"إستراتيجية السيسي" لحقوق الإنسان.. حين يكون الحفل بمصر والعين على الغرب

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في "زفة إعلامية" حضرها وزراء ونواب وسفراء أجانب وإعلاميون ومنظمات مجتمع مدني، أطلق رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي "الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" التي جاءت في 160 صفحة.

رغم أنها تسمى إستراتيجية حقوق الإنسان، فقد غابت عنها الحريات المتعارف عليها دوليا، وجرى حشر مفهوم جديد لهذه الحقوق سبق أن روج له السيسي، يقوم على أمور تنموية واقتصادية وحقوق غير المسلمين.

ماهية الإستراتيجية

الإستراتيجية التي تضم أربعة محاور، بدأت بالحقوق المدنية والسياسية، ما يعني أن هناك إقرارا بأهميتها وأسبقيتها.

 ومع هذا غاب الحديث في صفحاتها حول تدعيم حقوق الإنسان الفعلية وأي توصيات بشأن إنهاء القمع والاعتقالات في مصر.

والمحاور الثلاثة الأخرى هي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ثم حقوق المرأة والطفل وذوي الإعاقة وكبار السن، ثم محور التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان.

لذا ركزت الإستراتيجية على مبادئ اقتصادية كالعمل والتضامن الاجتماعي، وظهرت كامتداد لمبادرة "تكافل وكرامة" لمعاشات غير القادرين، بدلا من التركيز على إصلاح الحريات والحقوق.

وظهر بها خلط واضح بين "حقوق الإنسان" وبين "الواجبات" المترتبة على الدولة لأداء أدوارها الأصيلة في رعاية مصالح شعوبها، ما يؤكد عدم نية أي تغيير إستراتيجي في تعامل نظام السيسي مع المعارضة، خاصة الإسلامية.

بدا أن الهدف من هذه الزفة هو الدعاية والاستعراض أمام العالم لا المصريين، ببروباغندا جرى حشد الإعلام المصري والأجنبي لها، وكان المقصود توجيه "رسالة" للخارج أكثر منه الداخل.

فتوقيت الحفل الذي تأجل إطلاقه منذ يوليو/تموز 2021 إلى سبتمبر/أيلول 2021، جاء بالتزامن مع اجتماعات الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان، كما جاء بالتزامن مع احتمالات سفر السيسي لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسعيه لترتيب لقاء مع الرئيس الأميركي جو بايدن.

وتبين أن الأمر هدفه مغازلة الغرب وتخفيف الضغط الخارجي، خصوصا بعد بيان الـ 31 دولة غربية لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان في مصر 12 مارس/آذار 2021 والذي يطالب بوقف تكميم الأفواه واعتقال الناشطين والمعارضين.

وجاءت وسط حديث أميركي عن حجب 300 مليون دولار من معونة مصر العسكرية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.

هذا يفسر لماذا تم إسناد الإشراف على هذا الملف لوزارة الخارجية، وتحديدا السفير أحمد إيهاب جمال الدين مندوب مصر الدائم في جنيف، حيث مجلس حقوق الإنسان الذين تدين تقاريره القاهرة  غالبا، ويتولى هو مسؤولية الرد.

بلا حقوق

قراءة صفحات الإستراتيجية الـ 160 تبين بوضوح غياب أي إعلان لخريطة طريق واضحة لإطلاق الحريات المدنية والسياسية وتحسين أوضاع المعتقلين أو العفو عنهم.

فقد أهملت نهائيا ملف المعتقلين والمعارضين والممنوعين من السفر ومصادرة الأموال وغيرها من صور معاقبة المعارضين، وملف حرية التعبير والتظاهر والاعتصامات وحرية الإعلام المقيدة.

حاولت "الإستراتيجية" وضع مفهوم مختلف لحقوق الإنسان يتضمن تطوير الخطاب الديني وحريات غير المسلمين وكبار السن والنساء وتطوير العاصمة الإدارية.

لم تتضمن أي حديث عن انفتاح سياسي، وإلغاء "تأميم السياسة" الذي فرضه السيسي منذ انقلاب 2013، أو السماح بحرية تكوين الأحزاب الفاعلة والنقابات المؤثرة والجمعيات المعارضة للسلطة.

