لا بديل لطريق التفكك.. هكذا يدفع صاحب "نوبل للسلام" إثيوبيا إلى الحرب

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"تمزق للدولة، وكارثة إنسانية تحدث على مرأى ومسمع من العالم، خاصة وأن المتصارعين بلغوا أوج الحشد والاستعداد لتطورات أكبر من الواقعة"، كان هذا وصف الأمم المتحدة للصراع الداخلي الدائر في إثيوبيا.

وأشارت المنظمة الأممية إلى أن خطورة الوضع تتمثل في "ظل تحالف قوات إثنية تيغراي، وحلفائها الجدد من جيش تحرير أورومو، ضد القوات الحكومية التي تشن بأوامر من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد؛ حربا ضروسا عليهما".

إثيوبيا دولة إثنية ذات طبيعة معقدة، امتلأت بالصراعات والحروب الأهلية، وبحكم استبدادي مطلق لمجموعة تيغراي، دام 27 عاما، وأدى في النهاية إلى سقوطها بعد 3 سنوات من الفوضى.

ذلك السقوط، تبعه صعود الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية إلى سدة الحكم، برئاسة رئيس الوزراء آبي أحمد، 2 أبريل/ نيسان 2018، ليكون أول من يتولى ذلك المنصب من عرقية أورومو، ذات الكثافة العددية.

بشر حينها رئيس الوزراء الشاب الشعب الإثيوبي بعهود السلام والنهضة، والوحدة الكاملة، وانتهاء زمن النزاعات والمعارك طويلة الأمد، وأن البلاد المحكومة بنظام فيدرالي، ستصبح أكثر تماسكا.

بدأ آبي أحمد، في حزمة إجراءات إصلاحية جوهرية في البنية الاقتصادية والسياسية للدولة، وأعاد هيكلة الأجهزة الأمنية وجهاز الاستخبارات الوطنية.

بسبب ما قيل عن جهوده في إحلال السلام مع جارة إثيوبيا إريتريا وإنهاء حالة الحرب الممتدة عبر عقود بين البلدين؛ حاز آبي أحمد على جائزة "نوبل" عام 2019. 

لكن العملية العسكرية التي أطلقها لمعاقبة إدارة شعب تيغراي، نهاية 2020، أطاحت بأحلام الاستقرار، وأدخلت إثيوبيا شبح الملاحم الإثنية.

أصبحت العاصمة أديس أبابا، كذلك مهددة باقتحام جيوش تيغراي وأورومو بعدتها وعتادها، وبأعمال انتقامية مفزعة، نتيجة لما ارتكبته قوات آبي أحمد ضدهم خلال حملتها العسكرية.

والأهم هنا في هذا الإطار هو أن وحدة إثيوبيا ونظامها الفيدرالي، على المحك، ما بين الاستمرار، والنهاية.

تحالف قوي

 

11 أغسطس/ آب 2021، أعلن زعيم جيش تحرير أورومو كومسا ديريبا، أنه "سيكون هناك تحالف عسكري كبير ضد نظام آبي أحمد".

في نفس اليوم دخل جيش تحرير أورومو، في تحالف مع جبهة تحرير تيغراي، التي حققت انتصارات على قوات الحكومة الإثيوبية، في يونيو/ حزيران 2021.

في ذلك التوقيت استعادت قوات تيغراي السيطرة على معظم أجزاء إقليمها، وشرعوا في التوغل نحو إقليمي العفر ثم الأمهرة، وأصبحت العاصمة أديس أبابا ضمن أهدافهم المحتملة. 

الجبهة الأساسية في الحرب ضد آبي أحمد، ونظامه، هي التيغراي، الممثلة في 7 ملايين شخص، من أصل 122 مليون نسمة عدد سكان إثيوبيا، وهم ثالث أكبر مجموعة عرقية في البلاد بعد الأورومو والأمهرة.

إذ تنقسم إثيوبيا إلى 10 ولايات إقليمية على أسس عرقية تتمتع بالحكم الذاتي إلى حد كبير، ولكن مع مؤسسة مركزية، قابعة في العاصمة.

نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، شن آبي أحمد أشرس حرب ضد تيغراي، واجتاح إقليمهم بجيشه وارتكب مذابح وحشية.

