تيسير المعيشة أم زيادة التقشف.. ما خطة حكومة ميقاتي لإنقاذ اللبنانيين؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تواجه الحكومة اللبنانية الجديدة التي أبصرت النور في 10 سبتمبر/ أيلول 2021 بعد أكثر من عام على تفجير مرفأ بيروت، انهيارا اقتصاديا غير مسبوق تعاني منه البلاد منذ عامين، حيث بات 78 بالمئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر.

وتنتظر حكومة نجيب ميقاتي (65 عاما) التي تتألف من 24 وزيرا مهمات صعبة، جراء تداعيات انهيار اقتصادي صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، حيث يشترط المجتمع الدولي مقابل دعمها ماليا تطبيق إصلاحات جذرية في مجالات عدة.

ورغم أن معظم وزراء الحكومة لا ينتمون إلى أي تيار سياسي علنا، ولم يخض أغلبهم غمار السياسية سابقا، فإن الأحزاب وقادة سياسيين كانوا وراء تسميتهم، ما يجعلهم محسوبين عليهم، ما أثار تساؤلات عن فرص هؤلاء في انتشال البلد من أزمته الاقتصادية الخانقة.

طرق الأبواب

وفي أول كلمة له، تناول نجيب ميقاتي، المنحدر من مدينة طرابلس (شمال) أزمات البلد الاقتصادية، ونقص الدواء والكهرباء وغياب أفق المستقبل، وبدا خلالها متأثرا ودامعا. ودعا الجميع إلى التعاون، ثم أكد أن الحكومة لا تريد الغرق في التسييس.

وقال رئيس الحكومة: "سأتصل بالهيئات الدولية لنؤمن أبسط أمور الحياة" للمواطنين، مضيفا "لن نفوت فرصة من دون أن ندق أبواب العالم العربي".

وتابع: "إننا بحاجة إلى العالم العربي وأن نعيد أن نوصل ما انقطع"، في إشارة ضمنية إلى دول الخليج خصوصا السعودية التي كانت تعد الداعم الأبرز للبنان قبل أن يتراجع دعمها تدريجيا امتعاضا من دور "حزب الله" المدعوم من إيران.

ولفت إلى أنه "لا يمكننا الإتيان باختصاصيين وحدهم، من دون أن تكون لهم انتماءات وأتمكن من معالجة المشاكل المطروحة"، في إشارة إلى الغطاء السياسي الذي يفترض أن تتمتع به الحكومة لاتخاذ قرارات مصيرية.

ويقع على عاتق الحكومة الجديدة التوصل سريعا إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي كخطوة أولى لإخراج لبنان من أزمته التي تتسم بنقص السيولة وبأزمات حادة في الوقود والكهرباء تنعكس على كل جوانب الحياة.

وفي السياق، أكد النائب علي درويش عضو كتلة "لبنان الوسط" التي يرأسها ميقاتي، خلال تصريحات صحفية في 12 سبتمبر/ أيلول 2021 أن "ثمة فرصة لنجاح الحكومة الجديدة التي تلقى قبولا داخليا وتعاطفا دوليا".

واعتبر درويش أن "مهمات الحكومة قابلة للتنفيذ إذا حسنت نيات الأطراف السياسية، وقدموا الدعم لأعضائها الذين يتمتعون بمصداقية عالية".

وحدد برنامج عمل الحكومة، بالقول: إنه "لن يكون مثقلا بالوعود، بل محددا بالتصدي للأزمة الاجتماعية، ومواجهة جائحة (كورونا) وآثار انفجار مرفأ بيروت، والتحضير للانتخابات التشريعية، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي بشأن الإصلاحات".

من جهته، رأى الباحث والأستاذ الجامعي سامي نادر خلال تصريحات صحفية في 10 سبتمبر/أيلول 2021 أن أمام الحكومة عمليا "عنوانا واحدا تتوجه إليه وهو صندوق النقد الدولي؛ لأن لا طريق آخر للخروج من الأزمات، وأن تكون مستعدة لتطبيق خطة اقتصادية وإصلاحات وقادرة على فعل ذلك".

