نذير شؤم.. لماذا تدرب "داخلية السيسي" ضباطا من الشرطة السودانية؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في خمسينيات القرن الماضي، عندما أسس الضابط السوري عبدالحميد السراج جمهورية "الرعب والتعذيب" في بلاده، كان قد تمرس في مدرسة المخابرات العامة المصرية.

وعرف الضابط السوري المقرب من الرئيس المصري جمال عبدالناصر، بأنه لا يرحم، وأطلق يد الشرطة السرية وانتهج مسلك التحقيقات الدموية المفزعة وإشاعة الرعب في نفوس الشعب.

مر الزمن واختلفت الأماكن والوجوه، وبقيت إستراتيجية تصدير الخوف التي يتبعها عسكر مصر، لكن هذه المرة، قرر نظام عبدالفتاح السيسي تنفيذها في السودان، البلد الذي يعاني انقساما بالفعل ومرحلة انتقالية متعثرة.

105 ضباط

كشف موقع "المونيتور" الأميركي في 14 سبتمبر/ أيلول 2021، عن أن "السلطات المصرية، تعمل على تدريب عناصر من الشرطة السودانية لمواجهة جماعة الإخوان المسلمين". 

وأفاد أن القاهرة تعمل على تهيئة ضباط من الشرطة السودانية على إجراءات عنيفة ضد الإخوان على خلفية اتهام حكومة السودان أعضاء الجماعة بالوقوف وراء المظاهرات وأعمال الشغب التي اندلعت في البلاد.

وبحسب الموقع، قال محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق: إن "مصر تسعى إلى تعزيز المؤسسات الأمنية في الدول العربية، وخاصة المجاورة منها كالسودان".

وأضاف أن "وزارة الداخلية المصرية تعقد بانتظام دورات تدريبية لضباط وطلبة الشرطة السودانية في إطار التعاون الأمني ​​بين البلدين".

وزعم أن "مصر والسودان تواجهان تنظيما متطرفا في جماعة الإخوان المسلمين، لذا يجب توحيد الجهود الأمنية بين البلدين لمواجهته".

وكانت وكالة الأنباء السودانية الرسمية "أونا" قد ذكرت في 23 أغسطس/آب 2021، أن مصر تدير برنامجا تدريبيا لمجموعة متخصصة من ضباط الشرطة السودانية، ترتكز في الأساس على محاربة الإخوان المسلمين في الخرطوم".

وأفادت أن "هيئة تدريب الشرطة السودانية أرسلت 105 ضباط لتلقي تدريب متقدم في مصر للتحقيق الجنائي وحراسة كبار الشخصيات وعمليات الأمن الداخلي".

وتابعت "هذه الدورة تأتي في إطار بروتوكول التدريب الموقع مع قوات الشرطة المصرية، وتشمل التدريب على كيفية إجراء التحقيقات الجنائية وإدارة العمليات القتالية في المناطق المفتوحة والتعامل مع أعمال الشغب ".

وفي الثاني من مايو/أيار 2019، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا قالت فيه: "من الواضح بينما يتعنت المجلس العسكري (السوداني) في تقديم تنازلات، فإن المجال الوحيد الذي لا يعترض فيه على التنازلات هو ما يتعلق بإقصاء الإسلاميين".

وأكدت: "يبدو أن هدف المجلس العسكري ورعاته الخليجيين هو إبقاء العسكريين وإخراج الإسلاميين من السلطة، لتكون السلطة الجديدة في السودان، على شاكلة نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي (في مصر) العسكري المعادي للإسلاميين، وليس متحالفا معهم كما كان (الرئيس السوداني السابق عمر ) البشير". 

وذكرت: "تكرار هذا السيناريو من الصراع بين الإسلاميين والليبراليين واليساريين، الذي تكرر في مصر، يعد من سمات السياسة العربية منذ عقود، أو كما يقول البعض: إن هذا خلاف عمره قرن كامل. إلا أنه في السودان يكسب الصراع مرارة خاصة".

بواعث الخوف

وجود الأحزاب والجماعات الإسلامية في الأقطار العربية يشكل فزاعة لنظام السيسي منذ البداية، باعتبارهم أشرس خصومه داخل مصر وخارجها.

إذ سعى لمطاردة من هاجر منهم في جميع أنحاء العالم سواء، بعد موجة قتل وتصفية واعتقال الإخوان، وسط تنديد من منظمات حقوق الإنسان العالمية. 

وقد عهد السيسي في مطاردة إخوان الخارج إلى جهاز "المخابرات العامة"، ولطالما زار رئيس الجهاز اللواء عباس كامل، السودان، وعقد لقاءات دورية مع سدنة الحكم على رأسهم رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء، صاحب التوجهات اليسارية، عبد الله حمدوك. 

خاصة وأنه خلال حكم الرئيس السابق عمر البشير، هرب كثير من أعضاء الجماعة، واتهمت وسائل إعلام مصرية الخرطوم مرارا بإيواء المئات من الإخوان المسلمين المصريين. 

ولكن عقب سقوط البشير، وصعود ائتلاف مخلط من قادة المجلس العسكري المدعومين إماراتيا والأحزاب اليسارية التي تحمل عداء فطريا تجاه الإسلاميين، عرضت القاهرة تقديم خبرتها للخرطوم من أجل محاربة الإخوان وفكرهم.

لذلك رحبت الخارجية المصرية في ديسمبر/ كانون الأول 2019، بخطوة المجلس السيادي السوداني، تدشين "لجنة إزالة التمكين" التي ركزت نشاطها على إجهاض كل أنشطة الحركة الإسلامية بالسودان.

وسبق أن أعلن النائب السابق للأمين العام للحركة الإسلامية السودانية عثمان رزق، تجاوز عدد أعضاء الحركة الإسلامية في السودان المليوني شخص.

وذكر في حديثه لوكالة الأناضول التركية 3 مارس/ آذار 2019، أنهم جزء أصيل من مكونات الشعب السوداني، يصعب تنحيته، وإزالته من المشهد بصورة كلية، وأن التربص بهم واضح في ظل مشروع إقليمي تقوده الإمارات والسعودية ومن ورائهم مصر، لضرب جماعات الإسلام السياسي في مختلف دول المنطقة.

أيام صعبة

في تصريحات لـ"الاستقلال" قال الصحفي السوداني محمد نصر: إن "السودان ليس مصر، وإخوان الخرطوم ليسوا هم إخوان القاهرة، وشكل السلطة وتكوينات الأجهزة الأمنية بين البلدين واضحة، وما تفعله الحكومة والمجلس السيادي، يندرج تحت بند اجترار حرب أهلية، وإراقة دماء لا حصر لها". 

وتحدث مفصلا: "الإسلاميون في السودان حكموا لسنوات طويلة، وهم جزء من مكونات الدولة والجيش والشرطة وأجهزة الاستخبارات، إضافة إلى تمتعهم بانتشار شعبي واسع".

فأعضاء حزب المؤتمر الوطني (المنحل) كانوا قرابة مليوني مواطن، فضلا عن بقية الإخوان والإسلاميين عموما، مع حمية قبلية في جميع أنحاء السودان.

كذلك لا يمكن إغفال أن السلطة السودانية لا تتمتع بالمركزية الحقيقية مثل مصر، فهي منقسمة، ومتصارعة فيما بينها، والخلافات بين المكونات العسكرية والمدنية ظاهرة للعيان، والصراعات القائمة بين الجيش وقوات الدعم السريع لا تخفى على أحد، وفق نصر.

واستطرد: "على سبيل المثال منظومة الحكم السودانية حتى الآن لا تستطيع معالجة إشكالية الحركات المسلحة المنتشرة في العاصمة الخرطوم، وكأنهم قوات احتلال، يفعلون ما يروق لهم ويستعرضون أسلحتهم ليل نهار".

وواصل أنهم: "أحيانا يتقاتلون داخل الأحياء المدنية، كما حدث في ضاحيتي (سوبا) و(بري) قبل أيام قليلة (خلال سبتمبر/أيلول)، ووقعت اشتباكات بالأسلحة بين الحركات المسلحة وقوات أمنية حكومية، كادت تؤدي إلى كارثة".

