الإخوان المسلمون بين مطرقة السيسي وسندان ترامب

أسامة جاويش | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في شهادته حول سعي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصنيف جماعة "الإخوان المسلمين" كمنظمة إرهابية في ٢٠١٧، قال وزير الخارجية الأمريكي السابق، ريكس تيليرسون: إن "تصنيف مجموعة يفوق تعدادها خمسة ملايين شخص ومنهم قيادات في حكومات دول حليفة للولايات المتحدة هو أمر سيخلف مضاعفات كبيرة ومشاكل لا يمكن احتواؤها للولايات المتحدة في العالم وليس في الشرق الأوسط فقط". 

خمسة ملايين عضو ومؤيد للإخوان المسلمين، ربما كان هذا الرقم منطقيا في مصر فقط، وهي أساس المسألة في هذه الأيام التي رحل فيها تليرسون وجاء بومبيو صديق السيسي وبن سلمان وذراع ترامب الأقوى في تنفيذ سياساته الخارجية. الرقم هو قريب للغاية من عدد الأصوات التي حصل عليها الدكتور محمد مرسي في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية ٢٠١٢، وهو يشير إلى تعداد تقريبي للجماعة الأكبر في العالم وحاملة لواء الإسلام السياسي السني في أكثر من ثمانين دولة بالعالم. ووفقا لترامب وإدارته وبناء على طلب من السيسي ونظامه يبدو أن هناك اتجاها قويا لتصنيف خمسة ملايين مواطن مصري بأنهم إرهابيين! 

ولكن قبل الحديث عن منطقية الفكرة والدخول في جدلية مواقف الجماعة من العنف والإرهاب، فلنتوقف قليلا عند بعض نماذج العمل المسلح والأفكار التي تدعو للعنف: العمل المسلح والدعوة لتبني الأفكار المتطرفة عن طريق أعمال العنف واستهداف المدنيين وقتل عناصر الشرطة والجيش والتحريض ضد أي معارض. لهذا الأفكار هي ليست مجرد ممارسات ولكنها أيدولوجيا يؤمن بها من يشارك في تلك التنظيمات، والثابت أن تلك التنظيمات المسلحة تعلن عن أفكارها وتدعو الآخرين للانضمام إليها، وتبث تسجيلات مصورة لعملياتها الإرهابية، وتعلن للجميع جرائمها من قتل وحرق وتخريب حتى بياناتها التي تصدر عنها بعد أي عملية هي بيانات مفصلة عن تبني هذه العملية أو تلك.

تجد هذا على مدار التاريخ مع أي تنظيم مسلح اعتنق تلك الأفكار، ولكن العكس تماما تجده مع جماعة الإخوان المسلمين فالجماعة على مدار تاريخها منذ تأسيسيها على يد حسن البنا في عشرينيات القرن الماضي، نبذت العنف في كل بياناتها وتصريحات مرشديها وقياداتها، وحتى الآن فما بين "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين" التي قالها مؤسس الجماعة، حسن البنا، بعد اغتيال النقراشي وبين "سلميتنا أقوى من الرصاص" التي قالها مرشد الجماعة الحالي، محمد بديع، بعد الانقلاب العسكري ستجد آلاف البيانات والتصريحات والكتب التي تبين موقف الجماعة الرافض على طول الخط لفكرة حمل السلاح.

جماعة شيطنها السيسي منذ اليوم الأول وبنى مشروع بقائه على مواجهتها وطلب تفويضا لمحاربتها، سجن منها ما يقارب ٦٠ ألف معتقل سياسي، وحول حياة عائلاتهم وجل اهتمامهم اليومي في ترتيب الزيارة الأسبوعية، وتوفير احتياجات سجينهم وشد الرحال إليه في رحلة شاقة استنزفت ما استنزفت من طاقة مادية ونفسية وبدنية لعوائل هؤلاء المعتقلين.

النظام الحالي استهدف أعضائها بداية من المرشد العام وحتى الجيل الرابع منها، وزاد عليه باعتقال نساء وأطفال ينتمون للجماعة، آلاف المختفين قسريا ولشهور طويلة تسعى الأسر والعائلات للبحث عنهم في رحلة شاقة قد تستغرق شهورا وربما أكثر من ذلك؛ ثم أصدر قانونا في ٢٠١٥ يسمح للنظام بمصادرة جميع أموالهم وممتلكاتهم كأفراد وشركات وأغلق لهم آلاف من المؤسسات الخيرية التي كانت الجماعة تشرف عليها. 

هذا داخليا فماذا عن الخارج؟ استهدف النظام قيادات وأفراد الإخوان في الخارج وزاد عليهم كل الصحفيين والإعلاميين والسياسيين من غير الإخوان والمعارضين له، فوضع أكثرهم على قوائم الإرهاب ومنعهم من تجديد جوازات سفرهم وطالب الإنتربول بإلقاء القبض عليهم ونجح في استلام بعض أفراد الإخوان في الخارج عن طريق مخاطبة دول مثل تركيا وماليزيا. 

جماعة تلقت كل هذه الضربات الأمنية داخليا وخارجيا، انقسمت قياداتها في المنفى إلى أكثر من فريق، أصبح وضعها في الداخل في حال يرثى له، فكيف لها أن تشكل خطرا على نظام مثل النظام الحالي؟ وإذا كان الإخوان يؤمنون بالعنف والعمل المسلح فهل هذا يعني أن هناك خمسة ملايين إرهابي داخل وخارج مصر؟ ومع حالة تنظيم كتنظيم الإخوان، تنظم الثقة التامة بين أفراده وقياداتهم طبيعة العمل داخل الجماعة فكيف لمصر أن لا تتحول لساحة حرب أهلية مسلحة إذا كانت جماعة كهذه تؤمن بالعنف؟ 

قد يرى البعض أن بعض المجموعات من الإخوان قد انضموا إلى ما يعرف باللجان النوعية بعد مجرزة "رابعة العدوية" وقاموا بتنفيذ عدد من العمليات ضد أفراد من الشرطة والجيش، (وهذا أمر قمت بإدانته عدة مرات وأدانه غيري أيضا من الإخوان وغيرهم)، ولكن لو صح هذا الأمر بهذه الصيغة، فهل تؤخذ جماعة بحجم الإخوان ببعض التصرفات الفردية؟! وإن اعتمدنا هذا المعيار فلماذا لم يتعامل ترامب بنفس الطريقة مع الإرهابي المجرم الذي نفذ مجزرة كريس تشيرش في نيوزيلندا؟!

الحقيقة التي لا يمكن الخلاف عليها أن السيسي يريد أن يبقي الإخوان في مساحة قوى الشر التي تستهدف الدولة. والحقيقة الأخرى أن ترامب لا يعنيه من كل هذا إلا زيادة الضغط والتضييق على الإسلام السياسي بشكل عام مع رغبته في قبول السيسي بصفقة القرن دون معارضة. والحقيقة الأخيرة والثابتة أن جماعة الإخوان المسلمين، وعلى الرغم من وقوعها الآن بين مطرقة السيسي وسندان ترامب، لم تكن ولن تكون جماعة إرهابية.