حرب اجتماعية.. صحيفة تركية: الإمبريالية العالمية تعيد صناعة الإسلاموفوبيا

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحدثت صحيفة تركية عن مناهضة "ممثلي الإمبريالية العالمية" الإسلام لما يحويه من مبادئ، ضمن سياسة التدخل الغربي في شؤون العالم.

وقالت صحيفة "يني شفق" في مقال للخبيرة في مجال الاتصالات ووسائل الإعلام، عائشة تشاغلايان: "على عكس المعروف عن سبب ظهور الإسلاموفوبيا، ينبع هذا القلق والعداء من حقيقة تشكيل الإسلام أقوى نموذج مضاد لاستمرار الإمبريالية العالمية".

وأردفت: بدأ الغرب يرى في نفسه الحق في التدخل في شؤون العالم بعد أن أسس معداته التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية بنهج عقلاني قائم على المصالح العلمانية. 

حرب اجتماعية

واستشهدت هنا بكتاب للناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن بعنوان: "العقل والفضيلة: المخيلة الاجتماعية لتركيا".

وجاء في الكتاب أنه "لا شك، من الواضح أن روح التكبر والاستغناء تساعد على تبني مثل هذه المقاربة تجاه الوجود والطبيعة، وكذلك الشعوب والثقافات الأخرى".

أدت هذه المقاربة إلى ولادة العملية الإمبريالية التي كانت في البداية قمعية ثم أصبحت مسيطرة، وأقامت نظاما دوليا أعطى للغرب دورا مركزيا وسخر السبل لنموه. 

غير أن هناك نوعين من التحديات التي تواجه هذا النظام: الخطوات التكنولوجية لروسيا والصين والهند، والمقاومة الثقافية للجغرافيا الإسلامية، وفقا للكاتبة التركية.

وتابعت: لمواجهة هذه التحديات، يتخذ الغرب تدابير وقائية مختلفة.

وبما أنه يركز في معاركه على الجبهات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعسكرية والسياسية، من المهم تحليل التدخلات المنهجية المطبقة على الجغرافيا الإسلامية من هذا المنظور.

ويطلق الكاتب التركي يوسف تشاغلايان مصطلح "الحرب الاجتماعية" على تدخلات القوى الغربية التي تصمم البنى الاجتماعية. 

وفي كتابه الذي يحمل نفس الاسم، يوضح تشاغلايان أن المجتمعات الإسلامية تملك القوة الجيوسياسية التي تشكل حصنا منيعا ضد الهيمنة الإمبريالية، ويؤكد أن هذا هو ما يثير قلق الغرب.

وأضافت الكاتبة: يشكل الإسلام أقوى نموذج مباشر ضد سلطة الغرب الثقافية، وأفضل نموذج غير مباشر ضد النظام العسكري والاقتصادي والسياسي الذي فرضه الغرب بما أنه القاسم المشترك لدول الشرق الأوسط وإفريقيا والبلقان والقوقاز والمجتمعات الآسيوية. 

لذلك نجد أن جوهر المخاوف الغربية والصراعات المستمرة يكمن في هذه الإمكانات الجيوسياسية، وهنا تماما تبرز أهمية صناعة الإسلاموفوبيا. 

فالقوى الإمبريالية التي ترغب في الحفاظ على النظام والوضع الراهن، استغلت مخاوفها وقلقها من الإسلام وحولت الأمر إلى إستراتيجية إسلاموفوبيا تعمل من خلاله على تشويه صورة الإسلام لعرقلة الإمكانات والقدرات المذكورة أعلاه.

صناعة التصور الخاطئ

وتعتبر أن الإسلاموفوبيا عبارة عن عملية تهدف إلى رسم تصور محدد عند الرأي العام العالمي. 

إذ يتم التغطية على قوة الإسلام الحقيقي ذي الأبعاد المختلفة مثل العقيدة والثقافة والحضارة والقانون، بستار مصنوع من الأحداث والعمليات والمنظمات المتطرفة؛ لرسم تصور موحد عن الإسلام ونشره. 

وتقول: وهكذا، ينشغل الرأي العام العالمي - بما في ذلك المجتمعات الإسلامية - بتصور مشوه خاطئ عن الإسلام ويتبناه بدلا من أن يكون تصوره الخاص من خلال اختباره بنفسه مباشرة. 

وفي هذا، يمكننا القول بأن المنظمات الإرهابية ذات المظهر الديني توفر الكثير من الأدلة الداعمة لهذا التصور.

وعلى الرغم من أن ظهور مفهوم الإسلاموفوبيا بدأ مع هجمات 11 سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة، فإنه في أصله نتاج لخلفية عقلية قديمة. 

إذ يعود الفكر المعادي للإسلام المتجذر في الاستشراق والذي يعرفه المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد بـ "تشريق الشرق"، إلى النصوص المكتوبة بعد "رحلة" القائد العسكري الفرنسي نابليون بونابرت إلى مصر عام 1798، تلفت الكاتبة التركية.

وهكذا، تعرض الشرق ـ وبالطبع الثقافة والحضارة الإسلامية ـ لإعادة تشكيل الخطاب بدلا من إنتاج المعرفة على حد تعبير سعيد. 

كذلك يحكي سعيد أنه يتم رسم تصورات أحادية الجانب عن الإسلام من خلال الروايات وكتب التاريخ والقصص المصورة والمسلسلات التلفزيونية والأفلام وحتى في الأعمال الموجهة للأطفال.

وتعلق: كما ترون، كانت أنظمة الإعلام الأداة الأكثر فاعلية في تشغيل السياسات الإمبريالية وتنفيذها. 

وفي هذا، صرح المخرج الفرنسي جان لوك غودار بتصريح يدعو إلى إعادة التفكير، إذ قال: "فعلت سينما هوليوود ما لم يستطع الإسكندر الأكبر وقيصر ونابليون فعله، وسيطرت على الكون".

وتستدرك قائلة: والحق أن أنظمة الإعلام تتميز بقوة تأثير وتفاعل مختلفة عن التقنيات الأخرى بخاصيتين أساسيتين: الطبيعة الرمزية لمنتجاتها، والقدرة على إعادة إنتاج الواقع غير مرة. 

وهاتان هما ما تجعلان من وسائل الإعلام صناعة وعي تستهدف العالم العقلي والعاطفي للإنسان.

واقع آخر

وترى تشاغلايان أن البشر أصبحوا أمام وهم "الواقع" مع الاتصال المرئي. وتستغل المنظمات الإعلامية هذا الأمر من جهتين. 

فهي من الناحية الأولى تبني الصورة المثالية التي ستخلق قوتها الثقافية الخاصة، وتخلق "آخرين" متخلفين وسيئين وخطرين لإضفاء الشرعية على أنشطتها من الناحية الأخرى.

وتؤكد هذه المنظمات على هذه القوالب النمطية في منتجاتها الإعلامية المختلفة وتضعها في سياقات مختلفة حتى أصبحت المجتمعات المهمشة تصنف وتعرف نفسها بأنها "الآخر" وتقبل بذلك واقعا. 

واللافت أن الفرد والمجتمع يصبحان هدفا وموضوعا لمكونات هذا التلاعب في معادلة الإعلام والسياسة الاقتصادية.

وتتابع الكاتبة: أما وسائل التواصل الاجتماعي، فتوفر تدفقا سريعا ومستمرا للمعلومات حتى أصبحت أدوات عملية لطرح المعلومات الخاطئة بشكل متعمد حول الأشخاص أو الأحداث أو البلدان.

وترى أن العملية لا تتعلق بالتعمق في معرفة الأحداث أكثر منها بسماع معلومة ما.

ويدفع هذا بالناس إلى إدراك ضحل وموحد وتبني ردود فعل عاطفية، ويمنع التفكير بأبعاد مختلفة.

وفي الفترة الأخيرة، أصبح الإسلام والجغرافيا الإسلامية موضوع التأثير المضلل لوسائل الإعلام وتلاعبها. 

إذ تستمر هذه المنظمات في ربط الحضارة الإسلامية القديمة مع موضوعات التخلف والهمجية واضطهاد المرأة والعنف والإرهاب والجهل من خلال منتجاتها الإعلامية بشكل منهجي، لتشكيل الإسلاموفوبيا في الأذهان، تنوه الكاتبة.

وتعقب: وفي هذا، ذكر في كتاب "صناعة الإسلاموفوبيا" الصادر عن رئاسة الشؤون الدينية في تركيا أن المنظمات المتطرفة في الإعلام تنتج سرديات تهدف إلى إثارة المخاوف تجاه المسلمين وإكساب الشرعية للأعمال المعادية للإسلام. 