وتساءل: "ماذا نتوقع إذا وقعت انقسامات في بنية الجيش نفسه والمؤسسات الأمنية التي تعج بالإسلاميين، وانتقل الأمر إلى الشارع؟ فهذا هو سيناريو الفوضى المدمرة بعينه". 

وذكر أنه "لا يجب أن ينساق حكام السودان وراء سياسة النظام المصري الرامية إلى استئصال الإخوان من الشأن العربي ككل، ومحاربة كل ما هو إسلامي في بلدنا أو في ليبيا أو اليمن، لأن مصلحتنا تقضي مصالحة وطنية وتأسيس دولة قوية موحدة".

وأردف: "يكفي السودان ما عاناه من حروب وانقسامات وصراعات، فأين كانت دول الجوار وهذه الأنظمة، أثناء قصفه أو العقوبات التي فرضت عليه؟ لم يمد أحدهم يد العون إلينا أبدا، على العكس كانوا بمثابة شوكة في الحلق". 

مملكة الخوف 

الباحث السياسي المصري محمد ماهر، قال: إن "مصر باعتبارها أقدم وأكبر مراكز الحكم في الشرق، عرفت قديما أنشطة البوليس السري والاستخبارات والاستجوابات، حتى من قبل إعلان الجمهورية عام 1953".

ولكن الحقبة الناصرية كانت مختلفة، حيث استعان العسكريون بخبراء تعذيب نازيين، دربوا الضباط على أساليب مفزعة ومروعة في الاستجوابات والتعامل مع السجناء، واشتهر بها أباطرة المخابرات مثل مؤسس جهاز المخابرات العامة صلاح نصر، ووزير الحربية شمس بدران، الذي حول السجن الحربي إلى مسلخة بشرية للمعارضين على رأسهم جماعة الإخوان المسلمين.

وأكد ماهر لـ"الاستقلال": "مع الوقت نقلت مصر تلك الخبرات إلى دول الجوار، وأفرزت أجيالا جديدة من رواد الأجهزة الأمنية والضباط، تمرسوا على عقائد التعذيب، كما حدث تحديدا في دول الخليج".

حتى أن "حبيب العادلي، أحد أسوأ وزراء الداخلية المصريين، ذهب إلى المملكة العربية السعودية، وعين كمستشار هناك، حيث كان دوره الإشراف على الأجهزة المتخصصة في التحقيقات والسجون، وكذلك لعبت الأجهزة المصرية دورا محوريا في الإمارات والبحرين، عبر وفود متبادلة، وزيارات دورية، وهو ما يحدث حاليا في السودان". 

وأضاف: "أحد أهم أسباب اهتمام النظام المصري بالسودان، خاصة فيما يتعلق بنظام الحكم ووجود الإخوان المسلمين، هو أن الإخوان فيها هم امتداد طبيعي لإخوان مصر".

إضافة إلى لجوء كثير من المصريين الإسلاميين إلى السودان عقب الانقلاب العسكري عام 2013، وهو ما أدى إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين النظامين آنذاك.

وبين أن الأخطر أن إسلاميي السودان جزء من الحكم والأجهزة الأمنية، وهذا في حد ذاته مدعاة لقلق السلطات المصرية.

وحتى عندما وقع انقلاب البشير عام 1989، تحفظ الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك كثيرا في التعامل معه والاعتراف به، قبل أن يقبل بالأمر الواقع، وفق ماهر. 

وشدد أن: "عملية دعم المخابرات المصرية لأفراد من الشرطة والاستخبارات للقضاء على الإسلاميين أو تعذيبهم في السودان، أمر غير محسوب، لأنه يدخل البلد المضطرب أساسا في مزيد من الصراعات والحروب التي ستؤثر على مصر".

كما يخلق داخل المجتمع حالة من العداء والحنق ضد القاهرة، حيث يضعونها في خانة تدبير المؤامرات وإفشال الدولة، وهو بالمناسبة ما حدث في ليبيا، التي انقسمت تجاه مصر ما بين مؤيد أو غاضب وكاره.