مادورو أعلن فشله.. هل تنجح أمريكا في تثبيت انقلاب فنزويلا؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

انقلاب عسكري بدا ناجحا في ساعاته الأولى، ثم تأكد بعدها فشله، لكنه أشعل الأوضاع في فنزويلا، وأبقى طرفي اللعبة ومن يدعموهما من الخارج متمسكون بأمل أن تنجح مساعيهم ولو بعد حين.

وكعادتها في دعم وتدبير الانقلابات العسكرية، خاصة بدول أمريكا اللاتينية، كانت الولايات المتحدة الحاضر الأبرز في الأزمة، فهل تتمكن هذه المرة من منح قبلة الحياة للانقلاب على الرئيس نيكولاس مادورو، أم تثبت روسيا أركان حليفها؟

الانقلاب فشل

بعد ساعات قليلة من ظهور زعيم المعارضة الفنزويلية "خوان غوايدو"، صباح الثلاثاء 30 أبريل/نيسان 2019، وسط مجموعة من العسكريين أمام قاعدة جوية بالعاصمة كاراكاس، أعلن الرئيس "نيكولاس مادورو"، إفشال ما وصفه بمحاولة مجموعة صغيرة من العسكر المؤيدين لخصمه نشر العنف في البلاد.

وشدد مادورو، في خطاب متلفز، على أن ما حدث لا يمكن أن يمر دون عقاب، مشيرا إلى أن النائب العام سيباشر التحقيق مع جميع المتورطين في هذه الأحداث، ساخرا مما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" من أنه كان على وشك الفرار من بلده للعيش منفيا في كوبا لو لم تثنه روسيا عن ذلك.

في الجهة المقابلة، وكأنه اعتراف ضمني بفشل محاولته حث غوايدو، الذي تعترف به أكثر من 50 دولة رئيسا للبلاد، أنصاره إلى مواصلة التظاهر ضد مادورو، داعيا الجيش للانضمام إلى "هؤلاء الذين يطالبون بالتغيير في فنزويلا".

وقال في رسالة مصورة: "نعرف الآن على وجه اليقين أن الادعاء بأن النظام يسيطر على القوات المسلحة، هو ادعاء كاذب. نعلم أن مادورو لا يحظى بتأييد أو احترام القوات المسلحة، أو شعب فنزويلا.. اليوم هو يوم تاريخي للبلاد في بداية المرحلة النهائية من عملية الحرية. ولوقف الاستيلاء على السلطة".

قبل أكثر من 3 أشهر قال غوايدو إن الانتخابات الأخيرة التي فاز بها مادورو كانت مزورة، ونصّب نفسه رئيسا للبلاد مستندا إلى الدستور، وحصل بالفعل على دعم الولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية، بينما وقف الجيش الفنزويلي إلى جانب مادورو الذي يحتفظ بدعم حلفاء مثل روسيا والصين وكوبا.

ساحة الصراع

ورغم فشل محاولة الانقلاب، إلا أنها أكدت نجاح غوايدو في استمالة بعض العسكريين إلى صفه، الأمر الذي يشير إلى احتمالية استمالته أعدادا أكبر في المستقبل القريب وربما رتب عالية وقيادات تستطيع أن تصرف أنظار القوات المسلحة عن دعم مادورو.

لكن نجاح زعيم المعارضة في تلك المساعي كان رهينة للجهود الأمريكية المبذولة من أجل إقصاء الرئيس الفنزويلي، والتي بلغت حد التواصل المباشر بين ممثلين عن الإدارة الأمريكية وعسكريين، في محاولة لإقناعهم بدعم غوايدو.

ويبدو أن تلك المساعي الأمريكية آتت أكلها على مدار الأشهر القليلة الماضية، لتسفر عن المشهد الذي فاجأ الجميع، وظهر غوايدو فيه بصحبة عسكريين أمام قاعدة جوية بالعاصمة.

