انتصارات السيسي التاريخية.. قائد عملية "الجبنة النستو" وصاحب "العبور الثاني"!

أحمد يحيى | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في كل مناسبة يحاول رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي أخذ "اللقطة"، والظهور بمظهر "الحكيم" الذي لا تغيب عنه غائبة، و"الفيلسوف" الذي يدرك أبعاد كل شيء، و"الطبيب" الذي بيده أي علاج، و"صاحب الفضل" في كل خير أنعم الله به على العباد.

احتفالات "6 أكتوبر" ذات الطابع الفريد في مصر، "يوم النصر" على الاحتلال الإسرائيلي عام 1973، فيه يتبارى العسكريون المصريون على إظهار بطولاتهم وإنجازاتهم، حتى أطلق على تلك النخبة العسكرية وصف "جيل نصر أكتوبر".

السيسي لم يفوت الفرصة خلال الاحتفال بذكرى النصر الـ48، فحاول أخذ "اللقطة" والظهور بمظهر "العسكري العبقري" الذي كان له الفضل على الجيش المصري، في محاولة للتشبه بالرئيسين الراحلين محمد أنور السادات، والمخلوع محمد حسني مبارك.

فالسادات أطلق عليه مؤيدوه "بطل الحرب والسلام"، في إشارة إلى وقوع حرب أكتوبر في عهده، ثم توقيعه ما تعرف بـ"اتفاقية السلام مع إسرائيل" عام 1979، أما مبارك، فكان يلقبه إعلامه خلال فترة حكمه بـ"صاحب الضربة الجوية الأولى" في حرب أكتوبر، وهي الضربة التي جرى تضخيمها، حسب خبراء.

وبين هذا وذاك اضطرب السيسي، ولم يجد لنفسه موقعا بين أبطال أكتوبر الحقيقيين أو "الأبطال من ورق"، وآثر الاحتفال على طريقته الخاصة، كأي حاكم أحادي يحاول أن يحصل على اللقطة لنفسه، حتى ولو لم يكن مشاركا فيها.

عملية "الجبنة النستو"

في احتفالات 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، خرج قائد سابق بالقوات المسلحة، يدعى اللواء سمير فرج، متحدثا عن "عبقرية السيسي العسكرية" عندما كان يخدم بوحدته عقب تخرجه في الكلية الحربية، وكان حينها برتبة "ملازم أول".

وتحدث فرج، عن "تقرير سري" كتبه عن السيسي، منذ 40 عاما أثناء نشاطه داخل الجيش المصري، وأوضح أن أبرز ما جاء فيه: "لما رحت الكتيبة 34، قعدنا أنا والملازم أول عبدالفتاح السيسي سنة ونصف مع بعض، ثم كتبت التقرير السري، والقوات المسلحة مش زي (المدنيين)".

وبين أن "الملازم أول الوحيد اللي (الذي) خد امتياز هو عبدالفتاح السيسي"، فهل حصل عليها بسبب عقليته العسكرية الفذة، أم خططه وتكتيكاته القتالية، أو البطولة والفداء؟!

السبب في بطولة السيسي، حسب فرج، يرجع إلى أنه "كلم الشؤون الإدارية، وسأل وجبة الإفطار إيه (ماذا) قالوا فول وجبنة بيضاء وشاي، قالهم لا، نعمل عدس لان الدنيا ساقعة (برد) والعساكر عاوزة (تحتاج) تاخد حاجات دافية، وقالهم افتحوا جبنة نستو (جبنة مطبوخة ومعلبة)، لأنها أسهل في التوزيع، وعلشان الجبنة البيضاء صعبة في التوزيع وبتاخد وقت". 

أضاف فرج، موجها كلامه للسيسي: "أنا سني كبر وهقابل رب كريم، ولا أنافق، وبقول كلمة حق هقابل بيها ربنا، وهيحاسبني لو كذبت في كلمة واحدة". 

العجيب في القصة ليست سطحية الإنجاز، بل إن اللواء فرج بكى وهو يردد تلك المقولة، فيما لم يعرف سببا محددا دعاه للبكاء. 

"عبور ثاني"! 

ثم ذكر اللواء سمير فرج في ختام كلمته: "كتبت في التقرير الخاص أن السيسي ضابط له مستقبل وصاحب قرار من 40 سنة ومكنتش (ولم أكن) عارف أنه في يوم من الأيام هتبقا (ستكون) سيادتك رئيس".

