"مذبحة جنين".. هل تكررها إسرائيل بعد تعاظم المقاومة المسلحة في المخيم؟

محمد النعامي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في ساعة متأخرة من ليلة 13 سبتمبر/أيلول 2021، أطلق مقاومون فلسطينيون من جنين، النار والقنابل محلية الصنع على حاجز الجلمة العسكري الإسرائيلي شمالي الضفة الغربية، فيما ردت قوات الاحتلال على الرصاص وجرى تبادل لإطلاق النار.

هذه الاشتباكات باتت حدثا متكررا في جنين شمال الضفة الغربية، وارتقى خلالها 9 شهداء من المقاومين منذ يونيو/حزيران 2021، حيث تغير الوضع الأمني هناك بعد أن كانت قوات الاحتلال تنفذ عملياتها بسلاسة.

وكانت قوات الاحتلال تقتحم وتفتش وتعتقل المواطنين على خلفية نشاطهم السياسي والعسكري وتنسحب دون أي مقاومة على مدار السنوات الماضية وحتى اندلاع معركة سيف القدس (مايو/أيار 2021) بين إسرائيل وغزة. 

وفي ذلك الشهر، وقع اشتباك عنيف بين مقاومين أطلقوا النار تجاه قوة من جيش الاحتلال داخل مخيم جنين، كرد على الجرائم الإسرائيلية في غزة.

واستمرت هذه العمليات لمجموعات عسكرية تابعة للفصائل الفلسطينية، وأبرزها سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، والتي نفذت خلال سبتمبر/أيلول مجموعة من عمليات إطلاق النار على دوريات الاحتلال وحواجزه.

وجاءت العمليات ردا على انتهاكات الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين، انتقاما من تمكن 6 من أسرى سجن جلبوع من الفرار في 6 سبتمبر/أيلول عبر نفق حفروه أسفل السجن شديد الحراسة، قبل أن يعاد اعتقال 4 منهم. 

وسبق ذلك عمليات إطلاق نار على وحدات تقفي الأثر الإسرائيلية على تخوم جنين والقرى المحيطة بها، حسب ما صرحت سرايا القدس.

وأعلنت غرفة العمليات المشتركة للمقاومة في مخيم جنين، 11 سبتمبر/ أيلول استعداد المقاومة لصد أي عدوان إسرائيلي، وخوض معركة شرسة دفاعا عن الأسرى الذين انتزعوا حريتهم والذين وجهت لهم الدعوة لاستقبالهم بما يليق ببطولاتهم في المخيم.

ومن جانبه، قال الناشط في مخيم جنين إسلام -وقد رفض الإفصاح عن اسمه الكامل خوفا من الملاحقة الأمنية-: إن ما يعيشه المخيم اليوم لم يسبق أن عاشه منذ عقدين من الزمن.

فاليوم عادت مجموعات المقاومة المسلحة للشارع مرة أخرى بعد أن اختفت لسنوات طويلة عقب انتهاء معركة جنين الكبرى، التي نجحت إسرائيل خلالها بقمع الفصائل، بحسب ما أوضح لـ"الاستقلال".

وتابع أنه "منذ عدة أشهر بدأت المقاومة بالظهور، وخصوصا خلال حرب غزة حيث حدث عرض عسكري وإطلاق نار جنوب المخيم".

 ورغم انتهاء العدوان، زادت المقاومة في جنين، حيث بدأت بالتصدي للاقتحامات الإسرائيلية للمخيم، وهذا الأمر لم يعتد عليه جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.

وأوضح أنه في مقابل عمليات الاشتباك بدأت حملة أمنية شرسة تجاه المخيم باعتقالات واسعة وبشكل يومي وحملات دهم وتفتيش عن الأسلحة.

