كارثة للعالم العربي.. ما نهاية "الانجراف الاستبدادي" للرئيس قيس سعيد؟

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد قرارات وصفتها كثير من الأحزاب بـ"الانقلاب"، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد، مرسوما جديدا في 22 سبتمبر/أيلول 2021، كان له دور في تركيز المزيد من الصلاحيات بين يديه.

وتشير صحيفة لوموند الفرنسية إلى أن المبادرة الأخيرة للرئيس تضع نهاية قاسية لعقد من تعلم الديمقراطية في تونس، إذ "انهارت للتو أسطورة الإجماع الديمقراطي التونسي".

تركيز السلطة

والرجل الذي حفر هذا الخندق ليس سوى رئيس الدولة نفسه، قيس سعيد، الذي انتخب في عام 2019 في تصويت مناهض لوجوه النظام التي كانت قائمة آنذاك.

بإصداره مرسوم إعادة صياغة القواعد الدستورية في اتجاه تركيز السلطات لصالحه، يشرع الرئيس التونسي في مغامرة السلطة الفردية المليئة بالدموع والانقسامات، تقول الصحيفة.

وترى أن "إغراء استبداد السيد سعيد"، حتى في التمجيد لـ "الشعب" و"الثورة" التي يجب إحياؤها، يضع حدا لعقد من التعلم (2011-2021) للديمقراطية البرلمانية.

والحدث ليس فقط كارثيا على الإرث الديمقراطي في تونس نفسها، لكنه أيضا للعالم العربي كله، حيث تألق "النموذج التونسي" مثل بصيص أمل في كآبة الديكتاتوريات أو الحروب الأهلية، لكن هذه المنارة قد خرجت للتو، توضح الصحيفة.

وتقول إنه "لا شك في أنه لا ينبغي للمرء أن يسكر بالعديد من الأوهام بعد انقلاب السلطة في 25 يوليو/تموز، والذي ميز الفصل الأول من المسار الجديد للأحداث".

في ذلك اليوم، تولى قيس سعيد السلطة الكاملة من خلال التذرع بـ "خطر داهم" على الأمة بموجب المادة 80 من الدستور.

وقد أشاد السكان على خلفية التدهور الاجتماعي والاقتصادي واندلاع أزمة كورونا بذلك التغيير، إذ كان سخطهم عميقا من الصراعات السياسية العقيمة تحت قبة البرلمان.

ومنذ ذلك التاريخ، تعيش تونس أزمة سياسية حادة، إذ قرر سعيد حينها تجميد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن النواب، وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، على أن يتولى هو السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، ثم أصدر أوامر بإقالة مسؤولين وتعيين آخرين.

وفي أكثر من مناسبة قال سعيد، الذي بدأ في 2019 ولاية رئاسية من 5 سنوات، إن قراراته الاستثنائية ليست انقلابا، بل تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من "خطر داهم".

على وشك الإفلاس

ومع ذلك، فإن ما كان من المفترض أن يكون عملا مؤقتا للسلطة في مواجهة الشلل الذي يحتاج إلى تصحيح، يضع في الواقع نظاما استثنائيا بمرور الوقت.

يضفي القانون الثاني لمغامرة قيس سعيد ، المرسوم الصادر في 22 سبتمبر/أيلول، مزيدا من الصفة الرسمية على "الانجراف الاستبدادي" من خلال إلغاء قسم كامل من دستور 2014.

يتمتع الرئيس الآن بسلطة مطلقة في صياغة مراجعة مستقبلية للقانون الأساسي "ونحن لدينا فكرة عامة عن توجهه الذي سوف يكون مفرطا في النظام الرئاسي"، تقول لوموند. 

لم يخف سعيد كراهيته للديمقراطية التمثيلية، وهو ما يعادل مصادرة حق الاقتراع الشعبي. ويفضل اللقاء وجها لوجه دون وساطة بين الملك والشعب.

وتضيف لوموند: "لا أحد يجادل في أوجه القصور - شأن الفساد والفشل الاجتماعي والاقتصادي - الذي شاب عقد ما بعد 2011، ولا أحد أيضا يجادل في الشعبية التي يتمتع بها - حتى يومنا هذا - رئيس الدولة، حيث يراه قسم من السكان في حالة يأس، منقذا مدعوما بالعناية الإلهية".

ومع ذلك، كانت مسؤولية سعيد أن يوحد بدلا من أن يفرق. وكان الأمر متروكا له للحفاظ على ثقافة الحوار التي ميزت تفرد التحول الديمقراطي التونسي، الذي حصل على جائزة نوبل للسلام عام 2015.

ومع ذلك، نسف الرئيس بشكل منهجي نموذج التشاور هذا، فهو يرفض بشدة الهيئات الوسيطة - السياسية والنقابية والترابطية - ويضعها على الهامش.

والأسوأ من ذلك، أنه يستقطب، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الصراع بين تونس (الشعب) وتونس الأخرى (النخبة)، من خلال الانتقادات العدوانية المتزايدة ضد "الخونة" و"البائعين"، وفق لوموند.

وذكرت الصحيفة أن تونس "لا تستطيع تحمل مخاطر الخلاف المصطنع، وهي اليوم على شفا الإفلاس المالي، ولكن لم يفت الأوان لتجنب الفوضى".

وأردف: "يجب أن يفهم سعيد أنه، بخلاف - الشعب - ككلمة مجردة، يوجد المجتمع المدني التونسي، وأن تاريخه جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية".

وبينت أن الاستماع للمجتمع سيعزز جهود التعافي المستمرة في حين أن تجاهله سيفتح البلاد على أفق المجهول.