تذل فرنسا وتستفز الصين.. احتمالات إشعال "أوكوس" سباق تسلح نووي

سليمان حيدر | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"طعنة في الظهر" هكذا وصفت فرنسا خطوة انسحاب أستراليا من صفقة غواصات بقيمة 50 مليار يورو كانت تمثل "عقد القرن".

الخطوة الأسترالية المفاجئة تسببت في صدمة كبيرة لباريس عبرت عنها وزيرة الجيوش فلورنس بارلي، إذ قالت إن تراجع كانبرا عن الصفقة المبرمة في 2016 مع مجموعة نافال غروب الفرنسية للصناعات الدفاعية لشراء غواصات تقليدية "أمر خطير".

وعلى أنقاض الانسحاب من الصفقة، أبرمت شراكة جديدة مع الولايات المتحدة وبريطانيا تحصل بموجبها أستراليا على غواصات تعمل بتكنولوجيا الطاقة النووية. 

وكما تسببت الصفقة القديمة في ذعر لدى باريس، أنتج الاتفاق الجديد المعروف باسم أوكوس "AUKUS" تخوفات كبيرة بشأن تأثير حصول أستراليا على غواصات تعمل بالطاقة النووية على المشهد العالمي للطاقة النووية. 

فيما اعتبر الكثير من المحللين السياسيين أن الهدف من اتفاق أوكوس هو توجيه رسالة شديدة اللهجة إلى الصين التي تواصل تعظيم قدراتها العسكرية في محيطها الإقليمي. 

أزمة دبلوماسية

في خطوة كشفت مدى الغضب المتفجر في باريس وبعد يومين من إعلان التحالف الأسترالي الأميركي البريطاني الجديد "أوكوس"، أعلنت فرنسا في 17 سبتمبر / أيلول 2021 استدعاء سفيريها في الولايات المتحدة وأستراليا للتشاور. 

لم تكتف فرنسا بهذه الخطوة وأعلنت على لسان وزير الدولة للشؤون الأوروبية كليوم بون أن باريس لن تنحي نزاعها مع أستراليا جانبا وأنها تقيم جميع الخيارات المتاحة للرد على ذلك. 

وقال بون في تصريحات صحفية قبل اجتماع مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي في بروكسل 21 سبتمبر/أيلول 2021 إن فرنسا لا يمكنها التصرف وكأن شيئا لم يحدث، و"ينبغي لنا بحث جميع الخيارات".

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في بيان إن الرئيس إيمانويل ماكرون اتخذ القرار الاستثنائي باستدعاء السفيرين بسبب خطورة تصريحات أستراليا والولايات المتحدة في 15 سبتمبر/أيلول 2021.

واعتبر لودريان أن ما فعلته أستراليا طعنة في الظهر وقال "أقمنا علاقة مبنية على الثقة معها، وهذه الثقة تعرضت للخيانة".

وأضاف أن "هذا القرار الأحادي والمفاجئ وغير المتوقع يشبه كثيرا ما كان يفعله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب".

رئيس المعهد الأوروبي للاستشراف والأمن في أوروبا، إيمانويل دوبوي، الذي عمل كمسؤل سابق في وزارة الجيوش الفرنسية، أكد أن ما يزعج باريس هو أن القرار يمثل طعنة في الظهر بسبب قرار في الأصل اتخذته أستراليا وفرنسا في 2016. 

وأضاف دوبوي في تصريحات تلفزيونية لقناة الجزيرة 16 سبتمبر/أيلول 2021: "نتحدث عن 12 غواصة تعمل بطريقة تقليدية وليست نووية وهذا ما طلبته أستراليا في الأصل، على الرغم من أن فرنسا قدمت عرضا لتكييفها حتى تعمل بالطاقة النووية ولكن هذا لم يكن المسار الذي اختارته كانبرا".

وبالتالي هناك قطع لهذه العلاقة مع أستراليا لأن توفير هذه الغواصات حتى عام 2030 كانت ستبني شراكة إستراتيجية لخمسين عاما إلى الأمام، وفق قوله.

