الحشد أم السلاح.. أيهما ينتصر بمعركة الشرعية بين مدنيي وعسكريي السودان؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

السودان على جمرة نار بسبب تصاعد الأحداث، واشتعال حدة الصراع بين مكونات الحكم من مدنيين وعسكريين داخل أروقة المجلس السيادي "غير المستقر"، الذي يقود العملية الانتقالية، منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير (1993–2019).

فمنذ نهاية سبتمبر/أيلول 2021، تجري ملاسنات وتعبئة إعلامية وحشود مضادة ومظاهرات غاضبة لأنصار الفريقين، إذ بدأ "أسبوع الآلام"، حسب تسمية ناشطين، بمقتل 5 من عناصر جهاز المخابرات على يد مجهولين وصفهم رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان بـ"الإرهابيين".

ثم توالت الأحداث بدعوة قوى "الحرية والتغيير" المحرك الرئيس للمظاهرت، بضرورة نزول الشارع والوقوف أمام مخطط انقلاب عسكري يلوح في الأفق، ما خلف تساؤلات عن وصول العلاقة بين المدنيين والعسكريين في السودان إلى طريق مغلق، وتداعيات ذلك على البلاد.

حشد مضاد

يعتبر الحشد وتحريك الشارع أهم أدوات وأسلحة قوى الحرية والتغيير "قحت" في مواجهة الدولة العميقة أو المكون العسكري المتحفز، ومع إرهاصات الإطاحة بهم هرعوا إلى الميادين، ووجهوا دعوات للمواطنين للنزول إلى الميادين في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وبالفعل، شهدت العاصمة الخرطوم، في ذلك اليوم مسيرات شعبية حاشدة لدعم التحول الديمقراطي، واستكمال مطالب الثورة في البلاد، في حين دعت الحكومة لاجتماع عاجل مع المجلس السيادي، وأعلنت النيابة العامة أنها قامت بتأمين الفعاليات التي خرجت.

وحمل آلاف المتظاهرين في ميادين الخرطوم الأعلام الوطنية، ورددوا هتافات ضد المجلس العسكري وقادة الجيش، من أبرزها "مدنية.. مدنية.. ولا سلطة العسكر".

ولم يقتصر الحشد على العاصمة فقط، بل خرجت مظاهرات بمدن نيالا والفاشر (غرب)، ومدني (وسط)، وعطبرة والدامر (شمال)، وكسلا وبورتسودان (شرق)، دعما للحكومة القائمة.

وفي تطورات كبيرة حاول عدد من المتظاهرين الوصول إلى البوابة الجنوبية للقصر الرئاسي، إلا أن قوات الشرطة فرقتهم بإطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع.

أما النقطة الأهم في ذلك اليوم، هو دعوة تجمع المهنيين السودانيين، الذي قاد المظاهرات ضد البشير، ويحركها حاليا ضد المكون العسكري في المجلس السيادي، الحكومة القائمة إلى سرعة إنهاء الشراكة مع المجلس العسكري وإلغاء الوثيقة الدستورية، وتشكيل "حكم مدني خالص"، بحسب تعبيرهم.

حاضنة العسكر 

إذا كان "الحرية والتغيير" والمكون المدني في الائتلاف الحاكم قد راهن على الشارع كمصدر أساسي للقوة، فإن هذا الأمر لم يفت العسكريين أيضا، حيث خططوا ودشنوا لقوى شعبية جديدة، تعتبر الحاضنة الرئيسة للمكون العسكري شعبيا. 

وبدأ الأمر واضحا في 25 سبتمبر/ أيلول 2021، عندما أدلى قائد قوات الدعم السريع، نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بتصريحات غاضبة، قال فيها: "ما بتهددونا بالشارع، طلعوا شارع، نحنا نطلع الشارع.. تاني لعب ما في، وتاني ما بنرجع لي وراء".

وأضاف: "ما في زول (رجل) بهددنا بالمجتمع الدولي، والمجتمع الدولي عندنا معاه كلام". 

وفي 1 أكتوبر/تشرين الأول 2021، كشفت صحيفة "الراكوبة" المحلية، أن "حشد الشارع الداعم للمكون العسكري الذي ذكره حميدتي فى خطابه الذى أعلن فيه مقاطعة الاجتماعات المشتركة بين المدنيين والعسكريين وهدد فيه بإنزال مؤيدين إلى الشارع، يتكون من بعض قادة الإدارة الأهلية إضافة للكيانات الموقعة على البيان الداعم للعسكريين باسم قوى الحرية والتغيير بقيادة منى مناوي وجبريل إبراهيم ".

وأضافت الراكوبة أن "معظم الكيانات الشعبية، تبرأت من توقيعها على البيان، وشددت على أن العسكريين يخططون لتكوين قوة شعبية موازية لقوى الثورة تكون داعمة وحاضنة للانقلاب على الوثيقة الدستورية". 

