كيف يمكن لثوار درعا السورية مواجهة تقدم المليشيات الإيرانية؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أمام تمكنهم من صد محاولات النظام السوري اقتحام مدينة درعا، تبرز تساؤلات بشأن قدرة الأهالي هناك على مواجهة الزحف العسكري وإفشال المخطط المرسوم ضدها، والذي تدعمه مليشيات إيرانية.

واللافت أن التخطيط لفتح معركة أحياء "درعا البلد" ذات الأهمية الإستراتيجية لوقوعها في مثلث حدودي تطل من خلاله على الأردن وإسرائيل، كان بإشراف إيراني كامل على سير العمليات البرية والحشد العسكري منذ مطلع عام 2021.

ومنذ مطلع العام المذكور، بدا واضحا أن مليشيا "الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد شقيق رأس النظام بشار، كلفت بمهمة مهاجمة درعا.

وأسندت قيادة العملية للعميد غياث دلا التابع للفرقة، والذي يمتلك أساسا مليشيا خاصة تحت اسم "قوات الغيث"، أسسها بدعم إيراني وأصبحت تتبع لها تشكيلات شيعية أجنبية يفرزها لها الحرس الثوري الإيراني تحديدا.

ومنطقة أحياء "درعا البلد" كان يحكمها اتفاقية "التسوية" المبرمة في يوليو/تموز عام 2018 بين فصائل المعارضة السورية وروسيا، وتنص على منع أي عمل عسكري عليها أو وجود مليشيات إيرانية مسافة 80 كم قرب الحدود السورية - الأردنية.

لكن هذا الاتفاق نقض مع بدء فرض قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية في 25 يونيو/حزيران 2021، حصارا خانقا على الأحياء بعد رفض المعارضين السابقين من أبناء المنطقة تسليم السلاح الخفيف وتهجير من يرغب نحو الشمال السوري المحرر.

وفي 28 يوليو/تموز 2021 شنت قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية مدعومة بالدبابات والمدرعات هجوما عسكريا على أحياء "درعا البلد" من محورين هما القبة ومحور حاجز القصاد في الجزء الشرقي منها، في محاولة لفتح ثغرة عسكرية وقضم جزء من الأحياء بشكل تدريجي إلا أنها فشلت في ذلك.

ودفع ذلك الهجوم المباغت التشكيلات المحلية الأهلية لاستبدال تكتيك الدفاع، وأطلقوا معركة "الكرامة" في 29 يوليو/تموز 2021، للتصدي للحملة، حيث ساندهم فيها أبناء ريفي درعا الشرقي والغربي.

 وتمكنوا خلال 24 ساعة من السيطرة على 30 نقطة بين حواجز وتجمعات عسكرية ومفارز أمنية للنظام السوري متوزعة في مختلف أرياف درعا، إضافة لأسرهم نحو 70 عنصرا من قوات النظام.

حرفة بالقتال

لعبت التشكيلات العسكرية الصغيرة داخل أحياء "درعا البلد" على عوامل عدة مكنتها من "الصمود" وصد الهجمات، يرى مراقبون أنها من ضمن التكتيكات العسكرية التي تتيح لهم مزيدا من المناورة لمواجهة تقدم المليشيات الإيرانية.

ولعل الناشط الميداني من درعا إبراهيم المحمد شرح بعضا من الأساليب العسكرية المتوفرة التي تعيق تحقيق القوات المهاجمة لـ "درعا البلد" أهدافها المنشودة على المدى المنظور وتحسم المعركة عسكريا.

يقول المحمد لـ "الاستقلال": "إن أحياء درعا البلد تحيط بها جيوش ومن الناحية العسكرية ليس لدى الأهالي قدرة على مجابهتها، لكن يوجد تكتيك عسكري واحد يعتمد عليه المقاتلون داخل تلك الأحياء وهي أن المقاومة يمكن أن تدوم لشهر في ظل غياب الطيران الجوي وهذا عامل أساسي لإبقاء المعركة مفتوحة".

واستدرك بالقول: "إن شهر المقاومة هذا يرافقه اضطراب كبير في عموم محافظة درعا وحتى على الصعيد الدولي والإنساني، فضلا عن تسببه بتحد كبير للمليشيات الإيرانية وقوات النظام وسط غياب الغطاء الجوي الذي عادة يعتبر نصف المعركة".

وألمح الناشط الميداني إلى أن "مقاتلي أحياء درعا البلد هم من أكثر المناطق حرفة بقتال الشوارع والتنظيم العالي لكونهم خاضوا معارك شهيرة خلال السنوات الماضية وأبرزها معركة -الموت ولا المذلة- عام 2017، فضلا عن بقاء التحصينات العسكرية منذ عشر سنوات على حالها في الأزقة والشوارع".

هذا فضلا عن أن القوات المهاجمة هي جديدة وغير مدركة لما هو مرتب لها من قبل الثوار، وخاصة مع إمكانية قدوم إسناد بشري للثوار من باقي مناطق المحافظة، وفق قوله.

واعتبر المحمد أن "الثوار يعولون أولا على الحراك الشعبي عبر اتباع تكتيك التشتيت من خلال استهداف حواجز ومقار النظام السوري المنتشرة في باقي ريف درعا".