 وباتت عمليات الاقتحام حدثا يوميا ثم تطورت حتى أصبحت تنفذ عمليات اغتيال داخل المخيم كاغتيال جميل العموري أحد كوادر حركة الجهاد المطلوبين للاحتلال في يونيو/حزيران 2021. لذلك شكلت المقاومة مجموعات لرصد أي اقتحام.

وأضاف: "السلطة الفلسطينية لها دور معاون للاحتلال، فرغم أنها لا تستطيع أن تنفذ عمليات اعتقال واشتباك مباشرة ضد الفصائل المسلحة، فإنها تؤدي دورا استخباريا ضمن التنسيق الأمني، ولكن بشكل غير مباشر".

على سبيل المثال وسيلة النقل للمقاومين هي الدراجات النارية لسرعتها وصعوبة ملاحقتها وعدم وجود لوحة مركبة عليها، فيستخدمونها لسرعة تجمعهم واحتشادهم في أماكن محددة، لكن السلطة تصادر هذه الدراجات.

خطر كبير 

وشدد أن سر قوة المقاومة في جنين هي وحدتها؛ حيث لها قيادة واحدة توجه المقاومين وتشرف على صد الاقتحامات وتتخذ تدابير أمنية لتحمي المخيم من المخبرين وقوات المستعربين.

وهذه الوحدة تنعكس في الشارع أيضا بين الأهالي والمواطنين حيث الروح الوطنية العالية واحتضان الأسر الفلسطينية هؤلاء المقاومين.

وتتركز المخاوف الإسرائيلية بتزايد قوة جنين واضطرارها لخوض معركة جديدة معها على غرار معركة عام 2002 والتي انتهت بمقتل 23 جنديا إسرائيليا واستشهاد 52 فلسطينيا من ضمنهم مقاومون.

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي أن "تاريخ جنين حافل منذ الانتداب البريطاني ثم ضد الكيان الصهيوني وخلال كل مراحل المقاومة الفلسطينية كانت حاضرة، وهذا التاريخ والروح الوطنية فيها عززت هذه الحالة النضالية التي نشهدها اليوم".

بالإضافة إلى موقع جنين الجغرافي في أقصى شمال الضفة الغربية، ما أضعف قدرة السلطة وأجهزتها الأمنية على ضبط الأمور فيها، وهو ما ساعد الفعل النضالي أن يتواصل ويتطور.

وأضاف لـ "الاستقلال": "الاحتلال شرع بعمليات توغل يومي واعتقال واغتيال في جنين ومحيطها بالإضافة للعمل الاستخباري الخفي لجلب المعلومات عن كافة مكونات الحالة النضالية، وضمن ذلك تعاون السلطة الأمني".

وهو ما يعزز من قدرة الاحتلال على شن عمليات الاعتقال ومحاولة إحباط مناشط المقاومة في جنين.

وأكد النعامي أن إسرائيل تخشى أن تنتقل هذه الحالة الثورية لمناطق أخرى، سيما أن المواجهات في هذه الفترات أصبحت حدثا شبه يومي في معظم مناطق الضفة.

فعمليات إطلاق النار لا تقتصر على جنين، بل كذلك حدثت في رام الله والخليل، مع فعاليات الإرباك الليلي في قرية بيتا قرب نابلس بجانب عمليات الطعن بالقدس.

وشدد على أن إسرائيل باتت تدرك أن هناك تعاظما للعمل المقاوم، ليس فقط في جنين بل في كافة أنحاء الضفة الغربية، لذلك تسعى لقمع هذه العمليات وزيادة التعاون الأمني.

وأشار المحلل العسكري في صحيفة "معاريف"، طال ليف رام، إلى أن اشتباكات جنين المسلحة "تحولت إلى أمر اعتيادي، حيث أصبح المخيم هو الأكثر عنفا في المناطق (المحتلة)"، وفق تعبيره.

وبين  أن السلطة الفلسطينية لا تدخل إلى المخيم حتى من أجل فرض النظام، "تحسبا من مواجهات مع مسلحين".

