بدعوى الحفاظ على البيئة.. لماذا ضيقت الصين الخناق على العملات الرقمية؟

سليمان حيدر | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شهدت السنوات الأخيرة اتخاذ الصين عدة قرارات تحظر التعامل في العملات الرقمية المشفرة بسبب تخوفات من سيطرتها على اقتصاد البلاد وشبهات استخدامها في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب. 

آخر تلك الخطوات قرار صادر عن البنك المركزي الصيني "مصرف الشعب" في 24 سبتمبر/أيلول 2021 يمنع عمليات التعدين والمعاملات الافتراضية والمالية والاقتصادية المتعلقة بالعملات الرقمية. 

وتعهد البنك المركزي الصيني في بيان مشترك مع 10 وكالات حكومية بتضييق الخناق بشدة على صناعة العملات الرقمية تحت مسمى الحفاظ على الأمن القومي والاستقرار الاجتماعي.

وأشار البيان إلى أن جميع العمليات المتعلقة بالعملات المشفرة غير قانونية، معللا ذلك بوجود مخاوف بشأن الاحتيال والمقامرة وغسيل الأموال. 

إشعار آخر أصدرته في ذات اليوم اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين حظر جميع عمليات التعدين المشفرة كجزء من تعهدات بكين بخفض انبعاثات الكربون لتحقيق أهداف تغير المناخ، حيث سبق أن أمرت اللجنة المقاطعات الصينية باتخاذ هذا الإجراء.

وقال الإشعار إنه من غير القانوني لأي بورصة خارجية أن تقدم خدمات تجارية للمستثمرين في الصين عبر الإنترنت، مكررة الموقف السابق للجهات التنظيمية. 

إرباك للسوق

القرارات الصينية الأخيرة تأتي ضمن سلسلة قرارات بدأتها في عام 2013 حين أصدرت قرارا يحظر على البنوك الصينية التعامل مع عملة البيتكوين.

وفي عام 2017 حظرت عروض العملات الأولية (الطرح الأولي للعملات المشفرة) التي تبيعها الشركات الناشئة لجمع الأموال لمشاريعها.

وصنفها البنك المركزي الصيني في أغسطس/آب 2017 على أنها شكل غير قانوني لجمع الأموال بحسب تقرير لموقع سي نت الأميركي المتخصص في التكنولوجيا. 

وفي مايو/أيار 2021، تعهدت الصين باتخاذ إجراءات صارمة ضد هذه الصناعة، وأمرت البنوك وشركات الدفع ببذل المزيد لوقف المعاملات المتعلقة بالعملات المشفرة.

لكن وبحسب تقرير لواشنطن بوست الأميركية في 22 يونيو/حزيران 2021 استمر تداول العملات المشفرة في الانتشار بين المقيمين الصينيين الذين يشترون ويتداولون من خلال التبادلات المستضافة خارج الصين.

أحدثت الخطوة الصينية الأخيرة ارتباكا في سوق العملات الرقمية العالمي حيث تسابق العديد من المستثمرين إلى التخلص من العملات التي في حوزتهم. 

وانخفض سعر عملة البيتكوين الأشهر بين العملات الرقمية بنسبة 10 بالمئة بعد الإعلان في 24 سبتمبر/ أيلول 2021 قبل أن يعاود السوق الارتفاع في الأيام التالية مرة أخرى ويستعيد بعض خسائره.

تقرير لصحيفة إيكونوميك تايمز الهندية أشار إلى أن البورصات الهندية التي تتعامل في العملات الرقمية شهدت اندفاعا لبيع العملات الرقمية الصغيرة. 

وأشارت الصحيفة في 26 سبتمبر/أيلول إلى أن المستثمرين المخضرمين كانوا هادئين نسبيا، لكن نظراءهم الجدد في سوق العملات المشفرة كانوا أكثر تفاعلا مع تدفق الأخبار من بكين.

وأضاف التقرير: "تتوقع البورصات التي تتعامل في مثل هذه الأصول أن يكون تأثير الصين مؤقتا، على الرغم من أن الأيام القليلة المقبلة قد تشهد المزيد من عمليات البيع بدافع الذعر قبل أن يهدأ الغبار".

الخبير في العملات الرقمية هادي علاء الدين، يرى أن القوانين التي أصدرتها بكين مؤخرا ليست جديدة ويمكن القول أنها إعادة صياغة للقوانين القديمة التي صدرت خلال السنوات الماضية وتحديدا قبل خمس سنوات. 

وأضاف علاء الدين المقيم في كندا في تصريحات لقناة سكاي نيوز في  25 سبتمبر/أيلول 2021: "البيتكوين والعملات الرقمية محظورة في الصين منذ زمن، لكن المختلف هذا العام هو حظر عمليات التعدين للعملات المشفرة".

وهو ما يؤثر على أسعار العملات الرقمية انخفاضا لمدة أشهر، لأن الصين لديها أكثر من 50 بالمئة من عمليات التعدين في العالم، كما قال.

أسباب مختلفة

أوضحت الصين أن السبب الرئيس لقرار وقف التعدين على أراضيها هو تأثير تلك العمليات على البيئة.

 لكن علاء الدين اعتبر أن الصين مثلها مثل أي دولة أخرى يهمها أن تظل مسيطرة على عملتها المحلية، وأن تكون عملتها أيضا مسيطرة عالميا.

ولفت إلى أن السبب الرئيس وراء القرارات هو منافسة تلك العملات للعملة الصينية الرقمية المشفرة التي يعملون عليها، "لذلك هم لا يريدون أي عملات أخرى منافسة داخل الصين". 

واعتبر أن العملات المشفرة تشكل خطرا مباشرا على اقتصاد الدول لأن كثيرا من السيولة الداخلية تنتقل إلى البيتكوين وهي عملة غير مركزية ما يمثل نظاما عالميا لا تستطيع أي دولة حول العالم أو جهة أن تتحكم فيه. 

وأشار إلى أن أحد مخاطر العملات الرقمية التي تتخوف منها الحكومات هو "الهوية المجهولة" للعملة والمتعاملين، وعدم وجود قوانين للعملات الرقمية ما يحولها إلى سوق سوداء. 

ويوضح المحلل المالي في موقع بارشارت الاقتصادي أندريو هيشت، كيف تتحكم العملات المشفرة في المعروض النقدي من أيدي الحكومات وتعيده إلى الأفراد.

وبين في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021  أنه يجري تحديد القيم طبقا لنظرية العرض والطلب في السوق، وهنا لا تستطيع البنوك المركزية والسلطات النقدية والحكومات والمؤسسات الوطنية توسيع السيطرة أو التعاقد على الرموز المشفرة كما هو الحال مع العملات الورقية. 

وأشار هيشت إلى أن الانقسام الأيديولوجي الأساسي بين العملات الإلزامية والمشفرة يقع في قلب معارضة الحكومات المتزايد لفئة الأصول الرقمية.

وأشار إلى أنه قد تكون هناك لوائح صارمة في الأفق لكبح جماح فئة الأصول الرقمية قبل أن تصبح كبيرة للغاية.  

لويزا كينزيوس مديرة شركة سينولايتكس للاستشارات المالية ومقرها الصين ذهبت لأبعد من ذلك.

ورأت أن القرار الصيني يستهدف أيضا أي مواطن يعمل في شركات مرتبطة بالعملات المشفرة في الخارج ويعلن أن عملهم غير قانوني ويعرضهم لخطر التحقيق القانوني. 

وأشارت كينزيوس في تصريحات لمجلة وايرد الأميركية المتخصصة في التجارة والتكنولوجيا في 30 سبتمبر/أيلول 2021 إلى تردد الصين، وتخوفاتها من المضاربة المالية البحتة التي تؤثر على الاستقرار المالي وهو ما تعتمد عليه العملات المشفرة إلى حد كبير. 

بالإضافة إلى أن طبيعة العملات المشفرة التي لا حدود لها، غير منظمة وتتعارض مع رؤية الحكومة الصينية لاقتصاد تسيطر عليه الدولة. 

لذلك أعادت بكين التأكيد في خطتها الخمسية الجديدة على أن النظام المالي يجب أن يخدم الاقتصاد الحقيقي في المقام الأول، وليس المضاربة، بحسب كينزيوس.

أما المحلل المالي التونسي نادر حداد فاعتبر أن القرارات الصينية تندرج ضمن السياسة الصينية الحمائية حيث تسعى للانخراط في المنظومة الاقتصادية العالمية. 

وقال في تصريحات للتلفزيون العربي (قطري) في 24 سبتمبر/أيلول 2021 إن الصين لديها طموح أن تجتاز الولايات المتحدة الأميركية على الصعيد المالي والاقتصادي.

 وتعتبر الحكومة الصينية البيتكوين أو العملات الرقمية عائقا أمام استخدام اليوان (العملة المحلية) في المعاملات الدولية، خاصة وأن الصين متهمة بالتلاعب بالعملة، وفق ما قال.

أسباب أخرى أشار إليها تقرير مجلة وايرد من بينها إعلان الصين في سبتمبر/أيلول 2020 عن خطتها لإنهاء نموها السنوي لانبعاثات الكربون بحلول عام 2030 وهو ما يستلزم حملة على تعدين العملات المشفرة والعمليات المستهلكة للطاقة التي ينبعث منها الكربون. 

هجمة دولية

وأشار التقرير إلى أن الصين تعمل في هذه الأثناء على تجربة اليوان الرقمي المدعوم من الحكومة.

وبسبب خشيتها منها، قطعت الصين الطريق على العملات المشفرة الأخرى التي تنافس اليوان الرقمي، خاصة وأنها تستعد لإتاحة عملتها الرقمية للمستخدمين الأجانب خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين عام 2022. 

وخلص تقرير وايرد إلى أن قطاع العملات المشفرة في الصين انتهى في الوقت الحالي في ظل توقف التجارة بها.

وبدأ الصينيون بيع أجهزة التعدين بأسعار منخفضة للتخلص منها وانتقال العديد ممن يعملون في ذلك المجال إلى بلدان أخرى مثل كازاخستان وكندا والولايات المتحدة.

يعتقد البعض أن حملة الصين ضد العملات المشفرة جاءت في وقت بدأت فيه الحكومات في جميع أنحاء العالم بما في ذلك الولايات المتحدة بتوحيد مواقفها الرسمية بشأن الأصول الرقمية والعملات الافتراضية. 

ويرى فادي هيطلاني المحلل المالي بموقع إنفيستينج المتخصص في أسواق المال والأعمال أن تصريحات رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية غاري غينسلر عززت من تزايد حالة الخوف في الأسواق.

وأكد غينسلر على خططه لتوجيه هيئة الأوراق المالية والبورصات لاتخاذ إجراءات صارمة ضد سوق العملات الرقمية. 

وفي تصريحات لصحيفة فاينانشيال تايمز الأميركية في 29 سبتمبر/أيلول 2021، وصف غينسلر قطاع العملات المشفرة بـ "الغرب المتوحش" وطالب بمزيد من الرقابة عليها. 

وأشار هيطلاني في تقرير له في 29 سبتمبر/أيلول 2021 إلى اتخاذ "بورصة هوبي" أكبر بورصة بتكوين في الصين قرارا بوقف جميع عمليات التسجيل الجديدة للمستخدمين من داخل البلاد.

ووصفها بأنها تتوافق مع قرارات بكين الأخيرة بحظر التعاملات الرقمية داخل الصين. 

يشير تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية إلى وجود تخوفات لدى العديد من الدول الأخرى بخلاف الصين حول عمليات التعدين وتداول العملات الرقمية. 

وأشارت الصحيفة في 22 يونيو/حزيران 2021 إلى أن إيران كجزء من محاولة للحد من تكرار انقطاع التيار الكهربائي خلال فصل الصيف الحار، حظرت تعدين العملات المشفرة في مايو/أيار من ذات العام، وألقت باللوم على المشغلين في زيادة الطلب على الكهرباء. 

وقالت وسائل إعلام رسمية إيرانية في ذلك الوقت إن الشرطة احتجزت 7000 شخص يعملون في منجم تعدين عملات رقمية غرب العاصمة طهران في مصنع مهجور.

كما أشار التقرير إلى أن المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن يراجعون تدابير الرقابة المحتملة المتعلقة بالتداول والمضاربة في سوق العملات المشفرة والاستخدامات المحتملة للعملات المشفرة لتسهيل الجريمة. 

وقالت الصحيفة إن البيت الأبيض ووزارة الخزانة الأميركية يدعمان خطة جديدة لاستهداف العملات المشفرة كجزء من جهد أوسع للحد من التهرب الضريبي.

ويقول التقرير إن شبكات تعدين العملات الرقمية تتطلب حواسيب قوية لتنفيذ عمليات ومعاملات كبيرة، الأمر الذي يحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة وهو مصدر قلق طويل الأمد لعلماء البيئة وغيرهم من النقاد.