اختراق خطير.. ما لا تعرفه عن هروب فلسطينيين من "السجن المحصن" بإسرائيل

محمد النعامي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"عملية أسطورية" استفاق عليها العالم بنجاح 6 أسرى فلسطينيين في الفرار فجر 6 سبتمبر/أيلول 2021 من سجن "جلبوع" الإسرائيلي، أشد السجون تحصينا على الإطلاق.

العملية أثارت "الفرحة" لدى أنصار القضية الفلسطينية و"الصدمة" في إسرائيل، حيث حفر الأسرى بـ"المعالق" نفقا ليحرروا أنفسهم، ويروا نور الشمس دون شباك الزنزانة، لأول مرة منذ سنوات طوال، بعد أن كان مقررا أن يقضوا باقي حياتهم بين جدران الزنزانة.

ونشرت مصلحة السجون الإسرائيلية صور الأسرى الستة، وهم: زكريا الزبيدي، قائد كتائب شهداء الأقصى سابقا، ومناضل يعقوب انفيعات، محمد قاسم عارضة، يعقوب محمد قدري، أيهم كمامجي، محمود عبد الله عارضة، والخمسة من حركة الجهاد الإسلامي.

هروب ناجح

في البداية، انطلقت تفاصيل العملية التي نفذها الأسرى أبناء مدينة جنين، من الغرفة 5 الجناح رقم 2 بسجن جلبوع، ويقع هذا الجناح قرب سياج السجن. 

وأشارت التقديرات الإسرائيلية إلى أن حفر النفق استغرق عدة سنوات، وتم حفره أسفل مغسلة المرحاض، وتمكنوا من الخروج عبر النفق المؤدي لخارج جدران السجن مقابل أراضي زراعية.

وكان أول من اكتشف عملية الهروب، هم مزارعون يعملون في المنطقة، ظنوا أنهم لصوصا قبل أن يهربوا، حيث تم إبلاغ الشرطة الإسرائيلية بذلك، حسب الرواية الأمنية للاحتلال.

وقال مسؤولون أمنيون إسرائيليون: إن الأسرى استغلوا انشغال الحراس بعيد رأس السنة العبرية، ووجود قوات قليلة بالسجن، مشيرين إلى أن إدارة مصلحة السجون تلقت مؤخرا معلومات باحتمال اندلاع أعمال شغب في أحد السجون، لكن يبدو أن هذه المعلومات كان هدفها إخفاء خطة الهروب.

فيما وصف مصدر أمني للقناة "12" العبرية ما جرى بأنها "حادثة محرجة للغاية" بالنسبة لمصلحة السجون، وأن التخطيط لها كان معدا منذ فترة طويلة دون وجود أي معلومات استخباراتية حول ذلك.

عملية أسطورية

وشكلت العملية صدمة واسعة للمستويات الأمنية في إسرائيل، حيث قال وزير الأمن الداخلي: "التخطيط لهروب الأسرى من سجن جلبوع كان دقيقا، ونشتبه بتلقيهم مساعدة من الخارج".

الأسير المحرر والخبير في الشؤون الإسرائيلية، سعيد بشارات، قال: إن "عملية الهروب من سجن جلبوع بالتحديد هي أقرب للخيال، كونه أكثر السجون الإسرائيلية تحصينا والأشد من حيث الإجراءات الأمنية، وذلك لأنه السجن المخصص لأكثر السجناء الفلسطينيين خطورة، وهم الذين نفذوا عمليات استشهادية ومحكومون بالسجن مدى الحياة".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال" "قضيت 6 سنوات من محكوميتي في جلبوع، وهو مزود بأسوار غير عادية يصل طولها 9 أمتار تعلوها براميل لزجة يستحيل تسلقها، وتحت أرضية السجن هناك طبقات تمنع الحفر ومزود بتقنيات مراقبة فورية، وهذا ما يجعل من عملية الهروب أسطورية من هذا السجن المعروف بتحصينه الشديد". 

وأوضح بشارات أن "الاحتلال استنفر كل جيشه وأمر كافة الضباط والمسؤولين بقطع إجازة الأعياد اليهودية، وكذلك حشد قوات المستعربين والشرطة ونشر قواته على حدود الأردن وسوريا وغزة، واتخاذ إجراءات أمنية واستخبارية مشددة في الضفة الغربية، حيث انتشرت وحدات الشاباك وتم تكثيف الحواجز واستخدم الطائرات المروحية والمسيرات للقبض عليهم".

وتابع: "من المؤكد أن الأسرى قد أعدوا خطة دقيقة ومتكاملة للهرب من السجن، تشمل كيفية الخروج منه ثم الخروج من المنطقة، وقد تمت بنجاح، وتبقى وصولهم لجهة آمنة يكونون فيها أحرارا، وأتوقع أنهم درسوا الأمر جيدا وتعلموا من تجارب الهروب السابقة من سجون الاحتلال". 

وأكد بشارات أن "تداعيات عملية هروب أسرى خطيرين من هذا السجن المركزي ستكون قاسية على المستوى السياسي والأمني في دولة الاحتلال".

ولفت إلى أن هذه العملية "قد تطيح برؤوس كبيرة في الجانبين الأمني والعسكري وربما السياسي كذلك، مع الأخذ بالاعتبار أن الحكومة الحالية ضعيفة وعلى مدار الأشهر الأخيرة تلقت ضربات من غزة كشفت ضعفها وأرغمتها على وقف الإجراءات العقابية ضد القطاع التي فرضتها منذ تولي نفتالي بينيت رئاستها".

خطر على إسرائيل

وتزداد المخاوف في دولة الاحتلال من أن تؤدي عملية الهروب الناجحة لتداعيات أمنية تشكل خطرا على المستوطنين في الضفة والمستوطنات المحيطة بها.

وعقب عملية الهروب، أعلن رئيس شعبة العمليات في الشرطة آفي بيتون أنه "تم رفع حالة التأهب الأمني، قائلا: "لا نستبعد أن يحاولوا تنفيذ هجوم فقد يكونون في أي مكان هنا".

من جانبه، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي: إنه "بجانب الضربة الأمنية والمهينة التي تلقتها دولة الاحتلال، هناك استنفار أمني واسع خوفا من تنفيذ هؤلاء الأسرى عمليات فدائية داخل دولة الاحتلال".

وتابع "أو عودتهم للتخطيط للعمليات وقيادة المقاومة في الضفة الغربية وإعادة إشعالها أمنيا في وجه الاحتلال وخصوصا أن كافة الأسرى الهاربين هم من منفذي العمليات وقادة المقاومة وتسميهم إسرائيل بـ(السجناء الملطخة أيديهم بالدماء)"، في إشارة لخطورتهم واستبعادهم عن أي صفقات تبادل أسرى ممكنة.

وأضاف النعامي في حديث لـ"الاستقلال" أن "مهمة بقاء الأسرى أحرارا ستكون شاقة للغاية، حيث تعيش إسرائيل حالة استنفار غير مسبوقة، في محاولة لتضييق الخناق على الأسرى الهاربين وتوقيفهم".

ولفت إلى أن "هناك تعاونا أمنيا لا تنكره السلطة الفلسطينية، وتسريبات في الإعلام العبري أن السلطة بالفعل بدأت في تبادل المعلومات حول الأسرى الستة، خصوصا أن الحديث يدور حول منطقة محدودة من الضفة الغربية وبالتحديد شمالا حيث من المرجح أن يصل لها الأسرى".

وشدد النعامي على ضرورة الحذر من التسريبات الإعلامية التي يتم بثها على وسائل الإعلام العبرية الآن والتي تنص على أن الأسرى توجهوا لحدود الأردن أو الحدود مع سوريا بهدف تضليل الأسرى ويعطيهم انطباعا بأن الاحتلال لا تتوفر له معلومات حول مكان وجودهم لجعلهم يسترخون في الإجراءات الأمنية والتنقل وبالتالي يسهل إلقاء القبض عليهم، ولذلك يتوجب التحذير من هذه التسريبات".

وتابع "سيناريو هروبهم للأردن كما يحاول الاحتلال أن يروج هو أمر صعب باعتبار أنهم في حال نجحوا في عبور الحدود التي تتم مراقبتها فإن الأجهزة الأمنية في الأردن لديها تعاون أمني واستخباري وثيق مع الاحتلال ولن يكون وجودهم هناك أقل خطرا من وجودهم في الضفة، كذلك الوصول لغزة في ظل هذه الإجراءات الأمنية والسياج الفاصل هو أمر غير وارد أيضا" .

وحذر الصحفي الإسرائيلي أليئور ليفي بأنه إذا تم قتل الأسرى الستة الذين تمكنوا من تحرير أنفسهم عبر نفق، سترد غزة بالصواريخ.

فرحة فلسطينية 

وفور إعلان الخبر، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي الفلسطينية بـ"المباركات" وتناقلت أخبار العملية على نطاق واسع بشكل احتفالي عبر هاشتاغ "نفق الحرية"، وعلى الأرض سادت أجواء من الفرحة في الشوارع والساحات العامة بفلسطين.

وردد الفلسطينيون "تكبيرات العيد"، احتفاء بنجاح عملية هروب الأسرى، وكذلك وزع فلسطينيون الحلوى في الشوارع العامة، ابتهاجا بالعملية.

وباركت الفصائل الفلسطينية والأجنحة العسكرية نجاح العملية وانتزاع الأسرى الفلسطينيين حريتهم، من سجن "جلبوع"، قالت كتائب القسام: إنها تبارك "العمل البطولي النوعي الذي أقدمت عليه ثلة من المجاهدين والمناضلين من الأسرى الأبطال في سجن جلبوع، الذين انتزعوا حريتهم بأظافرهم تحت مسمع ومرأى المحتل وتجاوزوا أسوار الظلم والعدوان".

وقال الناطق باسم سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، أبو حمزة: "نبارك عملية انتزاع الحرية" التي قادها أسيرنا المجاهد القائد محمود عبد الله العارضة وإخوانه الخمسة من سجن جلبوع، ونعد ذلك انتصارا جديدا للحركة الأسيرة في مواجهة العدو ضمن حرب الإرادات".