التنافس التركي الإيراني كان عاملا آخر أثار الحفيظة الإيرانية. 

إذ تحيط بطهران جدران من المخاوف النابعة من القوة التركية ونفوذها في هذا.

ووفق الكاتب، تدعي إيران أن المناورات العسكرية المشتركة المتزايدة مؤخرا في المنطقة بين أذربيجان وتركيا تتعارض مع الاتفاقية التي تحدد وضع بحر قزوين.

وصرح وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان من موسكو في أكتوبر/تشرين الأول بأن الدول غير المطلة على ساحل بحر قزوين يجب ألا تجري تدريبات عسكرية في المنطقة بحسب الاتفاقية التي تحدد وضع البحر.

وهو ما يدفع بحسب الكاتب إلى طرح السؤال التالي: لماذا يؤكد نظام طهران قلقه الآن بعد انتصار قره باغ؟ 

من ناحية أخرى، تعارض إيران ممر زانجيزور (سيربط ناختشيفان وباكو) مع أن التعاون الإقليمي وتفعيل خطوط النقل يوفر منافع اقتصادية لطهران في وقت تعاني فيه من العقوبات الاقتصادية الغربية. 

ويعود ذلك إلى أن إيران ترى أن تفعيل ممر زانجيزور سيزيد من نفوذ إسرائيل في المنطقة ويوفر لتركيا وصولا مباشرا إلى الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى، يؤكد الكاتب.

ويختم إسماعيل مقاله بأن "النظام الإيراني يدمر كل أمل في إحلال الأمن والسلام في المنطقة بتهديده المستمر باحتلال بعض أراضي أذربيجان، مع أنه في التحليل النهائي لا يملك إستراتيجية تمكنه من ذلك".

 إذ يدرك جيدا ما سيكون لهذه الخطوة من تأثيرات سلبية على سيادته وسلامة أراضيه، يخلص الكاتب.