ألمانيا والأنظمة العربية.. عندما تتعارض الأخلاق السياسية وأسواق المستهلك

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أكد موقع قناة "دويتشة فيله" الألمانية أن برلين تواجه تحديات كبيرة في الالتزام بتعهداتها بدعم حقوق الإنسان والديمقراطية، بسبب مصالحها التجارية والعسكرية في الشرق الأوسط.

وتؤكد وزارة الخارجية الألمانية على صفحتها الرئيسة أن "السلام والأمن، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، والالتزام بالتعددية" مبادئ توجيهية للسياسة الخارجية الألمانية.

إلا أنها تستدرك بعد بضعة أسطر  أن ألمانيا، كدولة تجارية، لها مصلحة خاصة في سياسة اقتصادية خارجية فعالة "تساعد الشركات على الاستفادة من الأسواق الدولية وتحسين ظروف ممارسة الأعمال التجارية".

إذن ماذا يحدث عندما يتعارض هذان المبدآن الأساسيان؟ يتساءل الموقع.

ورحبت الحكومة الألمانية بالاحتجاجات الجماهيرية والسعي من أجل الديمقراطية فيما أصبح يعرف بـ "الربيع العربي"، حتى لو انتهت تلك الحركة بشكل عام بالفشل والإحباط. 

علاوة على ذلك، من الشائع سماع سياسيين ألمان يدينون انتهاكات حقوق الإنسان في العالم الناطق بالعربية، بما في ذلك التعذيب، وسجن ناشطي المعارضة واضطهاد المرأة.

السياسة الداخلية

كما استقبلت ألمانيا أيضا حوالي 770 ألف لاجئ سوري وقدمت لهم دعما سريعا.  

لكنها وفي الوقت نفسه، عملت بجد لبناء علاقات تجارية مع دول مثل مصر والمملكة العربية السعودية.

وهي بلدان، في ضوء سجلاتها في مجال حقوق الإنسان، كان ينبغي على ألمانيا أن تتجنب إقامة علاقات تجارية قوية معها، وفق تقدير الموقع.

لكن الأسوأ وفق التقرير هو غض طرف الساسة الألمان في كثير من الأحيان  عن هذه السجلات في مقابل التجارة المربحة في المعدات العسكرية مع هذه الدول.

يقول جويدو شتاينبرغ الخبير في شؤون المنطقة في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: إن العدد الكبير من اللاجئين وحده يجعل من الصعب التقليل من أهمية مصالح ألمانيا الحيوية لعلاقاتها في الشرق الأوسط. 

وأضاف شتاينبرغ لـ"دويتشة فيله": "في عام 2015، شهدنا كيف يمكن للأحداث في الشرق الأوسط ككل، بما في ذلك شمال أفريقيا، أن يكون لها تأثير كبير على الوضع المحلي في ألمانيا".

ويعتقد أن على ألمانيا أن تأتي بتعريف أوضح لمصالحها، ويحدد في هذا الإطار ثلاث أولويات.

أولا: منع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة، ثم تجنب تدفق اللاجئين على نطاق واسع من خلال تعزيز الاستقرار الإقليمي، وثالثا: صياغة إستراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب.

ومن بين أولئك الذين يدعون إلى "نهج أكثر قوة تجاه العالم العربي" كرستين مولر، خبيرة الشرق الأوسط في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية. 

وفي حديثها إلى الموقع، تساءلت أولا وقبل كل شيء عن السبب وراء مبيعات الأسلحة إلى الإمارات العربية المتحدة.

وقالت: إن "الإمارات هي أكبر شريك تجاري لألمانيا في المنطقة، حتى إن الجانبين يحافظان على ما يسمى شراكة إستراتيجية".

وعلى الرغم من أن الإمارات منغمسة بعمق في حرب اليمن، فلا يزال بإمكانها شراء أسلحة من مصادر أوروبية وألمانية.

صادرات بالمليارات

يبدو أن ألمانيا لديها القليل من الخطوط الحمراء عندما يتعلق الأمر بصفقات الأسلحة مع شركاء مشكوك فيهم. 

هذا هو الاستنتاج الذي يمكن استخلاصه من بيان صدر في وقت سابق من العام 2021 عن وزارة الاقتصاد ردا على سؤال طرحه حزب الخضر.

وفقا للبيان، في عام 2020، أعطت الحكومة الألمانية الضوء الأخضر لصادرات أسلحة تبلغ قيمتها حوالي 1.16 مليار يورو (1.36 مليار دولار) إلى دول متورطة في الصراع في اليمن أو ليبيا.

وهذه الدول: مصر وقطر والإمارات والكويت والأردن والبحرين، وكذلك تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو".

كما انتقدت كرستين مولر بشدة الصفقات المحتملة مع المملكة العربية السعودية، والتي تم تعليقها مؤقتا، وهو إجراء تعتقد أنه كان يجب أن يأتي قبل ذلك بكثير.

وأوضحت أنه "بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي (أكتوبر/تشرين الأول 2018 في قنصلية بلاده بإسطنبول)، تعرضت المملكة إلى أزمة وتم فرض الكثير من الضغط ووقف صفقات السلاح".

وتستدرك: "في رأيي، كان دورها في حرب اليمن أو حتى سجلها المقلق في مجال حقوق الإنسان كافيا لفرض حظر شامل على شحنات الأسلحة إليها".

ويشير التقرير: "ليست سياسة الأسلحة في برلين غير متسقة فحسب، بل إنها تتعارض أيضا مع إرشاداتها الخاصة بصادرات المعدات العسكرية".

والتي تحظر في أوقات النزاع أو الأزمات تسليم المعدات العسكرية إلى ما يسمى بالدول الثالثة التي لا تعرف على أنها ليست أعضاء في الاتحاد الأوروبي أو الناتو.

وفي غضون ذلك، تتزايد الضغوط في ألمانيا لإعادة تقييم سياسة البلاد في الشرق الأوسط.

مسؤولية غائبة

تواجه ألمانيا انتخابات برلمانية متوترة في نهاية سبتمبر/أيلول 2021، والتي ستشير أيضا إلى نهاية فترة أنجيلا ميركل التي استمرت 16 عاما في منصب المستشارة الألمانية. 

وأيا كان من سيظهر كزعيم جديد، فسيواجه تحديات كبيرة في التعامل مع الولايات المتحدة التي تبدو مستعدة لمواصلة الضغط على برلين للعب دور أكثر حسما على المسرح الدولي.

ومن المتوقع بشكل متزايد أن تتحمل ألمانيا المزيد من المسؤولية بما في ذلك في الشرق الأوسط، حيث كان لها حتى الآن دور ثانوي كوسيط للصراع، كما هو الحال في ليبيا.

يواجه المجتمع العالمي تحديا وجوديا غير مسبوق في تغير المناخ، والذي لا يمكن احتواؤه أو مكافحته إلا إذا تم تطوير الأسواق والأخلاق لتعزيز بعضها البعض. 

وكما هو الحال في أجزاء كثيرة من العالم، يتعرض الشرق الأوسط أيضا للتهديد من جراء تصاعد عدد الأحداث المناخية القاسية.

ستيفان لوكاس الأستاذ المحاضر في أكاديمية القوات المسلحة الألمانية للشرق الأوسط في هامبورغ يصف تلك الأحداث المناخية بأنها "عوامل تسريع لمشاكل موجودة بالفعل". 

ويخشى لوكاس أن يزيد ذلك في زعزعة الاستقرار في المنطقة، مما يدفع المزيد من الناس للانضمام إلى العديد من اللاجئين الذين يحاولون بالفعل شق طريقهم إلى أوروبا.

ويحذر بالقول: "هذا بالطبع يتركنا في مواجهة مشكلة كبيرة، لأننا إذا بدأنا بإخبار ليبيا أو السعودية أو الإمارات بضرورة ترك نفطها تحت الأرض، فلن يستمعوا إلينا، لأن عائداتهم مستمدة بشكل أساسي من النفط والغاز".

ويقول: إنه لا يوجد بديل لمواءمة الأسواق والأخلاق، مضيفا: "خلاصة القول هي أنه من الضرورات الأخلاقية والاقتصادية لأوروبا أن تساعد دول الشرق الأوسط على الخروج بخيارات وحوافز جديدة وخاصة بمجال الاقتصاد".

ويضيف: أن تغير المناخ يمكن أن يصبح "طريقا نحو بناء سلام متعدد الأطراف".

ويرسم لوكاس رؤية طموحة قائلا: "يمكن لاتفاق منسق بشأن البيئة والمناخ أن يطلق تحركا نحو تعاون سياسي أكبر. وهذا بدوره، يمكن أن يساعدنا في بناء جسر بين الأخلاق، من ناحية، والأنانية المدفوعة بالسوق الأخرى".