وأشار دوبوي إلى أن الشراكة التي كانت تبنيها باريس مع كانبرا وتم هدمها من خلال القرار الأخير تسببت في مشكلة كبيرة لفرنسا التي كانت تبني إستراتيجيتها في الهند والمحيط الهادئ على أساس هذا العقد الذي يصل إلى 55 مليار يورو. 

أسباب الإلغاء 

الصحفية الأسترالية زويا شيفتالوفيتش كشفت عن وجود رغبة سابقة لدى حكومتها في إلغاء التعاقد المبرم مع فرنسا لتوريد 12 غواصة. 

وتحدثت شيفتالوفيتش في تقرير لصحيفة بوليتيكو الأميركية في 16 سبتمبر/أيلول 2021، عن الأسباب التي على أساسها انسحبت أستراليا من صفقة الغواصات.

السبب الأول يعود إلى ما قبل التوقيع على الصفقة حين فضلت كانبرا العرض الفرنسي على تصاميم بديلة من ألمانيا واليابان في أبريل/ نيسان 2016.

إضافة إلى اعتراف شركة DCNS المصنعة للغواصات بأنها تعرضت للاختراق بعد تسريب 22000 وثيقة تتعلق بالقدرة القتالية لغواصات Scorpene مما أثار مخاوف لدى أستراليا وجعل وزارة الدفاع لديها تحذر الشركة من أنها تريد حماية عالية المستوى لمشروعها.

وهو ما استغلته المعارضة الأسترالية حينها ودعت إلى تعليق المفاوضات مع الشركة الفرنسية.

السبب الثاني هو تعاظم تكلفة المشروع حيث كانت التكلفة في البداية 50 مليار دولار أسترالي أي ما يوازي 31 مليار يورو لكن الرقم تضاعف بعد ذلك.

وأظهر آخر إحصاء تكلفة غواصات باراكودا بحوالي 90 مليار دولار أسترالي (56 مليار يورو)، وكان ذلك قبل أن تأخذ الحكومة في الحسبان تكلفة الصيانة التي وصلت بالتكلفة الإجمالية إلى 145 مليار دولار أسترالي (90.1 مليار يورو) على مدى عمر الغواصات.

السبب الثالث هو أن الغواصات الفرنسية كانت ستحل محل 6 غواصات أسترالية من فئة كولينز كان مقررا لها أن تخرج من الخدمة في 2026 في حين أن استلام أول غواصة باراكودا من فرنسا سيبدأ في عام 2035 وحتى عام 2050.

وهو ما تسبب في تخوفات لدى أستراليا من حدوث فجوة في ظل تزايد التوترات مع الصين. 

أما السبب الأخير والجوهري بحسب شيفتالوفيتش فهو الخلاف حول مشاركة أستراليا في صناعة الغواصات.

 فعندما جرى الإعلان عن الصفقة عام 2016 قيل إنه سيتم بناؤها في أستراليا وأن نسبة المدخلات المحلية في صناعتها ستبلغ 90 بالمئة مع توفير 2800 وظيفة محلية.

 لكن سرعان ما تلاشت الوعود. وبحلول عام 2020، عدلت نافال غروب نسبة المدخلات المحلية إلى 60 بالمئة.

استهداف للصين

وصفت الصين هذه الخطوة بأنها تذكرنا بحقبة الحرب الباردة وحثت الدول الثلاث على "التخلص" من طريقة تفكير قديمة.

وقالت وزارة الخارجية الصينية إن "التحالف يخاطر بإلحاق أضرار جسيمة بالسلام الإقليمي وتكثيف سباق التسلح" فيما اعتبرت وسائل إعلام صينية أن أستراليا حولت نفسها بهذه الاتفاقية إلى خصم. 