"المفوضية العامة" للأمم المتحدة أعلنت مارس/ آذار 2021، أن مكتبها تمكن من تأكيد سلسلة من الانتهاكات الجسيمة في تيغراي، يمكن أن تشكل "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".

الأمر الذي أدى إلى توافد الشباب للانضمام للمقاومة المسلحة، مذعورين من الفظائع التي ارتكبت بحق شعبهم، كما عاد قدامى المحاربين إلى حمل السلاح، بما في ذلك العديد ممن انشقوا عن جبهة تحرير تيغراي منذ سنوات.

الجنرال الإثيوبي تسادكان جبريتنساي استطاع تنظيم المقاومة تحت راية قوات دفاع تيغراي (TDF)، وتمكن من كسر الحصار، وفاجأ القوات الإثيوبية بهجوم مضاد شرس.

في 17 يونيو/ حزيران 2021، أخذت قوات دفاع تيغراي زمام المبادرة، وقالت: إنها استعادت خلال خوضها سلسلة من المعارك، سيطرتها على الأراضي ودمرت 8 فرق من الجيش الإثيوبي (أي نصف قوته القتالية). 

آبي أحمد، أصبح في موقف لا يحسد عليه، مع انزواء كثير من أعدائه تحت راية المسلحين الأقوياء الذين كسروا جيشه، ويستعدون للانقضاض عليه.

خارطة المتمردين

القوة الثانية المهددة للحكومة المركزية في أديس أبابا، هي "جيش تحرير أورومو"، أصدقاء الأمس لآبي أحمد، وأعداء اليوم، وكذلك هم الحلفاء الجدد لقومية تيغراي، رغم خلافاتهم الإثنية القديمة.

جيش أورومو، الذي ينتمي إلى أكبر عرقية في البلاد، الأورومو، عرقية آبي أحمد، وأغلب أبنائها من المسلمين؛ أعلن تحالفه رسميا مع جبهة تحرير شعب تيغراي.

ولكن مكمن الخلاف الأساسي أن المعارضة الأورومية تعتبر، رئيس الوزراء، أقرب لعرقية الأمهرة المسيحية، التي تتحدر منها والدته وزوجته.

جيش الأورومو يضم آلافا من العناصر المسلحة، وتنتشر معسكراتهم بالمنطقة الغربية من إقليم أورومو، وأواسط منطقة شيوا (شمال أديس أبابا)، ويسيطرون منذ سنوات على بعض المحافظات الغربية.

عندما بدأت الحرب نهاية 2020، أعلن جيش أورومو سيطرته على جزء من الطريق الرئيس شمال مدينة شيوا، الأمر الذي تسبب في قطع الإمدادات من العاصمة إلى جبهات القتال في أمهرة، وهو ما أضعف جبهة قتال القوات الحكومية.

حينها، أعلن  زعيم الجيش الجنرال جال مارو نيته القضاء على حكومة آبي أحمد، قائلا: "الحل الوحيد الآن هو الإطاحة بهذه الحكومة عسكريا، والتحدث باللغة التي يريدون التحدث بها"، قاصدا لغة القوة والسلاح.

القوة الثالثة والحاسمة على جبهة القتال، هي "الحركة الشعبية لتحرير بني شنقول"، وهي القوة التي تصدت للاجتياح الإثني من قومية الأمهرا المدعومة حكوميا في 29 سبتمبر/ أيلول 2020.

إذ ارتكبت الأمهرا انتهاكات بالغة في المنطقة التي يقطنها "بني شنقول" المسلمين، وسقط ضحايا من المدنيين على أيديهم.

ومن حين لآخر، تشتبك السلطات الإثيوبية معهم بشكل مستمر، وتعمل على التنكيل بهم وتهجير قطاع منهم، وعمل تغيير ديموغرافي في المنطقة، يشمل تسكين عرقيات منها الأمهرا، وهي واحدة من أكبر العرقيات والقبائل في البلاد. 

في مايو/ أيار 2021، حذرت الخارجية السودانية إثيوبيا من أنها إذا كانت ترفض جميع "الاتفاقات الاستعمارية"، وتحديدا اتفاق 1902، فيجب أن تعيد إلى السودان السيادة على إقليم بني شنقول، الذي تسكنه أغلبية مسلمة تتحدث اللغة العربية. 

