كيف تحولت المنظمات الدولية لـ"قفازات ناعمة" بيد الدول الكبرى؟

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تغض منظمة الأمم المتحدة والأجهزة السياسية التابعة لها المتمثلة في "مجلس الأمن والمحكمة الدولية"، النظر عن الانتهاكات التي ترتكبها دول غربية وخليجية يتكشف ضلوعها يوما بعد يوم في إشعال المنطقة العربية، مما وضعهم أمام اتهامات بالفساد والتخاذل مع القضايا العربية، إضافة إلى فشلهم في حسم تلك القضايا أو على أضعف الإيمان تطبيق القرارات التي تتمخض عنهم.

تضم الأمم المتحدة في عضويتها 193 دولة، وتأسست 24 أكتوبر/تشرين أول 1945 في مدينة سان فرانسيسكو، كاليفورنيا الأمريكية، ويتم تمويلها من خلال المساهمات المقدرة والمساهمات الطوعية من الدول الأعضاء، ومن يتبع لها.

ورغم أن الأهداف المعلنة للمنظمة تتمثل في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وحماية حقوق الإنسان، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتعزيز التنمية المستدامة، ونزع السلاح والإرهاب، ودعم القانون الدولي وغيرها من الأهداف الأخرى، إلا أنها تحولت على ما يبدو لأداة سياسية لتنفيذ أجندة النظام العالمي، حالها كحال منظمات دولية أخرى كجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الإسلامي وغيرهما.

ورأى مراقبون، أن المنظمات الدولية وليست الأمم المتحدة وحدها تتغذى على الأزمات وهي عبارة عن قفازات ناعمة تستخدمها الدول الكبرى للحفاظ على مصالحها، وحتى عندما تصدر مقررات فإنها تفتقد للقوة التي تنفذ بها مقرراتها، ولذلك لا يمكن التعويل عليها في حل الأزمات.

وأشاروا إلى أن الأمم المتحدة تحديدا أداة ترويض سياسية وليست إغاثية تنفق على التحقيق والادعاء والإدانة أكثر من الإنفاق على الغوث والمساعدة، مشيرين إلى أنها تنفق على عمال الإغاثة من سكن وتنقل ومزايا أضعاف الإنفاق على المنكوبين، وأخيرا وليس آخرا لاحقتها جريمة الاستغلال الجنسي مقابل توزيع الإغاثة.

تحكم المال

نشر مركز أبحاث السياسات الاقتصادية (لندن)، العام الماضي، ورقة بحثية بعنوان "شراء الأصوات والمنظّمات الدولية: فرضية العمل القذر"، درس الباحثون خلالها كيف تستخدم الولايات المتّحدة الأمريكية الدعم المباشر لتحقيق أهداف "جيو سياسية" وشراء أصوات الدول في المحافل الدولية، وتحديدا في مجلس الأمن، أقوى مجالس الأمم المتّحدة.

وأوضحوا، أن الولايات المتّحدة تلجأ إلى الدعم غير المباشر واستخدام صندوق النقد والبنك الدوليين لمكافأة الدول التي تصوّت لها، أو لخفض الدعم كإجراء تأديبي عندما تعصي هذه الدول القرارَ الأمريكي.

وشدّد البحث على نقض فكرة استقلالية صندوق النقد والبنك الدوليّين وحياديتهما،  فيما مساعدات المنظّمات الدولية تهدف حصرا إلى التنمية والخدمات العالمية العامّة. إن البحث ينتهي إلى أن المنظّمات الدولية عبر المساعدات التي تقدّمها، هي أيضا أداة أخرى للضغط تستغلّها الولايات المتّحدة لفرض سياساتها.

وأكد أن المنظّمات الدولية تقوم بـ"العمل القذر" الذي لا تستطيع الدول ذات المساهمة الأساسية في هذه المنظّمات القيام به لأسباب محلّية، مشيرا إلى أن هذه المنظّمات تقوم بعملية "غسل" (على غرار غسل الأموال) للنشاط السياسي للدول المؤثّرة فيها، عبر تنفيذ أجنداتها بعيدا عن انتباه شعوبها، ما يجنّبها أي تبعات وعواقب انتخابية كانت ستترتّب عليها، لو دعمت بعض الدول مباشرةً.