وتتيح اتفاقية "أوكوس" لأستراليا الوصول إلى تكنولوجيا الغواصات النووية الأميركية المملوكة لها والتي لم يسبق للولايات المتحدة مشاركتها مع دول أخرى سوى بريطانيا. 

كما تسمح لأستراليا بامتلاك وتشغيل غواصات متقدمة تعمل بالطاقة النووية لتحل محل القوارب القديمة التي تعمل بالديزل. 

الكاتب والمحلل السياسي بصحيفة الغارديان البريطانية سيمون جنكينز قال إن هذه الصفقة أغضبت الصين وأذلت فرنسا، وأن هذا التعاقد تحول إلى تحالف عسكري جديد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ويمثل تحولا إستراتيجيا عميقا يهدف إلى إثارة غضب بكين.

ويرى جنكينز في مقال تحليلي 20 سبتمبر/أيلول 2021 أن بريطانيا ليس لديها سبب معقول لتبني موقف عدواني في المحيط الهادئ، وأن ذلك لا يعبر إلا عن حنين غامض لما بعد الإمبراطورية. 

لكن المحلل السياسي بصحيفة "واشنطن بوست" هنري أولسن قال إن تعزيز القدرات البحرية الأسترالية يسمح لتلك الدولة الصغيرة بفرض دفاع أقوى إذا كانت الصين تهدد مصالحها الإستراتيجية.

 كما أنه يضع بريطانيا والولايات المتحدة بشكل مباشر خلف أستراليا، مما يجبر الصين على الاعتراف بأن أي محاولة للتنمر على جارتها ستواجه مقاومة موحدة.

وأضاف في مقالة 16 سبتمبر/أيلول 2021 "هذه الضربة البارعة هي بالضبط ما يجب أن تفعله الولايات المتحدة لمحاربة الصين، فعلى الرغم من قوتها، لا تستطيع أن تضاهي القدرات المشتركة للولايات المتحدة وحلفائها".

 وكلما اتحدت الديمقراطيات الآسيوية ردا على العدوان الصيني، قل احتمال خوض الصين في مغامرات عسكرية مثل غزو تايوان، وفق تقديره.

ويؤيد ذلك المحلل السياسي المقيم في الولايات المتحدة أمين محمود فيرى أن "أوكوس" خطوة جيدة لتأمين الشرق الأقصى من أي نفوذ صيني في المستقبل.

ويرى أن التحالف سيساعد في إحلال السلام في تلك المنطقة، وفي تحجيم كوريا الشمالية في نفس الوقت.

تغيير الحلفاء

وفي حديثه لـ "الاستقلال" أشار محمود إلى وجود خلافات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل ومواجهة الصين وأن ذلك قد يغير من شكل الخطط الإستراتيجية العالمية بين دول العالم.

وفيما يبدو فإن الولايات المتحدة فضلت التعاون بشكل مكثف مع حليف يقع في نفس منطقة النفوذ الصيني وليس فقط التعاون مع الدول الأوروبية وهو ما يساعد على تقوية الأمن الأميركي، على حد تعبيره. 

واعتبر محمود أن الهدف من ذلك هو تقوية ودعم الأمن الأميركي والعالمي من أي زيادة في نفوذ الصين العسكري في المنطقة والعالم، وأن التعاون بين الدول الثلاث أقوى بكثير من حجم الصفقة القديمة التي كانت مبرمة بين أستراليا وفرنسا. 

وأضاف: "الصفقة الجديدة ستعطي أستراليا موقعا وقوة إستراتيجية في الشرق الأدنى ويعطيها نفوذا في المنطقة المحيطة بها، بالإضافة للتعاون مع الدولة العظمى الوحيدة في العالم في الوقت الراهن وهي الولايات المتحدة".

فيما اعتبرت المحللة السياسية الأميركية سامية هاريس أن أستراليا وجدت في الشراكة مع أميركا وبريطانيا فرصة للحصول على إمكانيات الطاقة النووية المستخدمة في الغواصات وهو ما لم يكن موجودا في صفقتها مع فرنسا. 

