أزمات دولية متلاحقة.. هل تنجح أمريكا في تقويض نظام إيران؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رفعت الولايات المتحدة الأمريكية من حدة التصعيد مع إيران، بعد قرار إدارة الرئيس دونالد ترامب في 8 أبريل/ نيسان 2019، تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، وتعد هذه المرة الأولى التي يتم على أساسها وضع جيش نظامي على قوائم الإرهاب.

وقبل ذلك، قررت هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، المعروفة بمجموعة العمل المالي (FATF) في 22 فبراير/ شباط 2019، إعطاء طهران أربعة أشهر مهلة، لإجراء التعديلات اللازمة، لتجاوز إشكالية الدعم المالي للإرهاب والتطرف، ومكافحة غسل الأموال.

وقد صرح وزير الخزانة الأمريكي والرئيس الدولي لمجموعة العمل المالي الدولية، أنه "إذا لم تقر إيران القوانين الملزمة خلال هذه الفترة، فسيتم اتخاذ إجراءات ضدها بشكل تلقائي".

ورغم أن هذه العقوبات ليست مستجدة على دولة، تقبع في الأساس تحت وطأة تنمر دولي، وعقوبات قديمة ومستمرة، لكن شدتها وتلاحقها في هذه الفترة ربما يحمل أبعادا مختلفة، ومؤثرة على منطقة الشرق الأوسط التي تمور بالأزمات والحروب الطاحنة في سوريا، واليمن، والعراق، وليبيا.

الحرس الثوري إرهابيا

القرار الذي اتخذه البيت الأبيض في 8 أبريل/ نيسان 2019، بتصنيف قوات الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، يعد الأول من نوعه الذي تحدد فيها الولايات المتحدة وحدة رسمية لدولة أجنبية في دائرة الإرهاب.

وتمثل رد الحكومة الإيرانية في اعتبار القيادة المركزية الأمريكية منظمة إرهابية، حيث نشرت وكالة أنباء "فارس" بيانا لمجلس الأمن القومي ورد فيه "أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي إجراء متقابل ردا على الخطوة غير القانونية والبعيدة عن الحكمة للإدارة الأمريكية اليوم، تعتبر نظام الولايات المتحدة الأمريكية دولة راعية للإرهاب والقيادة المركزية الأمريكية وجميع القوات التابعة لها جماعة إرهابية".

وأشار البيان إلى أن "هذه القيادة تتحمل مسؤولية تنفيذ السياسات الإرهابية للإدارة الأمريكية ضد منطقة غرب آسيا، وقد عرضت الأمن الوطني الإيراني للخطر بهدف تمرير السياسات العدائية للولايات المتحدة".

وفي تقرير نشره مركز "كارنيجي" لدراسات الشرق الأوسط بعنوان "ترزح إيران أساسا تحت وطأة العقوبات الأمريكية، فهل سيُضيف تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية أي جديد إلى ذلك؟".

ونقل "كارنيجي" عن الباحث في برنامج روسيا وأوراسيا، ريتشارد سوكولسكي قوله: إن "إيران تعدّ إحدى الدول الأكثر تعرضا للعقوبات الشديدة على وجه الأرض، كما أن الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس التابع له عالقان أساسا في لجج هذه الدوامة".

وأكد سوكولسكي، أن "هذه العقوبات أدت إلى توقف جميع التعاملات التجارية والاستثمارات الأجنبية في إيران تقريبا، لكن من يعتقد أن هذا القرار سيجبر الجهات الفاعلة الإقليمية المنخرطة مع الحرس الثوري الإيراني والمعتمدة عليه لضمان أمنها، على قطع هذه العلاقات، أو أن طهران ستحد من هذه الأنشطة، لا يفهم لا الديناميكيات الإقليمية ولا الإيرانية الداخلية".

وأردف: "باختصار، هذا التصنيف ليس سوى خطوة رمزية بحتة تخلو من أي عوائد، وتنطوي على العديد من المخاطر بالنسبة إلى المصالح الأمريكية في المنطقة".

وقد ذكر مركز الجزيرة للدراسات في تقرير نشره بتاريخ 9 أبريل/ نيسان 2019، أنه عقب تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية بثت المواقع الإخبارية الإيرانية تسجيلا يعود إلى العام 2017، تحدث فيه مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، عن وجود مطالب وشروط ترفضها إيران، تتعلق بنشاط الحرس الثوري وحضوره الإقليمي.

وفي المقطع، قال خامنئي خلال لقاء حضره عدد من قادة الحرس الثوري: "من المعلوم أن أميركا مستاءة من الحرس، هل تتوقعون أن تكون راضية عن فيلق القدس وعن قادة الحرس الفعَّالين في الميدان؟ بالتأكيد سيثير ذلك استياءهم وسيضعون شروطا هنا وهناك للحد من عوامل اقتدارنا".

وأضاف: "إنه تماما كمن يدعو فريق المصارعة لدينا للمشاركة في بطولة العالم بشرط استثناء لاعبين بعينهم من المسابقة، وهذا في حقيقته دعوة إلى الهزيمة. إن فرض شروط مثل ألا يتدخل الحرس في القضايا الإقليمية يشبه تلك الدعوة؛ وذلك يعني منع مصادر القوة والاقتدار من أن تكون حاضرة في الساحة، نحن علينا أن نجيب بالعكس وعلينا أن نعلي من أهمية اقتدارنا على الصعيد الأمني والعسكري".

