قيم رمضان.. كيف أحياها حراك الشعوب وخنقتها الثورات المضادة؟

محمد ثابت | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

هل ثمة علاقة وثيقة بين ثورات الربيع العربي وما منحته من حريات في ربوع منطقتنا، وبين الأجواء التعبدية التي يمكن أن يحياها المسلمون خلال شهر رمضان المبارك؟ التجارب تقول إنه عقب هذه الثورات شهد رمضان مرحليا، دفقات إيمانية، ودفعات روحية قوية للقرب من الله.

"رمضان، هو الحيزُ الذي نستعيد فيه الإرادة من جديد بعد وقت طويل من سلبِها من قبل الماديات بشكل أو بآخر" بهذه الكلمات لخصت الكاتبة بتول غبن القيمة الكبرى لشهر رمضان في مقالها بصحيفة العرب القطرية في 17 يونيو/حزيران 2017 لتؤكد من خلاله أن رمضان هو شهر الحرية الكبرى والتحرر الأعظم.

المؤكد أن أجواء رمضان في زمن المد الثوري، بألقه المميز وقربه من أجواء الحرية التعبدية المحببة إلى الله، ليست هي أجواء رمضان في زمن القهر والظلم وتراجع الحريات والثورات المضادة.

أنفاس الحرية

مع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر، تنفست المساجد نسائم الحرية التي عاشها المصريون بعد الثورة وتحررهم من كل قيد، فالمساجد أصبحت مفتوحة على مصراعيها وفي كل الأوقات بعد أن كان بعضها يغلق بأوامر وزارة الأوقاف عقب كل صلاة.

أجواء الحرية الرائعة كانت تلف الجميع، أبواب بيوت العبادة مفتوحة طوال النهار ووقت طويل من الليل، أصوات الأئمة الندية تصدح بقراءة القرآن في صلاتي التراويح والتهجد.

رمضان شهد في ربوع مصر حلقات لتلاوة القرآن بالمساجد ودروس دينية، وحرية كل إمام وخطيب في اختيار موضوعه في خطبة الجمعة، وفي العشر الأواخر من رمضان حيث سنة الاعتكاف، فتحت المساجد على مصراعيها أمام راغبي الاعتكاف دون الحاجة إلى تسجيل بياناتهم لدى أجهزة الأمن كما هو المعتاد أيام المخلوع مبارك(1).

وزارة الأوقاف سعت في تلك الفترة إلى إعادة الكتاتيب إلى ربوع مصر، رغبة منها في استعادة قوة العملية التعليمية لدى النشء الصغير(2)، ووضعت الأوقاف الخطط والميزانيات قبل أن يهجم الانقلاب في 3 يوليو/تموز 2013 ويقضى على كل هذه الجهود.

صور ازدهار العبادة في رمضان في طول مصر وعرضها، لم تلبث أن تبددت مع قبضة الانقلاب الدامية على البلاد، فقصر فترة صلاة التراويح وأدائها في دقائق معدودة، ومنع الدعاء على الظالمين، ومنع حفاظ القرآن من أصحاب الأصوات الشجية (مثل الشيخ محمد جبريل) من إمامة الناس في الصلاة، كل ذلك أفقد المصريين شعورهم بالشهر الفضيل.

كروت ذكية

معاناة المصريين الاقتصادية التي تتضاعف في رمضان، زادت مع التحفظ حتى على الجمعيات الخيرية التي كانت تدعم وتؤازر الفقراء، ومنها الطبي والاجتماعي بأنواعه وأبرزها رعاية الأيتام.

بعد أشهر قليلة من الانقلاب، أعلنت السلطات الانقلابية تشكيل لجنة لمصادرة وإدارة أملاك الإخوان، ثم استبدلتها في أبريل/نيسان 2018 بقانون "تنظيم إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين"، حسب مزاعم النظام.

استولت السلطات على أموال طائلة كانت مخصصة لخدمة الفقراء، عبر التحفظ على مئات الجمعيات والمؤسسات وملايين الجنيهات، بحجة تبعية كل هذا الجهد الأهلي الخاص لجماعة الإخوان التي صنفها بـ"الإرهابية".

وحتى نهاية العام الماضي كانت السلطات تحفظت على أموال 3200 ممن وصفتهم بالإرهابيين، من بينهم 1589 صودرت أموالهم للخزانة العامة، في حين أحيل الباقون للجنة فحص، بالإضافة للتحفظ على 118 شركة متنوعة النشاط، و1133 جمعية أهلية خيرية، و104 مدارس، و69 مستشفى، و33 موقعا إلكترونيا وقناة فضائية.

وسبق للجنة بمسمى آخر التحفظ في بداية 2016 على 62 شركة و1125 جمعية وأموال أشخاص وشركات صرافة بإجمالي 5 مليارات و556 مليون جنيه مصري (نحو 310 ملايين دولار)(3).

فرضت سلطات الانقلاب عدادات بكروت ذكية على أكثر من 7 آلاف مسجد في مصر، مع تعليمات مشددة من وزير الداخلية محمود توفيق للاستمرار في التضييق والمنع من إذاعة صلاة التراويح في مكبرات الصوت، واقتصارها على نصف ساعة فقط، مع منع افتراش المصلين الشوارع المحيطة بالمساجد، خلال خطبة الجمعة أو صلاة العيد في الخلاء.

