"مقاطعة واسعة".. هل ترسم نتائج الانتخابات خارطة سياسية جديدة في العراق؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على وقع الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق وما أفرزته من نتائج، أثيرت تساؤلات بخصوص الفرق بينها وبين الانتخابات السابقة منذ عام 2003، من حيث النزاهة وحجم المشاركة والخارطة السياسية التي من الممكن أن تتشكل قبل إعلان الحكومة المقبلة.

وشهد العراق إجراء انتخابات برلمانية في 10 أكتوبر/ تشرين الثاني 2021، شارك فيها نحو 41 بالمئة من مجموع الذين يحق لهم الانتخاب والبالغ عددهم نحو 25 مليون شخص من مجموع سكان البلد الذي يصل إلى 40 مليون نسمة، وفق بيانات مفوضية الانتخابات.

مقاطعة واسعة

الانتخابات المبكرة التي طالب بها الحراك الشعبي في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، شهدت مقاطعة واسعة قاربت 60 بالمئة، الأمر الذي قرأه البعض على أنه حالة من الاستنكار والمقاطعة للنظام السياسية الحالي، الذي أوصل البلد إلى ما هو عليه الآن من ترد اقتصادي وخدمي وأمني واحتقان سياسي.

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال الناشط عدي حاتم -أحد العراقيين المقاطعين للانتخابات- إنها "لم تعد ذات جدوى بالنسبة لي، فقد شاركت في جميع الانتخابات التي جرت منذ عام 2003، ولم يتغير شيء وإنما ازدادت الأمور سوءا، والانتخاب بحكم نفخ الروح في النظام الحالي".

وأضاف حاتم أن "المقاطعة حق مشروع للجميع كما هو التصويت، لكن ما دفعنا إلى ذلك هي حالة اليأس التي وصلنا إليها، فالأحزاب الحاكمة منذ 2003 لم تغادر المشهد رغم تباين عدد مقاعدها في البرلمان، وقوتها ونفوذها في مؤسسات الدولة من دورة برلمانية إلى أخرى".

ورأى الناشط أن "الانتخابات هذه قاطعها الكثير من شرائح الشعب العراقي، لكن في بغداد كانت المقاطعة الأكبر للمكون السني الذي ظلم كثيرا خلال المراحل السابقة، ولم يفلح سياسيوه في الإفراج عن المعتقلين والتوازن السياسي والوظيفي في مؤسسات الدولة".

من جهته، رأى الناشط زيدون وعد أن "فوز التيار الصدري بالانتخابات كان متوقعا كونهم كتلة ثابتة تقدر بنحو 2 بالمئة من مجموع الناخبين، تزيد مقاعدها مع ازدياد نسبة المقاطعين، وإلا كيف يفوز مرشحوه في مناطق سنية خالصة من بغداد، ويحصل على 28 مقعدا في العاصمة لوحدها من أصل 60 مقعدا، بمعزل عن القوى الشيعية الأخرى؟".

وأضاف وعد في حديث لـ"الاستقلال" أن "الانتخابات الحالية ربما تكون الأقرب إلى النزاهة، لكن المشكلة في المقاطعين للانتخابات، الذين أتاحوا الفرصة للأحزاب التقليدية بالعودة للسيطرة على البرلمان، لأن هؤلاء جمهورهم ثابت إما منتمي إليهم أو تربطه مصلحة".

وتابع "نحن غير متفائلين بالمرحلة المقبلة، ولا سيما أن التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر هو من سيشكل الحكومة، وهذا يعني أن الأخير هو من يفرض سيطرته عليها ويتحكم بها، وهذه طامة كبرى بالنسبة لي، فهو شخصية متقلبة ولا يمكن الوثوق بها".

محاولات للتلاعب

بعد انتهاء التصويت العام للانتخابات وبدء تسرب بعض النتائج، أفادت مواقع محلية عراقية في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بوصول قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني إلى بغداد، في زيارة غير معلنة لعقد تحالفات سياسية.

ونقل موقع "شفق نيوز" عن مصدر حكومي (لم يسمه) أن "قاآني عقد فور وصوله اجتماعات مع مسؤولين عراقيين وعدد من الأطراف السياسية لغرض تنسيق المواقف بشأن التحالفات السياسية لمرحلة ما بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة".

هذه الأنباء وتأخر إعلان النتائج من مفوضية الانتخابات التي وعدت أن تعلنها صباح 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، دفعت زعيم التيار الصدري إلى إصدار تحذيرات من أي تدخل إقليمي في نتائج الانتخابات.

وقال الصدر في تغريدة على "تويتر" إن "ما يميز الانتخابات أنها جرت تحت غطاء وإشراف أممي ودولي وعربي وقد تم إقرارها منهم، وعليه فلا ينبغي التدخل بقرارات المفوضية العليا للانتخابات، أو تزايد الضغط عليها، لا من الداخل ولا من بعض الدول الإقليمية أو الدولية".

وأضاف زعيم التيار الصدري: "ليكن واضحا للجميع، أننا نتابع بدقة كل التدخلات الداخلية غير القانونية، وكذلك الخارجية التي تخدش هيبة العراق واستقلاليته".

وعلى ضوء ذلك، علق مشرق عباس، المستشار السياسي الخاص لرئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، على المعلومات حول زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد.

وكتب عباس على حسابه في "تويتر" في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021  قائلا: "لم يشهد العراق خلال الـ48 ساعة الماضية أي زيارة رسمية لأي مسؤول أجنبي".

وبعد ذلك أصدرت قوى "الإطار السياسي الشيعي" (يضم القوى القريبة من إيران) بيانا في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، رفض فيه نتائج الانتخابات، مؤكدا أنه يطعن ولا يقبل بها. وشدد على أنه "سيتخذ جميع الإجراءات المتاحة لمنع التلاعب بأصوات الناخبين".

وحصل التيار الصدري على 73 مقعدا في أعلى نسبة يحصل عليها، جعلته يأتي في المرتبة الأولى على عموم الكتل السياسية في العراق، ويليه من الكتل الشيعية ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي بـ37 مقعدا، ثم تحالف "الفتح" (الجناح السياسي للحشد الشعبي) بـ14 مقعدا.

نقلة نوعية

وفي المقابل، اعتبر محللون سياسيون، الانتخابات التي جرت بأنها غير مسبوقة من حيث النزاهة.

وقال المحلل السياسي العراقي، إياد العنبر إن "نتائج الانتخابات حتى اللحظة فيها تغير واضح، فصعود الصدريين يحتم عليهم الالتزام بالخطاب لأن رئاسة الوزراء ستكون صدرية. أيضا فوز ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي، والذي حل ثانيا في ظل تراجع تحالف الفتح".

وأشار خلال تصريحات صحفية إلى أنه "لا نعرف حتى اللحظة (11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021) القوى القريبة من التيار الصدري كم عدد مقاعدها، ولا سيما قوى الدولة بقيادة حيدر العبادي وعمار الحكيم، ولكن ننتظر الأرقام النهائية حتى يمكن أن نقول إن الخريطة التي كانت قبل الانتخابات المتشكلة ممكن تطبيقها".

ولفت العنبر إلى أن "الخارطة تتكون من (قوى الدولة، تقدم، الديمقراطي الكردستاني، والتيار الصدري) فهل لا يزالون عازمين على تشكيل الأغلبية البرلمانية، أم سنعود إلى توافقات وفق المعادلة القديمة؟ وذلك بأن يشارك الكل بالسلطة والمعارضة، وهنا اختبار لمصداقية الكل السياسية بالتعهدات التي قطعتها سابقا".

وأعرب المحلل السياسي عن اعتقاده بأن "هذه الانتخابات تمثل طفرة نوعية عما سبقها منذ عام 2003، ولا سيما في سد الذرائع بخصوص التزوير والتلاعب بالأصوات، بعيدا عن استخدام المال السياسي، والذي لا يمكن أن نتفاجأ به في بلد من الأكثر فسادا في العالم".

من ناحية الممارسة الانتخابية الإدارية والتقنية، فقد حدت إجراءات المفوضية بشكل كبير من التزوير والتلاعب بأصوات الناخبين في الخارج والنازحين، رغم أنها حرمت حق مواطنين لكنها منعت التلاعب، لكن إجمالا أداء المفوضية كان ممتازا باستثناء تضارب مواعيد إعلان النتائج، وفق ما قال.

ورأى العنبر أن "الثقة أعيدت للمواطن بشأن الانتخابات، لكن لا نعرف ما إذا كانت ستؤسس لانتخابات نزيهة في الدورة المقبلة، لأن ذلك يعتمد على قانون الانتخابات وطبيعة المشاركة، لكن كإجراءات للمفوضية إذا بقيت على هذا المستوى، فإنها كسبت ثقة المواطن".

وفي السياق ذاته، قال السياسي العراقي أثيل النجيفي على "فيسبوك" في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إنه "على الرغم من أن النتائج الأولية المعلنة كانت سيئة لـ"متحدون"، إلا أننا لا يسعنا سوى أن نهنئ جميع الفائزين فيها ونتمنى لهم التوفيق في خدمة مجتمعهم، فالحياة السياسية تعبر عن مزاج الشارع وعلينا أن نتقبله كما هو لا كما نتمناه".

وأضاف: "كما لا بد من الإشارة إلى أن هذه الانتخابات كانت الأصدق في تمثيل حالة الشارع العراقي منذ عام 2003 بإيجابياته وسلبياته، سواء في تمثيل أصحاب المبادئ الذين اختاروا وفقا لتطلعاتهم السياسية أو حالة اليأس التي دفعت شرائح للمقاطعة أو التساهل ببيع الأصوات بثمن بخس أو الراغبين بالانتفاع من الطبقة السياسية".

وأردف محافظ نينوى السابق، قائلا: "لم تسجل على هذه الانتخابات حالات تزوير، فمن صوت فعن قناعة، ومن باع ومن قاطع فبإرادتهم جميعا دون إجبار أو تخويف"، مؤكدا أن "العراق يمر بمرحلة جديدة".