محمد الباز.. مصري يمتهن "الصحافة الصفراء" أباح دماء معارضي السيسي

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

عندما وقع انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013 في مصر، وسحقت الآلة العسكرية منظومة الحكم الديمقراطي، حرص رئيس النظام عبد الفتاح السيسي على تصعيد مجموعة مختلفة من الإعلاميين، كجزء من البنية السلطوية الجديدة.

كان من أبرز من اختارهم السيسي بعناية ودقة، الصحفي محمد الباز، الذي ظهر خلال سنوات معدودة كواحد من أهم الإعلاميين التابعين للنظام والمقربين من رئيسه. 

حمل الباز لواء الدفاع عن رئيس النظام على طول الطريق، ومن أخطر تصريحاته في هذا الصدد ما قاله بأن "الأثر النفسي في حال فشل السيسي، سيكون أكبر من أثر نكسة 1967 عند المصريين". 

وكان الباز من أوائل المنتقدين لتقرير أصدرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، في 7 سبتمبر/ أيلول 2021، وتحدث عن عمليات القتل المشبوهة والإعدامات خارج القضاء على يد قوات الأمن المصرية، والذي رصد قتل 755 مواطنا مصريا دون وجه حق في وقائع مختلفة.

وصف الإعلامي المذكور التقرير بالمشبوه والمسيس، وبرر ما أقدمت عليه وزارة الداخلية في تصفية مئات المعارضين، وهو ما يتناسب مع مسيرة طويلة للباز اتسمت بالتحريض والتضليل والإثارة في مقالاته وكتبه وبرامجه. 

شخصية متناقضة

محمد الباز ولد في دمياط (شمالي مصر) 12 ديسمبر/ كانون الأول 1973، ثم تخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة، وبدأ في مسار الصحافة القومية، وتنقل بين أروقتها حتى وصل إلى درجة رئيس تحرير جريدة الفجر التي يديرها الصحفي المصري المثير للجدل عادل حمودة.

دخل إلى الإعلام المرئي، وقدم مجموعة من البرامج أبرزها "90 دقيقة" على قناة المحور الفضائية، المملوكة لرجل الأعمال حسن راتب، وبرنامج "باب الله" على قناة الغد الفضائية، الذي روج من خلاله للصوفية ومنهجها وارتباطها بالسلطة.

الباز يشغل حاليا منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة الدستور الصحفية، وكذلك يقدم برنامج "آخر النهار" على قناة النهار الفضائية، التابعة لجهاز المخابرات العامة، وبرنامج "مش حسبة برما" على إذاعة "نغم إف إم" بمدينة الإنتاج الإعلامي. 

ويعمل محمد الباز، أستاذا بكلية الإعلام في جامعة القاهرة، بعد أن حصل على درجة الماجستير والدكتوراه من نفس الجامعة. 

وقد حصل الصحفي المصري على درجة الدكتوراه في يناير/ كانون الثاني 2009، وأحدثت مناقشته للرسالة حالة جدل آنذاك، تناقلتها بعض الصحف، مثل "عرب تايمز".

وقالت الصحيفة: "استمرت مناقشته للدكتوراه من الساعة التاسعة مساء وحتى الساعة الثانية صباحا تقريبا، بإشراف الدكتورة عواطف عبد الرحمن المشرفة على الرسالة، وهي أستاذة الإعلام التي انتهجت الشيوعية سابقا". 

وأضافت أن "محمد الباز، اختار تيار الإثارة في الصحافة المصرية، ليكون موضوعا لرسالته، وحدد فترتها بين عامي 1977 و2007"، وأوردت أن "اختيار الباز لهذا الموضوع لم يكن غريبا، ولا مدهشا، حتى أن أساتذته لم يندهشوا؛ فهم يعرفونه جيدا، يعرفون أنه ينحاز إلى هذه النوعية من الصحافة فهو واحد من الذين شاركوا فيها".

وتابعت: "فهو عمل لسنوات طويلة بجوار عادل حمودة الذي خصه بأكثر من 16 صفحة في رسالته باعتباره واحدا من أهم صناع هذه الصحافة".

دفع ذلك الأمر المشرفة على الرسالة لسؤاله عن السبب في اختيار عادل حمودة، وقالت: إنه انتقاه لانتمائه المهني إليه، ولأنه ينحاز كذلك إلى صحافة الإثارة ويدافع عنها؛ فهي جزء من تكوينه المهني والحياتي أيضا.

ومن هذا المنطلق لا يمكن فصل محمد الباز أكاديميا عن ممارسته المهنية الفجة، كأحد أقطاب صحافة الإثارة والغرائز في مصر، كما هو حال أستاذه عادل حمودة.

ولا يمكن أن يطلب من الباز أن يكون محايدا وهو يناقش أساليب الصحافة الصفراء، وهو طرف فيها، فكثير من القضايا التي عالجتها الصحف كانت من بنات أفكاره، ومن خط بنانه، بحكم موقعه في الصحف التي عمل بها.

كتب الجنس والدين

خط الصحافة المعتمدة على أخبار الجنس والإثارة لدى الباز، تطور إلى إصدار كتب متخصصة في ذلك السياق، حيث ألف أكثر من 50 كتابا، منها كتاب "حدائق المتعة"، الذي طبع عام 2006، وحاول فيه الخلط بين كتب التراث التي تتحدث عن الرسالة الجنسية.