وتأتي آخر المجموعات على خطوط القتال، متمثلة في "الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين"، التي تعد إحدى الحركات المرجح بقوة انضمامها إلى تحالف جبهة تيغراي وجيش أورومو، بالنظر إلى أن عدوهم المشترك آبي أحمد.

وينشط متمردو الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين في إقليم الصومال الإثيوبي (شرقي البلاد)، المتنازع عليه مع الصومال.

ذلك الإقليم بسببه اندلعت حرب أوغادين بين البلدين، عامي 1977 و1978، وتسعى الجبهة للانفصال بالإقليم عن إثيوبيا أو الانضمام إلى الصومال.

 

أصبحت جحيما

لم تكتف حكومة آبي أحمد، ذات الأغلبية الأمهرية، بحربها الطاحنة العرقية ضد العرقيات الأخرى في البلاد، بل صنفت كلا من جبهة تحرير تيغراي، وجيش تحرير أورومو، منظمتين إرهابيتين.

النقطة الأخطر، جاءت 9 أغسطس/ آب 2021، عندما حثت الحكومة الإثيوبية مواطنيها على الانضمام للقتال ضد قوات إقليم تيغراي التي تندفع حاليا إلى ما وراء منطقتها، في الحرب المستعرة، التي أثارت أزمة لاجئين كبيرة.

حينها أعلنت رئاسة بلدية أديس أبابا أن  3 آلاف من سكان المدينة جرى تجنيدهم للقتال في جميع أنحاء البلاد، وجاءت الدعوة لحمل السلاح، في بيان أصدره مكتب رئيس الوزراء.

آبي أحمد قال: "آن الأوان لأن ينضم جميع الإثيوبيين القادرين الذين بلغوا سن الرشد إلى قوات الدفاع والقوات الخاصة والمليشيات بدافع حب الوطن".

تلك الدعوة، جاءت بعد المشاهد الصادمة 6 يوليو/ تموز 2021، مع استعراض "جبهة تحرير تيغراي" مشاهد 7 آلاف أسير من جنود الحكومة الإثيوبية المركزية، في مدينة ميكيلي عاصمة الإقليم.

الأمر الذي تسبب في صدمة عارمة للشعب الموالي للحكومة، وفي حرج بالغ لآبي أحمد. 

19 أغسطس/ آب 2021، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: إن "الظروف الإنسانية في إقليم تيغراي أصبحت جحيما".

وذكر أن "المحتاجين (بالإقليم) يقدر عددهم بالملايين والبنية التحتية دمرت، وسمعنا روايات مباشرة لنساء تعرضن لعنف لا يمكن وصفه".

وأضاف غوتيريش: "حان الوقت لكي تدرك جميع الأطراف أنه لا يوجد حل عسكري، ومن الضروري الحفاظ على وحدة واستقرار إثيوبيا".

في 24 أغسطس/ آب 2021، كتب الدكتور حسن أبو طالب، المستشار بمركز "الأهرام" للدراسات السياسية والإستراتيجية، مقالة عن "الاختبار الكبير الذي يواجه الفيدرالية الإثيوبية".

الباحث المصري، أورد أن الحروب والتمزقات الواقعة بإثيوبيا زادت من الأزمات الهيكلية التي تعاني منها البلاد.

ورأى أن القتال الأخير ساهم في مزيد من عزلة إثيوبيا، ومزيد من تعقيد الأوضاع الداخلية إلى الحد الذي يجعل خيار الحرب قرارا لا بديل له، بينما يعاني الجيش الفيدرالي قدرا كبيرا من التفكك الداخلي مهنيا وتنظيميا. 

وأوضح أن "النتيجة الأكثر ترجيحا في ظل بيئة متوترة وفاقدة للرشد السياسي انزلاق البلاد إلى مواجهات أهلية وعرقية، وضعف متتال للحكومة المركزية، وتشكيك في جدوى فيدرالية لا تفيد سوى البعض، بينما تعاني الأكثرية فقدان الأمن والأمل في دولة مستقرة".