"ترهق الاقتصاد المشترك".. تجار مغاربة وجزائريون ينتقدون الأزمة بين البلدين

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رأت صحيفة فرنسية أن انهيار العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، أضعف كثيرا الآمال القائمة بحدوث تكامل إقليمي بعد عقود من عدم الاستقرار.

وأشارت صحيفة لوموند أن المسافة الفاصلة بين مدينتي وجدة المغربية وتلمسان الجزائرية تبلغ حوالي 60 كيلومترا فقط.

رغم ذلك، سيتعين على الطماطم المغربية قطع آلاف الكيلومترات قبل أن تصل إلى السوق الجزائرية، مرورا بميناء مرسيليا أو جنوة.

تجارة شاقة

منذ إغلاق الحدود البرية والبحرية في عام 1994، الذي تقرر بعد هجوم مراكش، كانت التجارة بين البلدين المتجاورين أمرا شاقا.

وانتهى الأمر بالتوترات الأخيرة المرتبطة بالصراع في الصحراء الغربية، وهي مربط الفرس الحقيقي بين كل من الرباط والجزائر، إلى تدمير آمال التعاون الاقتصادي الإقليمي الذي بدأ إبان إنشاء اتحاد المغرب العربي في عام 1989، والذي صار مع الوقت غير ذي قيمة.

وفي 24 أغسطس/آب 2021، قررت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط قبل إغلاق مجالها الجوي أمام جميع الطائرات المغربية بعد شهر.

وجاء ذلك القرار بسبب ما أسمته الجزائر تواصل "حملة عدائية ضدها"، فيما وصفت الرباط المبررات بالواهية.‎

ومع تعليق الرحلات الجوية بين الدار البيضاء والجزائر العاصمة بالفعل بسبب جائحة كورونا، من المرجح أن لا يؤثر القرار بشكل كبير على مسار الحركة الجوية بين البلدين. 

وكان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، قد أبدى أيضا استعداده لعدم تجديد عقد مهم مرتبط بخط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي (GME).

ويربط هذا الخط منذ عام 1996 الودائع الجزائرية من الغاز بأوروبا عبر المغرب وينتهي ذلك العقد في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وفي هذا الإطار، يريد المراقبون المغاربة أن يكونوا مطمئنين، في مواجهة الآثار الاقتصادية المحتملة.

يقول الخبير الاقتصادي العربي الجعيدي إنه "خلافا لتوقعات الجزائر، فإن خرق عقد الغاز لا يشكل قيدا لا يمكن التغلب عليه بالنسبة للمغرب".

ويضيف أن "الدولة (المغربية) تعمل منذ سنوات على تنويع سياستها في مجال الطاقة والوصول إلى مصادر بديلة لتزويد محطات الطاقة الهيدروليكية".

ويوضح أن "النقص في موارد ضريبة العبور ضئيل بالنسبة للمالية العامة". ويبدو أن مجتمع الأعمال المغربي يظهر نفس الارتياح (تجاه القرارات الجزائرية).

وهو ما يؤكده رئيس شركة مغربية كبيرة تحقق غالبية مبيعاتها في التصدير، إذ يقول إن "السوق الجزائري لا يمثل أي شيء للشركات المغربية التي وجدت شركاء في أماكن أخرى".

وأضاف أنه "حتى لو نفذت الجزائر تهديداتها وأوقفت وارداتها وعقودها مع المغرب، فإن اقتصاد البلاد لن يتأثر". 

تطور التهريب

أدت عقود من عدم الاستقرار في المنطقة إلى انخفاض حاد في التجارة بين البلدين.

في عام 2020، تجاوز حجم التجارة بالكاد 500 مليون يورو، أو 1 بالمئة من واردات المغرب وصادراتها، بحسب مكتب الصرف الأجنبي المغربي.

وهو مبلغ زهيد عند مقارنته، على سبيل المثال، بالتجارة بين المملكة وجارتها الإسبانية، والتي بلغت 13.5 مليار يورو في عام 2020.

يستورد المغرب بشكل رئيس المحروقات من الجزائر ويصدر المعادن والأسمدة ومنتجات النسيج إلى الجارة الشرقية.

ومع ذلك، فإن الأرقام الرسمية لا تأخذ في الاعتبار التهريب الذي نشأ على الحدود، وكذلك الشركات العاملة في القطاع غير الرسمي للهروب من القيود الإدارية، مثل الشركات الصغيرة المغربية التي تعمل في قطاع البناء والتشييد وقطاع الحرف في الجزائر.

يأسف رجل أعمال جرب المغامرة على الجانب الآخر من الحدود، قبل أن يتخلى عنها ويقول إن "المشكلة هي أنه عليك أن تمر عبر مرسيليا للحصول على البضائع".

ويضيف رجل الأعمال (لم تذكر الصحيفة اسمه) أنه "من الواضح أن تكلفة النقل تنعكس على التكلفة النهائية وهي محبطة في مواجهة المنافسة القادمة من الصين وتركيا".

