مستغلا العشائر الحدودية.. لماذا يسعى الأردن لفتح خط مع روسيا بشأن درعا؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مدعوما بمليشيات إيرانية، دفع تصعيد النظام السوري العسكري على مدينة درعا، المملكة الأردنية إلى إعادة ترتيب أوراقها ضمن الملف السوري بما يفضي لخلق تفاهمات جديدة تكون طرفا فيها.

بدا واضحا أن موقف المملكة تجاه الجارة الشمالية (درعا) عقب تعرض أحياء "درعا البلد" لحصار خانق استمر أكثر من شهرين، يسير في اتجاهين تحكمه حسابات أمنية في الدرجة الأولى، واقتصادية ترى فيها عمان عاملا ملحا ينادي به الداخل الأردني.

واعتبرت زيارة الملك عبد الله الثاني إلى روسيا ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين في 23 أغسطس/آب 2021، ذات بعد استباقي، لا سيما أنها جاءت مع محاولة قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية اقتحام أحياء "درعا البلد" وتعثر المفاوضات بين لجنة الأهالي والنظام بوساطة روسية.

لذلك ينظر الأردن إلى أن تغير خارطة السيطرة العسكرية على حدوده، ونسف التفاهمات السابقة التي كان جزء منها حول درعا ستؤثر على استقرار المملكة.

الأردن بوابة

نتيجة لتطورات درعا وتداعياتها على الأردن، بدأ الأخير تحركا مكثفا للعب دور في حسم ملف درعا كجزء من "خارطة الطريق الشاملة" للحل في سوريا التي قيل: إن الملك الأردني عبدالله الثاني طرحها على إدارة البيت الأبيض.

وسبق أن طرح الملك الأردني خريطة شاملة للحل في سوريا على الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إلى الولايات المتحدة في يوليو/تموز 2021، وفق ما كشفته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

وأطراف الخارطة إلى جانب الأردن هم الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل ودول أخرى، لكن ما كان لافتا حسبما ذكر تقرير الصحيفة المنشور في 20 يوليو/تموز 2021 أن تطبيقها يتطلب تعاون واشنطن وموسكو ورأس النظام السوري بشار الأسد معا.

وأمام هذه المعطيات فإن الكثير من المراقبين باتوا يعتقدون، أن عمان تريد أن يكون ملف درعا، أردنيا روسيا مشتركا، لكون الأخيرة تدرك مدى قدرة الأردن على أن يكون مفتاح الحل إلى جانب دور موسكو البارز في الضغط على النظام السوري.

وفي هذا السياق ذهب المحلل السوري المختص بشؤون المنطقة الجنوبية محمد النجم للقول: إن "الأردن لا يمتلك أوراق قوة فاعلة كما هو الحال لدى تركيا، لذا هو يحاول تحريك الملف دوليا وإيصال الصورة للدول بعدم رغبته في وصول مليشيات إيران على حدوده وخاصة لروسيا لكونها الضامن لاتفاق الجنوب عام 2018".

وأضاف النجم لـ"الاستقلال": إن "عامل التقارب العشائري لقبائل حوران والأردن يحتم على الأخيرة أن تأخذ الدور السياسي وحماية عشائرها من تأثير المليشيات الإيرانية عليها".

ورأى النجم أن "الأردن يسعى لفتح خط مع روسيا لتكون بوابة إعادة الإعمار مستقبلا في حال إقراره وهي تتقارب مع موسكو في هذا الشأن، مقابل ترويج عمان لإعادة تعويم النظام السوري وعودته إلى الجامعة العربية".

وألمح المحلل إلى أن "الأردن اختار الصف الروسي طمعا بتحريك اقتصاده وتحوله إلى بوابة لإعادة الإعمار بحيث تصبح عمان مقرا للمكاتب الدولية وتشغيل الموانئ من خلال استيراد المواد وغيره، وطبعا هذا لا يتأتى إلا إذا كانت الحدود مع درعا مضبوطة أمنيا وعلى الأقل بيد جماعة لها دولة ترعاها مثل حالة روسيا واللواء الثامن".

واعتبر المختص بشؤون المنطقة الجنوبية السورية، أن زيارة الملك عبد الله الثاني لموسكو كانت "طارئة فرضتها التطورات بدرعا، وهنا قد يكون الأردن يسعى لخلق غرفة عمليات أمنية واستخباراتية مشتركة مع روسيا بما يمنح عمان فتح خط مباشر للتنسيق إزاء تصاعد المشهد العسكري على حدودها واقتراب المليشيات الإيرانية منها".

واستدرك أن "أي تهدئة في الجنوب السوري وإيجاد صيغة للحل وتطبيقها وفتح الحدود يعني انتعاشا اقتصاديا أردنيا بعد عقد من خسارته لملايين الدولارات كان يحصل عليها من تجارة الترانزيت من سوريا المنتجة والتي تمر عبر الأردن إلى الخليج العربي".