إخفاقات كارثية

الأمم المتحدة كأحد تلك المنظمات الدولية المشار إليها، شهدت انقسامات دبلوماسية عرقلت كل محاولات حل الأزمات في الشرق الأوسط تحديدا، وتسببت في إخفاقات كارثية، أسفرت عن امتداد أمد النزاعات ومقتل ملايين المدنيين الأبرياء.

ورغم المعارك القوية المندلعة في محيط العاصمة الليبية طرابلس بعد شن لجنرال المتقاعد خليفة حفتر عدوانا عليها منذ 4 أبريل/نيسان الماضي، وقصف أحياء منها بالصواريخ، لم يصدر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرار واحد لردع هذه التصرفات أو إدانته بالاسم وإجباره على إيقاف الحرب، رغم سقوط قتلى منهم أسرة كاملة وجرح العشرات وتدمير منازل عدة.

وأثارت حالة الصمت والضعف الدولي تجاه ما يفعله حفتر في طرابلس، ردود فعل غاضبة رسميا وشعبيا، حيث طالبت الحكومة المجلس بتحمل مسؤوليته التاريخية في حماية المدنيين ومنع الانتهاكات التي تخالف القانون الإنساني الدولي، في حين اتهمه البعض بـ"التواطؤ مع العدوان".

وأرجع الخبراء السبب لصمت مجلس الأمن إلى تعارض مصالح الدول الكبرى في ليبيا كونها دولة غنية بالنفط والغاز وذات موقع إستراتيجي في شمال إفريقيا، مشيرين إلى أن ليبيا تعيش مستقبلا مجهولا في ظل هذا الصراع الدولي.

بينما لفت آخرون إلى أن "الفيتو الروسي والفرنسي هو وراء إفشال أي مشروع قرار دولي في مجلس الأمن لوقف الحرب أو حتى إدانة عدوان حفتر، فروسيا لها مصالحها معه، وفرنسا مشاركة في الحرب وتم القبض على 23 عنصرا فرنسيا وأوروبيا خلال سفرهم من ليبيا إلى تونس".

وأشاروا إلى أن مجلس الأمن مصاب بشلل تام إزاء تطورات الموقف في ليبيا، ولا توجد أي نية نحو اتخاذ موقف مما يجري هناك، خاصة بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر بمواجهة ما اعتبره "دعما للإرهاب".

واعتبر الخبراء أن دعم الدول العربية والأجنبية لحفتر بالسلاح والأموال مستمَد من قوة الموقف الأمريكي الذي منحها الضوء الأخضر لتستمر فيما تقوم به، إضافة إلى وجود انقسام في المواقف الدولية داخل مجلس الأمن.

فلسطين ولبنان والعراق

وفي بداية عرض القضية الفلسطينية على الأمم المتحدة عام 1947، لم يتدخل مجلس الأمن في الموضوع وترك أمر معالجتها للجمعية العامة، رغم أهميتها وخطورتها على الأمن والسلم الدوليين.

وبذلك تخلى عن مسؤوليته الرئيسية المتعلقة بحفظ الأمن والسلم الدوليين، وتدخل متأخرا بعد عام كامل ثم توالت الإخفاقات بشأن فلسطين، ومنها إلزام إسرائيل بالانسحاب إلى حدود ما قبل السادس من يونيو/حزيران لعام 1967، ووضع حد للانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق الفلسطينيين، مثل أعمال الاستيطان.

وفي لبنان، لم يفلح مجلس الأمن في منع الحروب العدوانية والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان، وحتى القرارات التي تمكن من إصدارها، والتي دائما تأتي متأخرة وغير عادلة ومنصفة للبنان، لم يتمكن من إلزام اسرائيل بتنفيذها هذا من جانب.