ويقول أيضا إن "الكثيرين يجدون أنفسهم مجبرين على التوجه نحو التهريب أو ببساطة التخلي عن مشاريعهم تلك".

لكن حتى 2016، وهو العام الذي شهد تجدد التوترات في المنطقة، كانت الجزائر أكبر شريك تجاري للمغرب في إفريقيا. وهو موقع استولت عليه، منذ ذلك الحين، مصر ودولة ساحل العاج.

ويوضح رجل أعمال يعيش بين الجزائر والمغرب أن "التوترات الدبلوماسية يشعر بها بشكل متزايد على أرض الواقع، من كلا الجانبين".

ويتابع: "يجري إيقاف حاوياتنا في الجمارك بدون سبب ويطلب منا دائما المزيد من الممارسات الإدارية ويستغرق الأمر وقتا طويلا مع المخاطرة بفقدان البضائع القابلة للتلف". 

بدوره، يقول أمين بوحسن، وهو الشريك المؤسس لمؤسسة الفكر (مبادرات المجموعة الاقتصادية المغاربية ICEM) إن "العمل معقد بحكم الواقع".

ويتابع: "طالما لا توجد مبادلات برية عبر الطرق، فمن الصعب للغاية إجراء مبادلات مباشرة، وهناك العديد من العوائق من حيث تحويل العملات والتشريعات القانونية  خاصة في الجزائر، مع قيد 49/51". 

وهذا القيد هو عبارة عن قاعدة قدمت عام 2009 وجرى تخفيفها مؤخرا، وهي تتطلب من أي مستثمر أجنبي منح حصة أغلبية (على الأقل 51 بالمئة) لشريك جزائري.

التكامل الإقليمي

تشل الاحتكاكات الدبلوماسية تطور الاتحاد الاقتصادي في هذه المنطقة التي تشترك مع ذلك في نفس القضايا، مثل البطالة المستوطنة بين الشباب والخريجين، وأزمة المياه، وعواقب كورونا على الاستثمار والسياحة.

ووفقا لتقرير استشرافي للبنك الدولي عام 2010، كان من الممكن أن يؤدي التكامل الاقتصادي للمغرب العربي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي للفرد، بين عامي 2005 و2015 بنسبة 34 بالمئة للجزائر و27 بالمئة للمغرب و24 بالمئة لتونس، المتأثرة بشكل غير مباشر بعدم الاستقرار الإقليمي. 

تعتبر لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا أن الاتحاد المغاربي كان سيكسب دول المنطقة الخمس (بما في ذلك ليبيا وموريتانيا) ما يعادل 5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.

ويعتقد أمين بوحسن أن "الإمكانات الاقتصادية بين المغرب والجزائر استثنائية، هناك العديد من الفرص، وخذ على سبيل المثال  التحالف الممكن بين المؤسسة الملكية للفوسفات وشركة النفط الجزائرية سوناطراك".

يعيش أمين بوحسن في المغرب منذ عام 2006، وهو جزائري يبلغ من العمر 38 عاما، وأيضا الشريك المؤسس في ICEM - مؤسسة الفكر والمبادرات للمجموعة الاقتصادية المغاربية-.

وهذه المبادرة الأخيرة تأسست في 2019 بهدف الجمع بين الفاعلين في القطاع الخاص المغاربي على أمل إعادة إطلاق التعاون الاقتصادي الإقليمي، "في الوقت الذي فشلت فيه المؤسسات الكبيرة".

تجمع مؤسسة الفكر والمبادرات للمجموعة الاقتصادية المغاربية كل سنة أرباب العمل المغاربة والجزائريين والتونسيين لمناقشة الفرص الاقتصادية والثقافية في المنطقة.

يوضح الشريك المؤسس ذلك بالقول "نريد أن نعلي صوت المجتمع المدني، المنفتح على منطقة مغاربية موحدة، ولم نعد نعطي الكلمة للسياسيين فقط". ومثله آخرون، يلتزم مواطنو شمال إفريقيا، بالتكامل الإقليمي.

ويأمل أنور حشمان مع "التجربة المغاربية"، وهي منصة تسمح بزيارات فعلية أو افتراضية إلى المواقع التاريخية في المغرب الكبير، بتطوير السياحة الإقليمية ومحاربة عواقب كورونا على هذا القطاع الرئيس.

ويقول حشمان، وهو رجل أعمال فرنسي جزائري يبلغ من العمر 33 عاما "نريد اليوم تطوير مفهوم" المغاربية "وتعزيز التراث الذي تحمله المجتمعات المغاربية دون أي تصور لفكرة الحدود".

لكن في مناخ الشقاق السائد بين الجزائر العاصمة والرباط، تظل مثل هذه المبادرات نادرة والأصوات المؤيدة للمغرب العربي متوارية عن الأنظار.

ويعترف أمين بوحسن بقوله "صحيح أن هناك نوعا من الممارسات الممنوعة، حيث لا يجرؤ مثلا العديد من الممثلين الذين يعملون بين البلدين على التحدث، مما قد يعرضهم لخطر إساءة الفهم".