القسام يتوعد 

في خطاب لأبي عبيدة الناطق باسم كتائب القسام  الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، 11 سبتمبر/أيلول، أكد أن "مخيم جنين وثواره ليسوا وحدهم، ولن نسمح للعدو بالتغول عليهم وسنقوم بواجبنا الديني والوطني تجاههم”.

من جانبه، قال: يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني فايز أبو شمالة أن تهديد كتائب القسام بدخول المعركة دفاعا عن جنين في حال حصول حملة أمنية ضد المخيم هو أمر طبيعي، بعد أن فشل الاحتلال في عزل غزة ومقاومتها عن باقي أنحاء فلسطين.

وأضاف  في حديث لـ "الاستقلال": "جنين باتت مدينة محررة كغزة محررة من الاحتلال وأيضا من السلطة وبذلك فقد أسست مرحلة جديدة من المقاومة في الضفة الغربية".

 وهو ما يخشى الاحتلال أن يكون نواة لتغيير كامل في الضفة وتحولها لساحة مواجهة مسلحة، ولذلك كان التهديد من كتائب القسام التي تريد لهذه المقاومة أن تستمر وتطوي صفحة محاصرتها والتضييق عليها هناك.

وأكد أن "رعب الاحتلال من تحول جنين لنموذج مقاومة ينتقل لكافة المدن قد يدفعه لعملية واسعة ضد المدينة، كما حدث في عام 2002 (السور الواقي) ولكن معركة مثل هذه بعد تهديد كتائب القسام ستتحول لمواجهة واسعة مع المقاومة في غزة وكذلك ستكون بمثابة انتفاضة في الضفة والقدس والداخل".

 ولذلك تعمل إسرائيل الآن بشكل علني على تقوية السلطة وتسليحها ومنع انهيارها وزادت تمويلها خلال الفترة الأخيرة حيث قدمت لها 800 مليون دولار لتتفادى أزمتها المالية.

وتابع: "خطة إسرائيل تقضي بأن تزج السلطة الفلسطينية بدورها المعتاد في مواجهة شعبها وطمس المقاومة بدل أن يفعل الاحتلال ذلك.

 وهو ما سيؤجج الروح الوطنية وسيصعد المقاومة بشكل كبير في وجهه من عدة جبهات، ونتائج حملته لن تكون مضمونة بسبب احتضان جنين لمقاوميها". 

وبدوره قال الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي داود شهاب في حديث لـ "الاستقلال": إن سرايا القدس والمقاومة في الضفة تمر بمخاض صعب، فهناك تعقيدات كبيرة جدا وظروف ملاحقة واسعة.

وبين أن الاحتلال يفرض رقابة شديدة على كل حركة وسكنة في الضفة والقدس والداخل المحتل.

وأكد شهاب أنه بالرغم من ذلك فالمقاومة تسعى جاهدة لاستعادة  قوتها، كما أن إستراتيجيتها هناك تقوم على عدم انتظار تغيير الظروف، بل محاولة التغيير وفرض معادلة جديدة على الاحتلال من خلال وجودها على الأرض وفي قلب الحاضنة الشعبية وبين جماهيرها.

وأضاف: "إلى حد ما نجحت المقاومة في فرض هذه المعادلة في مخيم جنين بشكل خاص، وهذا يرجع لعدة عوامل، أهمها البيئة الاجتماعية والنضالية، وهي التي جعلت من المخيم على مدار الوقت قلعة وقاعدة للعمل المقاوم في شمال الضفة الغربية".

وشدد على أن عملية سجن جلبوع أحدثت حالة ثورية في الضفة أثرها قوي في المواجهات وفي المسيرات الغاضبة والاشتباكات عند نقاط التماس وبعض عمليات إطلاق النار على الحواجز.

وأكد أن "هذا مؤشر مهم جدا على تصاعد المقاومة في الضفة وستزداد وتتسع وتصبح أكثر قوة وتطورا خلال الفترة المقبلة".