حراك تحت وصاية العسكر.. هل تنجح ثورة الجزائريين؟

زياد المزغني | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

منذ الأيام الأولى للحراك الشعبي الرافض لترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة والذي انطلق يوم 22 فبراير/شباط 2019، وساعات الجزائريين والمتابعين للشأن الجزائري تحسب بيانات وكلمات الجنرال أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع ورئيس أركن الجيش الجزائري.

بيانات بدأت محذّرة من الحراك ونتائجه التي قد تدخل البلد في نفق مظلم مشابه للذي دخلت فيه في تسعينات القرن الماضي بعد انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول وانتخابات عام 1991، والتي تدخّل الجيش لإلغاء نتائجها، بعدما فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بقيادة الراحل عباسي مدني.

لم يستمر هذا الخطاب طويلا، فسرعان ما تبنّى الجيش جزءا من مطالب الحراك وفي مقدّمتها استقالة أو إقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتطبيق المادّة 102 من الدستور الجزائري، وهو ما تمّ فعليا في 2 أبريل/ نيسان 2019، إلاّ أنّ الحراك الشعبي تواصل بنسق أكبر وبسقف أعلى مطالبا بإزاحة رموز فترة حكم بوتفليقة وتجاوز الآجال التي فرضها الدستور لاختيار رئيس جديد للبلاد.

هذه المطالب التي تحملها الجمعات المتتالية للجزائريين تقابل بخطوات من المؤسسة العسكرية وإجراءات وكلمات، تحافظ على دورها المحوري في الحياة السياسية في البلاد.

الحاكم خلف الستار

حافظت مؤسسة الجيش الشعبي الجزائري، منذ استقلال البلاد في العام 1962، على دور مركزي في الدولة، بل شكّلت هذه المؤسسة "العمود الفقري" لها، وحكمت المؤسسة فعليا البلاد منذ عهد الرئيس هواري بومدين بعد الإنقلاب على الرئيس أحمد بن بلّة عام 1964 إلى عهد عبد العزيز بوتفليقة الذي وصل للرئاسة في العام 1999 خلفا للرئيس الأمين زروال.

ورغم دورها الكبير في صناعة الرؤساء وإدارة اللعبة السياسية، إلا أنها اختارت البقاء وراء الستار، وعدم تقديم شخصيّة منها لإدراة البلاد، ويظهر أن أحمد قايد صالح يرغب في الاستمرار بهذا الدور الخفي، فهو واحد من الداعمين لاستمرار بوتفليقة والداعين لترشّحه لولاية رئاسية خامسة، شأنه شأن عائلة الرئيس والأحزاب الموالية، خصوصا جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، وطبقة رجال الأعمال، إلاّ أنّ الحراك فاجأ الجميع وأجبره على تغيير الموقف سريعا.

ففي 26 فبراير/شباط 2019، وبعد أيام قليلة على خروج أوّل المظاهرات الكبرى في العاصمة رفضا لولاية خامسة لبوتفليقة، وجّه رئيس الأركان الجنرال أحمد قائد صالح كلمة للشعب الجزائري هاجم فيها الحراك، قائلا: " إنّها نداءات مشبوهة ظاهرها التغني بالديمقراطية وباطنها جرّ هؤلاء المغرر بهم إلى مسالك غير آمنة، بل غير مؤمنة العواقب".

إلاّ أن تواصل الحراك وتوسّعه بدا وكأنّه دفع بقائد الجيش إلى تعديل خطابه، فبعد الكلمة التي وصف فيها المحتجّين بـ"المغرر بهم"، فقد سحبت وزارة الدفاع فقرة بالكامل من الخطاب مع فيديو الكلمة.

وبعدها خرج قائد صالح مجدّدا في أكاديمية شرشال العسكرية يوم 5 مارس/آذار 2019، في محاولة لاسترضاء الشعب الجزائري، قائلا: "التصدي العازم الذي أبداه الشعب الجزائري لم يرض بعض الأطراف الذين يزعجهم أن يروا الجزائر آمنة ومستقرة". وقال كذلك: "إنما يريدون أن يعودوا بها - أي الجزائر - إلى سنوات الألم وسنوات الجمر، التي عايش خلالها الشعب الجزائري كل أشكال المعاناة"

وأضاف صالح: "سيبقى الجيش الوطني الشعبي ماسكا بزمام ومقاليد إرساء هذا المكسب الغالي (أي الأمن) الذي استعاد به وطننا هيبته"، مضيفا: "الشعب هو نفسه المطالب اليوم أن يعرف كيف يكون حصنا منيعا لصد كل ما من شأنه تعريض الجزائر لأخطار غير محسوبة العواقب".

وسرعان ما تغيّر هذا الموقف من تأييد لبوتفليقة إلى مطالبة بإقالته، حيث دعا قائد صالح في كلمة ألقاها خلال زيارة عمل وتفتيش إلى الناحية العسكرية الرابعة بورقلة يوم 26 مارس/آذار الماضي، إلى ضرورة تفعيل المادّة 102 من الدستور القاضية بشغور منصب رئيس الجمهورية.

