عبدالقادر بن صالح.. ممثل بوتفليقة الذي ورث عرشه وتبعه إلى القبر

الجزائر - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بصمت تام، كما تحمّل مسؤولية رئاسة الجزائر لفترة مؤقتة بعد أن خلف الرئيس الجزائري الأسبق الراحل عبد العزيز بوتفليقة في منصبه، رحل عبد القادر بن صالح، في هدوء تام. 

وفي 22 سبتمبر/أيلول 2021، توفي ابن صالح، عن عمر ناهز 80 عاما، وُشيّعت جنازته بعدها بيوم واحد إلى مقبرة “العالية” بالجزائر العاصمة، فيما أعلنت الرئاسة الجمهورية تنكيس العلم الوطني لمدة 3 أيام ابتداء من يوم الوفاة.

وأوضح مجلس الأمة الجزائري في بيان أن ابن صالح عانى من مرض عضال وخضع للعلاج لسنوات طويلة، ونعى المجلس رئيسه السابق الذي شغل منصب رئيس البلاد المؤقت، في مارس/آذار 2019، لمدة 90 يوما وفقا للمادة 102 من الدستور.

من القانون إلى السياسة

ولد ابن صالح في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1942 ببلدة "فلاوسن" القريبة من مدينة تلمسان (غرب الجزائر العاصمة).

التحق بعد استقلال الجزائر (1962) بالجامعة ونال الإجازة في العلوم القانونية وفي بداية مساره المهني مارس ابن صالح -وهو متزوج وأب لأربعة أطفال- مهنة الصحافة بتعاونه مع كبريات الصحف الوطنية منذ 1968، وتقلد منصب مدير للمركز الجزائري للإعلام ببيروت عام 1970.

حصل الراحل على شهادة دكتوراه فخرية من الجامعة الوطنية “شونغنام” لجمهورية كوريا الجنوبية، وأيضا على وسامي جيش التحرير الوطني والاستحقاق الوطني.

عمل ابن صالح في مؤسسات الدولة لأكثر من 40 عاما، وانتخب نائبا عن دائرة مسقط رأسه من عام 1977 إلى 1989، وعيّن عمل سفيرا للجزائر في السعودية من 1989 إلى 1993، وعاد إلى البلاد في ذروة العشرية السوداء، وأصبح المتحدث باسم المؤتمر الوطني للحوار الذي بدأته الدولة.

وفي أعقاب المؤتمر، تولى رئاسة المجلس الوطني الانتقالي من 1994 إلى 1997 (بديلا عن المجلس الشعبي الوطني المنحل)، وكانت أول جمعية وطنية تعددية بعد الانتخابات التشريعية في 5 يونيو/حزيران 1997.

ترأس ابن صالح مجلس الأمة طيلة 17 عاما، وكانت له نشاطات مميزة في الحقل البرلماني العربي والإفريقي والدولي إذ انتخب في 2000 رئيسا لاتحاد البرلمان العربي، وبعد إعادة انتخابه نائبا عن ولاية وهران عام 2002، عُين عضوا في مجلس الأمة لينتخب بالإجماع رئيسا له لثلاث ولايات انتخب خلالها رئيسا للاتحاد البرلماني الإفريقي.

قليل الظهور

في تقرير لها عنونته بـ”ابن صالح.. الرجل الذي لم يرغب في أن يكون رئيسا”، قالت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، إنه كان يخشى الاضطرار إلى تولي المنصب الأعلى في البلاد حتى بشكل مؤقت.

أعلن البرلمان بغرفتيه ابن صالح رئيسا للدولة، في أبريل/نيسان 2019، بعد استقالة عبد العزيز بوتفليقة إلى حين ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس الحالي عبد المجيد تبون بالمنصب، في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019.

ومباشرة عقب تولي الرئيس تبون الرئاسة طلب ابن صالح الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس الأمة آنذاك في رسالة وجهها له إنهاء عهدته على رأس مجلس الأمة، في 4 يناير/كانون الثاني 2020.

عادت المجلة إلى خطابه، في 6 يونيو/حزيران 2019، الذي أعلن فيه أنه ملزم بتمديد فترة رئاسته حتى انتخاب رئيس جديد للدولة.

واستحضرت الخطاب الثالث للراحل ووصفته حينها بأنه “أنهكه المرض”، قائلة “بصوت بالكاد يُسمع -بسبب تلقيه علاج مرض السرطان- دعا بن صالح السلطة والطبقة السياسية والمجتمع المدني إلى الحوار للتحضير للانتخابات الرئاسية”.

ويعرف عن ابن صالح أنه رجل هادئ وكتوم، لا يحب الظهور الإعلامي، إذ لم يسبق له الظهور في مؤتمر صحفي لدى توليه قيادة الدولة أو مجلس الأمة أو حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" (مشارك في الائتلاف الحاكم/ يمين وسط)؛ إذ لا يتواصل إلا عبر خطابات رسمية وبيانات مكتوبة.

