رغم تحالفهما.. لماذا "تعرقل" بغداد دخول البضائع الإيرانية إلى سوريا؟

مصعب المجبل | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تعول إيران على توسيع استثماراتها الاقتصادية والتجارية في سوريا، من أجل جمع نفقات مالية لسد العجز الحاصل في الحكومة، مستغلة بذلك نفوذها ووكلائها في المناطق المحاذية للأراضي السورية.

لكن ما كان لافتا هو تأكيد نائب رئيس غرفة التجارة الإيرانية - السورية علي أصغر زبردست، أن "التبادل التجاري بين البلدين (إيران وسوريا) يسير ببطء"، وفق ما نقلت عنه وكالة أنباء "إيلنا" الاقتصادية الإيرانية.

وأوضح المسؤول الإيراني، في تصريحات صحفية 18 سبتمبر/أيلول 2021، أن طهران كانت تفاوض بغداد لفتح الطريق برا إلى سوريا، لكن العراق لم يفعل ذلك، وفق قوله.

ويعاني الاقتصاد الإيراني تراجعا منذ ثلاث سنوات على الأقل. وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي من المتوقع أن يزيد التضخم إلى 39 بالمئة خلال عام 2021.

ويعيش 35 بالمئة من الإيرانيين تحت خط الفقر، بحسب تقرير لمركز دراسات البرلمان الإيراني صدر في نهاية 2020.

وألقت عقوبات الولايات المتحدة على إيران جراء برنامجها النووي، إضافة للفساد الحكومي بظلالها على القطاعين المالي، مما أدى لانهيار كبير في سعر صرف العملة المحلية "الريال".

وأضاف زبردست: "للأسف نفس الكارثة التي جرت في العراق ستحل بنا في سوريا، وبغداد لديها الآن معظم العلاقات التجارية مع تركيا. ومن المحتمل أن يتكرر لنا نفس الموضوع في دمشق".

ورأى المسؤول الإيراني أن روسيا تستفيد من الاقتصاد السوري وأنها نفذت عدة مشاريع لإعادة البناء في سوريا.

ونجحت إيران على مدى العقد الأخير بتوقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية مع النظام السوري، تعويضا للأموال الإيرانية التي صرفت على بقاء رأس النظام بشار الأسد في الحكم.

لكن الأرقام تشير إلى أن حجم التجارة السنوية بين إيران وسوريا هو بحدود 150 مليون دولار سنويا، بحسب تصريحات المسؤولين الإيرانيين.

وسبق أن أكد مدير الشؤون العربية والإفريقية في منظمة "التنمية التجارية الإيرانية" فرزاد بيلتن، في مارس/آذار 2021، أن بلاده تستهدف رفع التبادل التجاري مع سوريا إلى 1.5 مليار دولار في غضون السنوات الثلاث القادمة.

وتعد إيران سابع أكبر مصدر للسلع إلى سوريا، بحصة من السوق السورية بلغت 3 بالمئة، حسب ما قال بيلتن لوكالة أنباء فارس في 21 أغسطس/آب 2021.

وتوجد حاليا 24 شركة إيرانية تمارس أنشطة تجارية في مركز "إيرانيان" التجاري، داخل المنطقة التجارية الحرة بقلب العاصمة السورية دمشق وعلى مساحة 4 آلاف متر مربع.

عراق مختطف

تحميل إيران العراق المسؤولية عن عرقلة دخول البضائع الإيرانية إلى سوريا، يرى الكثير من المراقبين أنه غير واقعي ويجانب الحقيقة وهو ذو أبعاد سياسية أكثر من كونها اقتصادية.

ويدلل دعاة هذا الطرح على وجود أسباب كثيرة تنفي الرواية الإيرانية، وهذا ما أكده الخبير العسكري والأمني العراقي العقيد الركن حاتم الفلاحي.

وقال الفلاحي لـ "الاستقلال" إن "العراق هو عبارة عن ممر إستراتيجي لكل ما تريده إيران من أسلحة ومقاتلين والأمور الاقتصادية تتحكم بها تلك المليشيات".

وعليه فإن قول إيران إن العراق عرقل مرور البضائع الإيرانية هو كلام لذر الرماد في العيون.

فالحدود العراقية مفتوحة على مصراعيها للبضائع الإيرانية ولكل ما تريده أدوات طهران في بغداد، وفق تقديره.

وأضاف أنه "في العراق لا توجد دولة وفي أحسن ظروفها إذا كانت موجودة فهي مسلوبة الإرادة ومختطفة من قبل المليشيات التابعة لإيران، وبالتالي لا يمكن لتلك الحكومات أن تمانع ما تريد طهران مروره، والدليل على ذلك فرض الأخيرة إرادتها بقوة السلاح في البلاد".

ولفت الخبير الأمني العراقي إلى أن الحكومة في العراق لا تشكل إلا بتوافق إقليمي دولي ما بين الولايات المتحدة وإيران وبالتالي أي مرشح لرئاسة الوزراء يجب أن يكون هناك موافقة إيرانية بما فيها رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية".

وذهب الفلاحي للقول: "إيران لم تفشل في سوريا اقتصاديا بل دخلت بعدة توجهات اجتماعية وعسكرية واقتصادية، وهذه رسائل تعمية على حقيقة الوضع في دمشق وبغداد معا".

