زحف عسكري.. إستراتيجية روسيا لملء الفراغ الأميركي شرقي سوريا

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تبدو حظوظ روسيا أكبر من غيرها في ملء الفراغ العسكري حال الانسحاب الأميركي من مناطق شرق سوريا، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، المكونة من أغلبية كردية مدعومة من واشنطن.

وعملت القوات الروسية على إيجاد موطئ قدم لها شرق سوريا منذ بدء تدخلها العسكري في 30 سبتمبر/أيلول 2015، لمنع سقوط حكم رئيس النظام بشار الأسد، إذ صنّف ذاك التدخل كأهم نقاط التحوّل في الثورة السورية على الصعيد السياسي والعسكري.

ودّلت الوقائع الميدانية على تكثيف روسيا حضورها على أكثر من اتجاه في محافظة الحسكة المعقل الرئيس لسيطرة قوات "ي ب ج" الكردية وعمودها الفقري قوات "قسد"، المدعومة من التحالف الدولي.

إذ نجحت موسكو في التمدد العسكري هناك باتفاقات مع قوات سوريا الديمقراطية، إلى أن أصبحت وسيطا موثوقا لدى "قسد" في منع تفجر الأوضاع هناك مع النظام السوري الطامح لقلب معادلة النفوذ هناك بشتى الوسائل.

وتسيطر قوات "ي ب ج" الكردية على مساحة 42485.6 كم2 من الأراضي السورية في أربع محافظات وهي (الحسكة - ديرالزور – الرقة – حلب) أي بنسبة 22.9  بالمئة، وفق إحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان نشرها في 13 سبتمبر/أيلول 2021.

وتعد "ي ب ج" الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، والأخير هو الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني المتشدّد (بي كا كا) المتواجد جنوبي تركيا وشمالي العراق.

ووفقا للحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة، فإن قوات "قسد" المدعومة أميركيا، تسيطر على قرابة 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من إنتاج الغاز بسوريا، ومعظمه في الحسكة ذات الأهمية الإستراتيجية والحدودية التي تربطها مع كل من تركيا والعراق.

وتعتبر الحسكة مركز ثقل وجود القوات الأميركية، انطلاقا من أهميتها الحدودية مع العراق كمنفذ وحيد لدخول الامدادات العسكرية من قاعدة "حرير" الأميركية الواقعة على بعد 75 كيلومترا عن شرق مركز مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان شمال العراق.

وحاليا تسيطر قوات "ي ب ج" الكردية، على 83 بالمئة من مساحة الحسكة، بينما يقتصر تواجد النظام السوري فيها على 4 بالمئة، في حين تسيطر قوات المعارضة على 8 بالمئة، وما تبقى هو منطقة مشتركة بين النظام وقوات قسد"، وفق إحصائية لتوزيع السيطرة لمركز عمران للدراسات الإستراتيجية.

حضور روسي

يتمثل تواجد القوات الروسية بالحسكة في قاعدة مطار القامشلي، ونحو 10 نقاط وقواعد عسكرية صغيرة ومعظمها كانت قواعد أميركية قبل أن تنسحب منها الأخيرة إثر عملية "نبع السلام" التي أطلقها الجيش التركي في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 وتركزت في محافظتي الحسكة والرقة.

 وجرى خلالها إبعاد قوات "ي ب ج" الكردية مسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية.

وتتخذ روسيا من قاعدة مطار القامشلي المدني شرق سوريا والتابع لمحافظة الحسكة، مركزا لقواتها، وهي الأضخم والأكثر لوجستيا وفاعلية هناك.

إذ نقلت إليها موسكو في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 من قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، منظومات من الدفاع الجوي وطائرات هليكوبتر قتالية من طراز "Mi8" و"Mi-35"، كما تحتوي بداخلها مركبات مدرعة وأطقم دعم أرضي ومحطة أرصاد وعيادة طبية صغيرة.

وتعد قاعدة القامشلي هي ثالث قاعدة كبيرة لروسيا في سوريا إلى جانب قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية.

وتواترت معلومات حول استئجار موسكو من النظام السوري للمطار الذي يقع على بعد بضعة كيلومترات من الحدود مع تركيا، وذلك لمدة 49 عاما أي بنفس شروط المدة الزمنية للقاعدتين المذكورتين.

وفسّر حينها على أن استئجار المطار يدخل ضمن إستراتيجية موسكو للبقاء الطويل في سوريا، ومصالحها الجيوسياسية المستقبلية في الشرق الأوسط.

واهتمام روسيا بشرق سوريا وتفعيل تقاربها مع قوات قسد على مستوى التشاور وعقد لقاءات مع قائدها مظلوم عبدي بحضور وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عبر تقنية الفيديو، ينبئ بأهمية المنطقة للروس.

وفي هذا الإطار لطالما لعبت روسيا دور الراعي والوسيط بين النظام السوري وقوات قسد سواء لفض الاشتباكات والتصعيد العسكري في الحسكة، أو لرعاية موسكو المفاوضات الجارية حاليا بين قسد والأسد للتوصل لحل حول مستقبل السيطرة شرقي سوريا.

وبشكل دوري يتوجّه وفد مجلس سوريا الديمقراطية وهو الذراع السياسي لقوات "قسد"، إلى موسكو للتباحث حول مصير مناطق الشرق، ورغم أنهم لا يشيرون رسميا إلى أن هذه المشاورات حول خشية انسحاب أميركي مفاجئ، فإن كثير من المحللين يقرؤونها في هذا المضمار.

وآخر زيارة أجرتها الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد لموسكو، كانت في منتصف سبتمبر/أيلول 2021، والتقت ميخائيل بوغدانوف المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا نائب وزير الخارجية.

وعقب تلك اللقاءات تكتفي الخارجية الروسية بالتأكيد على أنها تتمحور حول أهمية مواصلة الحوار بين مجلس سوريا الديمقراطية والنظام السوري، وذلك بهدف ما تقول إنه "للتوصل إلى اتفاقات تستجيب للتطلعات المشروعة لجميع المواطنين السوريين، وتراعي خصائص المناطق والتعددية الإثنية والثقافية للمجتمع السوري".

تذويب الخلافات

وهذه المعطيات يراها البعض مؤشرات تشي بمحاولة موسكو تقليل نقاط الخلاف بين قوات "قسد" والنظام السوري.

 وهذا ما لفت إليها الصحفي السوري حسن الشريف بقوله لـ"الاستقلال" إن "قسد تعتبر روسيا هي الطرف المقبول لها والذي يمكن أن تعمل تحت مظلته في حال أي انسحاب مفاجئ للولايات المتحدة، وهي تدرك أن هذه اللحظة قادمة".

وأضاف: "لذا فقسد رغم خلافها الظاهر مع النظام السوري إلا أنها تميل إليه بشكل أكبر من أي طرف آخر وأقصد هنا المعارضة السورية".

إذ تخوض قسد منذ أكثر من ثلاث سنوات مفاوضات جدية للتواصل على اتفاق مع النظام بشرط بقاء قواتها كمكون عسكري مستقل رغم تبعيته لجيش الأسد وأن تمنح إدارة ذاتية مقابل تقاسم ثروات النفط والغاز وإيجاد صيغة بينهما، وفق قوله.

وأضاف الشريف: "طبعا هذا يتماشى مع الرغبة الروسية بملء الفراغ هناك في حال قررت واشنطن الانسحاب على غرار العراق أو أفغانستان".

ومؤشرات ذلك هو استضافة قاعدة حميميم في اللاذقية بشكل دوري لوفود من مجلس قسد التي تلتقي بوفد روسية قادمة من موسكو، ثم عقب انتهاء النقاشات في القاعدة يتوجه وفد المجلس إلى دمشق ولقاء رئيس مكتب الأمن الوطني التابع للنظام اللواء علي مملوك، كما قال.

وأشار الصحفي إلى أن "النقطة الجوهرية في المفاوضات السياسية مع قسد التي يقودها اللواء علي مملوك، تتمحور حول مسألة دمج قرابة 120 ألف من عناصرها داخل قوات النظام".

لكن هذه الجزئية تتشدد فيها قسد لكونها ترفض أن تدمج مع جيش النظام وتصبح تحت إمرته بل تريد أن تكون مستقلة في قيادتها.

وبيّن الشريف أن "روسيا منذ أواخر عام 2019 بدأت بتدعيم وجودها في شرق سوريا من خلال إنشاء قوات محلية من أبناء العشائر العربية هناك وكلفت مليشيات بي كا كا بتدريبهم لكن تحت إشراف روسي كامل".

وهذا بهدف حماية بعض النقاط العسكرية الروسية التي بدأت تأسسها موسكو هناك وخاصة بعد تخلي أميركا عن بعض قواعدها في ريف الحسكة ضمن خطة تقليص التواجد العسكري بسوريا الذي أقره ترامب وقتها.

وحينما زار رئيس النظام بشار الأسد روسيا والتقى الرئيس فلاديمير بوتين 13 سبتمبر/أيلول 2021، لفتت تصريحات الأخير حول توزع السيطرة أنظار الكثير من المراقبين.

إذ زعم بوتين أنه بدعم القوات الروسية باتت قوات النظام السوري تسيطر "على أكثر من 90 بالمئة من أراضي البلاد"، وهذه النسبة غير منطقية وغير واقعية على الأرض.

لكن البعض قرأ رمزية الرقم الذي كشفه بوتين ضمن سياق عمل موسكو على إيجاد تسوية شاملة بين النظام السوري وقوات قسد، ولا سيما أن نسبة سيطرة النظام في الواقع لا تتجاوز 64 بالمئة.

ضغط على الأسد

وذهب مدير مركز "جسور" للدراسات، محمد سرميني للقول إن النسبة التي تحدث عنها بوتين، تعكس عمليا مناطق سيطرة النظام بالإضافة إلى مناطق شرق الفرات التي تُسيطر عليها قسد.

 بمعنى أن بوتين يوجّه رسالة إلى واشنطن، ومنها إلى تركيا، بأن هذه الأرض هي من حصة روسيا، وأن أي توافقات أميركية بخصوصها مع أي طرف آخر غير موسكو هي مرفوضة، وفق ما قال سرميني لـ "الاستقلال".

ولفت إلى أن "روسيا تعمل بشكل دؤوب للتواصل إلى توافق بين النظام السوري وقسد، وكلفت مكتب الأمن الوطني علي مملوك بإدارة ملف الحوار معها في محاولة لمنع تدخلات الأجهزة الأمنية الأخرى".

واستدرك قائلا: "وربما يكون استدعاء الأسد لموسكو مرتبطا بالضغط عليه للالتزام بهذه التوافقات، بالشكل الذي ينقل قسد إلى مظلة جيش النظام، وهو ما يُحقق عندها نسبة السيطرة التي ذكرها بوتين".

ووفقا لموقع "اقتصادي" المعارض، فإن جهات قيادية في قوات قسد، تبلغت رسائل بأن عليها الاستعداد لملاقاة عام 2022 دون وجود أميركي عسكري.

وأضاف الموقع حسبما نشر على صفحته في فيسبوك 17 سبتمبر/أيلول 2021، بوجود حوارات عسكرية أميركية روسية تجري لترتيب نقل المسؤولية العسكرية في المنطقة للقوات الروسية.

واعتبر أن هذا ما يفسر سبب تصريح الرئيس الروسي بوتين، حول توزع خارطة السيطرة على الأراضي السورية بنسبة 90 بالمئة لصالح النظام السوري من مجمل مساحة البلاد.

وأشار إلى وجود خلافات كبيرة بين النظام السوري مع الجانب الأميركي حول مصير الحقول النفطية من جهة.

 إضافة إلى خلاف داخل جسم قوات "قسد"، وتحديدا بين تيار قائده مظلوم عبدي الذي يعتبر أنه جزء من الدولة السورية، وتيار إلهام أحمد و "بي كا كا" الذين يريدون إدارة ذاتية أشبه بإدارة إقليم كردستان العراق"، وفق ما نقل الموقع.

وتنتشر القوات الأميركية في 11 قاعدة ونقطة عسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات "قسد" في المحافظات الثلاث (الحسكة– الرقة- ودير الزور)، بينما تحتفظ واشنطن بـ 900 جندي شمال شرق سوريا، وفق موقع "الجيش الأميركي".

وجرى سحب أكثر من 1100 جندي أميركي من سوريا إلى غرب العراق، بموجب قرار الانسحاب الذي أعلنه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نهاية 2018.

وبقيت هذه القوة الأميركية الصغيرة نسبيا على أنها رادع لروسيا وقوات النظام السوري من التقدم والسيطرة على حقول النفط ومناطق أخرى تسيطر عليها قوات "قسد".

يذكر أن الجيش الأميركي تدخّل بسوريا في سبتمبر/ أيلول 2014، لتنفيذ ضربات جوية ضد "تنظيم الدولة"، واعتمد الأميركيون حينئذ على قوات "ي ب ج" العمود الفقري لقوات "قسد" كقوة برية ودعمتها بالأسلحة، والغطاء الجوي.