ومن جانب آخر، عجزت المنظومة الدولية ممثلة في مجلس الأمن والأمم المتحدة في تنفيذ جملة من قراراتها المرتبطة بنزع سلاح حزب الله اللبناني، وبتفكيك المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها.

وسمح التراخي الذي أبدته المنظومة الدولية في تطبيق قراراتها، لـ"حزب الله اللبناني" في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في العديد من الدول العربية، الأمر الذي يمثل عجزا عن تنفيذ القرارات الدولية ويكرس سياسة الافلات من العقاب والمساءلة الدولية.

وبعد غزو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للكويت عام 1990، فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقوبات اقتصادية صارمة، دفع ثمنها الشعب العراقي، إذ مُنعت مستلزمات التخلص من التلوث في الهواء والمياه، ومُنع كذلك الغذاء والدواء من دخول العراق، وبحسب إحصاءات الأمم المتحدة نفسها، مات ما يجاوز المليون عراقي بسبب العقوبات. ثم جاء الغزو الأمريكي للعراق مؤخرا، لتتخذ فيه الأمم المتحدة وضعية المتفرج على بلد يتفتت.

سوريا واليمن

وفشل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في استحضار عقوبات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، للتدخل ومنع الإبادة الجماعية في سورية، فالفيتو المتكرر من جانب الصين وروسيا أوقف أي تدخل دولي، ومنذ بدء الحرب التي شنها النظام السوري على شعبه، قتل نحو 600 ألف مدني، وشرّد نحو 5 ملايين سوري، وما تزال الكارثة السورية مستمرة والأمم المتحدة تتخذ وضعية المتفرج.

وفي اليمن، تستمر اجتماعات لجنة إعادة الانتشار التابعة لمجلس الأمن، إضافة إلى جولات مكثفة يعقدها المبعوث الأممي مع أطراف الصراع، إلا أن جميعها لم تحقق أي تقدم ملموس على الأرض، وهو ما يشير إلى تلكؤ في تنفيذ الاتفاقات وإعاقة أي تقدم إيجابي نحو حلحلة الأزمة، وفقا لمراقبين.

ومنذ مارس/ آذار 2015، يدعم تحالف عسكري عربي، تقوده الجارة السعودية، القوات الحكومية في مواجهة الحوثيين، في حرب خلفت أزمة إنسانية حادّة هي الأسوأ في العالم، وفقا لوصف سابق للأمم المتحدة.

وصرفت الأمم المتحدة ثلاثة مليارات دولار على إغاثة اليمنيين العام الماضي، إلا أن الكثيرين يشكون من عدم وصول تلك الإغاثات إلى الشعب اليمني، ما دفع ناشطون يمنيون لإطلاق حملة #وين_الفلوس، تهدف لمعرفة الأموال التي تدفقت من المانحين لمساعدة اليمن.

وفقا لتقارير الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية العاملة في اليمن، فإن نحو 20 مليونا من اليمنيين (ثلثي سكان البلاد)، يعانون من الأزمة المتفاقمة منذ تصاعد الحرب قبل أكثر من أربعة سنوات، بما في ذلك، الملايين الذين يعيشون أوضاعا تشبه المجاعة.

فساد المبعوثين

وعلى مدار عمر الثورات العربية التي تحولت إلى نزاعات مسلحة وانقلابات عسكرية، تعاقب ما يزيد عن 10 مبعوثين أمميين على المنطقة في محاولة لتقريب وجهات النظر وإنهاء الصراعات، غير أن أحداً من هؤلاء لم يتحرك خطوة واحدة نحو تحقيق ما كُلّف به، بل إن بعضهم طالته اتهامات بالفساد والانحياز لطرف على حساب آخر.

كما طالتهم اتهامات بالتزام الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة قبل كلّ شيء آخر، ولأنّ الولايات المتحدة عادةً ما تكون مع طرف ضد طرف آخر في الأزمات المختلفة، فالنتيجة تكون واضحة، أي فقدان هؤلاء المبعوثين للقدرة على إنتاج حلول تستجيب لمصالح الأطراف المنخرطة في الصراع، الأمر الذي يسهل الوصول إلى الحلول.

الأزمتان السورية واليمنية، تمثلان أكبر تجليات فشل هؤلاء المبعوثين في أداء مهامهم التي يتقاضون مقابلها آلاف الدولارات شهريا، كما أن الحال في ليبيا، التي مزقتها كثرة مراكز القوى، لا تختلف كثيرا عن الحال في شقيقتيها (سوريا واليمن).

ووفق تقارير متطابقة، يتقاضى الأمين العام الأممي 227 ألفا و253 دولارا سنويا، أي نحو 19 ألف دولار شهريا. ولم يطرأ أي تعديل على هذا الراتب منذ العام 1997.

أدوار مسيّسة

من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي، إن دور المنظمات الدولية بما فيها الوكالات التابعة للأمم المتحدة، ظهر منذ بدء الأزمة والحرب في اليمن، متأثرا بالسياسات التي اعتمدتها القوى الكبرى في مجلس الأمن.

وأوضح في حديث لـ"الاستقلال": إن "الوضع الإنساني وتداعيات الحرب أصبح مجالا للمزايدات، وجزءا من أدوات الضغط الذي مورس طيلة الفترة الماضية لإعادة توجيه مسار التسوية السياسية، أو حتى من أجل وقف الحرب لكن وفق أولويات ومصالح وأجندات القوى الدولية والإقليمية المتحكمة".

وأضاف التميمي: إن "الوكالات الدولية لم تكترث للتقارير الموثقة بشأن الانتهاكات التي تمارسها الإمارات وأدواتها عبر سلسلة من السجون السرية والمداهمات وأعمال التعذيب حتى الموت والتعذيب الجنسي".

وأشار إلى أن "الضغط الذي مورس من جانب المنظمات لإيقاف الحرب اتجه في معظمه نحو تعرية دور التحالف وتجاوزاته وانتهاكاته، إلا أن التحالف استطاع أن يسوّي الوضع مع هذه المنظمات عبر ضخ المزيد من مليارات الدولارات في صناديقها".

قفازات ناعمة

وعلى الصعيد ذاته، قال الأكاديمي الإماراتي الدكتور يوسف اليوسف: إن "المنظمات الدولية تتغذى على الأزمات وهي عبارة عن قفازات ناعمة تستخدمها الدول الكبرى للحفاظ على مصالحها".

وأكد في حديثه مع "الاستقلال"، أن "الأمم المتحدة تحكمها موازين القوى"، رافضا التعويل عليها، وداعيا الشعوب العربية إلى حل أزماتها بنفسها.

واتفق معه في الرأي، المحلل والباحث السياسي فهد صقر، مؤكدا أن "القيادات العليا في المنظمات الدولية عادة ما تكون مدفوعة بأجندات سياسية خفية وتغلف هذه الأجندات بظاهر الأعمال الإنسانية والإغاثية، وخصوصا في الأقاليم والدول الإسلامية أو ذات الأغلبية المسلمة".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "لا يوجد في هذا العالم شيء اسمه غذاء مجاني، كل شيء وراءه أجندات سواء سياسية أو تجسسية أو ما شابه"، مشيرا إلى أن "الدول الكبرى تستعمل هذه المنظمات كمواطئ أقدام لتبرير التدخل وأحيانا الاحتلال، ولذلك لا تنشط إلا في الدول والأقاليم الغنية بالمعادن والثروات".

ولفت صقر إلى أمر آخر، قال إنه "محاربة الإسلام بحجة محاربة الإرهاب فيتدخلوا في الكتب والمناهج وخطب الجمعة والدروس الدينية، طبعا كله هذا يتم بغطاء محلي وظاهره المساعدات التقنية والتعليمية والتطوير ولكن باطنه الحرب وهدم الأفكار وتمييع الشخصية لدى الأجيال الصاعدة بالفكر السطحي المادي الاستهلاكي".