السلطات الجزائرية تبدأ حل جمعية شبابية بارزة.. ما أسباب استهدافها؟

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش أن السلطات الجزائرية تواصل خنق حرية التعبير من خلال بدء إجراءات حل جمعية شبابية بارزة بسبب دعمها للحراك الشعبي الذي يطالب بالتعددية والديمقراطية.

ودعت خمس منظمات دولية لحقوق الإنسان السلطات الجزائرية لوقف إجراءات حل جمعية مدنية بارزة بسبب انتهاكها المزعوم لقانون الجمعيات.

ومن المنتظر أن تتصدر محكمة إدارية حكما في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021 في قضية رفعتها وزارة الداخلية ضد جمعية "تجمع – عمل – شبيبة" المعروفة باسم "راج".

حل راج

وفي 29 سبتمبر/أيلول، نظرت محكمة بئر مراد رايس بالعاصمة الجزائرية في عريضة لحل "راج"، زعمت أن أنشطتها "السياسية" خرقت الأهداف المنصوص عليها في قانونها الأساسي. 

وأنكر قادة الجمعية هذه التهمة، وأكدوا أن السلطات تستهدفها بسبب دعمها "للحراك" المؤيد للديمقراطية، الذي انطلق في 2019.

والمنظمات الحقوقية الخمس التي وجهت دعوة للسلطات الجزائرية هي "هيومن رايتس ووتش"، و"العفو الدولية"، و"مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، و"الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان"، و"منا لحقوق الإنسان".

في هذا السياق، أكد إريك غولدستين، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش أن "السعي إلى حل إحدى أكبر جمعيات المجتمع المدني على أسس واهية هو محاولة أخرى لسحق الحراك".

ورأى أن "هذه الخطوة تأتي في ظل استمرار الاعتقالات التعسفية، ومحاكمات الناشطين والصحفيين، وتوقيف المتظاهرين".

وقمعت قوات الأمن الجزائرية باستمرار الأفراد والمجموعات المرتبطة بالحراك، وهو حركة احتجاجية حشدت أعدادا كبيرة من المتظاهرين منذ فبراير/شباط 2019. 

ويواصل المتظاهرون المطالبون بإصلاحات ديمقراطية الخروج إلى الشارع بعد أن استقال الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في أبريل/نيسان 2019، وخلفه عبد المجيد تبون بعد سبعة أشهر في انتخابات متنازع حولها.

وتأسست "راج" عام 1992 بهدف "تعزيز النشاط الثقافي، وحقوق الإنسان، وقيم المواطنة"، بحسب قانونها الأساسي، ثم أصبحت معروفة بعملها في مجال التعبئة على مستوى القواعد الشعبية بين الشباب الجزائري.

وأيدت الجمعية الحراك بشكل علني، وأصبح مقرها نقطة التقاء ونقاش لدى الناشطين.

وفي 2019، شاركت راج في تأسيس "ميثاق البديل الديمقراطي"، وهو مجموعة من أحزاب المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني، وأعضاء من النقابات العمالية، ومحامين، ومثقفين. 

ورفض الميثاق انتخاب تبون، وطالب بإصلاح عميق لمؤسسات الدولة. 

وردت السلطات بمحاكمة 11 من أعضاء راج، وسجنت ما لا يقل عن 9 من قادة الحركة وناشطيها بتهم في أوقات مختلفة من 2019، وحظرت بعض أنشطتها، مثل "المدرسة الصيفية" في أغسطس/آب من العام المذكور. 

وقالت ناديج لحمر، الباحثة في الشؤون المغاربية في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إن "حل جمعية راج سيكون بمثابة تدهور جديد في حرية تكوين الجمعيات".

وأردفت أن "استهداف السلطات جمعية شبابية داعمة للحراك يعني أنها تسعى إلى إسكات الأصوات المستقلة والسلمية".

وفي 26 مايو/أيار، أعلنت "راج" أنه تم إبلاغها بعريضة قدمتها وزارة الداخلية إلى محكمة إدارية لطلب حلها. 

وزعمت العريضة أن المجموعة شاركت في أنشطة "متناقضة مع تلك المنصوص عليها عند تأسيسها، وإجراء أنشطة مع أطراف أجنبية، والمساهمة في تحريض الناس على التجمع دون ترخيص، وتبني خطة ذات طبيعة سياسية بهدف خلق الفوضى وتعكير صفو النظام العام".

وقال عبد الوهاب فرساوي، رئيس "راج"، لـ"هيومن رايتس ووتش" إن "اتهام وزارة الداخلية للجمعية بخرق القانون يستند إلى الأنشطة العامة اليومية التي نظمتها أثناء الحراك، مثل المنتديات، والمناظرات، والمبادرات المواطنية مع ملايين الجزائريين من أجل التوصل إلى حل موحد وتوافقي للأزمة".

قانون الجمعيات

وينص "قانون الجمعيات" الجزائري لسنة 2012 في المادة 43 منه على أنه يمكن للسلطات السعي إلى الحصول على حكم من المحكمة بحل جمعية ما "عندما تمارس نشاطا أو عدة أنشطة أخرى غير تلك التي نص عليها قانونها الأساسي". 

واستشهدت عريضة الحكومة أيضا بالمادة 13، التي تنص على أن الجمعيات "تتميز بهدفها وتسميتها وعملها عن الأحزاب السياسية، ولا يمكنها أن تكون لها أية علاقة بها سواء كانت تنظيمية أو هيكلية". 

وترى السلطات أن الجمعية "تبنت خططا ذات طبيعة سياسية" بربط علاقات مع حزبين سياسيين معارضين، ودعت وشاركت في مسيرات 2019، ورفعت شعارات تطالب بـ "جزائر حرة وديمقراطية". 

وزعمت العريضة أيضا أن راج "تشكل خطرا على السيادة الوطنية، والسياسة الخارجية للدولة، والنظام العام والأمن". 

وتنص المادة 2 من قانون الجمعيات على أن تكون أهداف الجمعية "ضمن الصالح العام، وأن لا تكون مخالفة للثوابت والقيم الوطنية والنظام العام والآداب العامة".

في هذا السياق، قالت هيومن رايتس ووتش إن الصياغة الفضفاضة جدا لهذه البنود لا تسمح للجمعيات من التثبت بشكل معقول حول ما إذا كانت أنشطتها ترقى إلى مستوى الجريمة، وفيها تهديد لممارسة الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات. 

كما رأت العريضة أيضا أن الجمعية خرقت المادة 23 من قانون الجمعيات التي تنص على أن يكون التعاون مع المنظمات الدولية والأجنبية "في ظل احترام القيم والثوابت الوطنية ويخضع إلى الموافقة المسبقة للسلطات المختصة". 

واتهمت العريضة الجمعية بمقابلة ممثلين عن منظمة العفو الدولية و"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان". 

وقالت هيومن رايتس ووتش إن "الأحكام القانونية التي استخدمتها السلطات الجزائرية لالتماس حل راج تتعارض مع الحق في حرية تكوين الجمعيات".

 وتابعت: "يجب أن تكون الجمعيات حرة في تحديد قوانينها وأنشطتها واتخاذ قراراتها دون تدخل من الدولة، وينبغي ألا تواجه عقوبة الحل النهائي بسبب أنشطة قانونية وسلمية".

كما ينبغي أن تكون حرة في إقامة علاقات مع كيانات خارجية تخضع لقوانين إفصاح معقولة، لكن دون موافقة حكومية مسبقة، بحسب المنظمة. 

واستشهدت العريضة ببرنامج تلفزيوني يعود إلى 2019 عبر فيه رئيس الجمعية عبد الوهاب فرساوي عن دعمه لسياسيين معتقلين "كدليل على أنشطة راج السياسية".

كما استشهدت بنقاش سياسي على "فيسبوك" انتقد فيه فرساوي قمع ناشطي الحراك ودعا إلى استئناف الاحتجاجات في الشوارع بعد رفع قيود الصحة العامة المتعلقة بجائحة "كورونا".

وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول، اعتقل فرساوي في اعتصام تضامني مع معتقلي الحراك، واتهم بـ "المساس بسلامة التراب الوطني". 

وفي أبريل/نيسان 2020، حكم عليه بالسجن لمدة سنة، لكن أطلق سراحه بعد شهر، بعد تخفيض العقوبة في الاستئناف. 

واستشهدت الحكومة بمحاكمة فرساوي والحكم الصادر ضده كدليل على انخراط راج في أنشطة غير قانونية. 

وفي عامي 2019 و2020، اعتقل العديد من الأعضاء البارزين في راج، مثل مؤسسها حكيم عداد، خلال مسيرات الحراك، واتهموا بـ "التجمهر غير القانوني" و"المساس بسلامة وحدة الوطن". 

وبرأت محكمة سيدي امحمد في 22 يونيو/حزيران، هؤلاء الناشطين من التهم الموجهة إليهم، وهم جلال مقراني، وحكيم عداد، وكمال ولد اعلي، وحميمي بويدر، ومسينيسا عيسوس.

وفي قضية أخرى، حكمت ذات المحكمة 8 يوليو/تموز على حكيم عداد غيابيا بالسجن لمدة سنة بتهمة "التحريض على التجمهر غير المسلح"، وتهم أخرى على خلفية منشورات على الإنترنت ساند فيها الحراك.

ووثقت هيومن رايتس ووتش في الماضي استخدام السلطات الجزائرية القانون لقمع الحق في تكوين الجمعيات. 

وفي فبراير/شباط 2018، أغلقت السلطات مكاتب منظمتين لحقوق المرأة في وهران، غرب الجزائر العاصمة، لحجة أنهما غير مسجلتين، رغم أن كلا الجمعيتين أكدتا أنهما قدمتا مطالب تسجيل. وفي مايو/أيار 2012، وصفت الأمم المتحدة قانون الجمعيات بأنه "خطوة إلى الوراء". 

وتكفل المادة 52 من الدستور الجزائري الحق في تكوين الجمعيات، وكذلك تفعل المادة 10 من "الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب"، والمادة 22 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، التي تعتبر الجزائر طرفا فيها منذ 1989.

بدورها، قالت آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية إن العريضة التي قدمتها السلطات الجزائرية لحل "راج" تعتبر مؤشرا مثيرا للقلق عن عزمها اتخاذ المزيد من الإجراءات الصارمة ضد النشاط المستقل، وقمع حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي.

 وأضافت "يتعين على السلطات إلغاء قانون الجمعيات القمعي في الجزائر بدلا من استخدامه لسحق المعارضة"، وفق تعبيرها.