ولم يكن الحديث عن تدخل الولايات المتحدة بهذه القوة لإنجاح الانقلاب مجرد تحليلات سياسية أو شائعات، بل باعتراف مسؤول كبير بالبيت الأبيض، كشف أن الولايات المتحدة تجري اتصالات مباشرة مع أفراد في جيش فنزويلا وتحثهم على التخلي عن مادورو.

وبحسب مقابلة "رويترز" مع المسؤول في إدارة ترامب، فبراير الماضي، فإن الإدارة تتوقع المزيد من الانشقاقات في صفوف الجيش الفنزويلي، إلا أن عددا قليلا من كبار الضباط أقدم على هذه الخطوة منذ إعلان زعيم المعارضة نفسه رئيسا مؤقتا في يناير/كانون الثاني 2019.

وقال المسؤول: "ما زلنا نجري محادثات مع أفراد في نظام مادورو السابق وأفراد في الجيش لكن هذه المحادثات محدودة للغاية"، ولم يفصح المسؤول الأمريكي عن تفاصيل تلك المحادثات أو مستويات القادة الذين تجري معهم، لكنه عوّل على أن تُحدث شقوقا في دعم الجيش للزعيم الاشتراكي، لتسقط ورقة القوة الوحيدة في يديه للسيطرة على مقاليد السلطة.

توازيا مع تلك التحركات الأمريكية حاول "غوايدو" التقرب لأفراد الجيش بوعود بالعفو والمعاملة القانونية الخاصة إذا تنصلوا من مادورو، كما دعمته واشنطن بوعود رفع العقوبات على ضباط كبار في جيش فنزويلا في حالة اعترافهم بغوايدو.

ورغم أنها اللاعب الأكبر على الساحة الفنزويلية، إلا أن الأزمة شهدت تدخل دول أخرى غير الولايات المتحدة، التي هدد وزير خارجيتها بالتدخل عسكريا، وقال: "كل الخيارات مطروحة في التعامل مع الأزمة الفنزويلية، بما فيها الخيار العسكري".

في الجانب المقابل تقف إلى جانب مادورو روسيا والصين وكوبا وتركيا، وترفض هذه الدول تغيير النظام القائم في فنزويلا، فأبدت كل من موسكو وأنقرة وهافانا الثلاثاء 30 أبريل الماضي، مواقف رسمية قوية ضد محاولة الانقلاب.

وقال الرئيس التركي إنه يرفض تعيين حاكم استعماري على فنزويلا، مؤكدا أنه "يتعين على العالم أجمع احترام الخيار الديمقراطي للشعب في فنزويلا"، ما دفع وزير الخارجية الفنزويلي "خورخي أرياسا" إلى توجيه خطاب شكر للرئيس التركي.

لم يكن موقف المعسكر الدولي الداعم لمادورو بنفس قوة أمريكا المساندة لغوايدو، إلا أن تهديد بومبيو بالتدخل العسكري يبقي الخيارات مفتوحة، لتكون فنزويلا ساحة صراع حقيقية بين الغريمين الأمريكي والروسي.

ويبدو أن الحديث عن مواءمات سياسية ومفاوضات بين الرجلين برعاية دولية تجاوزه التاريخ وأصبح من الماضي، خاصة بعد القلق الشديد الذي يشعر به الرئيس الفنزويلي، واحتمالية أن تستميل أمريكا المزيد من القيادات العسكرية لصالحها لترجيح كفة غوايدو.

تاريخ من العداء

ولعل الدعم الأمريكي اللامحدود للانقلاب على مادورو، وما يكشفه من عداء غير مسبوق، يثير تساؤلات بشأن المصلحة الأمريكية وراء ذلك، لكن الحقيقة أن الولايات المتحدة حافظت على مدار عقود على مصالحها الاقتصادية والقومية في أمريكا اللاتينية بطرق مختلفة، كان أبرزها الانقلابات العسكرية.

واشنطن أيدت ورتبت انقلابات عسكرية عديدة في البرازيل وبنما وتشيلي والأرجنتين، قاد أغلبها البلاد لمجازر راح ضحيتها آلاف المدنيين، وفي فنزويلا كان الموعد مع الرئيس السابق "هوغو تشافيز"، الذي وصل للسلطة عام 1999 في انتخابات ديمقراطية، بعدما حاول عام 1992 الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب عسكري، لكن محاولته باءت بالفشل وبعد ذلك قضى تشافيز عامين في السجن قبل العفو عنه.

عام 1999 عندما وصل تشافيز للحكم عبر انتخابات ديمقراطية بدأت تظهر أجندته اليسارية في سياساته وخطاباته، فالرجل الذي هاجم حرب العراق هو نفسه الذي حاول فرض ضرائب أكثر على شركات البترول في فنزويلا، التي أغلبها أمريكي بطبيعة الحال.

في أبريل/نيسان 2002 بدأ الانقلاب ضد تشافيز بمظاهرات شعبية في الشوارع، اتجهت للقصر الرئاسي، لكن الأمر تطور حين طالب الجيش شافيز بالاستقالة، وأعلن رئيس أكبر رابطة رجال أعمال في فنزويلا "بيدرو كارمونا" نفسه رئيسا للحكومة الانتقالية في فنزويلا.

استطاع تشافيز -أثناء محبسه في ثكنات الجيش- أن يتواصل مع بعض القادة الموالين له، وعلى الجانب الآخر بدأت مظاهرات مؤيدة له يقودها مؤيدوه، واستطاع إفشال الانقلاب في وقت قصير.

بعد عودة تشافيز للحكم، صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية حينها "كونداليزا رايس" بأن "على تشافيز أن يعلم أن العالم يراقبه، وأن يستفيد من هذه الفرصة لقيادة السفينة بشكل جيد"، وكذلك أعلن جورج بوش الابن أن أمريكا لم تكن ضالعة في الانقلاب.

لكن تشافيز طالما اتهم أمريكا بالترتيب والضلوع في الانقلاب، خصوصا أن أمريكا كانت متهمة باغتيال حليفه الوثيق فيديل كاسترو، رئيس كوبا، كما أن الصحافة كشفت الأمر، مؤكدة ضلوع بعض أعضاء إدارة بوش في ترتيب الانقلاب منذ شهور، عندما قابلوا "كارمونا" وبقية قادة الانقلاب في أمريكا.

وفقا لمادورو نفسه، فخلال سنوات حكمه من 2013، تعرض خلالها لـ 20 محاولة انقلاب فاشلة ضده، ويتهم دائما أمريكا بتدبير تلك المحاولات مع المعارضة اليمينية، وما يعطي كلامه بعض المصداقية لدى مؤيديه أن أمريكا كانت ضالعة في محاولة الانقلاب على أستاذه وصديقه "تشافيز"، الذي وصى الشعب الفنزويلي بالتصويت لمادورو (نائبه في ذلك الوقت) بعد وفاته.

في عام 2016، أعلن مادورو أن هناك محاولة فاشلة حدثت في شهر فبراير/شباط، وكان يقف وراءها ضباط سلاح الجو، وكالعادة اتهم أمريكا بالوقوف وراء المحاولة، في تلك الفترة قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إنه وفقا لمحللين فإن مادورو ما زال معرضا بشدة للإطاحة به في انقلاب داخل قصره.

وفي أغسطس/آب 2017، أعلنت الحكومة عن إحباط محاولة تمرد بقيادة بعض العسكريين في جنوبي البلاد، قالوا إنهم انتفضوا ضد "طغيان قاتل"، قبل أن يجري اعتقالهم جميعا.

بينما كانت أبرز محاولات اغتياله وأقربها في أغسطس/آب 2018، عن طريق طائرة مسيّرة من دون طيار (درون)، أثناء عرض عسكري، لاحقا صرح وزير الإعلام أن ما حدث كان "بسبب انفجار طائرتين من دون طيار، تحملان متفجرات بالقرب من المنصة الرئيسية".

بصمة واشنطن

ولعل الحديث عن الدور الأمريكي في دعم انقلاب عسكري على مادورو، يعيد إلى الأذهان ذاكرة مليئة بتدخلات مماثلة، دفعت خلالها جيوش دول عدة إلى الانقلاب على حكامها، سواء كانوا ديمقراطيين أو ديكتاتوريين.

المحاولة الأحدث تاريخيا مُنيت بالفشل الذريع، وتورطت خلالها أمريكا بدعم بعض قيادات الجيش التركي للانقلاب على الرئيس رجب طيب أردوغان صيف 2016، ويُنسب إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية سلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية الدموية، خاصة في أمريكا الوسطى والجنوبية وغربي أفريقيا والشرق الأوسط والأدنى.

من أبرز تلك العمليات التي اعترفت وكالة الاستخبارات الأمريكية "CIA" نفسها بتدبيرها، الانقلاب الذي وقع في إيران عام 1953 وأطاح برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا آنذاك "محمد مصدق"، بعد أن أمّم شركات النفط.

ونُشرت هذه الوثائق في أرشيف الأمن القومي، وهو معهد بحثي غير حكومي ومقره جامعة جورج واشنطن، وذلك في عام 2013 بالتزامن مع الذكرى الستين للانقلاب.

وأشارت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، عام 2000، بصراحة، إلى الدور الأمريكي في الانقلاب، كما أشار الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، إلى ذلك الدور في خطاب له بالقاهرة عام 2009.

وتعد هذه هي المرة الأولى التي تقر فيها وكالة الاستخبارات المركزية بنفسها، بالدور الذي لعبته في هذه الحالة بالتنسيق مع جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية (MI6).

في أفريقيا استولى الجنرال "موبوتو سيسيكو" رئيس هيئة أركان الجيش الكونغولي على السلطة عام 1961 بدعم أمريكي وبلجيكي في انقلاب عسكري متكامل الأركان، وألقت القوات التابعة لسيسيكو القبض على الرئيس الشرعي المنتخب حديثا "باتريس لومومبا" في حضور قوات الأمم المتحدة التي استدعاها الأخير لمواجهة النزعات الانفصالية في البلاد، وأُعدم بعد ساعات من القبض عليه رفقة 2 من مساعديه.

ووفقا لما يعرف بتقرير لجنة تشيرش عام 1975 داخل الكونجرس الأمريكي للإشراف على الإجراءات السرية التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات الأمريكية، فإن الوكالة ظلت تمول وتشجع المعارضين الكونغوليين الذين أبدوا رغبتهم في اغتيال لومومبا.

وفي أمريكا اللاتينية دبرت الـ"CIA" الإطاحة بالرئيس البرازيلي الشيوعي "جواو غولارت"، في انقلاب عسكري عام 1963، واعترفت الاستخبارات الأمريكية بأنها مولت التظاهرات في شوارع البرازيل ضد الحكومة، وأنها قدمت الوقود والأسلحة للجيش البرازيلي، كي يتمكن من حسم المعركة، ثم تولي "برانكو" زمام حكم البرازيل حتى عام 1985.

حينها قال الرئيس الأمريكي "ليندون جونسون"، لمستشاريه الذين كانوا يخططون للانقلاب: "أعتقد أننا يجب أن نتخذ كل خطوة ممكنة، وأن نكون مستعدين للقيام بكل ما يتعين علينا القيام به"، وذلك وفق سجلات الحكومة الأمريكية، من أرشيف الأمن القومي، التي رُفعت عنها السرية في 17 أبريل/نيسان 2015.

وفي الأرجنتين، دعمت الاستخبارات الأمريكية انقلابا عسكريا، أدى إلى إبادة جماعية في 24 مارس/آذار 1976، عندما استولى الجيش بقيادة الجنرال جورج رافائيل فيديلا، على السلطة، بعد إطاحتهم بالرئيس الأرجنتيني إيزابيل بيرون.

استمر هذا الانقلاب حتى 1983، متسببا في مقتل نحو 30 ألف شخص، وزُجّ خلاله بالآلاف في السجون دون محاكمات، وتعرضوا للتعذيب، وعُرفت هذه الفترة باسم "الحرب القذرة"، وقد كشف الأرشيف القومي في عام 2016، عن الدور الذي لعبته الاستخبارات الأمريكية فيها.

الكلمات المفتاحية