وخلال قيادته للدولة كان يظهر فقط لإلقاء خطابات للشعب في مناسبات رسمية أو لإعلان قرارات سياسية.

رجل النظام

عمل الراحل مع 5 من رؤساء الجمهورية، هواري بومدين والشاذلي بن جديد ومحمد بوضياف واليمين زروال وعبد العزيز بوتفليقة.

وقالت المجلة على لسان أحد معارف ابن صالح القدامى إن "الذين خرجوا من السلطة سالمين بعد العمل مع النظام يعدون على رؤوس الأصابع، إن العمل مع أربع رؤساء يحتاج إلى جرعة من النفعية والقليل من (البركة)".

في 2001، اشتد الخلاف بين بوتفليقة ورئيس مجلس الأمة آنذاك، بشير بومعزة، وعُزل الأخير من منصبه، ليخلفه ابن صالح، صيف 2002.

ومنذ ذلك التاريخ، شغل ابن صالح منصب الرجل الثاني في الدولة، ولم تتزعزع ثقة رئيس البلاد في شخصه، رغم أن انتخابات التجديد النصفي للغرفة الثانية للبرلمان تتم كل 3 سنوات.

وعقب إصابة بوتفليقة بجلطة دماغية عام 2013، بات ابن صالح الممثل الشخصي لبوتفليقة في المحافل الإقليمية والدولية، وبالأخص في دورات جامعة الدول العربية.

وعرف ابن صالح بخطاباته الممجدة لإنجازات بوتفليقة وبرنامجه، واشتهر في السنوات الأخيرة بإطلاقه وصف "الأصوات الناعقة"، على معارضي بوتفليقة والمشككين في نزاهة الانتخابات الرئاسية لسنة 2014.

ومع انطلاق موجة "الربيع العربي" عام 2011، عيّن بوتفليقة رئيس مجلس الأمة ابن صالح، على رأس هيئة المشاورات الوطنية، تمهيدا لإصلاحات سياسية واقتصادية.

ورفع رئيس هيئة المشاورات تقريرا شاملا، عقب لقاءات مع رؤساء أحزاب وفعاليات المجتمع المدني وشخصيات وطنية، تمت بلورته في جملة من القوانين صدرت عام 2012.

تحاشى السلطة

أفادت المجلة بأنه ومنذ دخوله إلى مستشفى في باريس لإجراء عملية جراحية على الورم، في سبتمبر/أيلول 2015، لم يتوقف ابن صالح عن طلب ترك رئاسة مجلس الأمة من أجل متابعة العلاج ونيل الراحة، وفي كل مرة كان يطُلب منه التحلي بالصبر حتى تجد الرئاسة من يخلفه.

وصفت المجلة الرجل الذي تولى منصب الرجل الثاني في الدولة لسنوات، بأنه كان "رجل سياسة بعيد عن التهور بل إنه يفتقد للكاريزما وفضل التواري".

كشفت المجلة بأن ابن صالح دُعي لخلافة بوتفليقة إذا توفي الأخير أو ترك منصبه، وهو ما دفعه لطلب مغادرة السلطة قبل أن يحين موعد ذلك.

كان ابن صالح أحد أمناء سر السلطة وكان عام 1974 مديرا لصحيفة (الشعب) اليومية الناطقة بالعربية وهي المهمة التي أظهر فيها مهارة كبيرة في الإبحار في المياه الراكدة، وفق تعبير "جون أفريك"، في إشارة إلى أن الصحيفة كانت مغمورة آنذاك.

واجه ابن صالح في فترة حكمه وضعا سياسيا معقدا دام 8 أشهر بين أبريل/نيسان وديسمبر/كانون الأول 2019، كانت ميزته "شارعا هائجا" يطالب برحيل كل رموز النظام، وسلطة تحاول عبور المرحلة "بأقل تكلفة سياسية".

وفي خطاب تسلمه السلطة في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019، قال الرئيس تبون إنه يوجه شكرا خاصا لابن صالح على تحمله مسؤولية قيادة الدولة في ظرف دقيق من تاريخ الأمة، منوها "بما أظهره من حكمة ورصانة في قيادة البلاد".

وبحسب تبون، ساهمت خبرة ابن صالح في "عمل سياسي منسجم مع قيادة الجيش خلال المرحلة الانتقالية، وكانت جسر عبور آمن نحو غد أفضل".

ومقابل ذلك، كان معارضون ونشطاء حراك الجزائر يقولون إن الرجل لا يملك كاريزما سياسية، وكان يؤدي دورا دستوريا كواجهة للنظام آنذاك من أجل عبور المرحلة الانتقالية التي كانت قيادة الجيش الرقم الأهم فيها.