مودرن دبلوماسي: هذه دوافع انسحاب مصر من "الناتو العربي"

12

طباعة

مشاركة

أفادت تقارير صحفية نشرتها وكالة "رويترز" للأنباء، انسحاب القاهرة من التحالف الدفاعي لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (ميسا)، الذي أطلق عليه اسم "ناتو عربي"، ذلك تزامنا مع زيارة رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي إلى واشنطن.

واستعرض موقع "مودرن دبلوماسي" الناطق بالإنجليزية، دوافع مصر للتراجع عن المشاركة، في مقال للباحثة الأمريكية في الأمن القومي، إيرينا تسوكرمان، والصحفي والباحث المصري المعارض في الولايات المتحدة الأمريكية، محمد ماهر.

وبحسب الكاتبين، فإن تلك المبادرة الدفاعية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهي تستهدف بالأساس حشد قوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كانت تستهدف بالأساس مواجهة التدخلات الإيرانية بالمنطقة والحد من نفوذ طهران.

اختلاف الأولويات

وتابع الكاتبان قولهما إن وكالة "رويترز" أشارت إلى بعض أسباب الانسحاب المصري من المبادرة الدفاعية، ومنها عدم اليقين بشأن المستقبل السياسي للرئيس ترامب، والافتقار إلى هيكل رسمي للتحالف، والافتقار إلى القدرة على جذب أعضاء آخرين محتملين. واعتبر المقال أن الموقف المصري ينسجم مع سياسة مصر الثابتة التي وقفت طوال تاريخها الحديث ضد سياسات التحالفات، لكن التراجع هذه المرة يتجاوز الموقف المبدئي للقاهرة.

وعرض تحليل "مودرن دبلوماسي" أسبابا عدة تشكل الدوافع التي جعلت القاهرة تتراجع، منها صعوبة نجاح التحالف من الأساس بسبب التوترات بين الأعضاء المترقب تشكيل التحالف بينهم.

ونوه بأن أبرز هذه التوترات بين الدوحة ودول الرباعي العربي (مصر ـ السعودية ـ الإمارات ـ البحرين) التي فرضت مقاطعة على قطر منذ 2017. وزاد المقال موضحا: "من بين المشكلات، أن المغرب بجيشه المجهز جيدًا والمدرب جيدًا لن يكون جزءًا من هذا التحالف، لكن سودان البشير يفترض أن ينضم لهذه المبادرة". واستدرك: "لكن الآن بعد أن خرج عمر البشير من السلطة، أصبح مستقبل السودان غير واضح. كما أن قدرة الخرطوم على الالتزام بأي خطط طويلة الأجل أمر مشكوك فيه".

وأردف الكاتبان: "قطر، بقواتها العسكرية الصغيرة، لا تضيف الكثير إلى جانب الدفاع، علاوة على ذلك، فهي مرتبطة بشكل وثيق بإيران سياسيا واقتصاديا". ومضى الكاتبان يقولان: "من وجهة نظر مصر، إذا كان الأمر على أرض الواقع لا يمكن التعامل معه حتى من قبل المبادرين في مشروع (ميسا)، فإن احتمالات النجاح في المستقبل تبدو قاتمة إلى حد ما".

ولفت الموقع إلى أن عدم اكتراث مصر بمبادرة دفاعية موجهة ضد إيران يكشف اختلاف الأولويات بين مصر وبقية دول الرباعي العربي حول هذه القضية، موضحا أن القاهرة تعطي الأولوية حاليًا لمعالجة ما تتصوره من تهديدات تشكلها تركيا والإخوان المسلمون، في حين لا يبدو أن طهران تشكل خطراً وجوديًا فوريًا بالنسبة لها.

الإخوان أولا

ورأى المقال، أنه بالإضافة إلى ذلك، تركزت أولويات القاهرة منذ تولي عبدالفتاح السيسي السلطة على مواجهة ما يعتبره خطر الإسلام المتطرف في مصر وخارجها. وعليه، تابع المقال، تخوض القاهرة حاليًا معركة إقليمية شرسة مع تركيا وقطر، اللتان تدعمان جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة.

وأوضح تحليل "مودرن دبلوماسي" أن مصر تنظر باهتمام بالغ لمواجهة التهديدات الإرهابية في سيناء، كما تعتبر الوضع في ليبيا مصدر قلق عسكري كبير. ونوه بأن ما تراه مصر تدخلا قطريا في المسائل الإقليمية، مثل دعم السودان في نزاع متعلق بالسد مع مصر، من الأمور الأكثر أهمية من منظور القاهرة.

ومضى الباحثان يقولان، إنه على الرغم من أن إيران عملت سابقًا مع حكومة الإخوان المسلمين في ظل حكم الرئيس محمد مرسي القصير الأجل، على إقامة علاقات عسكرية واستخباراتية قوية مع مصر، إلا أنه منذ بداية ولاية السيسي ركزت إيران طاقاتها في أماكن أخرى. وتابع الموقع: "يُنظر في مصر إلى جماعة الإخوان المسلمين، المدعومة من أنقرة والدوحة، على أنها تهديد وجودي بينما ليست إيران كذلك".

وأشار المقال إلى أنه بهذا المعنى، لدى دول الخليج ومصر أولويات مختلفة؛ إذ تعد مكافحة التوسع الإيراني إحدى الأولويات العليا للسعودية والإمارات والبحرين، فيما يبدو أنها ليست كذلك بالنسبة لمصر. وقال الباحثان المصري والأمريكية، إن "دول الخليج وعلى الرغم من الخلافات الكبيرة مع تركيا التي يتزعمها الرئيس رجب طيب أردوغان، تحتاج إلى مشاركة تركيا في سوريا لمواجهة  رئيس النظام بشار الأسد والتوغل الإيراني".

وزادا قائلين: "من ناحية أخرى، فإن القاهرة تفضل الأسد على عدم الاستقرار الذي تشكله الجماعات المتطرفة أو توسع جماعة الإخوان المسلمين  أو تعزيز نفوذ أنقرة".

وحول التوجس المصري من أي نفوذ تركي، قال الكاتبان إن العلاقة التاريخية بين القاهرة وأنقرة محفوفة بالاحتكاك. وأضافا أنه، على الرغم من وجود العديد من الروابط التاريخية والثقافية والدينية، فقد شهد البلدان فترات من التوتر، كما حدث خلال الفترة الناصرية في الخمسينيات والستينيات، عندما تحركت تركيا الكمالية في اتجاه مؤيد للغرب.

تركيا ثانيا

وواصل المقال، موضحا أن دعم أردوغان لمرسي خلق ​​مشكلة طويلة الأمد لعلاقاته مع حكومة السيسي. وفي عام 2013، طردت مصر السفير التركي في أعقاب أزمة دبلوماسية. كما منع أردوغان السفير المصري بشكل دائم من دخول تركيا وأعلن أنه شخص غير مرغوب فيه.

وبحسب الكاتبين: "تسببت الأزمة بين الرئيسين إلى تلميح مصر بالاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، وهي نقطة حساسة بالنسبة لتركيا، خاصة في عهد الرئيس أردوغان".

وفي فبراير/ شباط 2019، اعترفت الحكومة ضمنيًا بالإبادة الجماعية، مما زاد من تفاقم الفجوة. واقترح أعضاء آخرون في الحكومة المصرية منح اللجوء إلى فتح الله غولن، الذي يخضع حاليًا للحماية في الولايات المتحدة، ويتهمه الرئيس أردوغان بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة ضده، بحسب الموقع.

 وأضاف المقال التحليلي: "علاوة على ذلك، اعتقلت مصر عددًا من الأفراد في عام 2017؛ وقد اتُهمت تلك المجموعة بالتجسس لصالح تركيا، فضلاً عن غسل الأموال والجرائم المتنوعة ذات الصلة، كما انخرط البلدان في حرب إعلامية مستمرة".

ومضى التحليل يقول إن كل هذا انعكس في شكل توترات جيوسياسية، حيث  انزعجت مصر من اهتمام تركيا بالحصول على نفوذ أكبر في إفريقيا، بما في ذلك توغلاتها في البحر الأحمر. وأفاد الباحثان بأن "ثمة إحساس عام بأن تركيا تسعى إلى أن تكون الزعيمة السنية الجديدة في العالم الإسلامي، وتقليص الدور التقليدي الذي تلعبه مصر والسعودية في هذا الصدد". ووفقا للكاتبين، فإن هذا كله جعل مصر تنظر إلى أولوية التركيز على تأمين نفسها من الجهود التي تبذلها قطر وتركيا في إفريقيا، تاركة المعارك الأقل إلحاحًا لنظرائها الخليجيين.

مواجهة إيران ليست أولوية

ومضى تحليل "مودرن دبلوماسي" يقول: "في الوقت نفسه ترى مصر أن لديها وإيران وجهات نظر متشابهة حول القضايا الإقليمية الرئيسية مثل دعم بشار الأسد السوري والحاجة إلى إخضاع البرنامج النووي الإسرائيلي للرقابة الدولية". واعتبر المقال أن موقف البلدين بشأن القضية السورية يتماشى بشكل ملحوظ؛ فحتى على حساب حلفاء مصر الخليجيين، القاهرة تدعم علنا ​​الأسد حليف طهران التقليدي.

ونوّه الباحثان بأن مصر وخلافا للتوقعات صوتت في مجلس الأمن لصالح القرار الروسي بشأن سوريا في أكتوبر/ تشرين الأول 2016 -المدعوم من إيران الذي كان يلقى معارضة من السعودية- وهو القرار الذي أغضب المملكة.

وتابع التحليل مع ذلك، لم يتم دفع مصر نحو موقف أكثر عدوانية بشكل ملحوظ من قبل حلفائها الخليجيين ولا تزال تقتصر على أنشطة مثل مشاركتها في مؤتمر وارسو.

بناءً على هذه المؤشرات وغيرها، يوضح المقال، أنه يبدو أن مصر وإيران ليس لديهما نية تصادم خطير في المستقبل القريب. وتصور الكاتبان أن مصر يمكن أن تلعب دورا مختلفا عبر ممارسة النفوذ الدبلوماسي على روسيا والأسد للضغط على إيران، في حين يمكن لدول الخليج في المقابل أن تعمل مع مصر على تأمين مصالحها ضد توغل تركيا والإخوان المسلمين.