قدم النظام ممثلا في وزير الخارجية سامح شكري، والسفير أحمد إيهاب جمال الدين، عرضا لمبادئ وبنود الإستراتيجية، التي وضعتها الخارجية.

مصادر دبلوماسية وإعلامية حضرت جلسات وضع هذه الإستراتيجية أبلغت "الاستقلال"، أن الخارجية وضعت بها بعض فقرات مهمة عن حقوق الإنسان.

لكن المخابرات والأمن الوطني "حذفا في المراجعة النهائية بنودا طموحة وضعتها الخارجية أملا في إرضاء الغرب"، فجاءت الإستراتيجية خالية من أي حقوق أو حريات.

خلال جلسات النقاش ركز البعض على ضرورة معالجة "قضية الحبس الاحتياطي" خصوصا الحقوقي نجاد البرعي الذي طالب بتعديل التشريعات الخاصة بالأمر، لكن "الإستراتيجية خرجت خالية من ذلك"، كما تقول المصادر لـ "الاستقلال".

بعض من شارك من الحقوقيين والسياسيين والإعلاميين في جلسات النقاش في مايو/أيار 2021 تحدثوا عن "ضرورة إصلاح بعض ثغرات السجون، خصوصا تلك الموجود بها المحبوسون احتياطيا"، دون جدوى.

البعض الآخر تحدث عن ضرورة إعادة العلاقات الطيبة بين الدولة ومنظمات المجتمع الدولي، بما فيها بعض المنظمات التي صارت تعمل من خارج مصر، لكن لم يأت ذكر ذلك في الإستراتيجية كما قال مصدر صحفي لـ "الاستقلال".

عماد الدين حسين رئيس تحرير صحيفة "الشروق"، عضو مجلس الشيوخ، الذي حضر بعض هذه اللقاءات التحضيرية قال في مقال كتبه 12 سبتمبر/أيلول 2021: إن من حضروا المناقشات حرصوا على استبعاد التعامل مع "منظمات الإخوان".

كتب أن بعض من شاركوا في مناقشة الإستراتيجية قالوا: إن "المنظمات الحقوقية الإخوانية والمتعاطفة معهم المشكوك في تعاونها أو إدارتها من قبل الإخوان لا أمل يرجى منها"، وحسب أحد المشاركين فإن "العوض على الله فيها".

ممن حضروا المناقشات: عبد المنعم سعيد وعصام شيحة وماجد عثمان ونهى بكر وطارق سعدة ونهاد أبو القمصان ونجاد البرعي وعماد الدين حسين وغيرهم من الدبلوماسيين من وزارة الخارجية المصرية والصحفيين وحزبيين مؤيدين للسلطة.

عبارات مطاطة

ما ورد في الإستراتيجية حول "الحقوق السياسية والمدنية" جاء في قسم ضئيل للغاية لا يتعدى 5 ورقات، وتمت صياغته في عبارات مطاطة خالية من أي تعهدات واقعية بتحسين أوضاع حقوق الإنسان.

بالمقابل تم تخصيص الجزء الأكبر من المبادئ لما وصفته الإستراتيجية بـ "الحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، التي تتعلق في الأساس بالدور الوظيفي لأي سلطة في العالم تجاه شعبها، كالمرافق الصحية والتعليمية والبنية التحتية.

صحيفة "العربي الجديد" نقلت عن مصادر 12 سبتمبر/أيلول 2021 أن "الرؤية المستقرة لدى السيسي ودائرته حول قمع الحريات والحقوق، انعكست على الصياغات الأخيرة التي خرجت بها الإستراتيجية" بعد التنقيح.

أكدت أنه تم حذف كل المبادئ والبنود التي تتضمن بعض الاستجابة أو تفاعلا مع المطالب الحقوقية والعقلانية للتعامل الإيجابي مع المعارضين في الداخل والخارج، والتي وضعتها اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان التابعة لوزارة الخارجية.