وتؤكد بيانات رسمية أردنية أن انقطاع "الترانزيت" الدولي خفض قيمة الصادرات الأردنية إلى 13.9 مليون دولار في 2016، بعد أن سجلت 255.5 مليون دولار في 2011.

ويدفع تجار أردنيون حكومة بلادهم إلى التباحث أكثر مع واشنطن لإزالة اسم الأردن من البلدان التي ينطبق عليها "قانون قيصر" الأميركي الساري منذ 17 يونيو/حزيران 2020 والذي صمم لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام السوري.

ويعد هذا الطموح المتنامي أولى المخارج لتخفيف ضعف الحركة الاقتصادية، ولا سيما في حال رفع الحظر عن الاستيراد من سوريا مما يعني تخلص التجار من ارتفاع كلفة الشحن البحري لتوريد المنتجات والمواد للأردن.

خطر متعدد

ويحتضن الأردن 1.3 مليون سوري نصفهم يحملون صفة لاجئ ممن فروا من بطش وقصف نظام بشار الأسد على مدنهم وبلداتهم، وعدا عن هذا فإن وجود ترابط عشائري بين أهالي درعا وعمان يجعل من الأخيرة لاعبا بارزا في ملف الجنوب تحديدا.

وتحدث الصحفي السوري من مؤسسة نبأ الإخبارية المهتمة بأخبار درعا، باسل الغزاوي، عن هذه الجزئية الهامة، بقوله: إن الترابط العائلي بين العائلات السورية والأردنية كبير بحيث تجد أن عائلة الزعبي في الرمثا الأردنية لهم أبناء عم في المدينة السورية".

وحمل الهجوم على درعا رسالة من النظام السوري للضغط على الأردن عبر الوجود الإيراني على حدوده الشمالية، ما دعا أردنيين للنظر إليه "بعين الخشية والاهتمام" لأن وجود المليشيات الإيرانية هناك يعني تهديدا "للأمن الوطني الأردني".

وهذا ما أكده الغزاوي بقوله: "إن المليشيات الإيرانية باتت اليوم تشكل خطرا أيضا على عمان والخليج إلى جانب أهالي درعا على اعتبار أن المناطق المحاصرة أو التي من المتوقع أن تشهد كذلك تصعيدا عسكريا تقع على مثلث حدودي مع الأردن وإسرائيل".

خاصة أن المليشيات الإيرانية تعتمد على تمويلها من خلال تجارة المخدرات التي تعد سوريا ليست بيئة استثمارية لها بقدر ما تشكله الأردن من بوابة إلى الخليج، وفق قوله.

ثلاث دوائر

دل التصعيد العسكري جنوب سوريا، على أن الأردن مضطر للتحرك تجاه الملف السوري بشكل عام ضمن ثلاث دوائر عربية وإقليمية ودولية.

وهذا ما ذهب إليه الخبير العسكري الأردني اللواء فايز الدويري، بتأكيده أن موقف بلاده منذ عام 2014 مر بمراحل صعود وهبوط تجاه سوريا، لأن الأردن حسب قوله هو "جزء من منظومات عربية إقليمية دولية ولا يستطيع أن يغرد خارج السرب".

وأضاف اللواء في تصريحات صحفية 26 أغسطس/آب 2021: "الأردن عليه أن يعمل على تلك الدوائر الثلاث".

أولا: الدائرة العربية، وفي هذا إشارة إلى التغيرات التي حدثت عامي 2015 و2018 حيث هناك دول عربية كالسعودية والإمارات ومصر والجزائر والعراق تسعى لإعادة تأهيل بشار الأسد وإعادته إلى مقعد الجامعة العربية، تحت مبرر أن وجود النظام السوري في هذه المحافل قد يساعد الحل النهائي لسوريا.

وتابع: أما الدائرة الإقليمية التي تضم روسيا وتركيا وإيران فهم جميعهم متعارضون في أهدافهم بسوريا وهذا يعني أن الحلقة الإقليمية أكثر تعقيدا.

أما الدائرة الدولية وفق الخبير العسكري الأردني، فتشمل أميركا وروسيا.

وأوضح أن "واشنطن مشغولة بالانسحاب من أفغانستان، فيما موسكو لم تستطع تحقيق النجاحات المطلوبة في سوريا، إذ إنها جاءت لمحاربة الإرهاب وغالت في استخدام الأسلحة لأهداف اقتصادية حيث كان القصف يستهدف قوات الثورة السورية وليس الإرهابية".

ونوه بالقول: "ومن هنا بدأت المطالبة لموسكو بوصفها راعية للنظام السوري بأن الأخير يجب أن يخضع للإملاءات التي تصدر من قاعدة حميميم الروسية في سوريا".

ورأى الدويري أن "ملك الأردن خلال الزيارة لموسكو طالب بحل الأزمة السورية وليس فقط حل ما يجري بدرعا؛ لأن عمليات إعادة التوطين للمليشيات الإيرانية والتغيير الديموغرافي الحاصل هو مقلق لعمان وهو مدرك لها، ولكن الأخيرة عليها أن تتحرك ضمن الدائرة الثلاث (العربية والإقليمية والدولية)".