ودلل على أن التراث الإسلامي يحتوى على حديث مطول عن المسألة الجنسية بلا عيب أو حياء، وهو ما عرضه لانتقادات وهجوم من علماء الأزهر آنذاك.

وكذلك أخرج كتابا بعنوان "الفريسة والصياد" عام 2008، تناول فيه العلاقات المحرمة بين رجال الأعمال والفنانات.

وظهر الكتاب أيام قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم داخل شقتها في دبي الإماراتية 28 يوليو/ تموز 2008، ثم اتضح لاحقا تورط رجل الأعمال المصري هشام طعت مصطفى في قتلها، بعد أن استعان برجل أمن مصري متقاعد يدعى محسن السكري.

وهي قضية شغلت الرأي العام العربي زمنا بسبب تفاصيلها المروعة من قتل وتمثيل بالجثة، وكذلك الشخصية الرئيسة المتورطة فيها كان له علاقة وطيدة بالسلطة الحاكمة زمن الرئيس المعزول حسني مبارك، وقد منع تداول هذا الكتاب من قبل النيابة العامة، بدعوى عدم التأثير على سير القضية. 

في الثاني من أبريل/ نيسان 2016، تسبب الباز في غضب الرأي العام المصري، عندما أدلى بتصريحات لجريدة "النبأ" عن زواج مسلمات مصريات بمسيحيين.

وقال: "أنا أعرف أكثر من بنت مسلمة ارتبطت بعلاقة عاطفية مع شباب مسيحي، ثم ذهبوا إلى قبرص وتزوجوا زواجا مدنيا وعادوا، ويعيشون الآن كأزواج طبيعيين في مصر"، ما اعتبر تحريضا على هذه الوقائع التي تخالف أسس الشريعة الإسلامية.

وانخرط الباز ضمن نخبة الإعلاميين الذين انتقاهم النظام للهجوم على شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، في إطار خلافات الأخير مع السيسي.

وقال الإعلامي المذكور خلال العام 2016: إن هناك توترا كبيرا جدا بين الطرفين سببه الدكتور الطيب.

وأضاف: "علمي أن مؤسسة الرئاسة غير راضية عن الأزهر، وهناك وجه شبه بين (السياسي والدبلوماسي السابق محمد) البرادعي والطيب، فكلاهما تخلى عن مصر، كما أن الطيب يدافع عن الإخوان (المسلمين)". 

محرض على القتل 

لا ينفصل الباز عن آلة الإعلام العسكري في مصر، وهو ما ظهر في 31 يوليو/ تموز 2019، عندما كشفت وثائق وتقارير إعلامية أصدرها مركز الإعلام العسكري في إدارة الشؤون المعنوية بوزارة الدفاع، تم تسريبها من خلال موقع "الجزيرة نت"، عن حجم التخوفات والترصد من أجهزة الدولة للإعلام المعارض.

وكشف التقرير آنذاك استخدام الشؤون المعنوية للقوات المسلحة المصرية، وسائل إعلامية لمتابعة اتجاهات الرأي العام وأداء القنوات المؤيدة والمعارضة. 

كما أقر الجيش في بعض القضايا بتمكن وسائل إعلام المعارضة من التأثير على الرأي العام، ويقترح مجموعة وسائل لمواجهة ذلك التفوق.

التقارير أظهرت تحسسا شديدا لدى نظام السيسي، من الأفكار المتداولة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وأنه في أكثر من مرة يتم التحذير من رواج دعوات المناهضة للسلطة.

وعبر أذرعه الإعلامية التي تقودها شبكة من جهازي المخابرات العامة والحربية وعبر جرائدها القومية وبرامج "التوك شو" في القنوات المؤيدة للنظام، سعى السيسي لشن حملات ضد الإعلام المعارض لكبح جماحه.

وهنا كان الباز حاضرا بقوة في تلك العملية، وبرز كأشد المحفزين والمحرضين على إعلام المعارضة، بل وصل به الأمر إلى التحريض المباشر على قتل الإعلاميين المعارضين في الخارج، مثلما فعل في حلقة برنامجه "90 دقيقة" في 12 سبتمبر/ أيلول 2018.

قال الباز وقتها: "لو في حد مصري يطول معتز مطر أو أيمن نور أو محمد ناصر (إعلاميون معارضون) يقتلهم، ولو هاتقول لي أنت بتحرض على القتل، آه باحرض على القتل، وإذا أتيح لأحد أن يقتلهم فليفعل". 

لم يكتف الباز بذلك ففي 20 يناير/ كانون الثاني 2020، قدم حلقة بعنوان "كشف الفضائح"، تحدث فيها عما أطلق عليه "فضائح جنسية، وزواج عرفي"، لم تخرج الحلقة عن سياق الخوض في الأعراض دون أدلة أو وثائق أو أحكام إدانة قضائية.

ومن المتناقضات أن الباز يرتدي ثوب التسامح، ومحاربة الإرهاب، وهو القائل في 14 أغسطس/ آب 2021: إن "التعصب والتطرف أخطر شيء يواجه الوطن". 

ومع ذلك هو الذي تصدر دعوات التطرف والعنف السلطوي، الذي اندلع منذ الانقلاب العسكري وراح ضحيته آلاف المدنيين، وعشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين.