احتجاجات عدن.. كيف أسقطت ادعاء المجلس الانتقالي بتمثيله الجنوبيين؟

أمة الخالق علوي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في وقت يدعي فيه "المجلس الانتقالي" المدعوم إماراتيا بأنه يمثل إرادة الجنوبيين في اليمن، تأتي الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في عدد من المناطق الجنوبية لتكشف "زيف" هذا الادعاء.

فمنذ 11 أيلول/سبتمبر 2021 والمحافظات الجنوبية، بينها عدن وحضرموت ولحج تشهد مظاهرات شعبية وحراكا واسعا؛ احتجاجا على تدهور الأوضاع المعيشية وتردي الخدمات الأساسية والانفلات الأمني وانهيار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية.

وطالب المحتجون برحيل المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، وأطلقوا هتافات مناهضة للتحالف السعودي والإماراتي، الذي يسيطر على عدد من المحافظات الجنوبية، أهمها عدن ولحج وأبين وحضرموت والمهرة وأجزاء من شبوة.

ومنذ سيطرة الإمارات على المحافظات الجنوبية صيف 2015 وهي تشهد تدهورا حادا في الوضع الاقتصادي، حيث تجاوز الدولار ألف ريال يمني، مقابل 600 ريال يمني في مناطق سيطرة الحوثيين (شمال)، وهو الأمر الذي انعكس على قيمة المواد الأساسية بشكل حاد وضاعف من معاناة المواطنين.

وإلى جانب تدهور العملة وارتفاع قيمة المواد الغذائية، فإن هذه المحافظات تشهد تدهورا في الخدمات الأساسية، كانقطاع الكهرباء لأكثر من 10 ساعات يوميا، خصوصا في فصل الصيف الذي تتجاوز فيه درجة الحرارة 50 درجة مئوية.

وكان الجانب الأمني هو الآخر الذي تسبب بانتفاضة الشارع الجنوبي، حيث شهدت عدن انفلاتا غير مسبوق زادت فيه نسبة الجريمة وارتفع معدل الاغتيالات، آخرها مقتل الشاب العائد من الولايات المتحدة عبدالملك السنباني (28 عاما) على يد قوات تابعة للانتقالي في 13 سبتمبر/أيلول 2021 بمديرية طور الباحة في لحج، وهي الحادثة التي أثارت الرأي العام.

استفتاء شعبي

وقال الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي لـ"لاستقلال": إن "الاحتجاجات التي اندلعت في عدن ليست وليدة اللحظة، بل هناك احتجاجات سابقة شهدتها المدينة، غير أن هذه المرة اندلعت في وقت تسيطر فيه جماعات المجلس الانتقالي على المدينة عسكريا و أمنيا".

وأضاف التميمي: "لذلك ينظر الشعب اليمني لما يحدث في عدن على أنه مواجهة حاسمة بين الانتقالي الذي يدعي طيلة الفترة الماضية بأنه يمثل إرادة الجنوبيين، وهذا الشعب الذي خرج بكل وضوح ليرفض هيمنة المجلس التي أثرت على حياته ومعيشته وأورثته الكثير من الآلام والتحديات التي انعكست على المستوى السياسي والأمني والمعيشي".

وعن أسباب تلك الاحتجاجات، أرجعها المحلل السياسي إلى "انعدام المرتبات وانهيار سعر الريال، والأهم من ذلك كله استمرار الاغتيالات والتردي الحاد للخدمات، كل هذه العوامل دفعت بالشعب الجنوبي إلى الخروج وجها لوجه ضد المجلس الانتقالي الذي عطل عودة الحكومة".

وتابع: "لأن المجتمع الدولي الذي يقدم المساعدات في الغالب يتعامل مع الحكومة الشرعية، وغياب الحكومة الشرعية عن عدن وعن اليمن بشكل عام عطل تقريبا المنظومة المالية، وأثر بشكل كبير جدا على مستوى النفقات التشغيلية، وعليه فإن هذه التحديات عكست مدى ثقل هذا المجلس الانتقالي وتأثيره السيء على الحياة في المحافظات الجنوبية".

وعن دلالات تلك الاحتجاجات، أشار التميمي إلى أنها "تمثل استفتاء شعبيا لشرعية الانتقالي"، مضيفا: "في الواقع تشير بوضوح الى أن المجلس الانتقالي بات مرفوضا ومعزولا على مستوى الساحة الجنوبية، وما يحدث اليوم ثورة كاملة في وجه المجلس الانتقالي، ثورة مكتملة الأركان ولها ضحاياها، والدماء سالت في طريقها".

وشدد على أن "الشعب الجنوبي بات ينظر للمجلس الانتقالي اليوم على أنه جماعة مسلحة سطت على خياراته ومستقبله وحاضره وكل شيء في حياته، وبالتالي يجب أن يتوقف وينسحب من الحياة العامة".

وبشأن "خذلان" الشرعية لهذه الاحتجاجات الشعبية، قال التميمي: "الشعب في عدن وغيرها من المدن للأسف الشديد حتى هذه اللحظة لم يتلق دعما مفترضا من قبل السلطة الشرعية التي واجهت تمردا حقيقيا من هذا المجلس المدعوم من الإمارات".

واعتبر أن "ما حدث ويحدث في المحافظات الجنوبية، يشكل أكبر تهديد للمشروع الانفصالي ولمخطط الاستحواذ على المحافظات الجنوبية ومقدراتها الجيوإستراتيجية من مرافق ومواقع إستراتيجية وموانئ".

وأكد أن "هذا المخطط يعبر عنه بشكل واضح سلوك الإمارات والسعودية من خلال الهيمنة العسكرية على مواقع مهمة في المهرة وسقطرى، بالإضافة إلى تعطيل عدن والسيطرة عليها عسكريا بكل ما تمثله من أهمية كبيرة كميناء ذات سمعة دولية كبيرة".

وختم التميمي حديثه بالقول: " مايحدث اليوم في الواقع يشكل تهديدا وتقويضا، لكل هذه الادعاءات نقول بأن ما يحدث في الجنوب هو تعبير عن الإرادة الجنوبية".

قمع وتنكيل

تلك المظاهرات والاحتجاجات الواسعة، قابلتها القوات التابعة للمجلس الانتقالي بشن حملة اعتقالات واستخدمت الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين، ما تسبب في 14 سبتمبر/أيلول 2021، بسقوط 3 قتلى بينهم طفل، وإصابة نحو 11 آخرين في كل من مدينيتي عدن والمكلا عاصمة محافظة حضرموت.

ورغم استخدام القوة المفرطة واستخدام الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين، إلا أن ذلك لم ينجح في إيقاف تلك الاحتجاجات المتواصلة، فقد لجأ المتظاهرون لقطع الشوارع الرئيسة عبر إشعال الإطارات ووضع الأحجار والطوب والمواد الخرسانية.

وعقب فشل المجلس الانتقالي والحزام الأمني في احتواء تلك الاحتجاجات، لجأ إلى إعلان حالة الطوارئ مساء الأربعاء 15 أيلول سبتمبر 2021 على كل المحافظات الخاضعة لسيطرته.

وفي بيان متلفز بثته الوسائل الإعلامية التابعة للانتقالي قال رئيس المجلس، عيدروس الزبيدي: "نهيب بالقوات المسلحة برفع درجة الجاهزية القتالية ورفع حالة الاستنفار إلى أقصى درجة والاستعداد لتنفيذ المهام القتالية دفاعا عن الأرض والعرض والدين والهوية وحشد كل الطاقات لمواجهة المليشيات الحوثية وأي تهديدات ومخاطر أخرى".

وأضاف الزبيدي: "نهيب بالقوات الأمنية أن تضرب بيد من حديد عل كل من تسول له نفسه زعزعة الأمن و الاستقرار و إثارة البلبلة والقلاقل".وعلاوة على إعلان حالة الطوارئ، فقد وجهت السلطة المحلية في المكلا بفرض حالة الحظر المسائي، وشهدت أحياء ومديرية المكلا حالة من الاستنفار من قبل القوات الأمنية في المدينة.

جدير بالذكر أن إعلان حالة الطوارئ قد قوبلت برفض من قبل كيانات سياسية جنوبية، حيث أعلن "تجمع القوى المدنية الجنوبية"، وهو كيان سياسي جنوبي، وقوفه إلى جانب المحتجين ورفض الطوارئ التي أعلنها الانتقالي، وحالة القمع التي يتعرض لها المحتجون.

كما رفض "الاتئلاف الوطني الجنوبي" حالة الطوارئ، وحمل في ذات الوقت المجلس الانتقالي مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية.

علاوة على ذلك، فقد شهدت تلك الاحتجاجات دعم "المجلس الأعلى للحراك الثوري"، وكان رئيس المجلس فؤاد راشد قد أشاد بما سماها "انتفاضة الشباب الأحرار" ضد تردي الأوضاع الاقتصادية وسوء الخدمات.

أما "الحراك الثوري" وهو الكيان السياسي الذي يتزعمه القيادي الجنوبي حسن باعوم، فقد حمل الأطراف الحاكمة للجنوب مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، ودعا إلى "قراءة المشهد بعقلانية واحتواء هذه الأحداث ضمن الممكن، بعيدا عن لغة القمع والعنف وتضييق مساحات الحرية أكثر فأكثر".

وحذر في بيان من أن المعالجات القمعية "ستؤدي إلى مزيد من الغضب والنتائج الكارثية التي لا تعود بالفائدة على أحد". 

وشدد باعوم على أن "تلك الاحتجاجات نتيجة حتمية لسلسلة طويلة من الفشل الإداري في أهم المحافظات المركزية"، لافتا إلى أن "الاحتقان الشعبي الذي يجوب شوارع عدن وحضرموت، يصعب الآن تجاوزه أو التشويش عليه أو شيطنته، كما جرت العادة".