وأضاف نادر قائلا: "إذا كان المنطق الذي ساد عملية تشكيل الحكومة لناحية المحاصصة سيطغى على أدائها، فهذا الأمر لا يبشر بالخير إطلاقا",

واعتبر أن "استمرار منطق المحاصصة والصراع على كل إصلاح وكل قرار يعني أننا سنبقى في المكان ذاته الذي كنا فيه مع حكومة تصريف الأعمال".

ولفت الباحث إلى أن "الطباخين ذاتهم (الطبقة السياسية) هم الذين شكلوا الحكومة"، معربا عن اعتقاده بأن "الخوف الحقيقي هو ألا يتمكن النظام التشغيلي للتشكيلة الجديدة من إنتاج شيء جديد".

عمر قصير

وعلى الصعيد ذاته، رأت الباحثة رابحة سيف علام خلال مقال نشره مركز "الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام" في 11 سبتمبر/ أيلول 2021 أن حكومة ميقاتي يتوقع لها أن تكون قصيرة الأمد - لنحو تسعة أشهر لحين انعقاد الانتخابات القادمة- ولكن يقع على كاهلها مهام عديدة.

ولعل أبرز هذه المهام- بحسب الباحثة- يتمثل في الإسراع بالتفاوض مع المؤسسات الدولية للحصول على التمويل اللازم لتوفير احتياجات البلاد من الوقود والغذاء والدواء وتخليص المواطنين من عبء طوابير الانتظار الطويلة.

كما يتعين على هذه الحكومة الإسراع في إصدار وتوزيع البطاقات التمويلية التي ستتزامن مع رفع الدعم المرتقب عن عدد كبير من السلع الأساسية في مقابل حصر الحصول عليها بالسعر المدعوم لحاملي هذه البطاقة.

وأضافت: بالتالي فإن تشكيل الحكومة لن يؤدي بشكل مباشر إلى تحسين الظروف المعيشية، بل سيسرع من عملية رفع الدعم دون استكمال إجراءات الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر عرضة للتضرر من رفع الدعم.

 وهو ما يوحي بأن الحكومة ستكون مجبرة على اتخاذ خطوات تقشفية بمجرد مباشرة عملها، وأن البيان الحكومي المنتظر لن يكون إلا ترجمة لهذه الخطوات التقشفية القاسية ولن يكون لديها حرية حركة أكثر من ذلك.

وتوقعت الباحثة أن تشهد هذه الحكومة استئناف علاقاتها مع دمشق على الأقل على المستوى التقني لتسهيل الحصول على الطاقة.

ورغم أن العلاقات مع سوريا كانت خلافية خلال سنوات الحرب السورية وانخراط حزب الله بها وتدفق اللاجئين إلى لبنان منها، فإن دمشق أصبحت اليوم محطة عبور إجبارية للوقود الذي تحتاجه بيروت.

وتوصلت إلى أنه رغم التفاؤل بهذه الخطوات الإيجابية، يظل الترقب واللا يقين يخيمان على لبنان خلال الأشهر القادمة، فإجراءات رفع الدعم المتسارعة قد تلقي بمزيد من اللبنانيين تحت خط الفقر وتدفع إلى ردود فعل غاضبة في الشارع.

فيما قد تؤدي المفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلى تحميل المودعين اللبنانيين خسائر إضافية بدلا من تحميلها لتحالف المصارف التجارية مما قد يؤثر على قيمة مدخرات الأفراد في البنوك ويؤدي لتحمل الشعب اللبناني فاتورة السياسات المالية الفاشلة التي باشرتها النخبة الحاكمة منذ انتهاء الحرب اللبنانية.

وخلصت الباحثة إلى أن "حكومة ميقاتي لا تحمل عصا سحرية لحل كل الأزمات دفعة واحدة، ولكنها بالتأكيد أفضل من الفراغ الحكومي الذي أدى إلى تدهور الوضع المعيشي خلال الشهور الماضية.