وأضاف: "المنظر ده يافندم شوفته يوم ما قررت تخلص مصر من (جماعة) الإخوان (المسلمين)، وهو ما سيكتب لك بعد 100 سنة". 

علامات استفهام إضافية تسبب فيها فرج، خاصة وأن قرار الإطاحة بالحكومة المنتخبة عبر انقلاب عسكري دموي تم في 3 يوليو/ تموز 2013، كان نتيجة قوى إقليمية أرادت وأد التجربة الديمقراطية في مصر، وكان السيسي مجرد أداة تنفيذ، للإطاحة بالرئيس محمد مرسي.

وعلى سبيل المثال في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، في كلمة لها خلال محاضرة نظمها "معهد الأمن القومي الإسرائيلي"، قالت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني "كل قائد ودولة في المنطقة، يجب أن يقرروا أن يكونوا جزءا من معسكر الإرهاب والتطرف، أو معسكر البراغماتية والاعتدال، وإذا قرر قائد دولة ما مسارا آخر فسيكون هناك ثمن لهذا".

وعن الرئيس محمد مرسي تحدثت ليفني: "لدينا متطرفون أكثر في المنطقة، وقادة يريدون أن يختاروا مسارهم وطريقهم، لدينا في مصر مرسي الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين، ويجب أن نتكاتف معا، ونتحد ضد هؤلاء، الذين يعادوننا، وأن نفعل شيئا".

وتابعت أن "مسؤولية أي حكومة إسرائيلية هي العثور على طريقة علنية أو غير علنية، للسيطرة على التغيير الحادث في المنطقة، والتأثير في تشكيل مستقبلها".

وكان الثمن الذي دفعه محمد مرسي، الانقلاب عليه، بيد السيسي، الذي وجد دعما ماليا ودوليا من دولة الإمارات أيضا، كما ورد في سلسلة تسريبات شهيرة عام 2014، لذلك لم يكن رئيس النظام الحالي صاحب قراره كما تحدث اللواء فرج. 

كلمات فرج هي تكرار لما اعتادت الأذرع الإعلامية للسيسي على ترديده منذ انقلاب 2013، وهو ما عبر عنه الكاتب محمود علي في مقاله الذي نشره على صحيفة "صوت الأمة" المقربة من النظام، خلال احتفالات أكتوبر عام 2019، تحت عنوان ("عبور" تاني بعد "بارليف".. المصريون يسحقون الإخوان في معركة تغييب الوعي).

وقال علي في مقاله: "ما أشبه الليلة بالبارحة، بين حرب أكتوبر 73 التي مر عليها 46 عاما، وما شهدته الدولة في الأيام القليلة الماضية من حرب أخرى كان التضليل الإعلامي والتشويه أبرز أسلحتها".

وزعم أن "الإدارة المصرية بقيادة السيسي" نجحت في الانتصار على جماعة الإخوان، فعبر مؤتمرات الشباب التى يرعاها السيسى، ووسائل الإعلام المصري الحكومي والخاص، تمكنت من التصدي لـ"المؤامرات الإعلامية للجماعة"، حسب وصفه.

ضابط "نتن"

وتعليقا على الحدث كتب المذيع المصري أسامة جاويش، في موقع "عربي 21" في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، قائلا: "استفزني كم الكذب والتضليل والنفاق الذي مارسه اللواء فرج مع السيسي".

وتابع: "استفزني أيضا مديح السيسي الكبير للرجل وكأنه علامة من علامات حرب أكتوبر، فالسيسي يقول للرجل بتواضع إنه هو من خدم معه وبأنه فخر بكونه كان ملازما أول تحت خدمة قائده سمير فرج". 

وأضاف: "السيسي هو الضابط النتن (ليس نظيفا) الذي وضع الدبوس داخل الأستيكة أثناء خدمته العسكرية، وفقا لروايته هو عن نفسه في تسريب سابق بالصوت والصورة".

وتابع: "هو أيضا الشاب الذي يتم الاعتداء عليه بالضرب من أقرانه بشكل مستمر ولم يكن يقوى على رد الاعتداء أو الدفاع عن نفسه، فتوعدهم بأنه عندما يكبر سيضربهم". 

واستطرد: "هو نفسه الجنرال الذي لا علاقة له بالسياسة ولا يؤمن بدراسات الجدوى أو الخطط الإستراتيجية، هو من يدير الأمور بالبركة وبالعشم وبالأوامر العسكرية".

وقبل كل هذا أو بعده هو الجنرال العسكري الذي وصل للسلطة عبر انقلاب دموي، سجن بعده آلافا وقتل آخرين، وقسم الشعب المصري إلى فئات مختلفة، وفق ما قال جاويش.

لواء فاسد

أنهى سمير فرج حديثه عن السيسي، مخلفا وراءه مجموعة من علامات الاستفهام لا عن الرواية فقط، ولكن عن أسباب ذلك التملق الفج، وهو ما يظهر لدى مراجعة ما كشفت من وثائق بحق اللواء بالجيش المصري، والذي تبين سابقا أنه متورط في وقائع فساد.

وفي 21 أبريل/ نيسان 2011، عقب أشهر قليلة من نجاح ثورة 25 يناير، نشرت صحيفة المصري اليوم خبرا، أن النيابة العسكرية التابعة للقوات المسلحة المصرية بدأت في التحقيق في بلاغات، تقدم بها عدد كبير من أهالي محافظة الأقصر ضد المحافظ السابق اللواء سمير فرج.

وكانت التهمة إهدار المال العام وشبها تتعلق بالفساد، في قضية عرفت وقتها باسم قضية حمام السباحة الأولمبي في الأقصر.

وقالت البلاغات إن "فرج أهدر أكثر من 300 مليون جنيه (19.80 مليون دولار أميركي) في بيع حمام السباحة الأولمبي على شاطئ النيل في الأقصر، بالإضافة الى إهدار 20 مليون جنيه في شراء الأرض البديلة للحمام".

وبينت أنه "اشترى القيراط الواحد (وحدة قياس لمساحة الأراضي) بمبلغ 750 ألف جنيه (47 ألف دولار أميركي)، وثمنه الأصلي 83 ألف جنيه (5 آلاف دولار أميركي)".

والبلاغ الذي تم تقديمه للنائب العام برقم (2287)، طالب بالكشف عن ذمة اللواء سمير فرج المالية بعد تضخم ثروته هو وابنه أحمد.

والابن أحمد كان يعمل مساعدا لوزير الاستثمار السابق محمود محيي الدين، الذي شغل المنصب أثناء عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. 

مشهد عبثي 

الإعلامي المصري عبدالله الماحي، علق في حديثه لـ"الاستقلال" على مشهد السيسي وقائده سمير فرج بالقول "إنه مشهد عبثي مليء بالضحك، الضحك على عقول الجماهير، وغسل أدمغتهم بعد سرقة أموالهم وحرياتهم وكرامتهم، والزج بأبنائهم داخل السجون".

وأضاف: "لا تكاد تمر مناسبة دون أن يأخذ السيسي (اللقطة الإعلامية) مصحوبة بعدد من الضحكات السمجة والتصفيق الحار المصطنع، لتنسي المصريين بلاوي (مصائب)، سوداء تحيط أغلبهم من كل اتجاه، سببها الرئيس هو السيسي ومن معه".

واستطرد: أن "لقطة هذا الحدث مزدوجة، وبها الكثير من الأهداف والتحديات، فقد أراد السيسي أن يقول بأنه من يومه جسور مقدام ابن بار للقوات المسلحة، ومن صغره وهو ملهوش حل (عبارة مصرية تدل على بطولته ونجاحه)".

"لكن كيف يحقق السيسي هذه اللقطة وهو لم يشارك في حرب أكتوبر وليس له أي إنجاز عسكري، ( سوى قتل المصريين في المجازر المستمرة منذ تسع سنوات؟)"، يتساءل.

وذكر: "اللقطة صنعت ليخرج متفاخرا على المصريين كما كان يفعل (الرئيس السابق أنور) السادات والمخلوع مبارك في مناسبة حرب التحرير".

لذا كان لزاما أن "يصنع السيسي مشهدا يبدو عسكريا ملائما للمناسبة التي تشتعل لها العواطف الوطنية للمصريين، ثم يصور وكأنه بطولة وقرار جريء أسوة بمن سبقوه من العسكر". 

وأورد: "لكن المشهد خرج ركيكا مثيرا للسخرية، وبالرغم من ركاكته فقد صفق الجمهور المصطنع بحرارة ونقلت قنوات الشؤون المعنوية هذه المسرحية. لتبدأ بعدها برامج كل ليلة غسل عقول الجماهير والبسطاء وتنسيهم رفع الدعم عن الوقود والبنزين والفساد السرطاني في كل مؤسسات الدولة".

وبين أنه بذلك "حقق السيسي كل ما يريد ديكتاتورا مسلطا على رقاب المصريين".