رغم الاتفاقات.. لماذا يحشد الأسد قواته قرب المناطق الإستراتيجية بإدلب؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يدرك النظام السوري أن فقدان فصائل المعارضة مناطق ذات مواقع إستراتيجية، لا يعني فقط زيادة في مساحة سيطرته العسكرية، بقدر ما يعد ورقة رابحة على طاولة المفاوضات السياسية التي يعد المعطل الأساسي لها.

واتبع النظام السوري تكتيكا عسكريا يقوم على القضم التدريجي للمدن والبلدات السورية، عبر التركيز على سياسة القصف والتهجير على أي منطقة يريد ابتلاعها قبل بدء عملية عسكرية واسعة ضدها.

وهذا ما ينطبق حاليا على منطقة جبل الزاوية الإستراتيجية الواقعة جنوب إدلب، والتي تعد تحت الحماية التركية بموجب اتفاق "خفض التصعيد" الموقع مع روسيا عام 2017.

وما تلاه من مذكرة سوتشي عام 2018، وصولا لاتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ 5 مارس/آذار 2020، والذي يحكم إدلب عسكريا حاليا.

لكن النظام السوري بات متحمسا حاليا وأكثر من أي وقت مضى إما للسيطرة على منطقة جبل الزاوية الخاضعة للمعارضة السورية، أو إيجاد موطئ نفوذ له هناك عبر صفقة تركية - روسية يكون هو المستفيد منها اقتصاديا.

تسخين عسكري

وتشهد منطقة جبل الزاوية في الريف الجنوبي تصعيدا عسكريا عبر تعرض القرى والبلدات هناك إلى قصف مدفعي وجوي من طيران النظام السوري وروسيا أسفر عن مقتل عشرات المدنيين وتهجير الآلاف منذ مطلع يونيو/حزيران 2021.

ويعد جبل الزاوية المتمتع بكتل جبلية تعيق الزحف العسكري إليه خاصرة محافظة إدلب من الجنوب وتنتشر فيها قوات تركية مزودة بسلاح المدفعية وراجمات الصواريخ، وتتوزع على شريط طويل على خطوط التماس مع قوات النظام السوري.

ومنذ سبتمبر/أيلول 2021 زادت الحشود العسكرية لقوات رئيس النظام بشار الأسد في ريف إدلب الجنوبي وتحديدا بمحيط جبل الزاوية، بعد سحب مجموعات من عناصره والسلاح الثقيل من جبهات ريف حلب الغربي.

وفتحت هذه الحشود العسكرية الباب أمام احتمالية اندلاع معارك جديدة في إدلب على غرار ما جرى مطلع عام 2020 شرقها وبريف حلب الجنوبي كذلك.

إذ تمكن النظام السوري على إثرها من تأمين الطريق الدولي حلب - دمشق (M5)، لكن السيطرة على هذا الأخير لا تعني شيئا بمعادلة العجلة الاقتصادية التي يبحث الأسد عن تدويرها دون تشغيل الطريق الدولي الآخر حلب- اللاذقية (m4) والذي تمسك به المعارضة السورية.

 

وسيطرة النظام السوري على جبل الزاوية تعني تأمين مسافة نحو 25 كيلو مترا من الطريق الدولي حلب- اللاذقية (m4) ابتداء من مدينة سراقب الهامة شرق إدلب والتي سيطر عليها النظام في فبراير/شباط 2020 بدعم من مليشيات إيرانية وتغطية من الطيران الروسي.

ورغم أن اتفاق إدلب لوقف إطلاق النار عام 2020 قضى بإنشاء ممر آمن بطول ستة كيلومترات إلى الشمال والجنوب من الطريق الدولي (m4)، وتسيير دوريات تركية - روسية على امتداده إلا أنه لم ينفذ بعد.

وهذا وفق الخبراء العسكريين هو دافع الحملة العسكرية الحالية لقوات النظام السوري، لكون تفعيل طريق (m4) تجاريا يخدم بشكل أساسي مصالح النظام السوري الاقتصادية، والذي يربط مناطق شمال شرقي سوريا الغنية بالنفط والغاز والذي تديره قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بغربها على الساحل حيث ثقل النفوذ الروسي.

لكن الوقائع الميدانية تشير إلى تعمد تركيا عدم فتح هذا الطريق الذي يخنق النظام اقتصاديا وترفض المعارضة السورية التهاون في فتحه، ولا سيما أن تركيا أزعجها دعم روسيا جويا وإيران بريا مطلع عام 2020 لقوات الأسد للسيطرة على قرى ومدن واقعة على الطريق الدولي حلب - دمشق (M5).

ويرتبط الطريق الأخير أيضا بفرع يمتد بين ولاية غازي عنتاب التركية ومحافظة حلب عبر مدينة إعزاز ومعبر باب "السلامة" الحدودي مع تركيا.

وحينها تمكن النظام السوري من السيطرة على مناطق يقطعها طريق (M5)، تعد تحت المراقبة التركية ويمنع التقدم إليها بموجب اتفاق سوتشي الموقع بين أنقرة وموسكو في سبتمبر/أيلول 2018.

وركزت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مدينة سوتشي الروسية في 29 سبتمبر/أيلول 2021 ولقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في شقها الأول على إدلب.

قال أردوغان في تصريحات صحفية أدلى بها على متن طائرته أثناء عودته إلى بلاده أنه بحث مع بوتين "أن الوقت حان لتطبيق حل نهائي ومستدام في سوريا، وبالدرجة الأولى في إدلب"، مؤكدا على أنه جرى "تحديد خارطة طريق" سيعتمد عليها وزراء الدفاع والخارجية في كلا البلدين.

معركة قريبة

ورغم أن التفاهمات السياسية بين أنقرة وموسكو هدفها منع انزلاق إدلب إلى حرب جديدة تزيد من معاناة أكثر من 5 ملايين سوري يعيشون في الشمال السوري المحرر على الحدود التركية، فإن بعض الخبراء العسكريين يرون خلاف ذلك.

وفي هذا السياق يرى القيادي في المعارضة السورية، العميد فاتح حسون، أن اللقاء الأخير بين أردوغان وبوتين "لم يستطع أن يقرب وجهات النظر حول الوضع المعقد في إدلب".

 ويضيف حسون لـ "الاستقلال"، أن "تسيير الدوريات المشتركة في منطقة خفض التصعيد لم يشبع جشع روسيا والنظام اللذين لا يؤمنان إلا بالحلول العسكرية ويصران على فتح الطريقين الرئيسين M4 وM5 لأهداف اقتصادية".

وأشار العميد إلى أن "هذا انعكس على الوضع الميداني عبر تكثيف طائرات الاحتلال الروسي قصفها للمناطق المدنية في منطقة إدلب ودفع نظام الأسد ومن خلفه إيران بحشود عسكرية ضخمة شملت دبابات وناقلات جند، وأسلحة متوسطة وثقيلة مزودة بأنظمة تسديد ورؤية ليلية".

وتوزعت تلك الحشود على كامل منطقة التماس شرقي وجنوبي إدلب (الجبهات المقابلة لمنطقة جبل الزاوية)، وفق حسون.

وذهب القيادي في المعارضة السورية للقول: "إن هذا يفتح مجالا للشك بأن معركة إدلب باتت قريبة، لكنها في الوقت نفسه مرتبطة بعدة عوامل ومتغيرات على الصعيدين الإقليمي والدولي مما يجعلها غير حتمية".

وأردف قائلا: "بالمقابل عزز الجيش التركي قواعده في منطقة خفض التصعيد وأنشأ قاعدة جديدة في بلدة بنين قرب جبل الزاوية جنوبا كما نقلت تركيا أكثر من 4 آلاف جندي ونحو 500 آلية وعربة مدرعة إلى سوريا، بينها دبابات تم نشرها على طول الاتجاهات المحتملة لصد أي هجوم محتمل للنظام في إدلب".

وأضاف العميد أن "تركيا تعتبر إدلب مسألة أمن قومي ولن تسمح بسيطرة قوات الأسد عليها والتي يجري تسييرها من روسيا تارة وإيران تارة أخرى".

ولفت القيادي في المعارضة السورية إلى أن "ما سبق جعل الجيش الوطني السوري والجبهة الوطنية للتحرير يعلنان عن استنفارهم ورفع جاهزيتهم القتالية للتصدي لأي عدوان محتمل من قبل النظام ومليشياته".

وختم حسون بالقول: "ما تفعله روسيا عن طريق قوات نظام الأسد ما هي إلا ضغوطات لتحقيق مرونة تركية أكثر في ملفات دولية أخرى، وكل الاحتمالات مفتوحة بما فيها اشتعال معظم مناطق سوريا من جديد في حال غامرت موسكو بالبدء في معركة إدلب".

رفع الجاهزية

وأمام حالة التسخين التي تنتهجها روسيا في إدلب، فإن فصائل المعارضة السورية على الضفة الأخرى، بدت أكثر واقعية وراحت تنظر إلى هذه الحالة على أنها طبول حرب باتت تقرع من جديد.

وهو ما حدا بالفصائل العسكرية الممسكة بالمنطقة الإستراتيجية في جنوب إدلب لإعداد العدة والتحضير لأي معركة محتملة قد يقدم عليها النظام السوري على حين غرة.

القيادي في الجيش الوطني السوري المعارض العميد زياد حاج عبيد، شرح الأبعاد العسكرية لما يجري قرب إدلب.

وقال عبيد لـ "الاستقلال" إنه "منذ سبتمبر/أيلول 2021 حشد النظام السوري والمليشيات الإيرانية والروسية بأعداد كبيرة من الجنود والآليات من محور مدينة سراقب شرق إدلب وصولا إلى جبل الزاوية جنوبا وصولا إلى قلعة المضيق والمناطق التي يسيطر عليها حاليا الجيش الوطني السوري والتي يوجد فيها قواعد عسكرية تركية".

ولفت العميد إلى أن "النظام السوري منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2021 بدأ يحشد قواته من جديد بهدف السيطرة على جنوب وغرب طريق (m4) وعلى جبل الزاوية القريبة منه بهدف فتح الطريق الدولي بالقوة ما يعني تهجير المدنيين من المنطقة وصولا إلى القرى التي تتبع جسر الشغور غرب إدلب".

وأشار القيادي في الجيش الوطني إلى أن "المعركة قادمة لأن النظام لديه أطماع باستعادة تلك المناطق بدعم من روسيا وإيران".

كما أن الجيش الوطني السوري المعارض رفع الجاهزية وأبدى استعدادات لأي عمل عسكري بالتعاون مع الجيش التركي، وكذلك لمساندة الفصائل العاملة من الجبهة الوطنية وترابط على قطاع مع قوات النظام بريف إدلب على مسافة 140 كم، وفق قوله.

من جانبه قال القيادي البارز في الجيش الوطني السوري مصطفى سيجري، لـ "الاستقلال"، إن "النظام لا يزال يطمح في إعادة احتلال المناطق المحررة، في محاولة لتجاوز التفاهمات الروسية التركية أو عرقلتها أو إفشالها".

وأكد سيجري: "أن الجيش الوطني الذي يقع على عاتقه حماية المناطق المحررة يعد نفسه عسكريا في الوقت الحالي وينظم صفوفه للدفاع عن هذه المناطق في حال تعرضت لأي هجوم من قبل قوات الأسد".