ويبقى التحدي الرئيس لهذه الحكومة هو طرح حلول مبتكرة وغير تقليدية للخروج بلبنان من سلسلة الأزمات المزمنة التي يعاني منها، وفق تقديرها.

تفاؤل حذر

وبخصوص فرص النجاح في إنهاء الأزمة الاقتصادية، قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، يوسف دياب، خلال حوار تلفزيوني في 10 سبتمبر/ أيلول 2021: إن حكومة ميقاتي سياسية انبثقت من ذات القوى التي أوصلت البلد إلى "قعر جهنم" فكيف لهذه القوى أن تنهض بالبلد مرة أخرى؟

وأضاف: "السؤال المنطقي: ماذا ستقدم هذه الحكومة للبنانيين، وهل ستنتقل الصراعات بين قوى السلطة في الشارع والمنابر إلى مجلس الوزراء وتكون حكومة مفخخة وقابلة للانفجار من الداخل؟".

وأوضح دياب أنه "عندما نادى (رئيس الوزراء الأسبق) سعد الحريري بحكومة مستقلة عن القرار السياسي، فهو أراد أن تكون منسجمة من فريق عمل واحد لا تأثير للقوى السياسية عليها، واليوم هناك اعتراف واضح بأن حكومة ميقاتي تمثل التوازنات السياسية في البلد".

وتابع: "لذلك نذكر أن القوى السياسية التي تشكلت منها الحكومات في المرحلة السابقة كانت فاشلة بامتياز ولم تقدم أي إنجاز للشعب اللبناني سوى الإخفاقات والانهيار، وهناك خشية حقيقة من أن تكون هذه الحكومة شبيهة بالتي أطيح بها في ثورة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019".

 كما يخشى الكاتب أيضا أن تكون حكومة طبق الأصل عن تشكيلة رئيس الوزراء المكلف السابق حسان دياب، التي كانت موضع مقاطعة عربية ودولية وفاقدة للثقة من الداخل اللبناني.

وأعرب دياب عن اعتقاده بأن "الكثير من القوى الممثلة في هذه الحكومة لا تريد الإصلاح الحقيقي في البلد.

ويستدل على ذلك بأن "كل البرامج موضع النقاش مع صندوق النقد الدولي، كانت على نقيض من مواقف القوى السياسية التي دخلت اليوم في الحكومة، وبالتالي عن أي إصلاح نتحدث في المرحلة المقبلة؟".

وفي موازاة ذلك، قال المحلل السياسي اللبناني، ميشيل أبو نجم، خلال حوار تلفزيوني في 10 سبتمبر/ أيلول 2021: "صحيح أن هناك تقاطعات وخلافات قوية بين القوى الممثلة في البرلمان، إلا أن حكومة ميقاتي ولدت من النفس الإيجابي المختلف والمقاربة المختلفة".

ورأى أبو نجم أن "المهم اليوم هو طريقة تعاطي الحكومة مع الأزمة الاقتصادية والبرنامج الذي ستعتمده للتعافي المالي والإصلاح، لأن هناك ثقة مفقودة في أداء الدولة اللبنانية".

ويرى أن "على الحكومة أن تسعى لاستعادة هذه الثقة إزاء المجتمعين العربي والدولي، إذا كنا نريد فعلا للإصلاح أن يتم والخروج من الانهيار الكبير الذي في لبنان".

وتواجه حكومة ميقاتي الكثير من التحديات، أبرزها: رفع الدعم عن المحروقات، تحرير سعر صرف الدولار، إقامة انتخابات برلمانية وبلدية، التفاوض مع صندوق النقد الدولي وغيرها من التحديات.

وكانت العديد من الدول العربية والغربية المهتمة بمساعدة لبنان، وهي: فرنسا، الأردن، مصر والعراق، قد وعدت بمساعدة البلاد على الأصعدة كافة عند تشكيل الحكومة اللبنانية.