خطة باكستانية ورؤية أميركية.. ما شكل جهاز مخابرات طالبان الجديد؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تأسيس الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، يعد أول إرهاصات الدولة بشكلها الجديد في أفغانستان، على وقع استلام حركة طالبان مقاليد الحكم، بعد الانسحاب الأميركي، وهزيمة قوات الرئيس الهارب أشرف غني.

وبعد أن انتقلت الحركة من طور حرب العصابات طويلة الأمد، إلى أروقة الحكم المعقدة، ودهاليز السياسة الصعبة، تعكف حاليا على صناعة جهاز مخابرات عصري، يستطيع أن يساعدها في مواجهة التحديات القادمة. 

ولذلك، تجري المباحثات واللقاءات على قدم وساق بين الاستخبارات الباكستانية، وحركة طالبان بغرض تدشين جهاز استخبارات جديد متطور للحركة، التي تعيد هيكلة أفرعها العسكرية، لتتناسب مع مرحلة الحكم وبداية العهد الجديد. 

وتمكنت حركة طالبان من استعادة السلطة بعد انهيار قوات الجيش الأفغاني، تزامنا مع انسحاب الجنود الأميركيين والأجانب نهاية أغسطس/آب 2021.

عملية التدشين

في 15 سبتمبر/ أيلول 2021، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، تقريرا عن العلاقات الباكستانية الأفغانية، ودور إسلام آباد، في قيادة عملية إنشاء جهاز الأمن والاستخبارات التابع لحركة طالبان.

وذكرت أنه "مع شروع طالبان في تشكيل حكومة، تظهر إسلام آباد تصميمها على الحفاظ على دورها المركزي في شؤون أفغانستان، وتستخدم جهاز استخباراتها لتشكيل جهاز الأمن الجديد في كابول". 

كما أوردت أن"جهاز الاستخبارات الباكستاني، أوصى بإنشاء جهاز أمن واستخبارات احتراف، خاص بطالبان، ومزود بمعدات حديثة برئاسة عبد الحق وثيق، الموالي لباكستان، والمنحدر من ولاية غزنة". 

وبحسب المجلة الفرنسية، "ستوفر إسلام آباد التدريبات والتمارين اللازمة، وستعمل على تجهيز مخابرات طالبان، وتطوير القوات الخاصة، مثل وحدة بدري 313، التي تعد الأكثر صلابة".

وفي 4 سبتمبر/ أيلول 2021، زار فايز حميد، الرئيس القوي لجهاز الاستخبارات الباكستاني (ISI)، العاصمة الأفغانية كابول، رفقة مسؤولين كبار من ثمانية أقسام تابعة للجهاز، لتقديم المشورة بشأن تشكيل حكومة طالبان، التي عقدت اجتماعات تشكيلها في 3 و4 من ذات الشهر. 

رسم حميد خطة محكمة لإنشاء جهاز استخبارات وجيش جديدين، ناقشها مع مدير "وكالة الاستخبارات المركزية" الأميركية وليام بيرنز، كما ذكرت صحيفة "جيو نيوز" الباكستانية الرسمية، في عدد 9 سبتمبر/ أيلول 2021. 

وفي إطار التنسيقات الباكستانية مع طالبان حول أنماط تأسيس المخابرات بتشكيلاتها الجديدة، فإن عبد الحق وثيق، رئيس الاستخبارات في ولاية ننغرهار شرقي أفغانستان في الحكومة الأولى للحركة، له تاريخ وعلاقات متشعبة بإسلام آباد.

درس قديما العلوم الدينية في مدرسة قرآنية في بيشاور الباكستانية، وليست علاقته بالعمل الاستخباراتي مستجدة، إذ كان نائب رئيس المخابرات في حكومة طالبان الأولى، في فترة التسعينيات قبل الغزو الأميركي عام 2001.

وكان لوكالة استخبارات طالبان آنذاك، دور مركزي في إحكام الحركة سيطرتها على السلطة في ولايتها الأولى.

واعتقلته القوات الأميركية في مديرية "مقر" بولاية غزني، وتم نقله إلى معتقل غوانتنامو وبقي هناك 12 عاما، وأفرج عنه في صفقة تبادل المعتقلين بين حركة طالبان والولايات المتحدة.

ويعد وثيق أحد أبرز رجال طالبان في المفاوضات مع الولايات المتحدة، والتي بدأت في العاصمة القطرية الدوحة في فبراير/ شباط 2020. 

الفاعلون الأبرز

بتركيز أعمق على الاستخبارات الخاصة بـ"طالبان"، فهي جهاز قائم وفاعل منذ سنوات، وأدى دورا رئيسا في إحكام سيطرة الحركة على الحكم وفي المفاوضات التي جرت في السنوات الأخيرة، تحت قيادة الملا عبد الغني برادر.

هذا الجهاز تحديدا هو الذي أجرى اجتماعات منتظمة مع مسؤولي المخابرات والأمن القطريين، إبان المفاوضات مع واشنطن.