القائمة السوداء

تنتهي في يونيو/ حزيران 2019، المهلة التي أعطتها مجموعة العمل الدولية المعنية بالإجراءات المالية الخاصة (FATF)، لإيران للمصادقة على الاتفاقيات الدولية وسن القوانين المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إذ تتصدر إيران القائمة السوداء للمجموعة.

وقالت (FATF)، في بيانها: "إذا لم تفعّل إيران التشريعات المتبقية، فإن مجموعة العمل المالي، ستحتاج إلى زيادة الفحص الإشرافي، لفروع المؤسسات المالية، والوحدات التابعة لها، التي مقرها إيران".

وخلال العامين الماضيين سعت حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني، إلى إقناع البرلمان، ومجلس صيانة الدستور، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، بأهمية الانضمام إلى معاهدة (FATF)، و"باليرمو"، ومعاهدة مكافحة تمويل الإرهاب (CFT)، لكنها لم تحصل على الموافقة بالانضمام بسبب معارضة المتشددين في المؤسسات الحكومية.

وفي 29 سبتمبر/ أيلول 2018، قال وزير المواصلات والإعمار الإيراني عباس آخوندي: "إنه على إيران أن تكون عضوا في مجموعة العمل المالي لتستفيد من الأبعاد الاقتصادية".

ومن أبرز الذين يدعمون توقيع إيران على المعاهدة وزير الخارجية محمد جواد ظريف، ولكن الجمعية الطلابية الإسلامية المستقلة في جامعة العلامة الطباطبائي بالعاصمة طهران، وهي إحدى التشكيلات الهامة في التاريخ الإيراني الحديث قبل الثورة وبعدها، قد ردت في بيان لها على تصريحات ظريف.

وقالت في بيانها: "لقد زعمتم أن انضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي سيسهم في زيادة الشفافية، ونحن نوافقكم في هذا ولكن هذه الشفافية لن تكون لصالح مؤسسات بلادنا وشعبها، بل ستخدم المنظمات الجاسوسية التي تعمل لصالح أعدائنا".

ضربة عسكرية

وعلى ضوء التوترات المتصاعدة بين واشنطن وطهران، توقع الرئيس السابق لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيراني محمد سرافراز،  في 3 مايو/ أيار 2019، أن "تهاجم الولايات المتحدة الأمريكية، إيران بعد شهر رمضان، وإن سلطات الجمهورية الإسلامية تعرف هذه المعلومة".

وأكد سرافراز في لقاء مع عبد الرضا دواري المقرب من الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، أن "وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، يبحثان عن حرب مع إيران".

ورأى رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون السابق، أن "المسؤولين الإيرانيين لاحظوا ذلك أيضا، وأن بعضهم يقول إنه ينبغي فتح طريق للتفاوض مرة أخرى، فيما يقول البعض الآخر إن المواجهة العسكرية العنيفة هي الحل".

وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، الجمعة الماضية، تصريحات لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، قال فيها: "إنه من غير المرجح أن يكون هناك صراع مسلح بين إيران، والولايات المتحدة في المستقبل القريب"، غير أن الوزير الإيراني عاد وأكد، أن "وقوع بعض الأحداث في الخليج الفارسي ومضيق هرمز قد يؤدي إلى زيادة احتمال وقوع صراع مسلح".

أروقة مضطربة

أحدثت استقالة ظريف في 26 فبراير/ شباط 2019، بشكل مفاجئ، زلزالا في أروقة الدولة الإيرانية، سرعان ما احتواه الرئيس الإيراني حسن روحاني، برفضه الاستقالة، وعدول ظريف عن موقفه، ولكنه خلف العديد من التساؤلات حول حقيقة أسباب الاستقالة، وعن طبيعة ما يدور في الكواليس، من خلافات بين التيارات الحاكمة لإيران.

وفي 5 مارس/شباط 2019، حسم الجدل عندما نقلت وسائل إعلام إيرانية، تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي، الذي قال: "إن وزير الخارجية محمد جواد ظريف قدم استقالته، بسبب عدم إبلاغه بزيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران الأسبوع الماضي".

وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد، قد حل ضيفا على طهران في 25 فبراير/ شباط 2019، ووفق المصادر الإيرانية، فإن زيارة بشار الأسد إلى إيران لم يتم الإعلان عنها، إلا في أضيق الحدود، وباستثناء بعض الأشخاص إلى جانب قاسم سليماني قائد قوات فيلق القدس، وهو من التيار الثوري المحافظ.

وعلى جانب آخر، لا شك أن ارتفاع التهديد والتصعيد ضد إيران، والذي تمثل في الحشد الدولي ضدها في مؤتمر وارسو، الذي عقد في 14 فبراير/ شباط 2019، وروّج فيه وزير الخارجية الأمريكي بومبيو لإسرائيل، وحشد الحشود ضد إيران، إضافة إلى الضربات التي تلقاها الحرس الثوري، المؤسسة الأمنية الأقوى في البلاد، تجعل من مساحة المناورات ضيقة ومحدودة، وأن النظام الإيراني يواجه مرحلة صعبة، قد يتجاوز تأثيرها حدود البلاد، إلى مستقبل المنطقة برمتها.