وبالتالي "هي تحاول تبرير هذه المسألة بسبب المنافسة الحميمية مع روسيا في الملف الاقتصادي وهي صورة إعلامية وخاصة أنها تنظر بنظرة مستقبلية في سوريا من ناحية اكتشاف النفط والغاز في البحر المتوسط ولديها مشاريع أخرى منها السياحة الدينية".

وبين أن "طهران تعاني من وضع اقتصادي داخلي سيء جدا، ثم إن البضائع الإيرانية ذات جودة متردية ولا يمكن أن تكون محل استقطاب للناس في كل المناطق التي يمكن أن تصل إليها، فعلى سبيل المثال، العراقيون يشترون البضائع التركية أو المنتجة في دول أخرى غير إيران".

ومن جملة حديث المسؤول الإيراني علي أصغر زبردست عن الفشل التجاري لبلاده، هو أن كمية البضائع العالية المهربة تدخل إلى سوريا من تركيا عبر الحدود البرية بينهما. 

وحول هذه الجزئية اعتبر الفلاح أنه من الطبيعي "أن يكون هناك تدفق للبضائع التركية إلى سوريا نظرا لوجود حدود بينها وبين تركيا على شريط طوله 822 كيلومترا يجعل مسألة إيصال البضائع بشكل مباشر وخاصة عن طريق الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام السوري.

وأضاف "إيران تريد تحميل مسؤولية التراجع التجاري لطرف آخر بسبب الفشل الاقتصادي الذريع، رغم أن الشركات الإيرانية تعمل مع شخصيات عراقية في الداخل وتحصل من خلال هؤلاء الشركاء على مناقصات في الوزارات العراقية".

تصفية حسابات

دخول كل من إيران وروسيا في منافسة على الاستحواذ الأكبر للمشاريع الإستراتيجية في سوريا، كشف عن وجود صراع داخلي في طهران بين التيار العسكري المتمثل بالحرس الثوري والحكومة.

لذا فإن المحلل السياسي العراقي عمر عبد الستار فسر كلام علي أصغر زبردست، حول خسارة طهران للمنافسة الاقتصادية مع روسيا في سوريا، بقوله إنه يأتي بهدف "تحميل الحرس الثوري الإيراني المسؤولية عن خسارة طهران المنافسة مع موسكو".

وذلك لأن الحرس الثوري يمثل (لا دولة) لإيران وهو من يقود العراق وسوريا ولبنان، ولديه أهداف جيوسياسية فيها وبالتالي هو لا يريد للدولة الإيرانية أن تنجح، وفق ما قال عبد الستار لـ "الاستقلال".

ويتقاطع كلام عبد الستار مع تركيز الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني في كلمة له خلال اجتماع الأسبوع الـ67 لافتتاح المشاريع الوطنية، في 13 مايو/أيار 2021 على مشروع ربط شبكة السكك الحديدية بين مدينتي شلمجه الواقعة جنوب غرب إيران والبصرة جنوب العراق وصولا إلى مدينة اللاذقية السورية على البحر المتوسط.

وكان حديث المسؤولين الإيرانيين يتمحور حول تنفيذ المشروع بسرعة، خاصة أنهم وصفوه بـ"أحد أكبر خطوط السكك الحديدية في العالم"، وأنه سيخفض مدة عملية نقل البضائع إلى 3 أيام فقط للبحر المتوسط​​، كما يمكن نقل البضائع بالسكك الحديدية من الصين إلى إيران.

لكن مشروع نقل البضائع عبر السكك الحديدية لم ينجح، وفق ما يرى عبد الستار، لأن "الحرس الثوري الإيراني لا يريد نجاح المشروع لصالح حكومة بلاده، إضافة لوجود صراع أميركي إيراني، وخليجي إيراني على هذا المشروع كي لا تسيطر طهران اقتصاديا بعدما نجحت أمنيا".

وتأسس الحرس الثوري في أعقاب ما تسمى بـ الثورة الإيرانية عام 1979، بقرار من المرشد الأعلى الراحل روح الله الخميني، بهدف حماية النظام الناشئ، وهو يتبع مباشرة المرشد.

ويقدر عدد أفراده بنحو 125 ألفا، وتمكن من تشكيل مليشيات محلية في كل من لبنان العراق اليمن وسوريا أصبحت تؤثر على القرار السياسي لعواصم تلك الدول الأربع.

ويؤكد الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط "أورسام"، واثق السعدون أنه "لا يوجد أحد في حكومة بغداد يستطيع تبني إستراتيجية ما لمنع تدفق البضائع الإيرانية إلى سوريا عبر الأراضي العراقية؛ لأن طهران ببساطة لديها النفوذ والتأثير الأقوى على القرار العراقي.

وأوضح لـ "الاستقلال"، أن الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران تسيطر حاليا على مقطع الطريق البري طهران- بغداد - دمشق ضمن الأراضي العراقية وعلى البوابات الحدودية بين العراق وسوريا.

ولفت السعدون إلى أنه توجد عوامل أخرى هي من "أضعفت تدفق البضائع الإيرانية إلى سوريا عبر العراق، وهي رداءة تلك البضائع وضعف الطلب عليها في السوق السوري.

ومنها أيضا سوء شبكة الطرق البرية بين العراق وسوريا، وشعور سائقي الشاحنات الإيرانية بعدم الأمان في بعض أجزاء طريق بغداد- دمشق التي تقع في مناطق صحراوية نائية يحتمل وجود خلايا إرهابية نائمة فيها.