وثانيا هم يعولون على تحرك عناصر اللواء الثامن ضد النظام بشكل غير رسمي ومنفرد لكونهم من أبناء درعا، بما يخلط الأوراق على روسيا ويسبب ضغطا كبيرا لها، وخاصة أنها تخشى أن تضع اللواء في موقف محرج نظرا لامتلاكه قوة عسكرية كبيرة وعتادا مما يعني خلق مواجهة شاملة.

وبين الناشط الميداني أن "خيار المقاومة لدى أهالي درعا هو نهائي لأنه لا بديل عنه غير تسليم السلاح والذي يعني إما التهجير وترك بيوتهم أو الموت".

ولفت المحمد إلى أن وجود ما أسماه "خزانا بشريا" كبيرا وقوة عسكرية فاعلة في المنطقة الغربية من درعا، مشيرا إلى أن هذه القوة يمكن أن "تتحرك مع أحياء درعا البلد في حال لجأت المليشيات الإيرانية للتصعيد أكثر، لإدراك هؤلاء أن حسم الملف يعني أنهم الوجهة التالية".

تكتيكات حرب

ويرى كثير من المراقبين أن سماح روسيا بتجميع مليشيات النظام السوري وإيران قواتهما بمحيط تلك الأحياء وحصارها، يؤشر إلى وجود رغبة بإنهاء ملف درعا مهد الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد التي انطلقت في 18 مارس/آذار 2011.

وحول هذه الجزئية يوضح الخبير العسكري السوري العميد عبد الله الأسعد، مآلات المعركة في درعا من الناحية العسكرية الصرفة، في ظل جر النظام السوري الوضع لدائرة الاستنزاف وكسب الوقت لصالحه.

ويرى العميد في حديث لـ "الاستقلال" أن شباب "درعا البلد محاصرون وسط نقص الطعام، وهم صامدون بقوة إرادتهم وبما لديهم من مخزون الذخيرة الكافية للصمود لنهاية المعركة التي يعتمد بها الثوار على مبدأ الكمائن والإغارة على محاور التقدم والاقتحام".

ولفت الخبير العسكري إلى أن "النظام السوري يلجأ يوميا إلى عملية استنزاف الذخيرة لدى هؤلاء الشباب ويفعل ويزيد وتيرة الاستنزاف عبر اقتحامه من عدة محاور في آن واحد".

وشرح العميد كيف يناور النظام السوري على محاور القتال في درعا، بقوله: "منذ فترة هاجمت قوات النظام والمليشيات الأحياء من اتجاهين مما دفع المقاتلين للانقسام على اتجاهين، وبالتالي هو يفتح أحيانا ثلاث جبهات تجبر هؤلاء الشباب على التوزع عليها مما يعني زيادة صرف الذخيرة".

ونوه العميد إلى أن "النظام السوري يستنزف هؤلاء على عدة أصعدة سواء بالطعام أو النوم والراحة والجرحى".

ويؤكد الأسعد أن "المؤازرات ومحاولة فتح ثغرة إمداد لأحياء درعا من ذخيرة وطعام وإسعاف سيمكن الثوار من إعادة الوضع إلى ما كان عليه".

ويتفق القيادي في المعارضة السورية، العميد فاتح حسون، مع الأسعد أن على "الثوار داخل الأحياء المحاصرة استخدام معظم تكتيكات حرب العصابات الممكنة، وأهمها الالتفاف والإحاطة والكمائن والإغارات، وذلك بما يتناسب مع العتاد الموجود بين أيدي المقاتلين ".

وقال حسون لـ "الاستقلال": إن على "المقاتلين أن ينقسموا لمجموعات صغيرة، فهذا ما يمكن أن يؤثر بشكل نسبي أكثر من المواجهة مع المليشيات على خطوط التماس".

النفير العام

ويتمسك النظام السوري بسقف مطالبه للموافقة على التواصل لحل شامل لا جزئي يجري التوصل له لأيام ثم ينهار ويعود الوضع إلى المربع الأول.

ويدلل كثير من المراقبين في الشأن السوري أن إيران هي من تقف وراء تعطيل أي اتفاق ووقف الأعمال العسكرية، لكون المعركة في الجنوب السوري لم تكن من بنات أفكار النظام.

 بل هي وفق هؤلاء جزء من المشروع الإيراني الرامي للوجود على حدود الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، بما يمنحها مستقبلا مجالا للتفاوض مع الدول بكثير من الملفات وخاصة العقوبات الدولية نتيجة برنامجها النووي.

وهذا ما أكده بيان لجنة أهالي "درعا البلد" في 29 أغسطس/آب 2021، حينما طالبوا باقي مناطق درعا بالنفير العام لإيقاف حملة قوات النظام السوري العسكرية، بعد رفضه للحلول السلمية التي ترضي جميع الأطراف.

وبالرغم من عدة اجتماعات أجرتها لجنة التفاوض عن المعارضين في المحافظة مع ممثلين عن النظام وروسيا إلا أنه لم يتم التوصل إلى تهدئة في المحافظة حتى الآن.

وأكد البيان وقتها أن النظام السوري يريد "جر البلاد لحرب طاحنة يقودها ضباط إيرانيون ومليشيات طائفية".

ويهدف هؤلاء إلى التوسع والسيطرة ومن ثم القضاء على النسيج الاجتماعي وخلق تغيير ديموغرافي في التركيبة السكانية، وفق البيان.