وفي حديثها لـ "الاستقلال" عبرت هاريس عن التخوفات الأميركية من طموح وتوسع الصين في المنطقة وخاصة شرق آسيا.

وبينت أن هذه المخاوف تتزايد مع خلق بكين لجزر جديدة في المياه المجاورة تضع عليها العلم الصيني "وحينها يمكن أن تستخدم هذه الجزر في أعمال عسكرية وتمنع المرور من المياه القريبة بحجة أنها مياه إقليمية".

وقالت إن الولايات المتحدة تعرف أن الصين هي المنافس الحقيقي لها ويمكن أن تكون العدو الحقيقي لأميركا ولذلك تأخذ واشنطن مواقف للدفاع عن نفسها وعن المنطقة المجاورة للصين. 

وبحسب المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، هناك 5 دول فقط في العالم تمتلك غواصات تعمل بالطاقة النووية على رأسها الولايات المتحدة التي تمتلك 68 غواصة من بينها 14 واحدة بمقدورها إطلاق صواريخ باليستية. 

وتمتلك روسيا 29 غواصة بينها 11 بمقدورها إطلاق صواريخ باليستية فيما تمتلك الصين 12 غواصة بينها 5 تستطيع الهجوم بتلك الصواريخ. 

وتأتي بريطانيا في المركز الرابع بـ 8 غواصات نصفها يستطيع إطلاق صواريخ باليستية وأخيرا تمتلك الهند غواصة واحدة تعمل بالطاقة النووية وبمقدورها الهجوم بذلك النوع من الصواريخ.

سباق تسلح نووي

اعتبرت بيونغ يانغ أن هذه الخطوة غير مرغوبة تماما وخطيرة، ومن شأنها الإخلال بالتوازن في منطقة آسيا والمحيط الأطلسي وإشعال سباق نحو التسلح النووي.

ويوضح تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية أن الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية أسرع وأكثر قدرة وأصعب في الكشف عنها وربما تكون أكثر فتكا من الغواصات التي تعمل بالطاقة التقليدية.

 ويعتقد أن البحرية الصينية تمتلك ست غواصات هجوم نووي والعديد من الغواصات التقليدية، مع خطط لتوسيع الأسطول الذي يعمل بالطاقة النووية خلال العقد المقبل.

التقرير المنشور في 15 سبتمبر/أيلول اعتبر تبادل الولايات المتحدة تكنولوجيا الغواصات النووية مع أستراليا خروجا كبيرا عن السياسة السابقة وتحديا مباشرا للصين في جوارها بالمحيط الهادئ. 

كما أشار التقرير إلى تنامي القلق العالمي بشأن كيفية تأثير الترتيب الجديد على المشهد العالمي للطاقة النووية ومن استغلال إيران لهذه الاتفاقية للالتفاف على القانون الدولي. 

يقول جيمس أكتون، المدير المشارك لبرنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "إذا سارت أستراليا في هذا الطريق وبنت غواصات تعمل بالطاقة النووية وأزالت المواد النووية من الضمانات، فإن ذلك يشكل سابقة مدمرة للغاية". 

وعبر أكتون عن قلقه بشأن رد فعل إيران على الإعلان وما إذا كانت ستحاول الالتفاف على ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالقول إنها تستخدم مواد نووية لبناء غواصة. 

وقبل الإعلان عن اتفاق "أوكوس"، قال أكتون إنه يتوقع أن تعارض الصين وروسيا بشدة أي جهود من جانب إيران لاتخاذ مثل هذه الإجراءات.

 لكنه قال إن الحسابات يمكن أن تتغير بعد أن تشارك الولايات المتحدة تكنولوجيا الدفع النووي مع أستراليا.

وأضاف أكتون: "أعتقد أن الضرر الذي سيلحق بنظام حظر الانتشار النووي سيكون بالغ الأهمية، وقد يفوق الفوائد الدفاعية لأستراليا في الحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية".