سيناريو فخري زادة.. هل تستطيع إٍسرائيل تنفيذ اغتيالات جديدة داخل إيران؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد مرور أقل من عام على الحادثة، كشفت وسائل إعلام غربية أن إسرائيل اغتالت العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، بواسطة سلاح جديد عالي التقنية مزود بذكاء اصطناعي وكاميرات متعددة تعمل عبر الأقمار الاصطناعية، دون وجود عملاء على الأرض.

وفي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تعرض فخري زادة لكمين أثناء سفره في سيارته الشخصية على طريق ريفي في آبسرد دماوند، وهي مدينة بالقرب من العاصمة طهران، ووجهت السلطات الإيرانية أصابع الاتهام إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" بالتورط في عملية الاغتيال.

ما كشف من تفاصيل دقيقة عن عملية اغتيال العالم النووي، أثارت الكثير من التساؤلات بشأن مدى إمكانية تكرار هذا السيناريو في الداخل الإيراني، وكذلك انعكاس الوضع على الصراع القائم بين إيران وإسرائيل في مختلف الميادين؟

"روبوت قاتل"

في 18 سبتمبر/ أيلول 2021، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، تفاصيل عملية الاغتيال في تقرير لها استندت فيه إلى مقابلات مع مسؤولين أميركيين وإسرائيليين وإيرانيين، بينهم مسؤولان استخباريان مطلعان على تفاصيل التخطيط للعملية وتنفيذها.

وأشار التقرير إلى أن عملية الاغتيال جرت من دون وجود أي عملاء على الأرض، بواسطة روبوت قاتل قادر على إطلاق 600 طلقة في الدقيقة، وهو سلاح جديد عالي التقنية مزود بذكاء اصطناعي وكاميرات متعددة تعمل عبر الأقمار الاصطناعية.

وأوضح مسؤول استخباري مطلع على الخطة (لم تكشف هويته) أن إسرائيل اختارت نموذجا متطورا من مدفع رشاش بلجيكي الصنع من طراز "FN MAG " مرتبط بروبوت ذكي متطور. وأضاف أن النظام لم يكن مختلفا عن نظيره "Sentinel 20" الذي تصنعه شركة "Escribano" الإسبانية.

وبلغ وزن المدفع الرشاش مع الروبوت وباقي الملحقات مجتمعة نحو طن تقريبا. لذلك جرى تفكيك المعدات إلى قطع صغيرة، ومن ثم تهريبها إلى إيران بطرق وأوقات مختلفة، ثم أعيد تجميعها سرا هناك، حسب المصدر نفسه.

وبين التقرير أن الروبوت بني ليتناسب مع حجم حوض سيارة (بيك آب) من طراز (زامياد) -شائعة الاستخدام في إيران- مع تركيب كاميرات في اتجاهات متعددة على الشاحنة لمنح غرفة القيادة صورة كاملة ليس فقط للهدف وتفاصيله الأمنية، ولكن للبيئة المحيطة.

وفي النهاية، جرى تفخيخ الشاحنة حتى يمكن تفجيرها عن بعد وتحويلها إلى أجزاء صغيرة بعد انتهاء عملية القتل لإتلاف جميع الأدلة، وفق "نيويورك تايمز".

وبغرض تحديد الهدف بدقة، وضعت سيارة على جانب الطريق الذي يسلكه فخري زادة، والتظاهر بأنها معطلة، وتزويدها بكاميرا مرتبطة بأقمار اصطناعية ترسل الصور مباشرة إلى مقر قيادة العملية.

وأكد التقرير أن العملية بكاملها استغرقت أقل من دقيقة، وأطلق خلالها 15 رصاصة فقط، إذ أشار محققون إيرانيون إلى أن الرصاصات لم تصب زوجة فخري زادة وكانت تجلس على بعد سنتيمترات قليلة منه.

رواية إيرانية

وتطابق إلى حد كبير ما ورد في تقرير الصحيفة الأميركية مع ما كشفته وكالة أنباء "فارس" شبه الرسمية في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 بقولها إن العملية استغرقت قرابة ثلاثة دقائق فقط، ولم يكن هناك عامل بشري في مكان الاغتيال، ولم تطلق النيران إلا بأسلحة آلية يتم التحكم فيها عن بعد.

وأوضحت الوكالة الإيرانية أن فخري زادة وزوجته كانت تقلهما يوم الحادث سيارة مضادة للرصاص بمرافقة ثلاثة سيارات حراسة في طريقهما إلى منطقة آبسرد دماوند قرب طهران.

وأشارت إلى أن إحدى سيارات الحراسة انفصلت عن الموكب على بعد كيلومترات من موقع الحادث، بهدف التحقق ورصد أي حركة مشبوهة، مبينة أنه في تلك الأثناء، تسبب صوت بضع رصاصات استهدفت السيارة في لفت نظر فخري زادة وإيقاف المركبة.

وتابعت الوكالة أن زادة خرج من السيارة معتقدا أن الصوت ناتج عن اصطدام بعائق خارجي أو مشكلة في محرك السيارة.

وعقب نزوله من السيارة، أطلق مدفع رشاش آلي يتحكم به عن بعد -مثبت على شاحنة صغيرة مركونة على بعد 150 مترا- وابلا من الرصاص عليه، لتصيبه 3 رصاصات قطعت واحدة منها نخاعه الشوكي. وبعد لحظات جرى تفجير الشاحنة.

وفي 7 ديسمبر/ كانون الأول 2020، قال نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني العميد علي فدوي إن العالم النووي محسن فخري زاده اغتيل بواسطة رشاش باستخدام "الذكاء الاصطناعي"، وذلك وفق تصريح أدلى به لوكالة أنباء محلية.

ونقلت وكالة "مهر" عن فدوي قوله إن "إطلاق النار تم التحكم به عبر الأقمار الاصطناعية والإنترنت” وإنه لم يكن هناك مسلحون في مكان الحادث"، مشيرا إلى أنه جرى إطلاق 13 رصاصة من رشاش كان يركز على وجه فخري زاده بكاميرا متطورة وعبر الاستعانة بالذكاء الاصطناعي.

وقال فدوي إن 11 حارسا كانوا برفقة فخري زاده، وإن تركيز إطلاق النار كان على وجه العالم النووي فقط، وإن زوجته لم تصب رغم أنها كانت على بعد 25 سنتيمترا منه.

وأشار إلى أن رئيس فريق حماية فخري زاده أصيب بأربع رصاصات لأنه ألقى بنفسه على العالم النووي، وأنه لم يكن هناك أفراد معادون في الموقع لإطلاق النار على الحراس.

تكرار السيناريو

وعلى ضوء ما أوردته الصحيفة الأميركية من تأكيد للرواية الإيرانية أن إسرائيل هي من اغتالت زادة باستخدام أسلوب جديد، فقد رأى مختصون أن سيناريو الاغتيال بالإمكان تكراره، وأن الصراع بين الطرفين مستمر ومن شأنه أن يأخذ أشكالا عدة.

وقال الخبير المختص في الشؤون الإيرانية والمنطقة، نجاح محمد علي، في حديث لـ"الاستقلال" إنه "بغض النظر عن الوسيلة التي استخدمت في اغتيال فخري زادة، فإن الكيان الصهيوني سيكرر متى ما استطاع اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين، وهذه على قائمته".

وأضاف علي أنه "منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران، فإن الكيان الصهيوني يعتبر إيران عدوا وجوديا، وهذا الأمر غير مقتصر على علمائها النوويين".

وبين أن "الموساد وباعتراف وسائل إعلام أميركية اغتال علماء نوويين وأطباء وعقولا عراقية كبيرة منذ عام 2003".

وتابع: "لذلك فإن حرب الكيان الصهيوني مع إيران حرب وجود، وفي المقابل فإن طهران ومحور المقاومة في المنطقة وفي فلسطين المحتلة، متى يتمكنون سينفذون مثل هذه العمليات، فقد قتل 5 جنرالات إسرائيليين بطريقة غامضة بعد اغتيال فخري زادة، وبعضهم له صلة بالبرنامج النووي الإسرائيلي".

ولفت علي إلى أن "الحرب بين إيران ومحور المقاومة مع الكيان الصهيوني هي حرب وجود، فكلا الطرفين يعرفون ذلك، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحصل تطبيع بينهما، وربما تحدث تهدئة في وقت ما بحسب معادلات الصراع الإقليمية والدولية".

وأوضح: "كما جرى بعد قضية السفينة التي تمتلكها الدولة الصهيونية والاتهامات لإيران بتفجيرها وحصل تهديد ووعيد، ولكنهم صمتوا لأن هناك تفاهمات تجري تحت الطاولة إيرانية غربية نحو التهدئة، وأن الولايات المتحدة بشكل خاص لا تريد فتح صراع مع إيران".

ولذلك رأى أن واشنطن "ألزمت الكيان الصهيوني بأن لا يتعدى حدود المواجهة بما يعرقل مثل هذه التفاهمات".

ولفت الخبير المختص بالشأن الإيراني إلى أن "التفاهمات الغربية الإيرانية تنعكس بالضرورة على حدة الصراع بين إيران والكيان الصهيوني، وهذا ما نشهده بين الفترة والأخرى في أماكن الصراع بين الطرفين في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين".

وبين علي أن "مظاهر هذا التفاهم نحو التهدئة ظهرت في لبنان عندما شكلت الحكومة مع وصول سفينة الوقود الأولى من إيران".

أما في العراق "فقد لاحظناه بعد مجيء (رئيس الوزراء العراقي مصطفى) الكاظمي من واشنطن ومباركة الفصائل العراقية وعلى رأسها كتلة الفتح لما يسمى سحب القوات الأميركية، رغم تغيير مهام القوات من قتالية إلى استشارية".

وأردف: "لذلك فإن الحرب سجال بين الطرفين، ومنها بالتأكيد المعركة السيبرانية، حيث استطاعت إيران اختراق منظومة الصرف الصحي ومياه الشرب، وأجهزة أمنية في إسرائيل".

وحرب الجواسيس أيضا مستعرة بين البلدين، حيث إن إيران جندت وزراء منهم وزير زراعة مسجون حاليا داخل إسرائيل، والأخيرة في المقابل جندت أفرادا لها، وبعد تطبيعها مع دول خليجية أصبح بإمكانها تجنيد إيرانيين يسافرون إلى هذه الدول، كمال قال.

نتائج عكسية

وكذلك تناولت صحيفة "هآرتس" العبرية خلال تقرير لها في 20 سبتمبر/أيلول 2021، ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، بخصوص عملية اغتيال العالم النووي الإيراني، فخري زاده، والتي وصفتها بأنها "عديمة المعنى والقيمة الإستراتيجية".

ورأت الصحيفة أن ما ذكر في تقرير "نيويورك تايمز" عن عملية الاغتيال، "يقرأ كسيناريو فيلم رعب هوليوودي: الرجل الآلي الإجرامي رقم 1"، مشيرة إلى أن "رئيس الموساد السابق يوسي كوهين الذي سيلعب دوره بالتأكيد توم كروز (ممثل أميركي)، نال الحظوة على تخطيط العملية".

 أما رئيس الوزراء في حينه بنيامين نتنياهو، فقد استهدف زاده علنا كمسؤول عن البرنامج النووي الإيراني، وقرر اغتياله في الفترة الانتقالية في البيت الأبيض، بعد هزيمة دونالد ترامب في الانتخابات وقبل أن يحل جو بايدن محله، وفق الصحيفة.

ولفتت إلى أن "نتنياهو أمل في أن قتل العالم سيحبط كل محاولة من الإدارة الجديدة العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران".

وأكدت أنه "رغم أن الاغتيال الناجح يدل على قدرة التنفيذ لدى الموساد وعلى قدرة نتنياهو وكوهين إقناع إدارة ترامب، فإن أكثر من كل شيء هو تكشف انعدام المعنى لمثل هذه العمليات الاستعراضية".

وقدرت "هآرتس"، أن إيران لم تضطر لعملية رد على اغتيال العالم زاده، لأنها حتى بدونه تتقدم بسرعة لمكانة "دولة حافة" ذات مادة مشعة لترتيب سريع لقنبلة نووية.

وأشارت إلى أن "قتل العالم الإيراني، هو مثال على استثمار مقدرات تكنولوجية، دبلوماسية ومالية كبيرة في عملية تكتيكية عديمة القيمة الإستراتيجية".

ونبهت الصحيفة إلى أن "الإنجاز الذي تباهى نتنياهو به كثيرا، إقناع ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، يتبين الآن كتسجيل لهدف ذاتي، حيث إنه حرر فقط بعض الشيء اللجام الذي فرض على النشاط الإيراني".

ولذلك، تعتقد أن إسرائيل لم تنجح في ردع الإيرانيين، وفي تجنيد الأسرة الدولية لعملية ضد طهران، أو لردع إدارة جو بايدن عن محاولاتها العودة إلى الاتفاق المهجور.

وأفادت بأن "نتيجة الفشل الثلاثي لنتنياهو، واضحة في التهديدات شبه الواضحة لخليفته نفتالي بينيت، بأن إسرائيل ستهاجم إيران بنفسها، في محاولة يائسة لإحباط خطتها النووية في اللحظة ما قبل الأخيرة".

وتابعت: "لقد أعد بينيت منذ الآن الحجج، لأنه لا يتجرأ مثل سلفه على الهجوم، بدعوى أن نتنياهو أهمل الإعداد للهجوم، ومشكوك أن يكون لإسرائيل إسناد لعملية كهذه، في حال خاطرت بثمن الضربة الهدامة في الجبهة الداخلية".

لفتت الصحيفة إلى أنه "من المهم في هذه الأثناء أن نتذكر الدرس، أنه حتى (الرجل الآلي الإجرامي) يحتاج لمفعلين أذكياء، وأن الجسارة العملياتية ليست بديلا عن السياسة المنطقية".