ويلخص كل هذا ما قاله عالم الأنثروبولوجيا الباكستاني أكبر أحمد: "لم يهدد المسلمين شيء في التاريخ بقدر ما يفعل الإعلام الغربي".

وتستدرك: أما أفغانستان فتشهد تطورات من شأنها أن تؤدي إلى صعود الخطاب المعادي للإسلام مرة أخرى في الوقت الذي تنزل فيه الستار على المشهد الأخير من التدخلات الإمبريالية التي تعرضت لها لعقود طويلة. 

لزوم الحل السريع

واستطردت تشاغلايان: فعلى الرغم من أن العالم شهد مأساة إنسانية أخرى بأيدي الإمبريالية العالمية، فإنه يتم التلاعب بتصور الرأي العام العالمي ليصب في صالح صناعة الإسلاموفوبيا.

 إذ سرعان ما انتشرت صور أعضاء حركة طالبان في المدينة مع استيلائهم على كابول وانسحاب الولايات المتحدة (31 أغسطس/آب 2021).

وجرى تصوير الأمر وكأن المظهر الخارجي لأعضاء طالبان وخلفيتهم العقلية مع الأسلحة المحملة على أكتافهم يمثل الإسلام الحقيقي، وفق الكاتبة.

وتابعت: "استخدمت صور الأفغان وهم يتشبثون بالطائرة الأميركية ثم يسقطون منها في ذات السياق. وهكذا تحولت كل هذه الصور التي أرفقت بتعليقات عن القسوة والجهل، دون الحديث عن الاضطهاد الذي تعرض له الشعب الأفغاني لسنوات".

وتابعت قائلة: بعد ذلك، تصدرت الصحف فجأة عناوين حول حجاب المرأة الأفغانية وأرفقت صور النساء بالخمار بحكايات درامية. 

وأصبحت تصريحات طالبان حول الحقوق التي ستمنحها أو لن تمنحها للنساء في الحياة الاجتماعية تحظى بشعبية كبيرة، وكأن هذا الأمر هو المشكلة الوحيدة التي تواجه أفغانستان في وضعها هذا.

وأعاد هذا الشكل من التغطية الإعلامية للأمر، تقارير وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أيه) التي نشرها موقع ويكيليكس إلى الأجندة. 

إذ نجد في التقرير المذكور أن هناك اقتراحا يطرح مناقشة أجندة أفغانستان وربطها بقضايا المرأة لتبرير الاحتلال الأميركي وتقليل الانتقادات ضدها من خلال الضرب على وتر النسوية خاصة في المجتمعات الغربية.

وتردف الكاتبة: الحق أن النقاشات بقيت تحت تأثير هذا التصور حتى في تركيا. إذ تحولت النقاشات إلى موضوع ضحل حول "العلمانية" بتجاهل الأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والاضطرابات التي سببتها الإمبريالية في أفغانستان لعقود. 

بعد ذلك، صعد تنظيم الدولة إلى المنصة راسما صورة مروعة لصقت بالدول الإسلامية دون فكاك: صورة من الإرهاب والدم والمأساة الإنسانية.

وختمت تشاغلايان مقالها قائلة: كما ترون، بدأت عجلات صناعة الإسلاموفوبيا في الدوران مرة أخرى. 

أضف إلى ذلك موجة المعلومات المضللة التي تقودها وسائل التواصل الاجتماعي. ويظهر لنا هذا أن الولايات المتحدة تهدف إلى مواصلة إستراتيجياتها الإمبريالية على الرغم من هزائمها العسكرية. 

وبعبارة أخرى: نحن نشهد مرحلة تحول ستؤدي إلى دورة جديدة أكثر منها نهاية الإمبريالية الأميركية في أفغانستان، بحسب تقديرها. لكن، ما الذي يجب أن نفعله أمام هذا الهجوم الجديد المعادي للإسلام؟

وتوضح: "لا بد أن تكون الخطوة الأساسية هي التأكد من وعي الجغرافيا الإسلامية بالقوة الجغرافية والثقافية والجيوسياسية للإسلام".

 إضافة إلى استعادة دور تمثيل الإسلام من المنظمات الإرهابية، وإنشاء شبكات اتصال تظهر حقيقة الإسلام وتشغيلها بفعالية على وجه السرعة، بحسب ما تراه الكاتبة التركية.