لم يكن دوره فقط متابعة المفاوضات بحسب ما نشر موقع "الجزيرة نت" القطري، في 8 سبتمبر/ أيلول 2021، ولكن أيضا تبادل المعلومات الاستخباراتية حول الوضع على الأرض في أفغانستان. 

وقالت "إنتيليجنس أونلاين" في التقرير الصادر في 28 أغسطس/ آب 2021، إن الجناح العسكري هو من يسيطر على الأرض في كابول، ويختلف عن الجناح السياسي.

وبينت أن هناك اتساعا في الهوة بين الوعود السياسية والوضع على الأرض، الذي يحكمه مسؤولو طالبان العسكريون، الذين أخذوا زمام الأمور بأيديهم منذ 15 أغسطس/ آب 2021، ولا يبدو أنهم في عجلة من أمرهم للتعاون مع الجناح السياسي للحركة.

ومن بين القادة العسكريين أصحاب الكلمة النافذة في الحركة، والفاعلين في إدارة جانب الاستخبارات، عبد القيوم ذاكر، المعتقل السابق في غوانتانامو، والذي يترأس حاليا وحدة النخبة (بدري 313)، التي تم دمجها في القوات الخاصة.

وكان ذاكر أول من دخل كابول (بعد السيطرة عليها في أغسطس/آب 2021)، وهو يشغل حاليا منصب وزير الدفاع بالوكالة.

وفي الدائرة المحيطة به، سراج الدين حقاني، أحد المقربين من الاستخبارات الباكستانية، ومحمد يعقوب، نجل مؤسس حركة طالبان الملا عمر، ورئيس اللجنة العسكرية بالحركة.

وجميع هؤلاء على علاقة راسخة بالاستخبارات الباكستانية، وبإدارة الحكم في إسلام آباد، التي تعد الحاضنة الأكبر والأهم للحركة عالميا، وإن تباينت الرؤى والاتجاهات. 

الدور الباكستاني 

الحدود المشتركة بين باكستان وأفغانستان، تمتد على حوالي 2570 كيلو مترا، كما أن إسلام آباد شريك سياسي وعسكري واقتصادي مهم جدا لكابول، وهناك أيضا صلات ثقافية وعرقية ودينية تربط بين شعوب تلك المنطقة، هذا بشكل عام. 

وتواجه إسلام آباد اتهامات بأنها تضع رهانها على أفغانستان الآن، خاصة وأنه يوجد فرع رئيس لطالبان في باكستان، وتنقسم إلى 4 مجموعات رئيسة، بعد انضواء عدد من القوى العشائرية: "سوات"، و"محسود"، و"باجور"، و"دارا آدمخيل".

جميع تلك الجماعات تمثل طالبان الباكستانية، التي لا تنتمي تنظيميا للحركة الأم في أفغانستان، وإن كانت تشاركها الميول والاتجاهات. 

وتشكلت طالبان الباكستانية في ديسمبر/ كانون الأول 2007، بعد انضواء عدد من القوى العشائرية والحركات في جسم واحد، بمنطقة القبائل، ونصبت "بيت الله محسود" أميرا لها، ورفضت الاندماج مع الحركة في أفغانستان تحت إمرة الزعيم السابق "الملا عمر".

وبشكل خاص تأتي جوانب العلاقة المعقدة بين باكستان وطالبان، ففي أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، اتخذت إسلام آباد لنفسها موقعا بين حلفاء الولايات المتحدة فيما يعرف "بالحرب على الإرهاب"، ولم تكن تملك خيارات أخرى نتيجة الموجة العالية، وإعلان الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش (الابن) أنه من ليس معنا فهو ضدنا. 

لكن في نفس الوقت، احتفظ مسؤولون في الجيش الباكستاني وأجهزة المخابرات بصلات مع حركة طالبان في أفغانستان، وتحولت هذه الصلات، إلى دعم مادي لوجيستي كبير لهذه الجماعة بحسب ما ذكر تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 4 سبتمبر/ أيلول 2021. 

وقبل سنوات طويلة تحديدا في 13 يونيو/ حزيران 2010، نشرت وكالة "رويترز" البريطانية" تقريرا عن طبيعة العلاقات بين جهاز الاستخبارات الباكستاني وطالبان.

أكدت رويترز وقتها أن "المخابرات العسكرية الباكستانية لا تمول وتدرب مقاتلي طالبان في أفغانستان فحسب لكنها ممثلة رسميا أيضا في مجلس قيادة الحركة مما يعطيها تأثيرا كبيرا على العمليات". 

وأورد أنه في مارس/ آذار 2009 قال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مايك مولن، ورئيس القيادة المركزية الأميركية ديفيد بترايوس إن "لديهما مؤشرات على أن عناصر في المخابرات العسكرية الباكستانية تدعم طالبان وتنظيم القاعدة". وقالا إن "على جهاز المخابرات وقف هذه الأنشطة". 

وشدد التقرير حينها أن "المخابرات العسكرية لها ممثلون في مجلس شورى (طالبان) إما كمشاركين أو مراقبين ومن ثم فإن المخابرات تلعب دورا على أعلى مستوى للحركة". وذكرت نصا أن "باكستان تلعب فيما يبدو لعبة مزدوجة على نطاق مذهل".