مطارات تحت حصار "التحالف".. كيف يعاني اليمنيون؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"التحالف يرفض منح تصاريح لنقل مسافرين إلى اليمن" تصريح لوزير النقل اليمني صالح الجبواني أثار الكثير من علامات الاستفهام والتعجب حول ممارسات التحالف في تقويض السلطة الشرعية باليمن.

الجبواني كشف في تغريدته على تويتر أن آلاف اليمنيين عالقون في الهند، وأن التحالف رفض منح طيران اليمنية تصاريح لنقلهم إلى العاصمة المؤقتة عدن.

قبلها شن وزير الداخلية أحمد الميسري هجوما على التحالف العربي قائلا: "إننا تشاركنا مع التحالف العربي في الحرب على الحوثيين، وليس الشراكة في إدارة المناطق المحررة، كما أن اتفاقنا مع التحالف هو الزحف على الحوثيين باتجاه الشمال، وليس الزحف باتجاه الشرق".

الميسري أضاف: "نحن مازلنا دولة، ولابد أن يناط بمؤسسات هذه الدولة إدارة كل المناطق المحررة، ويجب أن يعلم الأشقاء في التحالف العربي أن هناك من رجالات الدولة من لديه الجرأة ليقول لهم إن السير معوج، ويجب أن يستقيم الحال".

ودعا الميسري مسؤولي الدولة إلى عدم الخجل، قائلا: إن "الخجل في مصير الأمم لا يصنع دولا، وأن الأيادي المرتعشة لا تستطيع أن تصيغ مسودة استقلال الدول"، ودعا إلى إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين الشرعية والتحالف.

تحت الحصار

تحالف "الرياض ـ أبو ظبي" أخرج سلاح الجو اليمني عن الخدمة بشكل كلي خلال الأيام الأولى من انطلاق العملية العسكرية التي شنها في 26 مارس/آذار 2015، واستهدف الطائرات الحربية التي كان من الممكن أن تشكل تهديدا عسكريا، وأوقف جميع الرحلات الجوية، وأتبع ذلك بفرض حصار على المطارات والموانئ اليمنية، تحت مبرر تعزيز إجراءات المراقبة والتدقيق على الرحلات، والحيلولة دون تهريب سلاح للحوثيين.

الحصار تسبب في عرقلة وإعاقة آلاف المسافرين إلى مطارات اليمن، كما تسبب الحظر في فرض قيود على المساعدات الإغاثية وبالتالي أسهم بتدهور الأوضاع الإنسانية.

منظمة هيومن رايتس ووتش أصدرت تقريرا في ديسمبر/كانون الأول 2017 قالت فيه: إن "القيود التي فرضها التحالف، بقيادة السعودية، على المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية، أدى إلى تدهور الوضع الإنساني في البلاد بشكل كارثي".

خارج الخدمة

ما زالت أهم المطارات الدولية في اليمن خارج الخدمة حتى اللحظة، منها مطار صنعاء الدولي، ومطار الريان ومطار الغيظة، أما مطارا عدن وسيئون فهما متاحان على فترات متقطعة لطيران اليمنية فقط، مع استبعاد جميع شركات الطيران الأخرى، وعدم السماح لأي طائرة يمنية بالإقلاع والهبوط في مطار عدن ولا حتى التحليق في الأجواء اليمنية إلا بعد الحصول على تصريح من التحالف، وصل ذلك الحصار إلى حد منع التحالف طائرة الرئيس هادي من الهبوط في مطار عدن الخاضع لسيطرة الإمارات في فبراير/شباط 2017.

وبالإضافة إلى ذلك حولت القوات السعودية مطار الغيضة إلى ثكنة عسكرية تتحكم من خلاله بالمشهد العسكري في المحافظة.

تقويض الشرعية

شكل ذلك الإجراء تقويضا لسلطة الشرعية، وجعل مؤسسات الشرعية على المقابل من قرارات التحالف، في الوقت الذي كان يفترض أن يعمل التحالف على تدعيم مؤسسات الشرعية، بحسب الهدف المعلن من شن العملية العسكرية.

المحلل ياسين التميمي قال لـ"الاستقلال": "يأتي تصعيد الجبواني في إطار العلاقة التي تزداد سوءا بين الشرعية والتحالف، في وقت كنا نأمل أن تخلق المواجهات مستويات مشتركة من التعاون التي تتفق مع طبيعة التحديات التي تواجه كلا من الشرعية والتحالف".

مضيفا: "لكننا أمام حقيقة تقول إن التحالف لم يعد معنيا بدعم الشرعية ولا باستعادة الدولة ولا بحفظ كيان الدولة واستقرارها، وصارت المشاريع السياسية المرتبطة بطموح التحالف خطيرة جدا، وربما تفوق في خطورتها نزعة الحوثيين ومن يساندهم في الاستئثار بالسلطة".

التميمي أوضح أن "هناك أجندة في اليمن لم تعد خافية على أحد، وهذه التصريحات التي تصدر عن وزراء في الحكومة، مازالت متواضعة قياسا بحجم التحديات التي تواجهها السلطة الشرعية والشعب اليمني من مؤامرات خطيرة جدا، تسعى لتفكيك الدولة، وتثبيط معنويات الجيش الوطني ومنعه من خوض معركة الحسم مع ما يفترض أنه انقلاب يتعين هزيمته بكل المستويات".

مبيت الطائرات

تجاوز الموضوع مسألة عرقلة المسافرين ووصل لحد منع مبيت الطائرات اليمنية في مطار عدن، حيث كشفت مذكرة بعثت بها إدارة الخطوط الجوية اليمنية إلى قيادة التحالف العربي في أغسطس/آب الماضي، يطلب فيها السماح بأن تبيت الطائرات اليمنية في مطار عدن الخاضع لسيطرة الإمارات.