وجرى الاكتفاء فقط ببعض المبادئ الهامشية والسطحية التي لا تنعكس إيجابا على وضع المجال العام. 

اكتفت الإستراتيجية بالإشارة لتشديد شروط الحبس الاحتياطي للأطفال فقط، كما ذكرت باقتضاب "تعزيز ضمانات ضوابطه ومبرراته"، من دون توضيح آلياتها.

ورفض مقترح استحداث قاض خاص مختلف عن النيابة العامة للنظر في جدية اتهاماتها لتحريك الدعاوى الجنائية، كما هو الحال في بعض الدول الأوروبية للحد من سلطات النيابة ودعم استقلالها واستقلال قاضي الاتهام.

كما حذف مقترح لتعديل قانون الإجراءات الجنائية، للتوسع في بدائل الحبس الاحتياطي، مثل الغرامة والخدمة المجتمعية والعمل لصالح جهات حكومية من دون أجر، والتدابير الاحترازية كالمنع من مغادرة مكان معين أو المنع من السفر.

اكتفت الإستراتيجية بإشارة مطاطة إلى "النظر في تضمين القانون المزيد من البدائل تكنولوجيا"، والمقصود بها استخدام وسيلة لمراقبة الشخص المحددة إقامته في محيط مكان معين. 

كما تغاضت اللجنة الاستخباراتية في مراجعتها النهائية عن مقترح يتضمن وضع شروط لتنفيذ أحكام الإعدام بما يحقق تعطيل معظمها في بعض أنواع القضايا، وعدم التوسع فيها، خصوصا بعد تنفيذ عشرات الإعدامات.

أثار حديث السيسي خلال مؤتمر إطلاق الإستراتيجية عن حرية الاعتقاد وقبوله الرأي الآخر، جدالا بين من اعتبروا ما قاله جزءا من "مصالحة" تنويها السلطة، ومن أكدوا أن عقيدة رئيس النظام هي القمع، وأن المصالحة "أوهام".

في حديثه اتهم السيسي جماعة الإخوان المسلمين، دون ذكر اسمها، إنها "ظلت تنخر في عظم وعقل ووعي الإنسان في مصر منذ 90 عاما".

لكن في موضع آخر عن حرية الاعتقاد، وزعمه رفضه الصدام مع الأزهر بسبب الطلاق الشفهي، قال: "أنا مش مختلف مع دول (أي من يرفضون العقيدة).. مش مختلف مع الفكر الآخر ولكن بشرط يحترم مساري ولا يتقاطع معي ولا يستهدفني".

كان بذلك يتحدث عن ضرورة قبول الآخر (من المنظور الديني فقط) والحرية الدينية وحرية عدم الاعتقاد في أي ديانة، لذا قال: "نحترم الاعتقاد وعدم الاعتقاد واللي عايز يؤمن يؤمن واللي مش عايز ميؤمنش".

هذا الخلط بين تصريحات السيسي، دفع بعض المواقع الصحفية والفضائيات لتصور أنه فتح باب المصالحة مع الإخوان في كلمته وأعلن القبول بوجودهم، بشروط ثلاثة، وفسرها ناشطون على هذا المعنى.

مصادر حكومية وأمنية رسمية نفت لموقع "العربي الجديد" 12 سبتمبر/ أيلول 2021 إطلاق مبادرة، سرية أو علنية، للحوار مع جماعة "الإخوان المسلمين" وعودة المعارضين في الخارج بعد حديث السيسي.

قالت: إن السيسي ماض في رفض عودة "الإخوان" بأي صورة إلى أجل غير مسمى "لارتباط هذا الأمر بالشرعية التي بنى عليها حكمه في الأساس".

لا انفراجة

رد عدد من الحقوقيين ورموز المجتمع المدني على "الإستراتيجية"، بإعادة نشر وثيقة تبنتها مؤسسات وحركات مختلفة تشمل سبع خطوات واجبة التنفيذ قبل أي حديث عن أوضاع حقوق الإنسان والحريات.

خمس منظمات حقوقية قالت: "نعيد التذكير بـ 7 خطوات أساسية وملحة يجب تنفيذها قبل الحديث عن أي انفراجة في ملف حقوق الإنسان".