وخوفا من أجواء الثورة وتجمع المناوئين للنظام فرضت الحكومة مساجد بعينها للاعتكاف برعاية جهاز الأمن الوطني، مع تصوير هويات الراغبين في الاعتكاف قبلها، وعدم السماح بالاعتكاف إلا للمجازين أمنيا فقط، بمعرفة موظفين مختصين من الأوقاف والأمن الوطني، مع غلق جميع الزوايا والمساجد الأهلية قبل شهر رمضان(4).

طقوس خاصة

حتى رمضان الموافق لعام 2014م كان للشهر الفضيل في اليمن طقوس خاصة تناسبه، فساعات الدوام الرسمية 5 فقط، وبعد الثورة اليمنية التي بدأت في فبراير/شباط 2011م، ازدهرت الأجواء الإيمانية فاستمر لقاء اليمنيين في المساء، وبعد الإفطار في لقاءات عامة، يتناولون خلالها وجبات خاصة كـ"الشفوت"، و"السمبوسة"، كما كان يتمتع الفقراء بأجواء خاصة في ظل تعاطف الأغنياء كأفراد أو جمعيات معهم(5).

لكن بعد حرب التحالف العربي على اليمن، بقيادة السعودية ومشاركة الإمارات والتوافق المصري منذ مارس/آذار 2015م اختلفت أجواء شهر رمضان، ومع انتشار الفقر ووفاة الآلاف وتشريدهم أو معاناتهم الصحية، ومنهم الآئمة والدعاة، وعاما بعد آخر كلما جاء رمضان صارت تزداد قلة البضائع المعروضة في الأسواق، ومع ازدياد معاناة المصابين نتيجة الحرب أو الأوبئة في المستشفيات، صار اليمنيون يكتفون ببعض ما كانوا يشترونه قبل الحرب الظالمة عليهم.

ومن جانب آخر ازدادت أسعار السلع بشكل خيالي حتى أن راتب أحدهم لم يعد يكفي لشراء 10 كيلو جرامات من الأرز فقط، وذلك نتيجة استمرار الحصار المصاحب للحرب(6).

أما شهر رمضان في سوريا فكانت له أجواؤه الرائعة، الأسواق تمتلئ بالراغبين في الشراء، الموائد عامرة بالطعام، والمساجد عامرة بالمصلين، لكن مع وقائع الثورة في 2011م، والتي قابلها نظام بشار الأسد بمزيد من القمع والتنكيل تحولت أوضاع شهر الصيام إلى واقع كارثي.

تزايدت هموم ومعاناة السوريين في رمضان بعد الثورة والحرب، وزاد الفقر والبؤس والقتل والتهجير بخاصة في أماكن الحصار، وقل رواد المساجد بسبب الأوضاع الأمنية السيئة، وكثيرا ما كانت المظاهرات تبدأ بعد صلاة التراويح، ولذلك تعمد النظام قصف المصلين فقل عددهم، مع قتله الدعاة والمربين، كما زاد الفقر في المخيمات الخاصة باللجوء.

رمضان في سوريا من قبل كان حافلا بالمودة الأسرية والولائم الرمضانية للأقرباء لكن رمضان الآن أصبح مختلفا تماما، بعد أن تمزقت الكثير من العائلات ما بين مفقود ومصاب وقتيل ومهاجر، حتى الاجتماع على الموائد الرمضانية لم يعد يجلب البهجة، وحتى المناطق التي يسيطر عليها النظام ليست أفضل حالا من غيرها في ظل تزايد أجواء  القهر(7).

أهواء القذافي

أول شهر رمضان عاشته ليبيا بعد رحيل الرئيس معمر القذافي ونجاح ثورتها الأولي كان في عام 2012م، كان الليبيون سعداء بأنهم يصومون بدون القذافي، و"يتنفسون"، وينتظرون رمضان من خلال رؤية الهلال بعد أن كان ذلك ممنوعا.

بداية رمضان كانت تتحدد من قبل بناء على تقويم ابتدعه القذافي يبدأ بوفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم، بل إن رمضان والأعياد كانا يتحددان بناء على أهواء القذافي أيضا.

بعد 4 عقود من حكم القذافي، لم يعد الليبيون يخافون من الخروج سواء للمساجد أو الشوارع والأزقة والحواري، وصار أهل ليبيا يتحدثون بحرية طالما افتقدوها عن أوضاع المسلمين المستضعفين في العالم والربيع العربي، بالإضافة لقضايا الأمن وارتفاع الأسعار، وكيفية الارتقاء بالخدمات العامة(8).

وفي تونس، أول البلاد العربية سبقا للثورات، وأكثر دول الربيع العربي استقرارا الآن فلها معاناة من جانب آخر، فبعد نجاح ثورتها وإسقاط زين العابدين بن علي في أوائل 2011م، صار التونسيون أكثر حرية في ممارسة العبادة طوال العام وخلال شهر رمضان خاصة(10).

إلا أن أجواء الاستقرار التونسية لم تمنع من أزمة تكررت إثارتها في رمضان، ففي  27 مايو/آيار 2018 خرجت مجموعة من الشباب مطالبين بحقهم في الإفطار خلال شهر رمضان، حيث شربوا المياه وأكلوا وأشعلوا السجائر في نهار رمضان في شارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة ما أثار موجة من السخط والاستياء في الشارع التونسي(11).