جاء في الرسالة "الأخوة قادة التحالف العربي في مطار عدن الدولي، نرجو منكم الموافقة بالسماح لطائراتنا في المبيت بمطار عدن، لأن مبيتها في المطارات الخارجية مرتفع التكاليف حيث يتم دفع 20 ألف دولار مقابل اليوم الواحد".

أحد موظفي شركة الطيران اليمنية كشف لـ"الاستقلال" في وقت سابق، أن أحد أسباب ارتفاع تكلفة تذاكر الطيران يعود إلى توزيع تكاليف مبيت الطائرات اليمنية خارج اليمن على تكلفة التذاكر، إذ تمنع الإمارات مبيت الطائرات اليمنية في مطار عدن.

وكشفت مذكرة أخرى بُعثت في نفس التاريخ طلبا من الشرعية لقيادة التحالف السماح بإجراء الصيانة الدورية للطائرات اليمنية في مطار عدن، لأن الصيانة في المطارات الأخرى مكلفة، بحسب المذكرة.

الكاتب والصحفي فارس الحميري، قال لـ "الاستقلال" في وقت سابق: "على المستوى الشخصي لم أصدق أن الموضوع وصل لحد منع الطائرات اليمنية من الوقوف في مدارجها والمبيت في مطاراتها، لكني تأكدت بنفسي من أحد مسؤولي الشركة وأكد لي صحة الموضوع وصحة المذكرة".

وتعليقا على ذلك يقول الكاتب والصحفي محمد اللطيفي، لـ "الاستقلال": "الموضوع تجاوز مسألة انتهاك السيادة وتعداها لحد الإذلال المباشر، فأن تستجدي شركة يمنية وطنية من التحالف أن يأذن لها بالتصرف في ممتلكاتها فهذا يعد أعلى درجات الإذلال، وعلى الشرعية إيجاد حل لهذه الممارسات المرفوضة وغير المقبولة من قبل كامل الشعب اليمني".

نقاط تفتيش

الحصار تسبب أيضا في تعطيل حركة الملاحة الجوية، وبالتالي تعطّل شبكات البريد وشبكات الشحن الجوي، وأصبح من الصعب إرسال أو استقبال أي طرود أو مظاريف أو شحنات جوية من وإلى اليمن، ولجأ اليمنيون للبحث عن الأساليب القديمة لإرسال أغراضهم لليمن، كالبحث عن مسافرين، في تصرف يعيد اليمن لحقبة ما قبل الطائرات وما قبل خدمات البريد.

إغلاق المطارات ضاعف أيضا من معاناة اليمنيين، لجأوا للبحث عن بدائل للسفر عبر طرق برية طويلة وممتدة من الشرق للغرب، حيث يقضي المسافرون ساعات طويلة، وأياما بكاملها، للوصول إلى أقرب منفذ بري.

بالإضافة إلى ذلك، فإن حتمية السفر عبر طرق خاضعة لسيطرة الحوثيين ضاعف من إمكانية اعتقال المئات من المسافرين، حيث تتوزع نقاط تفتيش على امتداد الطرق الرابطة بين المحافظات، حيث يكون فيها التفتيش مكثفا ودقيقا، كنقطة "أبو هاشم" سيئة الصيت في مدينة رداع التابعة لمحافظة البيضاء (غرب)، حيث يتم اعتقال عشرات المسافرين بشكل يومي بشبهة السفر إلى مأرب والانضمام لسلطات الشرعية أو القتال في صفوفها، أو حتى بالاشتباه في الولاء للشرعية أو المقاومة.

جابر صالح، أحد سكان محافظة حضرموت (شمال)، قال لـ"الاستقلال": "هناك 36 نقطة تفتيش في الطريق الرابط بين محافظة إب (غرب) ومحافظة البيضاء، وهي منطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين، لا يمكن المرور منها أو تجاوزها بسهولة، يطلبون هويتك، ويحاولون استكشاف ملامحك ومعرفة انتمائك، يسألونك عن مكان إقامتك، وعن اسم المشرف الأمني الخاص بمنطقتك، وفي حال الاشتباه بك، يطلبون منك تعريفا وتزكية فورية من مشرفك الأمني، وإلا يتم إيقافك ثم اعتقالك".

تلك المعاناة تمتد لتشمل المرضى الذين يتطلب سفرهم اجتياز مئات أو آلاف الكيلو مترات، بأهوالها وأخطارها ومشقاتها، وعددا من الأيام للوصول إلى أقرب منفذ بري، يقول محمد العليمي لـ"الاستقلال": "مات ابن عمي بسبب عدم القدرة على إسعافه إلى مستشفى متخصص خارج اليمن، كنا نبحث عن رحلة عاجلة لكن طول الطريق حال دون إسعافه".

وفي حين كان يفصل المواطنين عن مطارهم دقائق فقط، أصبح يفصلهم عن أقرب مطار لهم عدة أيام وآلاف الكيلومترات وجملة من الأهوال والأخطار، يقول عبد الله يحيى أحد سكان مدينة صنعاء، لـ"الاستقلال": "كنا إذا احتجنا للسفر، يفصلنا عن مطار صنعاء نصف ساعة فقط، أما الآن فنحتاج حوالي أسبوع وأحيانا أسبوعين، لنتمكن من عبور منفذ شحن الذي يربط اليمن بعمان".

ويضيف عبد الله: "نحتاج 3 أيام للسفر إلى المنفذ، ثم الانتظار في المنفذ في مدة تصل  لأسبوع حتى يتم الترخيص لنا بالعبور عبر الأراضي العمانية لنصل إلى أقرب مطار ينقلنا لوجهتنا".