وقال صالح: "يتعين بل يجب تبني حل يكفل الخروج من الأزمة، ويستجيب للمطالب المشروعة للشعب الجزائري، وهو الحل الذي يضمن احترام أحكام الدستور واستمرارية سيادة الدولة، حل من شأنه تحقيق توافق رؤى الجميع ويكون مقبولا من كافة الأطراف، وهو الحل المنصوص عليه في الدستور في مادته 102".

اكتساب الثقة

جاءت استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مساء 2 أبريل/نيسان الماضي، كأهم انجاز للحراك الشعبي الجزائري، الذي يعتبر أنّ احتجاجاتهم في الشارع إضافة إلى تخلّي الجيش عن بوتفليقة أجبرته على الاستقالة، خاصّة بعد إصدار الجيش بيانا شديد اللهجة وصف فيه محيط الرئيس بالعصابة".

هذه الاستقالة فتحت بعدها موجة من الاعتقالات في صفوف عدد من المقربين من القصر الرئاسي والمتهمين في قضايا فساد، من بينهم أكبر أثرياء الجزائر ، كما فتحت ملفات فساد تطال عددا من الوزراء والسياسيين الجزائريين.

وقوبلت هذه الاجراءات، بارتياح برشا شعبي واسع ترجمت في ساحات الاحتجاج بترديد الجماهير لشعار "الجيش والشعب خاوة خاوة " أي "الجيش والشعب إخوة "، أضاف لها رسائل مطمئنة من المؤسسة العسكرية في كل مناسبة، حيث أكد رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، في خطاب أمام قيادات المؤسسة العسكرية، أن "قيادة الجيش الوطني الشعبي لن تتخذ أية قرارات لا تخدم الشعب والوطن"، مؤكدا أن الجيش "حريص على ألّا تراق قطرة دم جزائري واحدة".

إلاّ أنّ هذه الثقة التي يصفها البعض بالمفرطة في الجيش، والتعويل عليه في جميع المراحل المفصلية من الحراك تثير العديد من التساؤلات عن الدور الذي يمكن أن يلعبه في المرحلة المقبلة، وكذلك حول إمكانيّة تحقيق الحراك لنتائجه في ضمان انتقال حقيقي إلى نظام ديمقراطي تعددّي .

عهدة خامسة بلا بوتفليقة

لا يزال الحراك في الجوائر يرفع نفس المطالب التي خرج من أجلها منذ أوّل جمعة، معبّرا عنها بشعار "يرحلوا قاع " أي "يرحلون جميعا"، هذا المطلب الذي لا يستثني أحدا من الذي رافقوا بوتفليقة طيلة 20 عاما من حكمه ويحمّلهم الشعب مسؤولية الوضع الذي وصلته الجزائر، وماكان يمكن أن يحدث لو استمرّ بوتفليقة في السلطة.

ويرى عدد كبير من الناشطين في الحراك الجزائري، أنّ السلطة الحاكمة حاليّا ممثلة في الجيش برئاسة الفريق قايد صالح، ماضية في قراراتها رغم رفض الشعب لها، ومصرّة على الاستمرار في تنفيذ خارطة الطريق التي أقرّها الدستور والتي توصل إلى انتخابات رئاسية في حدود 90 يوما من استقالة بوتفليقة.

ورغم أن الحراك الشعبي في الجزائر يفتقر إلى قيادة سياسية، فإن جماهيره تجمع على القطيعة مع كل الأحزاب السياسية والنقابات التقليدية -الموالية والمعارضة- وترفض انضمامها لحراكه ومظاهراته أو الحديث باسمه، وترفض كل أشكال المفاوضات مع أي جهة داخل السلطة قبل تحقيق مطالبها كاملة ودون تأخير.

واعتبر بعض السياسين، أنّ ما يجري في الجزائر حاليا هو "عهدة خامسة من دون بوتفليقة"، في إشارة منهم إلى استمرار النظام "برعاية الجيش"، فرئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، قال في حديث صحفي: إن "الجزائر لم تبرح إشكالية الولاية الخامسة ما دامت لم تطبق المادتين 7 و8 من الدستور، واللتان توصيان بضرورة حكم الشعب والنزول عند آماله في تسيير شؤون الدولة".

كل هذه المواقف تحافظ على نفس التخوّف المتبادل في عدد من الدول العربية مرتبطة بأزمة تدخل الجيش في الحياة السياسية وعلاقته بمؤسسة الحكم والرئاسة. فبالرغم من نجاح الحراك في الإطاحة برأس النظام في العاصمة، فإن المرور إلى مرحلة انتقالية وفق رؤية الشارع وتطلعاته تبدو صعبة في ظل بقاء الشارع مرتهنا لقرارات المؤسسة العسكرية.