يرى الحقوقي نجاد البرعي، أن "البند السادس من تلك الخطوات، المتعلق بسحب قانون الأحوال الشخصية، قد تم بالفعل والبند الخامس، المتعلق بإنهاء الملاحقة الجنائية للحقوقيين بدأت إجراءات تنفيذه.

وفي تغريدة على تويتر، دافع البرعي عن "الإستراتيجية قائلا: إنها لا تعني حل كافة المشاكل غدا، وهي ليست إعلان مصالحة وطنية شاملة أو عفوا عاما، وإنما مجرد إعلان نوايا من الحكومة يتعين ترجمته إلى إجراءات تنفيذية سريعة تثبت أن احترام حقوق الإنسان أصبح واقعا".

مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت، قال لموقع "مدى مصر" 12 سبتمبر/ أيلول 2021: إن "أبجديات حقوق الإنسان ما زالت غائبة عن المشهد وعن أولويات الرئيس والحكومة وعما نقلته الصحف عن فحوى الإستراتيجية".

"بهجت" اعتبر كلمة السيسي وكل ما نشر عن الإستراتيجية هو "بمثابة تشخيص خاطئ للتحديات التي تواجهها البلاد".

قال: إن "أبجديات حماية حقوق الإنسان هي وقف الانتهاكات، ومحاسبة القائمين عليها وتعويض ضحاياها لمنع تكرارها، ولكن ما سمعناه اليوم هو أن الشعب هو المشكلة لأنه يعاني من التخلف وكثرة الإنجاب وعدم الوعي".

وقال مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد، لموقع "مدى مصر" 13 سبتمبر/ أيلول 2021: إن هذه الإستراتيجية" تتعمد الاستناد على تشخيص خاطئ ومضلل".

أوضح أنها "تغاض عن ممارسات الدولة المناهضة للقانون، ومن ثم تصل إلى نتائج خاطئة ومضللة بدورها".

"اتحاد القوى الوطنية المصرية" المعارض في الخارج قال: إن هذه الإستراتيجية هدفها الدفاع عن السلطة وتبرير انتهاكات حقوق الإنسان، وليس للدفاع عنها، وتجاهلت كل الانتهاكات الصارخة لحقوق المصريين.

قال في بيان 11 سبتمبر/أيلول 2021: إن نظام السيسي لا يستمع لعشرات التقارير الحقوقية المصرية والدولية التي وثقت الآلاف من وقائع الانتهاكات، ولم يتخذ إجراءات وقرارات لوقفها.

مؤسس صحيفة المصري اليوم، الناشط السياسي هشام قاسم، ألمح إلى أن سبب الإعلان عن إطلاق إستراتيجية لحقوق الإنسان وإقامة احتفال هو "قرب البت في المعونة العسكرية الأميركية".

أكد أن إطلاق إستراتيجية حقوق الإنسان "جاء بنتيجة عكسية، فقد تم في وقت تزدحم السجون بآلاف مساجين الرأي والسياسيين أو من تشتبه الأجهزة الأمنية في ممارستهم لهذا الحق، وكذلك بعض أقاربهم بل ومعارفهم".

ووصف عبر سلسلة تغريدات على حسابه على تويتر، احتفالية إطلاق الإستراتيجية بأنها "كانت مصطنعة، وكل كلمة فيها تمت مراجعتها قبل تنفيذها".

كما استبعد نية السيسي إقامة "مسار سياسي" لأن هذا "يتنافى مع عقيدته الإدارية وأساسها مدرسة الإدارة العسكرية".

وانتقد قول السيسي أن 2011 كانت شهادة وفاة للدولة، مؤكدا "أنها كانت شهادة وفاة للحكم العسكري، ولكنه (رئيس النظام) قرر استحضار روحه حين خرج علينا ببدلته العسكرية ليعلن ترشحه للرئاسة في انتخابات مدنية سياسية.

اتهمه بأنه "أعاد إحياء شبح الدولة العسكرية، الذي أصبح انصرافه هو الحل الوحيد لتتقدم هذه وتتجاوز ابتلاء 70 عاما من الحكم العسكري".