لقاءات واتفاقات.. هل بدأت إسرائيل "تقليص الصراع" مع الفلسطينيين؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في خطابه الأول أمام الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) 13 يونيو/حزيران 2021، استعمل رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت مصطلحا جديدا ربما لم يلفت أنظار كثيرين، هو "تقليص الصراع".

بينيت المؤيد بقوة لضم مناطق من الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل، اقترح في هذا الخطاب "استمرار الوضع الراهن" في فلسطين، مع "تخفيف القيود عن الفلسطينيين".

وقال: "ما أراه هو تقليص الصراع، لن نحله، لكننا نستطيع (تحسين الظروف) قدر الإمكان، بالمزيد من نقاط العبور وتحسين جودة الحياة والمزيد من الاستثمار والصناعة، سنقوم بذلك".

هذه الخطة بحثها رئيس الوزراء الإسرائيلي مع الرئيس الأميركي جو بايدن في زيارته إلى واشنطن 27 أغسطس/آب 2021، وتم الاتفاق على "تحسينات اقتصادية للفلسطينيين".

بالتزامن، ذهب وزير الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، 29 أغسطس/آب 2021، في مقر الرئاسة بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، وتحدث عن هذه التحسينات الاقتصادية.

ماذا يريد بايدن؟

خطة بينيت لـ"تقليص الصراع" تتلخص في إدامة الاحتلال واستمرار المشروع الاستيطاني ولكن مع تجميله، واستيلاء إسرائيل على المنطقة المصنفة "ج" بالضفة الغربية.

بينيت يستهدف خلق مصطلح جديد في القاموس السياسي الإسرائيلي يعني "الاحتلال الناعم" بدون تكلفة مادية او احتكاك مع الفلسطينيين، بحسب خبراء فلسطينيين.

يتضمن "تقليص الصراع" تحسينات اقتصادية للفلسطينيين، في صورة بناء طرق وكباري تصل بين المناطق الفلسطينية التي تحكمها سلطة رام الله دون أن يمر الفلسطينيون على كمائن الاحتلال أو يحدث احتكاك بينهم.

كان أول تصريح يقوله بينيت في واشنطن هو أن "الدولة الفلسطينية لن تقوم"، والحديث يدور عن "توافقات وتعاون مع الفلسطينيين".

بحسب بيان البيت الأبيض 27 أغسطس/آب 2021 نوقشت الخطة الإسرائيلية الخاصة بـ "تقليص الصراع" عبر إجراءات اقتصادية، خلال لقاء بايدن وبينيت.

شدد الرئيس بايدن على أهمية اتخاذ خطوات لتحسين حياة الفلسطينيين ودعم فرص اقتصادية أكبر لهم، بحسب البيان.

وأشار إلى أهمية الامتناع عن الأعمال التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التوترات، وتساهم في الشعور بالظلم، وتقويض جهود بناء الثقة.

أعاد بايدن التأكيد على وجهة نظره بأن حل الدولتين المتفاوض عليه هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق للتوصل إلى حل دائم "للصراع الإسرائيلي الفلسطيني".

المفارقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يذكر أي شيء عن الفلسطينيين في مؤتمره الصحفي مع الرئيس بايدن، واكتفى بالحديث عن كيف تعرضت البلدات المحتلة لإطلاق الصواريخ من غزة.

وقرأ على بايدن جزءا من "الكتاب المقدس" عن "البشارة"، بمعنى أن "أبناء وبنات الشعب اليهودي سوف يعودون إلى أرضنا، ويرعون أرضنا القديمة ويعيدون بناءها"، حسبما نقلت عنه "تايمز أوف إسرائيل" 27 أغسطس/آب 2021.

لكن الكاتب في صحيفة "معاريف" إسحاق بن نير، شدد على أن ما قدمه بينيت لبايدن هو خطة "لتحسين وضع الفلسطينيين الاقتصادي في الضفة الغربية فقط".

واعتبر الكاتب أن هدف شراكة بينيت – بايدن "افتراس الفلسطينيين"، منتقدا فكرة تحسين الوضع الاقتصادي فقط دون حل سياسي شامل، بحسب مقاله المنشور 30 أغسطس/آب 2021.

الكاتب "جوناثان ليس" قال في صحيفة "هآرتس" 29 أغسطس/آب 202: إن "القضية الفلسطينية كانت ثانوية في الاجتماع".

أوضح أن بينيت قال: إنه "ليس لديه أي نية لمتابعة عملية دبلوماسية مع السلطة الفلسطينية، لكنه قال لبايدن: إنه مصمم على تعزيز الخطوات الاقتصادية لمساعدة الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية الغارقة في أزمة عميقة".

عطايا "غانتس"

وعلق القيادي في حركة المقاومة الإسلامية حماس، موسى أبو مرزوق، بالقول: إن حديث بينيت حول عدم إمكانية قيام دولة فلسطينية، واقتصار حديث غانتس على الأمن والاقتصاد، له دلالة واضحة، داعيا للتركيز على مشروع المقاومة والمحافظة على الوحدة الفلسطينية.

وعبر حسابه في تويتر، انتقد أبو مرزوق قبول "عباس" تحسينات الاحتلال الاقتصادية، بينما اشترط بالمقابل لقبول وثيقة المصالحة مع حماس، التي قدمها رجل الأعمال منيب المصري، موافقة الحركة على قرارات "الشرعية الدولية"، أي الاعتراف بإسرائيل.

تساءل "أبو مرزوق": أي مشروع وطني هذا الذي يتم فيه رفض يد حماس الممدودة دائما للمصالحة والاشتراط عليها القبول بقرارات ما يسمى "الشرعية الدولية" المجحفة، بينما يتم استجداء لقاء مع بيني غانتس؟"

وتساءل فلسطينيون: هل اعترف غانتس بقرارات الشرعية الدولية الخاصة بفلسطين قبل أن يلتقي محمود عباس حتى يشترط هو ذلك على حماس؟!

ضمن هذه الخطة جاء لقاء بيني غانتس والرئيس الفلسطيني، مركزا على تحسينات اقتصادية للفلسطينيين، مقابل استمرار التنسيق الأمني من جانب السلطة مع إسرائيل ضد المقاومة الفلسطينية.

عطايا غانتس لعباس تمثلت في قرض بـ 800 مليون دولار من الحكومة الإسرائيلية لسلطة رام الله، والسماح لـ 15 ألف عامل فلسطيني بالعمل داخل إسرائيل.

كما تمثلت بموافقة الاحتلال على بناء السلطة منازل للفلسطينيين في بعض مناطق (ج) التي تعتبرها إسرائيل خاضعة لسيادتها بالضفة الغربية، والسماح لآلاف الفلسطينيين من قطاع غزة أو دول أخرى بالعيش في الضفة بموافقة قانونية إسرائيلية.

"بينيت" أعطى الضوء الأخضر لإجراء اللقاء بين غانتس ومحمود عباس، مشترطا أن يبحثا فقط "التنسيق الأمني، واستعداد إسرائيل لاتخاذ إجراءات لتقوية الاقتصاد الفلسطيني".

بحسب ما تحدث مصدر في حكومة الاحتلال لهيئة البث الإسرائيلية (مكان) 30 أغسطس/آب 2021 كان هناك اتفاق بين بينيت وغانتس على "ألا تجري مفاوضات سياسية مع السلطة الفلسطينية".

لكن لأن البيان الذي أصدره غانتس بعد اللقاء، تضمن إشارة إلى أنه تناول "قضايا سياسية ومدنية واقتصادية وأمنية"، اعتبره بينيت "تجاوزا لما كان يفترض أن يتمحور حوله اللقاء، وهو القضايا الاقتصادية وموضوع التنسيق الأمني".

المفارقة أن القرض الإسرائيلي للسلطة الفلسطينية سيكون عبارة عن أموال الضرائب الفلسطينية التي تحتجزها إسرائيل قسرا.

صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 30 أغسطس/آب 2021 ذكرت أن الصفقة الإسرائيلية مع عباس ليست سوى محاولة للتغلب على حجب تل أبيب "جزءا من حقوق السلطة المالية المتمثلة في أموال الضرائب بدعوى أنها تذهب للأسرى" الذين توصمهم تل أبيب بالإرهاب.

"تقليص الصراع"

فكرة "تقليص الصراع" التي طرحها بينيت، هي من إنتاج ميخا غودمان أستاذ التاريخ الإسرائيلي ومستشار الحكومة الحالية.

بحسب ما قال الكاتب الفلسطيني حلمي الأسمر في صحيفة "القدس" المحلية 25 أغسطس/آب 2021 فإن مقولة "تقليص الصراع" مأخوذة من كتاب غودمان "مصيدة 67"، الذي صدر عام 2017.

الكتاب يرى أن إسرائيل على موعد قريب مع معضلة كبيرة جدا في فلسطين، ديموغرافيا وعسكريا، والحل هو فصل المناطق الفلسطينية عن تل أبيب.

يطالب الكتاب بربط مناطق "أ" و"ب" بالضفة الغربية مع بعضها، عبر إنشاء بنية تحتية من الشوارع السريعة والأنفاق والجسور، كي يتنقل الفلسطيني من الخليل إلى جنين مرورا بأريحا بدون أن يشعر أنه تحت احتلال.

وبالتالي ضم إسرائيل مناطق (ج)، التي تشكل 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية المحتلة وهو ما يطالب به بينيت.

ضمن مخطط "غودمان" والذي أوضحه في مقال آخر نشره عام 2019 بمجلة "ليبرال" تحت عنوان: "ثماني خطوات لتقليص الصراع"، تفصيل تنفيذي لفكرته. 

من هذه الخطوات، منح مساحات إضافية للسلطة الفلسطينية تكون على أطراف القرى والمدن وهي أطراف قام الفلسطينيون أصلا بالتوسع عليها بشكل "غير قانوني"، وفق "غودمان".

إضافة إلى تسهيل سفر الفلسطينيين بتوسيع جسر اللنبي مع الأردن، وافتتاح محطة مغادرين في الضفة الغربية ترتبط مباشرة مع مطار بن غوريون، وتسيير خط أتوبيسات بينهما.

ومن ذلك، زيادة عدد تصاريح العمال الفلسطينيين ليصلوا إلى 400 ألف، وتخصيص مساحات في المنطقة "ج" لإنشاء مدن صناعية، ومنح استقلالية اقتصادية شبه كاملة للفلسطينيين، بإلغاء اتفاقية باريس الاقتصادية التي يعتبرها الفلسطينيون "إعادة إنتاج للاحتلال بأدوات اقتصادية".

بحسب خبراء فلسطينيين، تهدف خطة "تقليص الصراع" إلى إبقاء 60 بالمئة من مناطق الضفة الغربية تحت سيادة الاحتلال، وفي أحسن الحالات "التنازل" عن 2-5 بالمئة من مناطق الضفة الواقعة في المنطقة "ج".

وفق الباحث "وليد حباس"، يصور "غودمان" الصراع خطأ باعتباره هبة فلسطينية للمطالبة بتسهيلات حياتية لأن خطته لا ترمي إلى إنهاء الصراع ولا إلى إدارته وإنما تهدف إلى تقليصه.

وبالتالي يهمل حق تقرير المصير، وإصرار الفلسطينيين على إقامة دولة كاملة السيادة عاصمتها القدس، كما أنه لا يتناول قضية اللاجئين والمياه والموارد الطبيعية والقدس.

ويقول "حباس" في مقال نشره في الثاني من أغسطس/آب 2021 بالمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية: إن هذه الخطة هدية من السماء لبينيت، لأن مفهوم تقليص الصراع يتلاقى كليا مع الأجندة الصهيونية الدينية وبرنامج الأخير الاستيطاني.

الكاتب حلمي الأسمر يرى في مقال نشره بصحيفة "العربي الجديد" 19 أغسطس/آب 2021 أن خطة تقليص الصراع هي لعبة جديدة يلعبها بينيت، بدل لعبة ترامب "صفقة القرن" التي رحلت مع عرابها.

عصام مخول، وهو عضو عربي سابق في الكنيست الإسرائيلي ومن القيادات الشيوعية، يرى أن سياسة "تقليص الصراع" الإسرائيلية تحمل معادلة خطيرة تنسف نهائيا فكرة "حدود 1967".

الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية أحمد الرواش، يرى أن "تقليص الصراع مصطلح جديد في القاموس السياسي الإسرائيلي يعني الاحتلال الناعم بدون تكلفة مادية او احتكاك بين الجانبين".

ويقول "مهند مصطفى" مدير عام مركز "مدى الكرمل" في حيفا داخل الأراضي المحتلة عام 1948: إن بينيت جاء بمحاولة لتجديد الخطاب أو المشروع السياسي اليميني.

ليس بالعودة إلى ما قبل اتفاق أوسلو، بل عبر قبول نتائجه كما هي الآن، أي القبول بما أنتجه الاتفاق على الأرض، لكن دون التقدم بهذه النتائج إلى الأمام.

أضاف، خلال ندوة نظمها المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" حول مفهوم بينيت لتقليص الصراع 18 أغسطس/آب 2021 أن الأخير طرح الفكرة عام 2013 وأطلق عليه "خطة التهدئة"، وأهم بند فيها هو ضم مناطق (ج) لإسرائيل.

ويصف مصطفى في حوار مع موقع "عرب 48"، بتاريخ 28 أغسطس/آب 2021 أن مفهوم "تقليص الصراع" الذي طرحه بينيت يهدف إلى "تحويل الاحتلال إلى غير مرئي".

أوضح أن تل أبيب تريد إخفاء مظاهر الاحتلال عن الفلسطينيين وإعطاءهم شعورا بأنهم يتنقلون بحرية دون أن يروا جنديا أو مستوطنا إسرائيليا، أو يقفوا لساعات على حاجز إسرائيلي.