من جانبه، قال الصحفي فوزي بشرى، عبر صفحته بـ"فيسبوك": "حركات الكفاح المسلح (المتمردون سابقا) يفرزون عيشتهم و(يميزون مع العسكر)، إنها الحاضنة التي جهد حميدتي لصناعتها في جوبا حتى (باضت اليوم)".

ترتيبات انقلابية 

اعتبرت محاولة الانقلاب الفاشلة التي أعلنت عنها السلطات في 21 سبتمبر/ أيلول 2021، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بين المكونين المدني والعسكري، وكشفت عن مدى تأزم العلاقات بينهما. 

وقتها تبادل المدنيون والعسكريون الاتهامات، بالسعي للانفراد بالسلطة ونشر الفوضى، وهو ما ورد على لسان عضو المكون المدني في مجلس السيادة، محمد الفكي سليمان، للشركاء العسكريين في السلطة الانتقالية بـ"السعي للانقلاب والاستئثار بالحكم". 

وقتها خرج البرهان، وتحدث أن قوات الجيش هي التي أجهضت الانقلاب، معلنا أن "القوات المسلحة هي الوصي على البلاد، وأن شعارات الثورة ضاعت وسط صراع السياسيين على السلطة"، مضيفا أن "هناك من يسعى للجلوس على الكراسي، ولم نر قوى سياسية تتحدث عن الانتخابات أو هموم المواطنين وحل مشاكلهم"، بحسب تعبيره. 

وأمام الملاسنات، لاح في الأفق انقلاب عسكري قد يكون وشيكا، ما دعا واشنطن في 24 سبتمبر/أيلول 2021، للتحذير من أي محاولة من قبل العسكريين، لتقويض الانتقال الديمقراطي.

وأكد مستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان، "التزام إدارة الرئيس جو بايدن بدعم الانتقال الديمقراطي، الذي يقوده المدنيون في السودان".

وفيما اعتبرت بعض القوى أن المجتمع الدولي هو الحصن الأساسي لحماية المكون المدني، جاء رد حميدتي مشددا بـ"عدم مبالاتهم بالتهديدات المساقة ضدهم بالاستناد إلى دعم المجتمع الدولي".

وفي كلمة له خلال سرادق عزاء بالخرطوم في 25 سبتمبر/ أيلول 2021، قال حميدتي: "ما في زول يهددنا بالمجتمع الدولي، والمجتمع الدولي عندنا معاه كلام". 

زمام الغضب 

في حديثه لـ"الاستقلال"، قال الناشط السوداني، طارق صديق، إن "رهانات مكونات الحكم داخل المجلس السيادي سواء مدنيين أو عسكريين على الشارع والحشود المضادة تنذر بعواقب وخيمة، وبجر البلاد إلى حرب أهلية، وسيناريوهات تقسيم كارثية". 

وأضاف صديق، وهو عضو الحزب الديمقراطي الليبرالي الموحد، أن "حالة الشد والجذب منذ أمد بعيد نابعة من سوء الإرادة والنية من جميع الأطراف".

وأوضح أن "طرف قوى الحرية والتغيير تخلى عن مبادئ الثورة تباعا، وانساق إلى الغرب والمساندة الخارجية، بل قام بالمشاركة الفجة في التطبيع مع إسرائيل على أساس أن يجد مساندة دولية، ثم تخلى عن أجندة الإصلاح ولم يجد سبيلا لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة على أسس الحرية وإيجاد الفرص للمواطنين، فضلا عن قصر الدعم والأداء الاقتصادي الهزيل".

أما الطرف العسكري، وفق صديق، و"إن كان بينهم وبين بعضهم ما صنع الحداد كما يقولون، ولكنهم اتفقوا في النهاية على الاستئثار بالسلطة، وأن السودان لن يحكمه إلا الجيش، تحت أي ظرف كان، وهو ما ظهر من خلال التنسيق الكبير مع الحركات المسلحة الذي تم في جوبا ودارفور". 

واستطرد: "كان الأفضل للمكون المدني التسريع بالعملية الانتقالية، وتقديم إجراء انتخابات حرة على أي منطلق آخر، فهم لم يمتلكوا أدوات إعادة هيكلة المؤسسات، ولا القوة اللازمة للقيام بذلك، بالإضافة إلى اصطدامهم بالإسلاميين عموما، الأمر الذي أدى إلى تخوفات حقيقية وسط الشارع، ورأى ذلك التوجه في العسكريين حصنا لهم على أية حال". 

وختم صديق حديثه بالقول: "أنا لا أقول السودان ينتظر انقلابا عسكريا، بل يعيش بالفعل أجواء انقلاب، نحن حاليا في طور الانقلاب، وننتظر استكمال العملية الانقلابية ومخرجاتها، وكيف ستكون عواقبها على الجميع، بالفعل المكون المدني في الحكم انتهى تقريبا، وهذا ما ستسفر عنه الأيام القادمة".